اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

ولي الامر في الاسلام سماحة الشيخ ابو علي الفاطمي

ولي الامر في الاسلام 


 سماحة الشيخ ابو علي الفاطمي

إنَّ الفقيه أولى بالمؤمنين من أنفسهم مثلما النبي صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في كل القضايا الحياتية العامة والخاصة, والخاصة تعني تحديد سلطة الفقيه بالأيتام والقاصرين وأموال الغائب والأمور الحسبية وهي الأمور التي لا ولي لها.. وكما قال سماحة الإمام القائد الخامنئي "حفظه الله" ولاية الفقيه تكون في مجال الأمور التنفيذية لا الأمور الذهنية، والولاية في مفهومها الخاص تعني ارتباط الناس بمركز القيادة أي الحكومة في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويعرّفها أيضاً بأنّها حكومة الفقيه العادل العارف بالدين وهي حكم شرعي تعبّدي يؤيده العقل وهي امتداد لحكومة الأنبياء والأوصياء "عليهم السلام" وتعريف آخر لولاية الفقيه هي عبارة عن المرجعية الدينية في القضايا الأساسية، كالمقدسات والأنفس والأعراض والأموال، وهذه الشئون والقضايا هي شئون الحكومة الإسلامية.

أرشدنا القرآن الكريم إلى ثبوت ولاية النبي صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على المجتمع وأموره وجميع ما يرتبط به. قال تعالى:﴿النَّبِيّ‏ُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾(الأحزاب:6).
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ امَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾(المائدة:55).
وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(النساء:59).

وهذه الآيات تتحدث عن الولاية الثابتة لأولي الأمر بمعنى أن بيدهم إدارة المجتمع الإسلامي وإجراء أحكام الإسلام وضمان مصالح الناس المادية والمعنوية.

تنقسم الولاية إلى تكوينية وتشريعية. فأمّا التكوينية فانها تعني التصرف في الموجودات والشؤون التكوينية. وواضح أن هذه هي ولاية الله. فهو سبحانه الذي يهيمن بارادته وقدرته على كل الموجودات. وإن أمر التكوين وتغيّر وبقاء كافة المخلوقات بيد الله سبحانه، وهذه هي ولاية الله التكوينية. وقد أعطى الله تعالى درجة من هذه الولاية لبعض عباده. ومعجزات وكرامات الأنبياء (ع) هي من آثار هذه الولاية التكوينية. وهذا غير ما يقال عن ولاية الفقيه، فهي ليست تكوينية.

وأما الولاية التشريعية فتعني أن يكون التشريع والأمر والنهي وإصدار الأوامر بيد أحدٍ ما. فلو قلنا إن لله ربوبية تشريعية فمعنى هذا أنه تعالى هو الذي يصدر الأمر بفعل هذا واجتناب ذلك، وهكذا. وكذا الرسول والإمام لهما الحق بأن يأمرا أو ينهيا الناس باذن الله. وهذا هو الحال في الفقيه. فلو قلنا بأن للفقيه ولاية، فإننا نقصد ولايته التشريعية، أي أن له الحق شرعاً بأمر ونهي الناس.

إنه لا يوجد في تاريخ التشيع فقيه يقول بأن الفقيه ليست له أية ولاية. والذي اختلف فيه الفقهاء هو مراتب ودرجات هذه الولاية. فالإمام الخميني (رض) كان يرى بأن الوليّ الفقيه له ما للوليّ المعصوم، اللهم إلا ما يستثني من ذلك. وقد قال الإمام (رض):” إن الأصل هو أن الفقيه الجامع لشرائط الحاكمية ــ في عصر الغيبة ــ له ما للمعصوم من إمكانات واسعة، إلا أن يكون ثمة دليل خاص على اختصاص الوليّ المعصوم بأمرٍ ما” ومن ذلك الجهاد الابتدائي الذي هو من اختصاصات الوليّ المعصوم كما هو المشهور بين الفقهاء.

ومثل هذه الولاية يُعبّر عنها بــ “الولاية المطلقة” في باب إمكانات الوليّ الفقيه. فليست الولاية المطلقة هي أن الفقيه يجوز له أن يفعل ما يشاء، حتى يتسنى للبعض ــ بغية المساس بهذه النظرية ــ أن يقولوا: إن بإمكان الفقيه أن يُنكر التوحيد أو يُنكر أو يوقف أي اصل من أصول وضروريات الدين طبقاً لــ “الولاية المطلقة”!


إن تشريع ولاية الفقيه جاء من أجل الحفاظ على الإسلام.

خلافة الإنسان

خلافة الإنسان((فكر الشهيد الصدر))
1- خطّ الخلافة في القرآن الكريم:
إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف الإنسان بالخلافة على الأرض، فأصبح الكائن الوحيد المتميّز بهذا الشرف من بين كلّ كائنات الكون، لذا استحقّ الإنسان أن تسجد له الملائكة، وتدين له بالطاعة كلّ قوى الكون المنظور وغير المنظور.

والخلافة الّتي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: 
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء1، ليست استخلافاً لشخص آدم عليه السلام بل للجنس البشريّ كلّه، لأنّ من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء - وفقاً لمخاوف الملائكة - ليس آدم بالذّات بل الآدميّة والإنسانيّة على امتدادها التأريخيّ.

فالخلافة إذاً، قد أُعطيت للإنسانيّة ككلّ على الأرض كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز: 
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض2 وما نبيّ الله آدم عليه السلام سوى المثل الأوّل بوصفه الإنسان الأوّل الّذي تسلّم هذه الخلافة، وحظي بهذا الشرف الربّانيّ فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الأرض.

وكما تحدّث القرآن الكريم عن عمليّة الاستخلاف من جانب الله تعالى، كذلك تحدّث عن تحمّل الإنسان لأعباء هذه الخلافة بوصفها أمانة عظيمة ينوء الكون كلّه بحملها؛ قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز:
 ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا3 .
2- مراحل الخلافة وأنواعها:
إنّ استخلاف الله تعالى خليفة في الأرض لا يعني 
استخلافه على الأرض فحسب، بل يشمل هذا الاستخلاف كلّ ما للمستخلِف سبحانه وتعالى من أمور تعود إليه، فالله تعالى هو ربّ الأرض وخيراتها، وربّ الإنسان والحيوان وكلّ دابة تنتشر في أرجاء الكون الفسيح، وهذا يعني أنّ خليفة الله في الأرض مستخلَف على كلّ هذه الأشياء.

وعلى هذا الأساس يتمّ الاستخلاف على مرحلتين:
المرحلة الأولى: استخلاف للجماعة البشريّة الصالحة ككلّ، قال تعالى:
 ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً4.
وهذا النصّ يتحدّث عن أموال السفهاء وينهى الجماعة عن أنْ يُسلّموها إلى السفهاء، أمّا الشاهد في النصّ فهو أنّه قد أضاف الأموال إلى الجماعة نفسها على الرغم من أنّهاأموال أفراد منهم، وذلك إشعار بأنّ الأموال في هذا الكون قد جُعلت لإقامة حياة الجماعة، وتمكينها من مواصلة حياتها الكريمة، وتحقيق الأهداف الإلهيّة من خلافة الإنسان على الأرض، ولمّا كان السفيه لا يصلح لتحقيق هذه الأهداف فقد منع الله الجماعة من إطلاق يده في أمواله.

ومن ناحية أخرى نُلاحظ أنّ القرآن الكريم والفقه الإسلاميّ يُطلق على كلّ الثروات الطبيعيّة الّتي تحصل عليها الجماعة المسلمة من الكفّار اسم (الفي‏ء)، ويعتبرها (ملكيّة عامّة)5. والفي‏ء كلمة تدلّ على إعادة الشي‏ء إلى أصله، وهذا يعني أنّ هذه الثروات كلّها في الأصل للجماعة، وأنّ الاستخلاف من الله تعالى استخلاف للجماعة.

ولهذا فإنّ الجماعة ككلّ - بحكم هذا الاستخلاف - مسؤولة أمام الله تعالى، ومسؤوليّتها تُحدّدها الآية الكريمة: 
﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ... وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار6.

فإنّ هذا النصّ القرآنيّ بعد أنْ يستعرض ما استخلف الله عليه الإنسان من ثروات الكون، وطاقاته ونعمه الموفورة، أشار إلى لونين من الانحراف:

الأوّل: الظلم، ويعني سوء التوزيع وعدم توفير هذه النعم للأفراد والجماعة على السواء، بما يُعتبر ظلم بعض أفراد الجماعة لبعضهم الآخر، لذا لا بُدّ للجماعة ككلّ أنْ تتحمّل مسؤوليّاتها بين يدي المستخلِف سبحانه وتعالى، وأنْ تقوم بالتوزيع العادل7 للثروة، وبشكل لا يتعارض مع خلافتها العامّة وحقّها ككلّ فيما خلقه الله من ثروات ونِعَم.

الثاني: كفران النعمة، أي تقصير الجماعة في استثمار ما حباها الله به من طاقات الكون وخيراته المتنوّعة، بما يُعتبر ذلك ظلم الجماعة نفسها، الأمر الّذي يتطلّب تحمّل الجماعة لمسؤوليّاتها في إقامة العدل وتنمية الثروة من خلال بذل مجمل طاقاتها في استثمار الكون وإعمار الأرض.

- المرحلة الثانية: استخلاف الأفراد، الّذي يتّخذ من الناحية الفقهيّة والقانونيّة شكل (الملكيّة الخاصّة). والاستخلاف هنا من الجماعة للفرد، ولهذا أضافت الآية الكريمة - الآنفة الذكر8- أموال الأفراد إلى الجماعة.

وعلى هذا الأساس لا يُمكن أنْ تُقرّ أيّ ملكيّة خاصّة تتعارض مع خلافة الجماعة وحقّها ككلّ في الثروة والنعم الإلهيّة.
وما دامت الملكيّة الخاصّة استخلافاً للفرد من قبل الجماعة فمن الطبيعيّ أنْ يكون الفرد مسؤولاً أمام الجماعة عن تصرّفاته في ماله، وانسجامها مع مسؤوليّاتها أمام الله تعالى ومتطلّبات خلافتها العامّة.
ومن الطبيعيّ أنْ يكون من حقّ الممثِّل الشرعيّ للجماعة أنْ ينتزع من الفرد ملكيّته الخاصّة إذا جعل منها أداة للإضرار بالجماعة والتعدّي على الآخرين، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يُقلع عذق شجرة سمرة بن جندب الّذي طريقه إليها في جوف منزل رجل من الأنصار، كان يسلكه سمرة بن جندب دون إذن الأنصاريّ، ولمّا شكاه الأنصاريّ لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفض سمرة أنْ يقلع ذلك العذق، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقلعه، لأنّ فيه ضرراً على مؤمن، وهو الأنصاريّ، وأطلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القاعدة الإسلاميّة المشهورة: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام".
3- شموليّة مفهوم الخلافة للحكم والسياسة:
بناء على ما سبق، يتّضح لدينا أنّ إدارة الحكم والسياسة بين النّاس متفرّعة من جعل الخلافة للإنسان، كما يُلاحظ في الآية الكريمة:
 ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ9.
ولمّا كانت الجماعة البشريّة ـ متمثّلة في النبيّ آدمعليه السلام هي الّتي مُنحت هذه الخلافة فهي إذاً المكلّفة برعاية الكون، وتدبير أمر الإنسان، والسير بالبشريّة في الطريق المرسوم للخلافة الربّانيّة.
وهذا يُعطي مفهوم الإسلام الأساس عن الخلافة، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشريّة ـ بوصفها خليفة الله تعالى ـ في الحكم وقيادة الكون وإعماره اجتماعيّاً وطبيعيّاً.
4- الركائز العامّة للخلافة:
إنّ عمليّة الاستخلاف الربّانيّ للجماعة على الأرض بهذا المفهوم الواسع - الّذي تقدّم ذكره - يقتضي أن يكون هناك ركائز عامّة للخلافة:

أوّلاً: انتماء الجماعة البشريّة إلى محور واحد وهو المستخلِف، أي الله سبحانه وتعالى بدلاً عن كلّ الانتماءات الأخرى، والإيمان بسيّد واحد ومالك واحد للكون، وهذا هو التوحيد الخالص الّذي قام على أساسه الإسلام، وحملت لواءه كلّ ثورات الأنبياء عليهم السلام تحت شعار "لا إله إلا الله". قال تعالى: 
﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ10.وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ11.

ثانياً:
 إقامة العلاقات الاجتماعيّة على أساس العبوديّة المخلصة لله، وتحرير الإنسان من عبوديّة الأسماء الّتي تُمثّل ألوان الاستغلال والجهل والطاغوت.
قال تعالى: 
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا12.

ثالثاً: تجسيد روح الأخوّة العامّة في كلّ العلاقات الاجتماعيّة بعد محو ألوان الاستغلال والتسلّط، فما دام الله سبحانه وتعالى واحد ولا سيادة إلّا له والناس جميعاً عباده ومتساوون بالنسبة إليه، فمن الطبيعي أن يكونوا إخوة متكافئين في الكرامة الإنسانية والحقوق كأسنان المشط على ما عبّر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولا تفاضل ولا تمييز في الحقوق الإنسانيّة ولا يقوم التفاضل على مقاييس الكرامة عند الله تعالى إلا على أساس العمل الصالح تقوى أو علماً أو جهاداً، قال تعالى: 
﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى13.

رابعاً: إنّ الخلافة استئمان ولهذا عبّر القرآن الكريم عنها بالأمانة: 
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ...14. والأمانة تفترض المسؤوليّة والإحساس بالواجب، إذ بدون إدراك الإنسان أنّه مسؤول لا يُمكن أنْ ينهض بأعباء الأمانة، أو يُختار لممارسة دور الخلافة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً15.

5- أبعاد مسؤوليّة خلافة الإنسان ودلالاتها:

تُعتبر مسؤوليّة الإنسان في تحمّل أمانة الاستخلاف علاقة ذات حدَّين:
أوّلاً: من ناحية تعني الارتباط والتقيّد، فالجماعة البشريّة التي تتحمّل مسؤوليّة الخلافة على الأرض، إنّما تُمارس هذا الدور بوصفها خليفة لله. ولهذا فهي غير مخوّلة بأنْ تحكم بهواها وباجتهادها المنفصل عن توجيه الله سبحانه وتعالى، لأنّ هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف، بالتّالي لا بُدَّ أنْ تحكم بالحقّ وتؤدّي إلى الله تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده.

وعلى هذا الأساس تتميّز خلافة الجماعة بمفهومها الإسلاميّ عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطيّة الغربيّة، فالجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة، ولا تنوب عن الله في ممارستها، وبالتّالي هي ليست مسؤولة أمام أحد، وغير ملزمة بشي‏ء حتّى لو اتّفقت على شي‏ء مخالف لمصلحتها وكرامتها كلّيّاً أو جزئيّاً على حدٍّ سواء. وعلى العكس من ذلك حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف، فإنّ الجماعة تكون مسؤولة أمام الله تعالى، وملزمة بتطبيق الحقّ والعدل، ورفض الظلم والطغيان، وليست مخيّرة بين هذا وذاك.

حتى أنّ القرآن الكريم يُسمّي الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأنّها ظالمة لنفسها ويعتبرها مسؤولة عن هذا الظلم ومطالبة برفضه بأيّ شكل من الأشكال ولو بالهجرة والانفصال إذا تعذّر التعبير، قال تعالى:
 ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ  كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا16.

ثانياً: تعني المسؤوليّة من ناحية أخرى أنّ الإنسان كائنٌ حرٌّ، إذ بدون الاختيار والحريّة لا معنى للمسؤوليّة. ومن أجل ذلك كان بالإمكان أنْ يُستنتج من جعل الله له خليفةً على الأرضِ، أنّه يجعل الكائن الحرّ المختار، الّذي بإمكانه أنْ يُصلح في الأرض، وبإمكانه أنْ يُفسد أيضاً، وبإرادته واختياره يُحدّد ما يُحقّقه من هذه الإمكانات، قال تعالى: 
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا17.
وأكبر الظنّ أنّ هذه الحقيقة هي التي أثارت في نفوس الملائكة المخاوف من مصير هذه الخلافة وإمكانية انحرافها عن الطريق السوي إلى طريق الفساد وسفك الدماء لأنّ صلاح المسيرة البشريّة لمّا كان مرتبطاً بإرادة هذا الإنسان الخليفة ولم يكن مضموناً بقانون قاهر كما هي الحالة في كلّ مجالات الطبيعة، فمن المتوقّع أن تجد إمكانيّة الإفساد والشر مجالاً لها في الممارسة البشريّة على أشكالها المختلفة، وكأنّ الملائكة هالهم أن توجد لأوّل مرّة طاقة محايدة يتعادل فيها الخير والشر ولا تضبط وفقاً للقوانين الطبيعيّة والكونيّة الصارمة الّتي تسيّر الكون بالحكمة والتدبير، وفضّلوا على ذلك الكائن الّذي يولد ناجزاً مصمّماً لا فراغ في سلوكه تتحكّم فيه باستمرار قوانين الكون كما تتحكّم في الظواهر الطبيعيّة.

6- خلافة الإنسان وهاجس الملائكة:
إنّ كون إحدى جوانب مسؤوليّة خلافة الإنسان اعتبار الإنسان كائناً حرّاً مختاراً - كما تبيّن لنا فيما سبق - هو أكبر الظنّ الحقيقة الّتي أثارت في نفوس الملائكة هواجس ومخاوف من مصير هذه الخلافة، وإمكانيّة انحرافها عن الطريق السويّ إلى طريق الفساد وسفك الدماء، لأنّ صلاح المسيرة البشريّة لمّا كان مرتبطاً بإرادة هذا الإنسان الخليفة، ولم يكن مضموناً بقانون قاهر كما هي الحالة في كلّ ظواهر القوانين الطبيعيّة والكونيّة الصارمة، الّتي تُسيّر الكون بالحكمة والتدبّر، فمن المتوقّع أنْ تجد إمكانية الإفساد والشرّ مجالاً لها في الممارسة البشريّة على أشكالها المختلفة.

ومن هنا قدّم الملائكة أنفسهم كبديل عن الخليفة الجديد: 
﴿... قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ18، ولكن فاتهم أنّ الكائن الحرّ الّذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض لا تعني حريّته إهمال الله تعالى له، بل هو تغيير لشكل الرعاية، فبدلاً عن الرعاية من خلال قانون طبيعيّ لا يتخلّف ـ كما تُرعى حركات الكواكب ومسيرة كلّ ذرّة في الكون - يتولّى الله سبحانه وتعالى تربية هذا الخليفة وتعليمه: ﴿... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا..19، وذلك لكي يصنع الإنسان قدره ومصيره ويُنمّي وجوده على ضوء هدى وكتاب منير.
ومن هنا علّم الله تعالى النبيّ عليه السلام آدمَ الأسماء كلّها، وأثبت للملائكة من خلال المقارنة بينه وبينهم: 
﴿... وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...20أنّ هذا الكائن - وهو الإنسان - الحرّ الّذي اجتباه للخلافة قابل للتعليم والتنمية الربّانية، وأنّ الله تعالى قد وضع له قانون تكامله من خلال خطّ آخر - لم تلحظه الملائكة - يجب أنْ يسير إلى جانب خطّ الخلافة، وهو خطّ الشهادة21 الّذي يُمثِّل القيادة الربّانيّة والتوجيه الربّانيّ على الأرض، ويحمل إلى الناس هدى الله، ويعمل من أجل تحصينهم من الانحراف، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ22.
 7- أهداف الخلافة بين الإسلام والجاهليّة:حينما وضع الإسلامُ مبدأ خلافة الإنسان على الأرض لم يضعها مجرّدة من أهدافها الصالحة، بل وضع تصوّراً وقيماً لهذه الأهداف، بحيث أدّت إلى انقلاب عظيم على التصوّرات والمفاهيم حول ملكيّة الإنسان للثروة في عصر الجاهليّة، الأمر الّذي ترتّب عليه انقلاب شامل لكلّ الوسائل والأساليب في تملّك الثروة والسيطرة عليها فضلاً عن استثمارها وتنميتها.

وبعبارة أخرى: إنّ المجتمعات الجاهليّة لا تنظر إلى الحياة إلّا من خلال شوطها القصير الّذي ينتهي بالموت، ولا تُدرك ذاتَها ومتَعَها إلّا من خلال إشباع ما لدى الإنسان من غرائز وشهوات، وهي على هذا الأساس تجد في المال بوصفه مالاً، وفي تجميعه وادّخاره والتنافس فيه الهدف الطبيعيّ الّذي يضمن للإنسان القدرة على امتصاص أكبر قدر ممكن من إمكانات الحياة المادّيّة والخلود (النسبيّ) فيها.

وكان هذا التصوّر للحياة ولدور المال فيها الأساس لكلِّ ما زخرت به المجتمعات الجاهليّة من محاولات الاستزادة والتكاثر، وألوان التناقض والاستغلال، لأنّ مسرح الحياة المادّيّة محدود، والأوامر معدودة، واللاعبون كثيرون، وصاحب الحظّ السعيد من يحصل على أكبر عدد من تلك الأوراق ولو على حساب الآخرين23.

ولإزالة هذا التصوّر والمفهوم الجاهليّ - بثوبيه القديم والحديث - واستئصال جذوره النفسيّة من الإنسان، قام الإسلام بشجب المال وتجميعه، وادّخاره والتكاثر فيه كهدف، ونفي أيّ دور له في تخليد الإنسان أو منحه وجوداً حقيقيّاً أكبر.

يُقدّم لنا القرآن الكريم صوراً عديدة ضمن عدد من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى:
ـ 
﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ24.ـ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ *حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ...25.
ـ 
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ26.

8- قيمة الإنسان
ولم يقتصر الإسلام على شجب أهداف الجاهليّة وقيمها عن الحياة - كما تبيّن لنا من خلال الآيات السابقة - بل وضع بدلاً عنها الهدف الّذي يجب أنْ تسير الإنسانيّة في اتّجاهه.
قال سبحانه: 
﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ27.

في هاتين الآيتين الكريمتين وضع الله عزَّ وجلَّ بدلاً عن المثل والقيم بالمقاييس الجاهليّة - ألا وهي كثرة المال والثروة - مقياس (الأحسن عملاً) كمثل أعلى وهدف أوّليّ، وحثّ الناس على التنافس فيما بينهم ضمن هذا المقياس الربّانيّ من خلال التسابق نحو العمل الصالح والأحسن، قال تعالى: 
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ28.

ولكي يقوم هذا الهدف الجديد على أساس واقعيّ ومتين، أعطى الإسلام نظرة جديدة للحياة الدنيا، فربطها بعالم غير منظور حسيّاً وهو عالم الحقّ، عالم الآخرة، حيث تخلد فيه الأعمال الصالحة والحسنة وليس كثرة المال واكتناز الثروة، بل جعل المولى عزَّ وجلَّ إنفاق المال والثروة في سبيله وإعلاء كلمته تجارة مربحة، فضلاً عن قابليّتها للنموّ وإثراء روح الإنسان في الدنيا والآخرة: 
﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا29﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ30.

الخلاصة:أوّلاً: شرّف الله سبحانه وتعالى الإنسان بخلافته على الأرض في كلّ شي‏ء، لذا تُعتبر الخلافة أحد أركان بناء المجتمع التوحيديّ.
ثانياً: تمرّ خلافة الإنسان على الأرض بمرحلتين، الأولى مرحلة استخلاف الجماعة البشريّة الصالحة ككلّ، أمّا المرحلة الثانية فهي مرحلة استخلاف الأفراد الّذين يستمدّون خلافتهم من خلافة الأمّة ككلّ.
ثالثاً: تستند خلافة الإنسان على الأرض إلى عدّة ركائز، منها انتماء البشريّة إلى محور واحد وهو المستخلِف، الله سبحانه وتعالى، الأمر الّذي ينعكس إيجاباً على تعزيز روح الأخوّة في العلاقات الاجتماعيّة، ويُساعد على تحمّل أمانة الخلافة.
*خلافة الإنسان، سلسلة دروس في فكر الشهيد الصدر ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1-سورة البقرة، الآية: 30.
2-سورة فاطر، الآية: 39.
3-سورة الأحزاب، الآية: 72.
4-سورة النساء، الآية: 5.
5-هذا النوع الأوّل من أنواع الاستخلاف، أمّا النوع الثاني فهو (الملكيّة الخاصّة) للأفراد في المجتمع الإسلاميّ كما سيأتي بيانه.
6- سورة إبراهيم، الآية: 34.
7-وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ العدل الّذي قامت على أساسه مسؤوليّات الجماعة في خلافتها العامّة، هو في الواقع يُعبّر عن البعد الاجتماعيّ لمفهوم العدل الإلهيّ كأصلٍ ثانٍ من أصول الدين يتلو التوحيد مباشرة. بمعنى أنّ التوحيد يعني اجتماعيّاً أنّ الله تعالى هو المالك الحقيقيّ للكون والوجود، أمّا العدل فيعني أنّ الله تعالى مالك الملك وحده لا يُؤثر فرداً على فرد، بل يستخلف الجماعة الصالحة على ما وفّر من نعم وثروات.
8-سورة النساء، الآية: 5.
9-سورة ص، الآية: 26.
10-سورة البقرة، الآية: 138.
11-سورة يوسف، الآية: 39.
12-سورة يوسف، الآية: 40.
13-سورة النجم، الآية: 39.
14-سورة الأحزاب، الآية: 72.
15-سورة الإسراء، الآية: 34.
16-سورة النساء، الآية: 97.
17-سورة الإنسان، الآية: 3.
18-سورة البقرة، الآية: 30.
19-سورة البقرة، الآية: 30 - 31.
20-سورة البقرة، الآية: 31 - 33.
21-سيأتي تفصيل خط الشهادة لاحقاً.
22-سورة البقرة، الآية: 38.
23-وما نشهده اليوم من قيام أميركا وربيبتها إسرائيل بالحروب والدمار واحتلال أراضي الشعوب الأخرى، والسيطرة على ثرواتها وامتصاصها، ما هو إلّا وجه من وجوه الجاهليّة بثوبها الحديث الّتي تعيش هذه الحياة الماديّة الضيّقة والمظلمة.
24-سورة الهمزة، الآيات: 1 - 7.
25-سورة التكاثر، الآيتان: 1 - 2.
26-سورة التوبة، الآية: 34.
27-سورة تبارك، الآيتان: 1 - 2.
28-سورة المطففين، الآية: 26.
29-سورة الأنعام، الآية: 160.
30-سورة البقرة، الآية: 261

صفحة خاصة بمناسبة ولادة السيدة المعصومة(ع)

صفحة خاصة بمناسبة ولادة السيدة المعصومة(ع)

هل صحيح أنّ المساجد صارت سبباً في تخلّف المسلمين؟!

هل صحيح أنّ المساجد صارت سبباً في تخلّف المسلمين؟!

السؤال: هل صحيح أنّ المساجد وبخطابها الطائفي صارت سبباً في تأخير المسلمين قروناً إلى الوراء؟ (فادي).
الجواب: لست أفضّل هذا النوع من تقييم الأمور، لا في حقّ المساجد ولا في حقّ الكنائس ولا في حقّ النوادي الثقافية وغيرها، فالمساجد بيوت الله التي لطالما انتشر منها الإيمان والعفو والصدقة على الفقراء، وتمتين العلاقات الأسريّة، وتوثيق عرى التعاون بين الناس، ولطالما كان خطباء المساجد يدعون الناس إلى فعل الخير والتزاور، ودعم المجاهدين في كلّ مكان، ونصرة المظلومين، وإحياء أمر الدين، والاهتمام بالعلم، وترويج الثقافة الصالحة، وكانت المساجد في التاريخ الإسلامي تحوي أكبر حلقات العلم والمعرفة من مختلف العلوم تقريباً، فلا يصحّ ما نمارسه وندمنه في بلادنا مؤخّراً من الحكم على الأشياء بنظرة واحدة آنيّة، نتيجة ضغط مرحليّ زمني، بل علينا أن نكون نحن أكبر من الضغط الآني، فالنفوس الكبيرة هي التي تفتّت المشاكل، وأمّا النفوس الصغيرة فهي التي تفتتها المشاكل والضغوطات، وتدفعها نحو الأحكام الإطلاقيّة الخاطئة.
نعم، إنّ العديد من الخطباء وأئمّة المساجد اليوم ـ وقبل اليوم ـ لا يرقى أداؤهم وخطابهم إلى المستوى المطلوب، وكثيراً ما نجد إصراراً على إشغال الناس بقضايا التاريخ بدل النهوض بهم لقضايا الحاضر وحلّ مشكلاته، وبدل نشر الوعي والعقلانية والموضوعيّة ومنطق التفكير وأدب الاختلاف وثقافة التعاون بين المسلمين، ونشر المحبّة والتواصل والإيجابية مع الآخر المختلف معنا في الدين واللغة والقومية و..، والتركيز على المشاكل الاجتماعية والأسريّة، وقضايا الاغتراب وأنشطة المجتمع المدني، صارت بعض المساجد ـ من خلال بعض العاملين فيها ـ منبراً للحقد والكراهية والبعد عن المنطق والتعرّض للناس وأشخاصهم وأعراضهم، ونشر الفتنة بينهم، والترويج للأفكار والقصص والحكايات التي لم تثبت بدليل معتبر وعلمي، وربما صارت بعض المساجد في بلاد المسلمين منبراً للخرافة والتهريج والعصبيّة والصراخ والتكرار، ففقد الناس ـ أحياناً ـ الشعور بمرجعيّة المسجد، وفقدوا الإحساس بكونه منارة هدى تشعّ بالخير على المجتمع، بل صاروا يرونه معيقاً عن الاندماج في الحياة، وصانعاً لشخصيّات معوجّة في فكرها وتعاملها أحياناً، وهذا راجع إلى تدهور حال بعض أجنحة أو زوايا المؤسّسة الدينيّة عموماً عند المذاهب (أو غياب هذه المؤسّسة عن لعب دورها الحقيقي أحياناً)، وليس إلى المسجد بما هو مسجد، ولهذا علينا الاشتغال على إنقاذ المساجد نفسها من الظلم الذي ينزل بها هنا أو هناك، لإعطائها دورها الصحيح في نشر الطمأنينة الروحيّة والسلام الداخلي، والنهوض بالمجتمع ليكون صالحاً على مختلف الصعد.
أمّا إطلاق الكلام بأنّ المساجد أخّرت المسلمين، فهو كقول الطرف الآخر: إنّ الفنّ والموسيقى أفسدا الشعوب، فالفنّ والموسيقى لا يُفسدان الشعوب بل يرتقيان بها، وإذا تدهورت أحوال الفنّ والموسيقى عند بعض الناس أو كثير منهم، فلا يعني ذلك أن نطلق موقفاً برفض الفنّ والموسيقى مطلقاً، فالموسيقى والفنّ الراقيان والهادفان علاجات روحيّة للنفس الإنسانيّة، ومهدّئات ومطرّيات ومرطّبات للروح بدل قسوة المشاعر وجفاف العواطف التي تعمّ كثيراً من أرجاء العالم الإسلامي، وبعض ما يفعله بعض الناس من النظر إليهما وكأنّهما عيب أو جرم، غير صحيح، بعدما لم يحرّم الإسلام كلّ فنّ وكلّ موسيقى كما يظنّ بعض الناس، ولا أكثر الفقهاء بالذين يفعلون ذلك، بل هم يميّزون بين أنواعهما.
ولهذا فمثل هذه الأحكام المطلقة والتي باتت من أمراض مجتمعاتنا لا تنتج ولا تستطيع أن تعالج مشكلةً، بل صارت هي بعينها مشكلة حقيقيّة، فعلينا دائماً التمييز، وكما قال بعضهم: لا يكون علاج وجع الرأس بقطع الرأس نفسه، بل يكون بتحديد مركز المشكلة لمداواتها، ولو أنّنا نمارس في أحكامنا هذه الطريقة لربما رأينا بكلّ وضوح دور المساجد والفنّ والموسيقى وغيرها كم هو رائع وجميل، وفي الوقت عينه رأينا كم أنّ هناك مشاكل ومصائب وأزمات، وفكّكنا الأمور عن بعضها، وخفّفنا عن أنفسنا ثقل الأحكام المطلقة التي ابتُلينا بها، ولكنّ العقل لا يمكنه أن يشتغل بطريقة صحيحة إذا لم تكن النفس سليمة أيضاً وهادئة تعيش الصفاء، فالعقل السليم في الجسم السليم، والعقل السليم في النفس السليمة أيضاً، رزقنا الله وإيّاكم عقلاً سليماً وجسماً ونفساً كذلك.
الشيخ حيدر حب الله

هل تؤثر فاحشة الشذوذ بين الفتيات (السحاق) على عقود الزواج؟

هل تؤثر فاحشة الشذوذ بين الفتيات (السحاق) على عقود الزواج؟

السؤال: هل يجوز الزواج من رجل مارستُ مع اُخته السحاق، وتخيّلت أثناء ممارسة العادة السريّة الجماع بوالده وعمّه؟ أرجو الردّ بدليل شرعي حتى يطمئنّ قلبي. وهل أحدٌ من العلماء يقول بحرمة هذا الزواج أو الجميع يقول بالحليّة؟
الجواب: المعروف بين فقهاء المسلمين هو حرمة السحاق، وإن اختلفوا في عقوبته، فذهب جمهور فقهاء أهل السنّة إلى أنّه لا يثبت فيه حدٌّ شرعيّ رغم حرمته، وإنّما الثابت فيه التعزير تبعاً لما يراه القاضي الشرعي، بينما يُثبت فيه جمهورُ الإماميّة الحدَّ.
لكن لا أثر للمساحقة على التحريم في باب الزواج، بخلاف اللواط الذي توجد فيه بعض الأحكام المتصلة بذلك كما هو معروف في الفقه الإسلامي، وأشرنا لذلك في بعض الأجوبة عن أسئلة سابقة تعرّضنا لها، وعليه فيجوز للمرأة الزواج من أب أو عم أو خال أو أخ أو ابن أو.. المرأةِ التي فعلت معها هذا الفعل، ولا يحرم عليها شيء من ذلك؛ لعدم وجود أيّ دليل من الكتاب الكريم أو السنّة الثابتة يفرض ثبوت تحريم في باب الزواج هنا، بل يلزمها التوبة الصادقة عن الفعل نفسه فقط.
ولا فرق في عدم تحريم الزواج هنا بين حصول التخيّل لشخص بعينه أثناء ارتكاب الفاحشة وعدم حصول التخيّل، تماماً كما هي الحال في الاستمناء (العادة السريّة) لو فعله الرجل أو فعلته المرأة، فإنّ تخيّلَ شخصٍ ما أثناء الاستمناء لا يؤثر على أحكام عقود الزواج بأيّ أثر شرعي، فلو تخيّل امرأةً جاز له الزواج منها أو من واحدة من قريباتها ما لم يكن هناك مانع شرعي آخر عن هذا الزواج.
وأشير أخيراً إلى ضرورة الوعي التربوي والديني والاجتماعي تجاه هذا النوع من الأعمال، والذي تشير غير دراسة في هذا المجال إلى انتشاره التدريجي بين الشباب والفتيات في العصر الراهن في عالمنا الإسلامي، فضلاً عن غيره، بل هناك سعي حثيث لتبرير ذلك دينيّاً وأخلاقياً واجتماعياً، حتى رأينا بعض وسائل الإعلام العربيّة تحاول الانتصار أو التبرير لمثل ذلك! ومن المطلوب أن لا يستخفّ أحد بهذه الأمور حتى لا ننتبه من نوم الغفلة وتكون الأمور ـ كما غيرها ـ قد فلتت من إمكان إصلاحها أو ترشيدها.

صدر في بيروت عن مؤسسة الانتشار العربي كتاب: رسالة سلام مذهبي تأليف: الشيخ حيدر حبّ الله


بشرى سارة..
صدر في بيروت عن مؤسسة الانتشار العربي
كتاب: رسالة سلام مذهبي
تأليف: الشيخ حيدر حبّ الله
الحجم: القطع الرقعي
عدد الصفحات: 210
إنّ هذا الكتاب الحسّاس والجريء رسالةٌ مفتوحة لكلّ المسلمين في العالم، شيعةً وسنّة وإباضيّة و.. بمذاهبهم وفِرَقهم وميولهم واتجاهاتهم الفقهيّة والعقديّة.. رسالة حبّ ومودّة، رسالة إخاء وقرابة، رسالة صدق وإخلاص، رسالة مصارحة ومكاشفة، رسالة نقد للذات وللآخر، رسالة صفحة جديدة، نكشف فيها عن الأفكار والتطلّعات والمسؤوليّات والآمال والرؤى والاجتهادات والهواجس التي يختزنها أبناء المذهب الإمامي أو تقع على عاتقهم.
إنّه رسالة للآخر ـ كلّ الآخر ـ في الداخل الإسلامي الكبير، نتصارح فيها ونبدي هواجسنا ونفصح عن رأينا في هواجس غيرنا، لنضع أنفسنا والآخرين على المسار الصحيح. إننا نعيش في لحظةٍ تاريخية مصيرية من عمر الأمّة المسلمة، ولا نريد بهذا الكتاب إلا أن نستجيب لهذه اللحظة، ونكسر حصار التاريخ، وننطلق نحو وعيٍ جديد للدين والمذهب، ونمدّ أيدينا إلى سائر مذاهب المسلمين، لنبني معاً مجد أمةٍ لطالما شكّلت مفصلاً من مفاصل تاريخ الحضارات البشريّة.
إننا ـ بوصفنا شريحة كبيرة في مذهب أهل البيت نعلن اليوم وبصراحة عن رسالتنا المفتوحة للعالم، ولإخوتنا المسلمين من أبناء المذاهب الأخرى. رسالةٌ تدعو إلى اللقاء والتواصل والأمن والسلام وعيش المواطنة، ومنح بعضنا بعضاً الحقوق والمزايا والاحترام والتقدير وحسن الظن، لنبني جميعاً أوطاننا بناءً محصّناً من الداخل، لا تهزّه الرياح، ولا تطيح به عواصف الشرّ والموت والفتنة.

هل للحسين عليه السلام بنت اسمها رقية؟؟




لقد ترددت كثيرا قبل نقلي لهذا المقال لكن لدواعي احترام المعلومة وتقديسها وليعلم الناس مصادرهم التاريخية كيف يتم التعامل معها انقل لكم هذه المقالة:هل للحسين عليه السلام ينت اسمها رقية؟؟

نسمع كثيراً من الخطباء المتوسطين مصيبة السيدة رقية عليها السلام، بل وتأريخ وفاتها أيضاً، ويتحدثون عنها وكأن قصتها واقع مسلم، بل أنشدت فيها الكثير من الأبيات الشعرية والقصائد الرثائية، مع أننا نقرأ من هنا وهناك بحوثاً تاريخية تؤكد عدم وجودها، فهل يمكن لكم أن تذكروا لنا قول الفصل في هذا الموضوع، خصوصاً ونحن نريد أن نشذب القضية الحسينية من الخرافات التي جعلها البعض ذريعة لتمرير عجزه الفكري؟
إن عملية تشذيب القضية الحسينية من بعض الوقائع التي لا تستند إلى مستند تأريخي معتبر مسألة نادى بها الكثير من المصلحين، لكنها لم تلقى رواجاً يذكر، بل بقيت الفجوة تزداد يوماً بعد يوم من دون أن نشاهد تضحية وفداءً في هذا الطريق…والذي يهون الخطب أننا نقرأ بين الفينة والأخرى صيحات تُسكن جراحنا، متأملين أن تهب رياح التغيير على عموم منظومتنا الفكرية.
أما بخصوص ما طرحتم من سؤال فقد رأينا ضرورة نقل ما ذكره صاحب كتاب (الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه عليهم السلام) في خصوص هذا الموضوع؛ لكونه من أفضل من أشبع هذا الموضوع دراسةً وتحليلاً بغض النظر عن ما يمكن إيراده من ملاحظات.
قال في خصوص هذا الموضوع:
هناك ملاحظات فيما يتعلّق بانتساب بنت تدعى رقيّة إلى الإمام الحسين عليه السلام، وكذا في كيفية وفاتها في الشام، وفي المرقد المنسوب إليها أيضاً، ومن المناسب أن يخضع كلّ منها للدراسة بشكل مستقلّ :
1ـ انتساب بنت باسم رقية إلى الإمام عليه السلام
لم تذكر المصادر القديمة والمعتبرة الّتي أحصت أولاد الإمام الحسين عليه السلام بنتا للإمام اسمها رقيّة ، بل ذكرت ابنتين له تدعيان فاطمة وسكينة، وذكر بعضٌ منها بنتا ثالثة اسمها زينب([1])،وحتى العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ([2]) والمحدّث الجليل المعاصر الشيخ عبّاس القمّي في مؤلّفاته لم يشيرا إلى اسم رقية باعتبارها ابنة للإمام عليه السلام .
وذكر ابن طلحة (المتوفّى 654 هـ ) في كتاب مطالب السؤول ([3]) أنّ عدد أولاد الإمام الحسين عليه السلام يبلغ عشرة: ستّة أبناء وأربع بنات، ولم يذكر خلال التعريف بالبنات سوى أسماء ثلاثة، هنّ: فاطمة وسكينة وزينب، وقد نقل مؤلّف كشف الغمّة ([4]) هذه المعلومة نفسها من مطالب السؤول .
وفي حدود ما تدلّ عليه دراستنا فإنّ الشخص الوحيد الذي ذكر للإمام الحسين عليه السلام أسماء أربع بنات هو النسّابة المعروف في القرن السادس ابن فندق البيهقي (المتوفّى ۵۶۵ ه ) ، حيث أورد في لباب الأنساب أسماء بناته كالتالي :
۱ . فاطمة، اُمّها اُمّ إسحاق بنت طلحة.
۲ . سكينة، اُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي.
۳ . زينب ـ ماتت صغيرة ـ اُمّها شهربانو بنت يزدجرد.
۴ . اُمّ كلثوم ـ ماتت صغيرة ـ اُمّها شهربانو بنت يزدجرد([5]).
وكما نلاحظ فإنّه لم يذكر رقيّة خلال إحصائه لبنات الإمام عليه السلام ، رغم أنّه ذكر أنّ عددهنّ يبلغ أربعا، ولكنّه يكتب في بيانه للأولاد الذين تبقّوا من ذرّية الإمام قائلاً :
… ولم يبق من أولاده ـ يعني الحسين عليه السلام ـ إلاّ زين العابدين عليه السلام وفاطمة وسكينة ورقيّة ([6]).
ومن الممكن أن يقال : إنّ رقيّة هي نفسها اُمّ كلثوم ، ولكن هذا الاحتمال لا ينسجم مع جملة «ولم يَبقَ من أولاده…» ؛ ذلك لأنّ هذه العبارة تشعر بأنّ رقيّة عاشت لسنوات طويلة بعد حادثة كربلاء والأسر إلى الشام، مثل فاطمة وسكينة. إلّا إذا قلنا: إنّه يقصد المتبقين بعد يوم عاشوراء .
وأمّا النقل الآخر الذي يشير إلى اسم رقيّة، فهو ما جاء في بعض نسخ كتاب الملهوف من أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد قال لأهل بيته:
يا أُختاه، يا أُمَّ كُلثومٍ، وأنتِ يا زَينَبُ، وأنتِ يا رُقَيَّةُ ، وأنتِ يا فاطِمَةُ ، وأنتِ يا رَبابُ، اُنظُرنَ إذا أنَا قُتِلتُ فَلا تَشققُنَ عَلَيَّ جَيباً، ولا تَخمِشنَ عَلَيَّ وَجها، لا تَقُلنَ عَلَيَّ هَجراً([7]).
ويمكن القول بشأن هذه الرواية:
أوّلاً: إنّ هذا النصّ لا يوجد في الكثير من نسخ الملهوف .
ثانياً: لا توجد في الرواية المذكورة إشارة إلى أنّ رقية هي ابنة الإمام عليه السلام .
ثالثاً: من المحتمل أن يكون المخاطَب بهذا الكلام هي رقية بنت الإمام علي عليه السلام ، وزوجة مسلم بن عقيل([8]) ؛ لأنّ أولاد مسلم كانوا يرافقون الإمام، ومن المحتمل قويا حضور زوجته أيضا في كربلاء .
۲ . وفاة ابنة للإمام الحسين عليه السلام في خربة الشام
1/2 . رواية كامل بهائي
تظهر الدراسات أنّ أوّل كتاب ذكر حادثة استشهاد طفلة في الشام هو كتاب كامل بهائي (بالفارسية) لعمادالدين الطبري ( المتوفّى حوالي ۷۰۰ هـ) ، وهذا هو ترجمة ما ذكره :
جاء في الحاوية([9])أنّ نساء أهل بيت النبوّة كنّ يخفين في حال الأسر أمرَ الرجال الذين كانوا قد استشهدوا في كربلاء على أبنائهنّ وبناتهنّ ، وكنّ يعلّلن الأطفال بأنّ آباءهم قد سافروا وسيعودون ، حتّى جيء بهم إلى بيت يزيد، وكانت هناك طفلة صغيرة عمرها كان أربع سنوات ، استيقظت ذات ليلة من نومها وسألَت : أين أبي الحسين ؛ فقد رأيتُه في المنام في هذه الساعة وقد بدا عليه الاضطراب الشديد؟! فأجهشَت النساءُ والأطفال بالبكاء ، وارتفع العويل والبكاء ، وكان يزيد نائماً فاستيقظ من النوم، وسأل عن ذلك، فأخبروه بما حدث، فأمر اللعين في الحال أن يؤخذ رأس أبيها ويوضع إلى جانبها ، فأتى الملاعين بالرأس ووضعوه إلى جانب تلك الفتاة الّتي لها من العمر أربع سنوات، فسألت: ما هذا؟ فقال الملاعين: هذا رأس أبيكِ، فخافت البنت وصرخت وتألّمت ، فلم تبق إلّا أيّاما قليلة وفاضت روحها([10]).
وهذا النصّ يختلف في بعض الجهات عمّا اشتهر بشأن وفاة السيّدة رقية ؛ ذلك لأنّ اسم البنت لم يحدّد في هذا النصّ، وذكر أنّ عمرها كان أربع سنوات لا ثلاث، واعتبر موضع وفاتها بيت يزيد لا الخربة ، وذكر أنّ وفاتها كانت بعد بضعة أيّام من رؤية رأس الإمام الحسين عليه السلام لا عند رؤيته .
2/2 . رواية روضة الشهداء
الذي أورد هذه الحادثة بعد عماد الدين الطبري على ما وجدنا هو الملّا حسين الكاشفي السبزواري (المتوفّى ۹۱۰ هـ) في كتابه روضة الشهداء (بالفارسية) ، وقد ذكرها بتفصيل أكثر، ولكنّه لم يذكر هو أيضا اسم الطفلة ، وحدّد عمرها بأربع سنوات أيضا ، وذكر أنّ قصر يزيد هو مكان وقوع الحادثة ، ويضيف :
عندما رفعت المنديل رأت رأسا موضوعا في ذلك الطبق، فتناولت الرأس وأمعنت النظر فيه فعرفت أنّه رأس أبيها ، فشهقت ومسحت برأسها على وجه أبيها ، ووضعت شفتيها على شفتيه ، وفاضت روحها في الحال([11]).
وممّا يجدر ذكره أنّ وفاة الطفلة كانت ـ استنادا إلى هذه الرواية ـ في نفس الليلة الّتي رأت فيها رأس أبيها . ولذلك فإنّ الاختلاف الرئيس لهذه الرواية عن رواية عماد الدين الطبري ينحصر في هذا الأمر الذي انتقل إلى الكتب اللّاحقة أيضاً.
2/3 . رواية المنتخب للطريحي
ويروي فخرالدين الطريحي (المتوفّى ۱۰85 هـ) ـ بعد الملّا حسين الكاشفي ـ القصّة في كتاب المنتخب مع بعض الاختلافات، ونورد فيما يلي قسما من نصّ المنتخب:
روي أنّه لمّا قدم آل اللّه وآل رسوله على يزيد في الشام أفرد لهم دارا ، وكانوا مشغولين بإقامة العزاء ، وإنّه كان لمولانا الحسين عليه السلام بنتا عمرها ثلاث سنوات… فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطّى بمنديل ديبقي ، فوضع بين يديها وكُشف الغطاء عنه، فقالت: ما هذا الرأس؟ قالوا لها : رأس أبيكِ، فرفعته من الطشت حاضنة له وهي تقول: يا أباه ، من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه ، من ذا الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه ، من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟ يا أبتاه ، من بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه ، من لليتيمة حتّى تكبر؟ يا أبتاه ، من للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه ، من للأرامل المسبيات؟ يا أبتاه ، من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه ، من للضائعات الغريبات؟ يا أبتاه ، من للشعور المنشّرات؟ يا أبتاه، من بعدك وا خيبتنا؟ يا أبتاه، من بعدك وا غربتنا؟ يا أبتاه، ليتني كنت الفدى، يا أبتاه، ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء ، يا أبتاه ، ليتني وسِّدت الثرى ولا أرى شيبك مخضّبا بالدماء .
ثمّ إنّها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاءً شديدا حتّى غشي عليها، فلمّا حرّكوها فإذا بها قد فارقت روحها الدنيا([12]).
الجدير بالذكر أنّ هذا المصدر هو أوّل مصدر معروف ذكر أنّ عمر الطفلة ثلاث سنوات، كما أنّه أوّل مصدر ذكر حديثها مع الإمام بشكل مفصّل ، ولكنّه لم يذكر شيئا حول اسمها .
2/4 . رواية أنوار المجالس
في أواخر القرن الثالث عشر ذكر شخص يُدعى محمّد حسين الأرجستاني في كتاب أنوار المجالس([13])، القصّة بشكل آخر، وهذا نصّ ما ذكره :
لم يكن لأهل البيت في تلك الليالي شمع ولا مصباح، ولا طعام ولا شراب، ولا فراش ولا ثياب، وقد عمَّهم الحزن ، وكانوا مشغولين في إقامة العزاء على شهداء كربلاء ، حتّى أجهشت السيّدة زبيدة ابنة سيّد الشهداء في البكاء في إحدى الليالي على فراق أبيها ، وكان عمرها ثلاث سنوات… . ([14]).
وتشير الدراسات إلى أنّ هذه الرواية هي أوّل رواية طرحت اسم الطفلة وعرفتها بزبيدة ، واعتبرت محلّ الحادثة خربة الشام .
ويقول الكاتب قبل ذلك وفي الصفحة السابقة مشيرا إلى خربة الشام:
تذكّرتُ غرباء خربة الشام، أوَ لم يكن أهل البيت الذين هم خير الأنام غرباء في خربة الشام ؟ أوَ لم تكن سكينة ورقيّة طفلتي الحسين عليه السلام ؟ فلماذا لم يتكلّم أحد بكلمة يعزّي فيها هؤلاء الغرباء رغم معاناتهم من فقد الأب والأخ؟!
وهكذا فإنّه ـ حسب ما توصّلنا إليه ـ أوّل كتاب يذكر ابنة للإمام الحسين عليه السلام في خربة الشام باسم رقيّة. وبالطبع فإنّه لا يذكر شيئا عن مصيرها ، ويسجّل حادثة شهادة الطفلة باسم زبيدة.
ومن الممكن أن تكون هذه الرواية قد هيّأت الأرضية للروايات اللّاحقة بشأن اسم الطفلة الّتي توفّيت في خربة الشام .
2/5 . رواية شعشعة الحسيني
في أوائل القرن الرابع عشر ذكر الشيخ محمّد جواد اليزدي في كتاب شعشعة الحسينية([15]):
نُقل أنّ طفلة للإمام الحسين عليه السلام رحلت عن هذه الدنيا في خربة الشام بسبب رؤية رأس أبيها ، ولكنّ هناك اختلافا بشأن اسمها ، هل هي زبيدة، أم رقيّة، أم زينب، أم سكينة؟ ([16]).
كما ذَكَر في الصفحات التالية نقلاً عن كتاب رياض الأحزان أنّ اسم هذه المخدّرة كان فاطمة([17]).
وقد طُرحت في هذه الرواية عدّة أسماء لهذه الطفلة المتوفّاة في الشام، منها رقيّة .
2/6 . رواية الإيقاد
بعد بضع سنوات، ذكر شخص يُدعى محمّد عليشاه عبد العظيمي (المتوفّى ۱۳۳4 ه ) في كتاب الإيقاد لأوّل مرّة وبصراحة اسم الطفلة ، محدّدا عمرها بثلاث سنوات، وهذا هو نصّ ما ذكره :
كان للحسين عليه السلام بنت صغيرة يحبّها وتحبّه ، وقيل: كانت تُسمّى رقيّة ، وكان عمرها ثلاث سنين ، وكانت مع الأسرى في الشام…([18]).
كان هذا استعراض ما ذُكر حول وفاة بنت للإمام الحسين عليه السلام في الشام.
حقيقة المرقد المنسوب إلى السيدة رقية عليها السلام.
3/1 . رواية تسلية المجالس
تعود أوّل وثيقة وصلتنا بشأن المرقد الحالي ، إلى القرن العاشر الهجري ، وما ذكره محمّد بن أبي طالب الحائري الكركي (كان حيّا في ۹۵۵ ه ) ، في كتاب تسلية المجالس :
لقد شاهدتُ في … بلدة دمشق الشام، شرقيّ مسجدها الأعظم خربة ـ كانت فيما تقدّم مسجدا ـ مكتوب على صخرة عتبة بابها أسماء النبيّ وآله والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، وبعدهم: هذا قبر السيّدة ملكة بنت الحسين عليه السلام ابن أمير المؤمنين([19]).
3/2 . رواية نور الأبصار
ذكر الشبلنجي في القرن الثالث عشر في كتاب نور الأبصار([20]) حول هذا المرقد قائلاً:
وقد أخبرني بعض الشوام أنّ للسيدة رقيّة بنت الإمام عليّ كرّم اللّه وجهه ضريحا بدمشق الشام ، وإنّ جدران قبرها كانت قد تعيّبت ، فأرادوا إخراجها منه لتجديده فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة ، فحضر شخص من أهل البيت يُدعى السيّد ابن مرتضى ، فنزل في قبرها ، ووضع عليها ثوبا لفّها فيه وأخرجها ، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ ، وقد ذكرت ذلك لبعض الأفاضل فحدّثني به ناقلاً عن أشياخه([21]).
وقد نصبت هذه الرواية على أنّ رقيّة بنت عليّ عليه السلام صاحبة المرقد ، وهي أوّل رواية أشارت إلى موضوع تعيّب القبر .
3/3 . رواية منتخب التواريخ
في النصف الأوّل من القرن الرابع عشر ذكر الشيخ محمّد هاشم الخراساني (المتوفّى ۱۳۵۲ ه ) في كتاب منتخب التواريخ (بالفارسية)([22]) قصّة تضرّر القبر بتفصيل أكثر ، فضلاً عن أنّه اعتبر هذا القبر لرقيّة بنت الحسين عليه السلام ، وهذا ترجمة روايته :
وقد قال لي العالم الجليل الشيخ محمّد علي الشامي ـ الذي كان من جملة العلماء والدارسين في النجف الأشرف ـ : إنّ جدّي المباشر من طرف الاُمّ السيّد إبراهيم الدمشقي الذي ينتهي نسبه إلى السيّد المرتضى علم الهدى ـ وكان عمره الشريف ينيف على التسعين ، وكان رجلاً شريفا ومحترما للغاية ـ كانت له ثلاث بنات ولم يكن له أولاد ذكور، بأنّ ابنته الكبرى رأت في المنام السيّدة رقيّة بنت الحسين عليه السلام وهي تقول : «قولي لأبيكِ أن يقول للوالي إنّ الماء جرى بين قبري ولحدي ، وإنّ جسمي قد تأذّى ، فقولي له أن يصلح قبري ولحدي» .
فقصّت ابنته الحلم على السيّد ، ولكنّه لم يعمل شيئا خوفا من أهل السنّة . وفي الليلة التالية رأت ابنة السيّد الوسطى الحلم نفسه وقصّته لأبيها ، فلم يفعل شيئا في هذه المرّة أيضا، وفي الليلة الثالثة رأت ابنة السيّد الصغرى الحلم ذاته وقصّته على الأب ، فلم يحرّك ساكنا في هذه المرّة أيضا، وفي الليلة الرابعة رأى السيّد نفسه السيّدة رقيّة في منامه وهي تعاتبه قائلة: «لماذا لم تخبر الوالي؟» . فاستيقظ السيّد ، وفي الصباح ذهب إلى والي الشام ونقل منامه إليه .
فأمر الوالي أن يخرج علماء الشام وصلحاؤها من السنّة والشيعة ، ويغتسلوا ويرتدوا أنظف ثيابهم ، وأن ينبش قبر السيّدة رقيّة المقدّس كلّ من انفتح له قفل باب الحرم ، ويستخرج جثمانها الطاهر كي يُعمّر قبرها المطهّر . فأدّى كبار الشيعة والسنّة وصلحاؤهم آداب الغسل وارتدوا الملابس النظيفة ، فلم ينفتح القفل لأيٍّ منهم إلاّ على يد السيّد ، وبعد أن تشرّفوا بالدخول في وسط الحرم لم تؤثر معاولهم في الأرض إلّا معول السيّد، ثمّ أخلوا الحرم وشقّوا اللّحد ، فرأوا أنّ الجثمان الطاهر لهذه المخدّرة بين لحدها وكفنها صحيح وسالم ، غير أنّ ماءً كثيرا تجمّع في وسط اللّحد ، فاستخرج السيّد جثمان المخدّرة الشريف من وسط اللّحد ووضعه على ركبتيه ، وأبقاه لثلاثة أيّام على ركبتيه وهو يبكي بشكل متواصل ، حتّى أصلحوا لحد المخدّرة من الأساس ، وعندما كان يحين وقت الصلاة كان السيّد يضع جثمان المخدّرة على شيءٍ نظيف ثمّ يرفعه بعد الفراغ من ذلك ويضعه على ركبتيه ، حتّى فرغوا من تعمير القبر واللّحد ، فدفن السيّد جثمان المخدّرة . وبفضل كرامة هذه المخدّرة ومعجزتها كان السيّد خلال الأيّام الثلاثة في غنى عن الطعام والماء وتجديد الوضوء، وعندما أراد أن يدفنها دعا اللّه أن يرزقه ولدا ، فاستجاب اللّه له ورزقه على كبره ذكرا سمّاه مصطفى.
ثمّ إنّ الوالي كتب فيما بعد القصّة بالتفصيل إلى السلطان عبدالحميد، فأوكل إليه سدانة مرقد السيّدة زينب ، والمرقد الشريف للسيّدة رقيّة ، والمرقد الشريف لاُمّ كلثوم وسكينة ، ويتولّى الآن السيّد الحاج عبّاس ابن السيّد مصطفى ابن السيّد إبراهيم السابق الذكر إدارة هذه العتبات المقدّسة (انتهى).
ويبدو أنّ هذه القضية حدثت في حدود عام ألف ومئتين وثمانين([23]).
وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما جاء في هذه الرواية ـ من أنّ الوجهاء وعلماء الشيعة والسنّة شهدوا هذه الحادثة ـ فإنّ الملاحظة الّتي تستحقّ الاهتمام هي : لماذا لم ينقل أحد هذه الحادثة المهمّة سوى المتولّين للمشهد المذكور ، رغم وجود الدواعي الكثيرة إلى نقل هذه الحوادث وتسجيلها([24])؟ فنحن نلاحظ أنّ شخصية مثل السيّد محسن الأمين لم يشر إلى هذه الحادثة في روايته ، رغم أنّه كان متواجدا في المنطقة، بل إنّه كتب حول هذا المرقد قائلاً :
رقيّة بنت الحسين عليه السلام يُنسب إليها قبر ومشهد مزور بمحلّة العمارة من دمشق، اللّه أعلم بصحّته، جدّده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في إيران عام ۱۳۲۳ ، وقد أرَّختُ ذلك بتاريخ منقوش فوق الباب أقول فيه من أبيات:
لَهُ ذو الرُّتبَةِ العُليا عَليٌّوَزيرُ الصَّدرِ في إيرانَ جَدَّدْ وَقَد أرَّختُها تَزهو سَناءًبِقَبرِ رُقَيَّةٍ مِن آلِ أحمَد.
وعلى هذا، فإنّ من غير الممكن إبداء رأي حاسم حول موضوع هذه الدراسة استناداً إلى المصادر الروائية والتاريخيّة، ولكنّ الكرامات الّتي شوهدت وتشاهد من هذا المرقد المبارك تؤيّد مكانته المعنوية . وعلى أيّ حال ، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ تعظيم هذا المشهد المنسوب إلى أهل البيت عليهم السلام واجب وضروري، ولكن نظراً إلى أنّ التفاصيل المتعلّقة بوفاة السيّدة رقيّة لم ترد في أيٍّ من المصادر المعتبرة، فإنّ ذكر مصائبهم يجب أن يكون مستنداً إلى المصادر الّتي سبقت الإشارة إليها، وإيكال صحّة المعلومات أو سقمها على عهدة الراوي)
انتهى ما أوردنا مفصلاً من كتاب الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه عليهم السلام حول هذا الموضوع، ونختتم كلامنا ما أورده صاحب هذا الكتاب في مقدمته تحت عنوان: ضرورة إعادة النظر في تأريخ عاشوراء:
(إنّ القابلية الثقافية الواسعة لتاريخ عاشوراء ومكانتها الخاصّة في العالم الإسلامي وخاصّة عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، يستوجبان أن يخضع موضوع النهضة الحسينيّة للبحث والدراسة الدقيقة من قبل أقدر العلماء والخبراء، باعتباره أحد أهمّ قضايا المذهب الشيعي في الحوزات العلميّة ، وعلى الخبراء العارفين بالكتاب والسنّة وتاريخ أهل البيت تبيين وتفسير الأبعاد المختلفة والمعبّرة لملحمة الهدى والسعادة هذه ، من خلال جمع الروايات التاريخيّة ، وتقييمها وتحليلها للوصول إلى النتائج المطلوبة .
ولكن يجب القول ـ وبكلّ أسف ـ : إنّ عدم الاهتمام المناسب من قبل الحوزات العلميّة والشخصيّات العلميّة الكبيرة بهذه القضية البالغة الأهمّية من جهة ، وارتباط إقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء بتأمين أسباب العيش لعدد من منشدي المراثي من جهة اُخرى ، أدّيا إلى أن تَحلّ إثارة عواطف الناس في الكثير من مجالس العزاء محلَّ بيان الأهداف السامية للنهضة الحسينيّة ، وبذلك لم تشِع الروايات الضعيفة والفاقدة للأساس والتي يقوى فيها الجانب العاطفي ـ وإن كانت منافية لشأن أهل البيت ومنزلتهم ـ فحسب ، بل ـ كما يقول الاُستاذ الشهيد المطهري ـ : إنّه ومن خلال الاستدلال بأنّ «الغاية تبرّر الوسيلة» على قاعدة ماكيا فلي مهّدوا الطريق لا نتحال الكذب في إنشاء المراثي.
([1])راجع : ص۲۲۳ (الأولاد) .
([2]) بحار الأنوار : ج 45 ص ۳۲۹ .
([3])راجع : ص۲۲4 ح۱۸4 .
([4])كشف الغمّة : ج ۲ ص 250 .
([5])راجع : ص ۲۲۵ ح 186 .
([6])راجع : ص ۲۲6 ح ۱۸۷ .
([7]) الملهوف : ص ۱4۱ .
([8]) راجع : ج ۳ ص ۱۸۷ (القسم السابع / الفصل الرابع / شهادة مسلم بن عقيل) وج 5 ص ۱۸5 (القسم التاسع / الفصل السادس / كلام حول الأسرى ومن تبقّى بعد واقعة كربلاء) .
([9]) الظاهر أنّ المراد : كتاب الحاوية للقاسم بن محمّد بن أحمد السنّي (الفوائد الرضويّة : ص ۱۱۲) .
([10])الظاهر أنّ المراد : كتاب الحاوية للقاسم بن محمّد بن أحمد السنّي (الفوائد الرضويّة : ص ۱۱۲) .
([11]) كامل بهائي «بالفارسيّة» : ج ۲ ص ۱۷۹ .
([12]) المنتخب للطريحي : ص ۱۳6.
([13])بدأ تأليف هذا الكتاب عام ۱۲۸۰ هـ.
([14]) أنوار المجالس «بالفارسيّة» : ص ۱6۱ .
([15]) بدأ تأليف هذا الكتاب عام ۱۳۱۹ هـ .
([16])شعشعة الحسيني «بالفارسيّة» : ج ۲ ص ۱۷۱ .
([17])شعشعة الحسيني «بالفارسيّة» : ج ۲ ص ۱۷3 .
([18]) الإيقاد : ص ۱۷۹ .
([19]) تسلية المجالس : ج ۲ ص ۹۳ .
([20]) فرغ من تأليفه في ۱۲۹۰ هـ .
([21]) نور الأبصار : ص ۱۹۵ .
([22]) فرغ من تأليفه في 1349 هـ .
([23])منتخب التواريخ «بالفارسيّة» : ص ۳۸۸ .
([24]) علماً أنّ اثنين من السلاطين لعثمانيين كانوا بهذا الاسم : عبدالحميد الأوّل (۱۱۸۷ ـ ۱۲۰۳ ه . ق) وعبدالحميد الثاني (۱۲۹۳ ـ ۱۳۳۷ ه . ق) وزمان حكومتهما لم يكن في حدود عام ۱۲۸۰ الوارد في متن كتاب منتخب التواريخ .

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism