اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الأحد، 28 فبراير 2016

صفات المجاهد

لمن نجاهد؟

سؤال مهم يحدد لنا الوجهة التي تسير بالمجاهد، فإن الجهاد كوظيفة دينية، وكواجب على الفرد والجماعة لا بد وأن يكون بشروط الواجبات العبادية حتى يكون مقبولاً، وكل واجب عبادي مشروط بالتقرب إلى الله تعالى، بمعنى أن يكون القصد من العمل التوجه إلى الله تعالى بالطاعة والالتزام بالأمر، من دون أن يتوقف عمل المكلف على أن يمتدحه أي شخص على العمل، ولا أن يحوز عمله رضى أيٍّ من المخلوقين، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "العمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل"1.

اختبار النفس
تحدثنا الرواية عن نبي الله موسى عليه السلام عن المراقبة الدائمة للنفس والاختبار الذي ينبغي على المؤمن أن يجريه على نفسه لقياس مدى إخلاص عمله لله تعالى، فالمراقبة المستمرة تسد كل المنافذ على الشيطان الرجيم، وهو الذي تعهد بإغوائنا جميعاً كما تنقل لنا الآية الكريمة:﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(ص:82-83).

فالشيطان يسعى أن ينفذ للنفس من أي ثغرة يتركها الإنسان من دون رقابة، ولهذا كان علينا أن نجري اختبار الاخلاص بشكل مستمر لكي نتأكد من خلوص النية لله تعالى وحده، ولنتأمل معاً في هذه الرواية الجميلة التي رواها العلامة المجلسي في بحار الأنوار في قصة موسى وشعيب، قال: "فلمّا دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيّأ، فقال له شعيب: اجلس يا شاب فتعشَى، فقال له موسى: أعوذ بالله! قال شعيب: ولم ذاك؟ ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيتُ لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عاداتي وعادة آبائي، نقري الضّيف ونطعم الطّعام. قال: فجلس موسى يأكل"2.

كل شي بيد الله
إن الأمور في الدنيا تجري كلها بإرادة الله تعالى وإذا كانت الأمور بيده فهل نلجأُ إلى سواه؟! وباتكال الإنسان على الله تعالى يهيّىء الله تعالى له الأسباب، وبالاستعانة به يؤمّن له المخارج من كل المحن التي تمر عليه يقول الله تعالى:﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً(الطلاق:3).

ومن آثار إيكال الأمر إلى الله تعالى
القوة
ففي الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله"3.

الكفاية والرزق
فقد ورد في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من توكّل على الله كفاه مؤنته ورزقه من حيث لا يحتسب"4.

وقد سأل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام عن التوكل على الله فقال:"العلم بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليّأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرجُ ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله، فهذا هو التّوكل"5.

حب البذل والعطاء
عندما تتحدث عن الجهاد في سبيل الله تعالى فإنك تتحدث عن البذل والعطاء، فالمجاهد يعطي من وقته وحياته وراحته في سبيل الله تعالى، وهذا ما يسمى بالبذل، ولو اقتضى أن يعطي الجهاد أكثر مما يعطي نفسه من حاجتها للدعة والراحة والاستقرار صارَ البذل إيثاراً، يقول الله تعالى:﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الحشر:9).

وقد ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه وأهله وماله"6.

وأبلغ معاني البذل والعطاء في سبيل الله تعالى أن يقدم الإنسان دنياه قرباناً لله تعالى فداءً لأرض المسلمين ومقدساتهم، ودفاعاً عن الشرف والكرامة، والقضايا المحقة.

ما هي قيمة الدنيا؟
ولكي يكون الإنسان على استعداد لهذا البذل والعطاء الكبير وهو التخلي عن الحياة الدنيا، عليه أن يوقن بأن الدنيا لا معنى لها، وأنها ليست بدار مقر، وإنما هي معبر للآخرة، وهذا ما يسمى بالزهد.

فإن الزهد في الدنيا من خير الخصال، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "جعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا"7.

ومن آثار الزهد على قلب الإنسان خلو قلبه من التعلق بالدنيا والتأثر بإقبالها أو إدبارها، فهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يعلمنا الدرس ففي الرواية عن سويد بن غفلة قال:

"دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بعدما بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير وليس في البيت غيره، فقلت: يا أمير المؤمنين، بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً مما يحتاج إليه البيت؟! فقال عليه السلام: يا بن غفلة. إن اللبيب لا يتأثث في دار النّقلة، ولنا دار أمن قد نقلنا إليها خير متاعنا، وإنّا عن قليل إليها صائرون"8.

الهمة العالية
المقصود من الهمة العالية، هو الإسراع لأداء المهام، والسعي للوصول بها إلى أفضل نتيجة ممكنة، وعدم التلكؤ في تنفيذ الواجب.

فالإنسان النشيط، ذو الهمة العالية، هو أكثر الناس نجاحاً، لأن جلَّ الأمور في الحياة تعتمد على نشاط العامل، وحسن متابعته، وسرعة أدائه للوظيفة المناطة به.

وكما في سائر أمور الحياة، ففي الجهاد أيضاً ينبغي للمجاهد أن يكون ذا همة عالية، وهذا ما أكدت عليه العديد من الروايات ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الهمم أعلاها"9.

وقد ورد في الدعاء عن إمامنا زين العابدين عليه السلام: "أسألك من الشهادة أقسطها ومن العبادة أنشطها.. ومن الهمم أعلاها"10.

وقد أشارت بعض الروايات أن بعض الخصال كالحلم والصبر هما نتاجٌ لعلو الهمة، فعن الإمام علي عليه السلام: "الحلم والأناة توأمان ينتجهما علوّ الهمّة"11.

وذلك لأن من يتحلى بعلو الهمة، إنما يتميز بحبه للسعي للوصول لأفضل النتائج في العمل، وهذا ما يتطلب هاتين الصفتين الجميلتين، الصبر، والحلم، لأن لهما دوراً كبيراً في إصلاح أمر الإنسان.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص39-47.


1- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 16 - 4.
2- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 13 - 21.
3- ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة: الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 72.
4- المتقي الهندي، الوفاة: 975، كنز العمال، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان: 3 - 103 - 5693.
5- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، معاني الأخبار، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 261 - 1.
6- المعتزلي، ابن أبي الحديد، الوفاة 656، شرح نهج البلاغة، دار إحياء الكتب العربية، سنة الطبع: 1378 - 1959م: 18 - 41.
7- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 128 - 2.
8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، 70 - 321 - 38.
9- غرر الحكم: 4977.
10- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، 94 - 155 - 22.
11- نهج البلاغة: الحكمة 460.

عبادة المجاهد

الالتزام بالواجبات وترك المحرمات

هو أمر أساسي وأصل لكل الأمور الأخرى، بل لا يمكننا الحديث عن أي من الأمور غير الواجبة قبل أن نحرز أن الشخص ملتزم بالواجبات، إذ "لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض"1، كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام.

والتهاون في الأمور المستحبة قد يكون أمراً لا يلوم الله تعالى عليه، لأنه في النهاية مستحب، وإن كان لا ينبغي التقصير في هذا الجانب، إلا أن الواجبات هي الخط الأحمر الذي لا يمكن لأي منّا أن يتجاوزه، وفي مضمون هذا الكلام الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خادع نفسك في العبادة، وأرفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ ما كان مكتوباً عليك من الفريضة، فإنه لا بدّ من قضائه 2 وتعاهدها عند محلّها"3.

كما أن الالتزام بالواجبات الشرعية ليس بأمر لا تأثير له، بل هو المسبب الأول للتقوى، فالصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر والصوم يثبت الإخلاص ويعلم الصبر، وإلى هذا المعنى أشار حديث رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"4.

ولكن لا يكفي أن يقوم المرء والمجاهد بفعل الواجبات من دون تحقيق أمر آخر، ألا وهو ترك المحرمات والمناهي التي نهى الله تعالى عباده عنها، يقول الله تعالى:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الأعراف:157).
ويقول تعالى في آية أخرى:﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(الأعراف:33).

وللتذكرة نذكر هنا نقطتين أساسيتين يمكن لنا من خلالهما أن نذكر النفس الغافلة لكي تتباعد عن الذنب والمعصية وارتكاب الحرام:

الأولى
إن الله سبحانه وتعالى لم يزرع الشهوات في النفس ويأمر بالقضاء عليها، وإنما أمر بتوجيهها ووضع الحدود لها، حتى تكون ضمن إطارها المفيد لا المضر، وبالتالي فالسبل أمامنا ليست مغلقة، والحرام ليس هو الشيء الوحيد الذي يمكننا التوسل به، وإنما الأمر بالعكس تماماً فطرق الحلال أرحب، وأرضى لله تعالى، ولهذا المعنى يشير حديث أمير المؤمنين عليه السلام: "ما نهى الله سبحانه عن شيء إلا وأغنى عنه"5.

الثانية
إن الأمور المحرمة في الغالب يستقبحها كل ذي عقل وفطرة سليمة، لهذا ترى أن الكثير من غير المتدينين، لا يقربون هذه المحرمات التي يحكم العقل بأنها قبيحة كالكذب والظلم والغيبة وإفشاء السر وسائر القبائح الأخرى، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لو لم ينه الله سبحانه عن محارمه لوجب أن يجتنبها العاقل"6.

الاحتياط في الشبهات
والاحتياط في الموارد التي فيها شبهة الحرام من الصفات التي يتحلى بها المؤمن المجاهد، فإن من يسعى للوصول إلى الله تعالى، لا بد وأن يبتعد عن كل مورد يشك في أنه سيؤدي به إلى انحراف الوجهة عن الهدف الذي يسعى إليه، وقد أكدت الكثير من الروايات الشريفة على ضرورة الابتعاد عن الشبهات، منها ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه"7.

وعن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "أمسك عن طريق إذا خفت ضلالة، فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال"8

فإن في الابتعاد عن هذه الموارد التي يحتمل فيها الضلال أمان لدين المجاهد المؤمن، وعلينا أن نلتفت إلى وسوسة الشيطان وتسويل النفس الأمارة بالسوء وطبيعة الدنيا التي تخفي المساوىء، فإذا أدركنا ذلك بقلوبنا يصبح اجتنابنا للشبهات أمراً يسيراً.

فمن المحتمل أن يكون في مورد الشبهات هلاك المرء أي هلاك دينه، وخسرانه لآخرته، فما أهون الابتعاد أمام احتمال خسران الآخرة، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة"9.

عمود لا يترك
إن المسألة الأخطر في هذا المقام، مقام الحديث عن أداء الواجبات الشرعية والبعد عن المحرم والشبهات، هي مسألة التهاون بفريضة الصلاة.

فالصلاة هي العمود الذي لا يترك.

والمقصود من ترك الصلاة هنا التهاون والاستخفاف بقدرها وأدائها فالصلاة:

وجه الدين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة"10.

والصلاة هي المعيار التي يقاس بها دين المرء فمن استخف بصلاته وأضاعها، فمن الطبيعي أن يكون مهملاً لسائر الواجبات الأخرى، لأن القداسة التي أعطاها الله تعالى للصلاة واعتبارها عمود الدين إن اخترقت كان اختراق سائر الواجبات أمراً سهلاً وعادياً، فعن الإمام علي عليه السلام من كتابه لمحمد بن أبي بكر: "واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك، فمن ضيّع الصلاة فإنه لغيرها أضيع"11.

والصلاة أفضل الأعمال بعد المعرفة
فعن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة: "ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة"12.

فالمطلوب بالدرجة الأولى منّا أن لا نؤخر الصلاة عن وقتها، فأداء الصلاة في أول الوقت ليس بالأمر العادي، بل هو ميزة وفضل تحلى به الشهداء العظام، وأمرنا به الأئمة عليهم السلام:

عن الإمام علي عليه السلام: "ليس عمل أحب إلى الله عز وجل من الصلاة، فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا فإن الله عز وجل ذمّ أقواماً فقال:﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُون(الماعون: 5). يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها"13

التهجد والدعاء
هي ميزة تحلى بها الكثير من الشهداء، حين تغفو عيون الناس، كانت أعينهم تستيقظ، ويكون حديث الدموع والبكاء والعشق الإلهي، يكون السجود والصلاة والمناجاة...

فالأحاديث الكثيرة التي حثّت على السحر وقيام الليل خلقت فيهم عشقاً لساعات لقاء المحبوب، وقد وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين فقال: "أما الليل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم"14.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا: أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك، وإن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم وناجاه أثبت الله النور في قلبه، فإذا قال: يا ربّ، ناداه الجليل جل جلاله: لبيك عبدي سلني أعطك، وتوكّل عليّ أكفك.

ثم يقول جل جلاله للملائكة: ملائكتي، انظروا الى عبدي قد تخلى بي في جوف هذا الليل المظلم، والبطاّلون لاهون، والغافلون ينامون، اشهدوا أني قد غفرت له
"15.

حزب الله حقاً
ومن كان هذه الصفة فهو من حزب الله حقاً فعن الإمام علي عليه السلام: "طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها وعركت بجنبها بؤسها، وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله، ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"16.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص69-77.



1- نهج البلاغة: الحكمة 39.
2- القضاء هنا بمعنى الأداء، وليس المراد به القضاء بعد فوات وقت الفريضة، بل كما نقول قضيت الأمر الفلاني أي أتيت به.
3- نهج البلاغة: الكتاب 69.
4- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 82 4.
5- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج1، ص579.
6- غرر الحكم: 7595.
7- تنبيه الخواطر: 1 - 52. 
8- ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 69.
9- الديلمي، الحسن بن ابي الحسن، أعلام الدين في صفات المؤمنين، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم: 301.
10-القاضي النعمان المغربي، دعائم الاسلام: 1-123.
11- محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، الامالي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان: 267-03
12- محمد بن الحسن، الطوسي، الوفاة: 460، الأمالي، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم: 694 - 1478.
13- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة: 621 - 10.
14- نهج البلاغة: الخطبة 193.
15- علي، الطبرسي، المطبعة: دار الحديث الطبعة الأولى: 450-1509.
16- نهج البلاغة: الكتاب 45.

أخلاق المجاهد

الشجاعة

الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.

إن الشجاعة فرع من فروع الصبر، ولا يكون غير الصبور شجاعاً، ولهذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الشجاعة صبر ساعة"1.

وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن عليه السلام وقد سئل عن الشجاعة فقال: "موافقة الأقران والصبر عند الطعان"2.

كما أن الشجاعة أيضاً فرع من فروع علو الهمة، إذ أن عالي الهمّة لا يرضى بأن يكون من الخائفين، والباقين في الحفر تهيباً من صعود الجبال، بل تحمله همّته العالية لبلوغ أعلى الدرجات إلى اقتحام الصعاب بكل شجاعة، وإلى هذا المعنى أشارت الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حمّيته"3.

والشجاعة من الصفات التي يحبها الله تعالى في الإنسان المؤمن، وقد أكدت على ذلك العديد من الروايات الشريفة منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات والعقل الكامل عند نزول الشّبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حيّة"4.

القوة
والقوة التي نتحدث عنها ليست قوة البدن، وحجم العضلات، وإنما نتحدث عن قوة أخرى، تجعل الإنسان قادراً على أداء عمله بكماله وتمامه.

وهذا ما وضّحه لنا الإمام الصادق عليه السلام حيث روي عنه أنه قال: "إنّ قوّة المؤمن في قلبه، ألا ترون أنكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النّهار؟!"5.

والقوة تنشأ من العمل المستمر والدؤوب، وأما الكسل والتراخي والتملص من أداء المهام، فإن كل هذا يسبب الخمول والضعف لدى الإنسان المجاهد، ولهذا المعنى أشار الإمام علي عليه السلام: "من يعمل يزدد قوّة، من يقصر في العمل يزدد فترة"6.

وعلى من يشعر بالضعف في نفسه، والعجز فيها عن القيام بالواجب أن يتذكر دائما ان الله تعالى لا يحب المؤمن الضعيف، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من الضعفاء، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: "لو أني فعلت كان كذا وكذا"، ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"، فإنّلو"تفتح عمل الشيطان"7.

وعليه أن يزرع في قلبه دائماً فكرة أن لا يكون عالة على الآخرين وعبئاً عليهم، فإن عدم قيام المرء بالواجب الملقى عليه هو مخالفة للحكم الشرعي، وهو أيضاً خطيئة أخلاقية بحق العمل والعاملين أيضاً.

الحزم والاستقامة
يقول الله تعالى في محكم كتابه:﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(الشورى:15).

تشير الآية الشريفة إلى مفهومين في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يؤدي دوراً إلهياً، والمفهومان هما الحزم، والاستقامة.

فلا يكفي أن يعمل الإنسان على أداء تكليفه بأي طريق كانت بل عليه أولاً ان يكون حازماً في أدائه لهذا التكليف، بمعنى أن لا يقبل بأي شكل من أشكال التباطؤ، أو التراخي في التطبيق، فالحزم في أداء الواجب أمر مطلوب بل أمر إلهي لكل من يقوم بالعمل.

فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع"8.

بل إن عاقبة قلة الحزم المهانة في يوم القيامة كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم والتّهاون بأمر الله، فإن من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة"9.

والأمر الآخر هو الاستقامة، والاستقامة هي الثبات على النهج، وعدم التزلزل بسبب الظروف الطارئة والتي قد تجعل بعض الناس تنحى منحىً آخر غير الذي تسير فيه، فبعض الناس يسير في نهج سياسي مادام النهج يصب في صالحه، ولو ظاهراً، ولكن إذا طرأ عليه أمر ما يخالف هواه أو ما يتمناه ينحرف إلى خط آخر يظن أن مطامعه تتحقق فيه، وهذا الشخص هو ما يسميه لنا أهل البيت عليهم السلام بالمتلون، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحقّ؛ فإن من استبدل به هلك"10.

فالاستقامة هي الثبات وهي من صفات المؤمن بالله تعالى، أي المؤمن حقاً بل الاستقامة هي النتيجة التي تتحصل من ثبات الإنسان على مبدئه في المحن والبليَّات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوة في دين ...، وبرّ في استقامة"11.

كما أن للاستقامة أثراً مهمَاً وهو السلامة، وليس المقصود من السلامة سلامة الجسد، بل سلامة النفس من الجنوح لمحل غضب الله تعالى، وسلامتها من السقوط في مستنقع الانحراف، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من لزم الاستقامة لزمته السلامة"12.

الصدق والأمانة
يقول الله تعالى في وصف المؤمنين:﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون(المؤمنون:8).

صفتان ليستا من صفات المجاهد فحسب بل هما صفتان من صفات أي مؤمن، ولا بد من توفرهما في المجاهد بشكل آكد.

تحتل هاتان الصفتان في سلم الأخلاقيات الإسلامية أعلى المراتب، بل لا يكون المؤمن كاذباً كما في الأحاديث الشريفة.

لقد جعلت الأحاديث الصدق والأمانة ميزاناً من موازين قياس الإيمان، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"13.

وفضلاً عن هذا كله فإن الصدق والأمانة، سبيلان إلى وصول أعلى درجات الإيمان والقرب من الله تعالى، فهذا الإمام الصادق عليه السلام يخبرنا عن حال جده أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "أنظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه؛ فإنَّ عليّاً عليه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة"14.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص49-58.


1- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، الحديث 9157.
2- ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 226.
3- غرر الحكم: 5763.
4- ابن سلامة، وفاة: 454، مسند الشهاب، مؤسسة الرسالة، بيروت: 2- 152-1080.
5- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه (381هـ )، جامعة المدرسين، الطبعة الثانية 1404 هـ: 3-560-4924. 
6- غرر الحكم: 7990 و7991.
7- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت - لبنان: 4-2052-34.
8- نهج البلاغة: الحكمة 110.
9- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، طهران: 1-181-286.
10- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 10-105-1.
11- الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2-231-4.
12- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 78-91-95.
13- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75-114-5.
14- لشيخ الكليني، الكافي. دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2-104-5.

سلوك المجاهد

قول الحق

قول الحق، هي خصلة وصل بها الفضل إلى أن سماها رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الجهاد، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا لا يمنعنّ رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه. ألا إنّ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"1.

فكلمة الحق جهاد بحد ذاتها، وهي صفة تتأتى من خلال قوة القلب والشجاعة، والقناعة التامة واليقين بأحقيتها، فحينها لا يهاب أي شيء من مخلوقات الله تعالى، لا من سلطان ولا جيش ولا حبل مشنقة ولا أي شيء، فما دام أنه على الحق، حينها لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، وكنموذج أرقى لكلمة حق في وجه سلطانٍ جائر نتعرض لما جرى بين أبي الفضل العباس عليه السلام وإخوته وبين الشمر بن ذي الجوشن، حيث كانت الموازين العسكرية مالت لجيش الشمر، وكانت الأمور المنطقية تقضي أن يكون المنتصر عسكرياً في المعركة جيش عمر ابن سعد، حينها جاء "الشمر حتى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو علي بن أبي طالب عليه وعليهم السلام فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون، فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟!"2.

ومن المواقف التي ينقلها لنا التاريخ موقف مسلم بن عقيل مع ابن زياد، حيث تقول الرواية: أدخل مسلم بن عقيل رحمه الله تعالى على ابن زياد، وقد ضرب على فمه، فقال: يا بن عقيل أتيت لتشتيت الكلمة؟ فقال: ما لذلك أتيت، ولكن أهل المصر كتبوا أن أباك سفك دماءهم وانتهك أعراضهم فجئنا لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

فقال: وما أنت وذاك، وجرى بينهما كلام حتى قال له: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.

فقال له مسلم: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه من سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة 3.

ومن فضل قول الحق ما ورد في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من صدقة أحب الى الله عز وجل من قول الحق"4.

وأكثر ما في ذلك من الأجر ما يكون فيه قول الحق خلافاً لما يناسب حال القائل، كأن يتعرض للاضطهاد ويقال فيه، فكلما كان قول الحق أثقل على الإنسان المؤمن كلما كان الأجر والثواب في قوله أجزل من الله تعالى، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "أقرب العباد إلى الله تعالى أقولهم للحقّ وإن كان عليه، وأعملهم بالحقّ وإن كان فيه كرهه"5.

بئر لا قرار لها
مثل يقال لمن يكتم السر، فيشبه نفسه ببئر لا يعرف قعرها، وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صدر العاقل صندوق سرّه"6.

يعتبر صون الأسرار من الصفات التي ينبغي للمؤمن أن يتحلى بها، امَّا كتمان السر في الجهاد، فهو صفة أخلاقية أساسيَّة لا بد من وجودها في المجاهد في سبيل الله تعالى.

وكما أن لكتمان السر فضلاً كبيراً، فإن لفضح السر مفسدة كبرى في دين الإنسان ودنياه أيضاً، وأما في الجهاد فإفشاء السر الجهادي من أخطر الأمور على العمل العسكري وقد يؤدي لخسارة أنفسٍ وسفك دماء، وقد أكدت الروايات وشددت على أن يكون السر مصاناً بأقسى درجات الصون فشبَّهت بعض الروايات السر بدم المرء الذي لا يجري إلا من الشريان، وما ذلك إلا تنبيها لخطورة الإفشاء، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "سّرك من دمك فلا يجرينّ من غير أوداجك"7.

كما أن لافتضاح السر أثراً مدمراً على العمل العسكري الذي يقوم به المجاهدون، لهذا فالكتمان من أهم أسباب نجاح أي عمل عسكري وأي مهمة جهادية، فعن الإمام الجواد عليه السلام: "إظهار الشّيء قبل أن يستحكم مفسدة له"8.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان"9.

الإباء
 صفة أخلاقية تعني أن يكون الإنسان عزيز النفس، ولا يبذل منعتها في مقابل أمور تافهة، والإباء غير التكبر، فالتكبر هو أن يمارس الإنسان الترفع على الآخرين ظناً منه بأنه أرفع منهم مقاماً ونفساً، أما الإباء فهو فرع القناعة وغنى النفس عن الحاجة للآخرين، وقد أكدت الكثير من روايات أهل العصمة عليهم السلام على الكثير من الأعمال التي تعزز صفة الإباء في نفس الإنسان، منها عدم تواضعه للأغنياء طمعاً بالمال، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه، ذهب ثلث دينه. - ثم قال: ولا تعجل، وليس يكون الرّجل ينال من الرجل المرفق فيجله ويوقّره فقد يجب ذلك له عليه، ولكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند الله، أو يريد أن يختله عما في يديه"10.

وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله! وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالاً على الله"11.

وأما في المجاهد، فإن الإباء صفة ملازمة للجهاد، ولولا الإباء الذي فيه ما دفعته نفسه لرفض الهوان، والنهوض لمقارعة المحتل وجهاده، فإباء النفس للإذلال والانتهاك وسيطرة الآخرين على ما يخصها ويعنيها، هي من المحفزات التي تدفع الإنسان وتوقظه من سباته، مردداً قول الله تعالى:﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(آل عمران:173). فصار على أهبة الاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل العزة والكرامة.

وصار مصداقا للآية الكريمة:﴿... فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(المائدة:54).

هل تخاف غير الله؟
كثيراً ما يكون أهل الجهاد في دروب طويلة قل سالكوها، وكثر بها المتربصون، لكن هل يعني هذا كله أن ينثني عزم أهل الجهاد وأهل الحق.

طالما أنّك على الحق، فلا تبالي، ألم تعلمنا كربلاء، وسيرة أهل البيت عليهم السلام ذلك؟

وقد نبهنا أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: "... أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإنّ الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل"12.

فهذا الخوف الأول، وأما الخوف الآخر من لوم اللائمين، وتثبيط المرجفين، ومن يحمل عقيدة الانهزام قبل بدء المعركة، فهذا ما ينبغي للمجاهد أن لا يعبأ به، بل لا يقيم له أي وزن، فما أكثر المتخلفين عن الجهاد، والذين لا يكتفون بتخلفهم عن أداء وظيفتهم تجاه الأمة، بل يعملون على تحطيم المعنويات في قلوب الآخرين، وقد نبهتنا الروايات إلى عدم المبالاة بلومهم، كما ورد في الخصال عن أبي ذر، قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا أخاف في الله لومة لائم"13.

وعن الإمام الهادي عليه السلام: "من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق"14.

ومن أجمل ما في هذه الروايات ما ورد من وصية أمامنا السجاد زين العابدين عليه السلام وقد كتب إليه رجل من أهل الكوفة يستخيره عن خير الدنيا والآخرة، فكتب عليه السلام: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإنَّ من طلب رضى الله بسخط النّاس كفاه الله أمور النّاس، ومن طلب رضى النّاس بسخط الله وكله الله إلى النّاس، والسلام"15.

وأخيراً كلمة رويت عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس"16.

فحينما يضع الإنسان رضى الله بين عينه، ولا يرى في الحياة هدفاً آخر يستحق الالتفات إليه، فحينها سيصل لمقام من لا يخشى في الله لومة لائم، وحينها لو اجتمع العالم بأسره ليلومه، وليقول له أنت إرهابي، وأنت... وأنت...، لن يلتفت إليهم، وسيبقى ما بين عينيه أمرٌ واحد فقط، وفقط، وهو التكليف الشرعي الملقى على عاتقه، وهو الموصل إلى الله تعالى.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م ، ص59-68.


1- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج1، ص656.
2- محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، الإرشاد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ج2، ص 89.
3- انساب الأشراف، البلاذري، ص 82.
4- شعب الإيمان: 6-125-7685.
5- غرر الحكم: 3243.
6- نهج البلاغة: الحكمة 6.
7- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75-71-15.
8- لمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 5-1-13.
9- غرر الحكم: 3284.
10- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 3-69-5.
11- نهج البلاغة: الحكمة 406.
12- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 67-158-1.
13- الصدوق، الشيخ، الوفاة: 381، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة: 345-12.
14- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 78-366-2.
15- محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، الاختصاص، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان225.
16- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 77-126-32.

كيف تكون شهيداً

كيف نتجهز للشهادة؟

سؤال في غاية الأهمية، لأن الشهادة هي انتقال لعالم آخر، فهل ينتقل الإنسان إليه بدون أن يكون قد جهز نفسه له؟

إذاً لا بد من أمور يحصّلها الإنسان قبل أن ينتقل من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ومنها:

أ- الاستعداد النفسي بتصفية القلب
أي أن يحافظ الإنسان على نور الإيمان في قلبه بالابتعاد عّما يسوّد القلب من الآثام، وهذا ما ينير درب الآخرة أمامه، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه(الزمر:22).

"إن النور إذا وقع في القلب انفسح له وانشرح، قالوا: يا رسول الله! فهل لذلك علامة يعرف بها؟، قال: التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت"1.

ب- عدم الغفلة
والمراد بالغفلة الاستغراق في التفكر بالدنيا والاهتمام لأجلها، فكثيراً ما يصير الإنسان بحالة لا يفكر سوى بما يعني دنياه، فينسى الآخرة ولقاء الله تعالى، وإلى هذا يشير أمير المؤمنين عليه السلام في الشعر المنسوب إليه، والذي يخاطب به الإمام الحسن عليه السلام قائلاً:

أبني إن من الرجال بهيمة               في صورة الرجل السميع المبصرِ
فطنٌ لكلِّ رزيَّةٍ في ماله                          وإذا أصيبَ بدينهِ لم يشعُرِ


وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "استعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به... نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامة ولا كآبة"2.

وعنه عليه السلام: "إياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق عن ربك في طلب الدنيا"3.

ج- التجهز بالعمل الصالح
فعن الإمام علي عليه السلام: "إنك لن يغني عنك بعد الموت إلا صالح عمل قدمته، فتزود من صالح العمل"4.

فما ينتظر المرء المنتقل لذلك العالم، والذي يرتبط مصيره هناك بعمله في دار الدنيا؟ إن احتمال الخسران يحفّز الإنسان على أن يصحّح أمر دينه في هذا العالم تحسّباً من الوقوع في ذلك الخسران، فعن الإمام علي عليه السلام: "إنّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة"5.

د- أداء الحقوق
إن الحقوق على قسمين، حق الله وحق النّاس، فأما حق الله تعالى فهو العبادات التي ينبغي على المرء أن يؤديها ولا يبقي ذمته مشتغلة بشيء منها، وهذا ما على المرء أن يكون قد انتهى منه قبل أن يطرقه الأجل، وأما حق الناس فهو أخطر ما يمكن أن نتصوره في الآخرة، ولنتأمل في هذه الروايات الشريفة التي تبين لنا مدى صعوبة هذا الأمر فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشهادة تكفّر كل شيء إلا الدَّين"6.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدَّين"7.

فعلى المجاهد الاهتمام بأداء الحقوق لكي لا يدركه الأجل قبل أن يؤدي ما عليه ولا ينسى هنا الاهتمام بتدوين ما بحوزته من أمانات وديون خوف الضياع، فإن الأمر هنا لا ينحل إلا بعفو صاحب الحق، أو بإبراء ذمته بدفع الحق إليه، عن الإمام الباقر عليه السلام: "كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدَّين، فإنه لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحق"8.

إذاً هذه بعض الأمور التي ينبغي للمجاهد أن يلتفت إليها في دار الممر قبيل انتقاله للمقر الأبدي.

مراتب الشهادة
للشهادة مراتب، فليست كل الشهادات بنفس المرتبة، وليس كل الشهداء في نفس الرتبة في الجنة، فأفضل الشهداء كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول، فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، يضحك إليهم ربك، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه"9.

ولنية الإنسان ومدى ارتباطه بالله تعالى وإخلاصه له الدور الأهم في رفعة مقام الشهادة التي وصل إليها.

شهداء لم يُقتلوا
هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفّق لها، ولم تكن من نصيبه وقد يتوفى في نهاية المطاف وهو على الفراش، فهل مثل هذا المجاهد الصابر الذي بقي في خط الجهاد والشهادة حتى آخر رمق من حياته، هل هو محروم من الشهادة؟

يجيب عن ذلك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".

إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً ولو متّ على فراشك.

وقد تحدثت كثير من الروايات عن حالات يكتب فيها أجر الشهيد لمن مات بأسباب خاصة، وسنستعرض بعض من لهم أجر الشهيد من خلال ما ورد في الروايات:

من قتل دفاعا عن أهله
أي اعتدي على داره وأهله، بل حتى دفاعاً عن جاره، وعن ماله ومصالحه التي ينتفع منها في رزق عياله. فقام يدافع عن ذلك وقتل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قتل دون أهله ظلماً فهو شهيد ومن قتل دون ماله ظلماً فهو شهيد، ومن قتل دون جاره ظلماً فهو شهيد، ومن قتل في ذات الله عز وجل فهو شهيد"10.

الموت في معرفة الله

فمن مات على معرفة حقيقية بالله تعالى وحقّه وحقّ رسوله وأهل البيت عليهم السلام، كتب له أجر شهيد في سبيل الله تعالى، عن الإمام علي عليه السلام: "من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربه وحقّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه"11.

الموت على حب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
والحب هنا ليس الادعاء اللفظي، بل هو ارتباط قلبي لا بد وأن يظهر في الأعمال، فهو الحب العملي، الحب الذي يدفع الإنسان للالتزام بما حملوه إلينا من أحكام الدين، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حب آل محمد مات شهيداً"12.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله"13.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص119-126.


1- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1172.
2- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص2966.
3- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص2966.
4- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص2968.
5- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص2967.
6- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1514.
7- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1514.
8- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1514.
9- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1518.
10- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1516.
11- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1517.
12- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1517.
13- الرشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، ج2، ص1517.

الحقوق بين القائد والمجاهد


تمهيد
لا بد من صفات عسكرية يحملها المجاهد في سبيل الله، صفات نابعة من صميم عمله ولها علاقة مباشرة بأموره الجهادية.

يلخص أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحقوق في إحدى خطبه حيث يقول عليه السلام:

"أيها الناس! إن لي عليكُمْ حقَّاً، ولكم عليَّ حقٌ: فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم"1.

وسنتعرض لما ورد في هذه الخطبة بشيء من التفصيل، فهي قد أشارت لمجمل الحقوق، ويكفينا لكي ندرك الحقوق هذه أن ندقق في هذه الرواية الجامعة المهمة.

حق المجاهد على القائد
تشير الرواية إلى حقوقٍ أساسية للمجاهد على القائد ليقوم بها، أهمها:

توجيه المجاهد وتعليمه

بمعنى أن يرشده لمواطن الخير، وما فيه صلاح أمره، وتوجيهه أيضاً يتضمن توضيح مهامه التي ينبغي أن يقوم بها بشكل لا يترك له سؤالاً في موضع حيرة يقع فيها، وهي مسائل قد تكون ذات صلة بتأدية العمل على أكمل وجه بأقل خسائر ممكنة، ويتضمن مسألة التدريب العسكري وتأهيل المجاهد ليكون في أعلى مستويات الجهوزية، وهذا ما دأب عليه أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول ابن عباس: "عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والله ما رأيت ولا سمعت رئيساً يوزن به، لرأيته يوم صفين وعلى رأسه عمامة قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة يحضهم، حتى أنتهى إليّ وأنا في كنف من الناس فقال: "معاشر المسلمين استشعروا الخشية، وغضوا الأصوات، وتجلببوا السّكينة، وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف قبل السلة، وأطعنوا الشزر 2، ونفحوا بالظبا 3، وصلوا السيوف بالخطا 4، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

عاودوا الكرّ، واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق، ونار يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً 5، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّواق المطنب. فاضربوا ثبجه 6، فإن الشيطان راكب صعبة، ومفرش ذراعيه، قد قدم للوثبة يداً، وأخّر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى يتجلى لكم عمود الدين ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(محمد:35).

وهذا من رعاية الإمام لجنده إذ يحضرهم معنوياً ويعلمهم طرق القتال وأصلحها وأكثرها فاعلية في ذلك الزمان.

ومن الروايات التي تظهر شدة حرص الإمام على القدرات العسكرية لجنده هذه الرواية التي يشير فيها إلى أدق تفاصيل القتال في عصره سلام الله عليه حيث يقول عليه السلام: "عضوا على النواجذ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام وأكملوا اللامة"7.

حيث فسر كلامه عليه السلام وقوله عضوا على النواجذ والنواجذ جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس. ولكل إنسان أربعة نواجذ، ويسمى الناجذ ضرس العقل لأنه ينبت بعد البلوغ. ومراده عليه السلام وإذا عضضت على ناجذك تصلبت أعصابك وعضلاتك المتصلة بدماغك فكانت هامتك أصلب وأقوى على مقاومة السيف فكان أنبى عنها وأبعد عن التأثير فيها. والهام جمع هامة وهي الرأس.

والمراد من قوله عليه السلام وأكملوا اللامة وهي الدرع، وإكمالها أن يزاد عليها البيضة "وهي ما يوضع الرأس وتسمى بالخوذة هذه الأيام" والسواعد ونحوها، وقد يراد من اللامة آلات الحرب والدفاع واستيفاؤها.

فخلاصة الأمر أن الإمام عليه السلام يوصي أصحابه بأمور هي من صميم العمل العسكري وهي تمس حماية وفعالية المقاتل بشكل مباشر.

العطف على الجند وتكريمهم
فتكريم المجاهد ومن قدّم انجازاً كبيراً وتحفيز المجاهدين بالثناء على جهادهم وعظمة ما يقومون به يخلق في أنفسهم دافعاً كبيراً لتقديم الأكثر والحفاظ على القدرات، ويبقي الهمم في أعلى درجاتها، كما أن في ذكر ما أبدى أهل الشجاعة منهم تشجيعاً لمن يطرق الخوف قلبه، وتحفيزاً له على التجرؤ للقتال، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام من عهده للأشتر: "وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته... فافسح في آمالهم، وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهزّ الشجاع، وتحرّض الناكل إن شاء الله"8.

حق القائد على المجاهد
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أطع من فوقك يطعك من دونك، وأصلح سريرتك يصلح الله علانيتك"9.

تشير الرواية الشريفة إلى منهج التعاطي بين القائد والمنقاد أي بين المسؤول والمسؤول عنه، وهي الطاعة، وهي الحق الأول والأهم على المجاهد تجاه قائده.

واستشارة الجنود والاستماع لنصائحهم لا يعني بالضرورة الالتزام بآرائهم، بل للقائد اختيار ما يراه مناسباً، وعليهم الالتزام، وهذا ما أشار له أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله بن عباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: "لك أن تشير عليّ وأرى، فإن عصيتك فأطعني"10.

وطاعة المجاهد للقائد في الشريعة أمر واجبٌ، وأمر القائد أمر لعناصرهِ ليس نصيحة يمكن للمجاهد أن يقبلها أو لا، بل هي تكليف شرعي كما أي تكليف شرعي آخر يثاب المرء على أدائه ويعصي بتركه أو التهاون فيه...

ولترك التكليف هذا آثار على الصعيد الدنيوي، فلا يستقيم العمل ولا ينتظم إذا عمل كل فرد على ما يهواه، بل التراتبية في الأعمال شرط لنجاح أي عمل في الحياة فكيف إذا كان العمل جهاداً في سبيل الله تعالى، وفيه تحمل لمسؤوليات الدماء، وأمانة على أرواح الآخرين.

وهذا ما أشار له أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:"... ولي عليكم الطّاعة، وألا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات الى الحق، فإن أنتم لم تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن اعوجّ منكم ثم أعظِّمُ له العقوبة، ولا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، وأعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به أمركم"11.

الخلاصة هي الانضباط التام
إن الالتزام التام بأمر القيادة هي استجابة لله أولاً ولما أوصانا به الدين الحنيف، وهي سبب أول وأساسي لنجاح أي عمل، عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن والحسين لما ضربه ابن ملجم: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم"12.

والانضباط يكون بعدم التهاون في الأمور وعدم الاستعجال بها في غير أوقاتها، وهذا ما أوضحه الإمام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر: "وأمضِ لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه... وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل أمر موقعه"13.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص103-110.


1- نهج البلاغة: الخطبة 34.
2- الشزر بالفتح الطعن بالجوانب يميناً وشمالاً.
3- نفحوا كافحوا وضاربوا، والظبا بالضم جمع طرف السيف وحدّه.
4- صلوا من الوصل أي اجعلوا سيوفكم متصلة بخطا أعدائكم.
5- سجحاً أي سهلاً.
6- ثبجه أي وسطه.
7- نهج البلاغة: الخطبة 66.
8- نهج البلاغة: الكتاب 53.
9- غرر الحكم: 2475.
10- نهج البلاغة: الحكمة 321 الكتاب 13.
11- نهج البلاغة: الكتاب 50.
12- نهج البلاغة: الكتاب 47.
13- نهج البلاغة: الكتاب 53.

الإستعداد للجهاد


قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ1.

توضيح المعاني:
﴿مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ: كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين.
﴿تُرْهِبُونَ: تخيفون.
﴿يُوَفَّ: الفوز بعظيم الثواب في الآخرة.

الإشارات والمضامين:
1- وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن:"الإعداد" تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من "القوة" في الحرب، كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، وقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم...، أمر عام لجميع الناس بتهيئة القوى الحربية قدر استطاعتهم وما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء الموجودة بالفعل أو المفترض، وفُسِّرت "القوة" في الروايات بالسلاح، والسيف، والترس، والخضاب بالسواد،- (ليظهر بمظهر الشاب الفتي)-، والرمي وذلك من باب بيان أفراد الإعداد2. وعليه: فالقوّة لفظ كلي عام شامل لكافة مظاهر القوة التي تظهرها الأدوات القتالية أو التي يتمتع بها المقاتل واقعاً أو ظاهراً كما يستوحى من الروايات، وهذا يقتضي تعلّم الفنون العسكرية كما أصبح متعارفاً عليه حديثاً في المؤسسات العسكرية3، وامتلاك الأسلحة الحديثة، والخطط الحربية التي تتوافق مع أرض المعركة وجغرافيا الطبيعة... إلخ، وبمعنى آخر: امتلاك كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية4، وهذا يشمل عملية صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطائرات، والمفخخات، وإنشاء المركبات الحربية بأنواعها ومنها الغوَّاصات. ويجب تعلّم الفنون والصناعات ذات الصلة5.

2- أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع:السرّ في توجيه الخطاب للناس في هذه الآية، - بعدما كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية تراعي حقوق الأفراد وتحترم إرادتهم، ومن ضمن الأهداف التي يسعى العدو إلى استهدافها وتحطيمها هي حقوق الأفراد ومنافعهم. ولهذا فعلى الأفراد أن تدافع عن مصالحها، وحقوقها. نعم، هناك جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات، لكونها تحتاج إلى استطاعة مالية كبيرة، وتجهيزات عظيمة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف في التعلم موجه إلى الجميع6.

3- وجوب الدفاع عن الحدود:في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، - وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على حين غرّة، ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجائها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها7.

4- إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل:جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ هي في مقام التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم8، بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد، وتقتل العباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين9.

5- أصالة الصلح في الإسلام:إن تقييد الإعداد بقصد ترهيب الأعداء، دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول: استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم10.

6- وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض):خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه: يجب على المسلمين استعراض قواهم بنحو ما في مقابل العدو11.

7- هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين:اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللهِ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ، إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية12 والمسلمين13.

8- وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف:يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات في الخطط والبرامج إلى العدو المجهول أيضاً14. وأمّا المقصود من﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ففيه خلاف، حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة15، وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم16.

9- ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:لمّا كان إعداد العدّة يقتضي تمويل، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه17، فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، أي ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء18.

10- توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:كلمة "شيء" لها مدلول واسع يشمل الروح، المال، الفكر...19، وهي أعمّ من كلمة "خير" في الآية ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ20، لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال21.

11- الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء:احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ أنها معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ، وبناءً على هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء، فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً22.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً23.

توضيح المعاني:
﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ: إشارة إلى التوزّع على فرق متعدّدة.
﴿انفِرُواْ جَمِيعً: إشارة إلى الخروج دفعة واحدة.

الإشارات والمضامين:

1- ضرورة التيقّظ والاحتياط في مواجهة العدو:أ- الحِذر: ما يحذر به وهو آله الحذر كالسلاح، وربما قيل إنه مصدر ك كـ(الحَذَر)
ب- والنفر: هو السير إلى جهة مقصودة، وأصله الفزع، فالنفر من محل السير فزع عنه، وإلى محل السير فزع إليه.
ج- والثبات: جمع ثبتة وهي الجماعة على تفرقة، فالثبات: بعد الجماعة بحيث تتفصّل ثانية عن أولى، وثالثة عن ثانية، ويؤيد ذلك مقابلة ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً. والتفريع في قوله: ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ على قوله: ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ يؤكد كون المراد بالحذر أي ما به الحذر، وهو كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد. فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدوا للخروج، واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا، أو اخرجوا إليهم جميعاً عسكراً24.

2- ضرورة الاستعداد القتالي لمواجهة العدو:جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ تدعو إلى التهيّؤ التام للخروج إلى الجهاد، فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدّوا للخروج واخرجوا إلى عدوّكم25. وكلمة "الحذر" أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية، ويشتمل أمر "الحذر" أيضاً على الاستعداد النفسي، والثقافي، والاقتصادي، والإمكانيات البشرية والعسكرية26.

3- وجوب إحداث تشكيلات لإعداد وتعبئة القوى العسكرية:الأمر الإلهي بتعبئة القوى العسكرية، يدلّ على وجوب إحداث تشكيلات وظيفتها إعداد القوى العسكرية وتعبئتها27.

4- وجوب استعداد المقاتلين قبل التوجّه إلى قتال العدو:إن عطف عبارة: ﴿فَانفِرُو بحرف العطف فاء على جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ، تدلّ على وجوب الاستعداد بداية، ومن ثمّ الخروج لمواجهة العدو28.

5- ضرورة اتخاذ التكتيك والتشكيل المناسب لمواجهة العدو:أحد الدروس المستفادة من الآية، أنّ التهيّؤ والإعداد يختلف باختلاف عدّة العدو وقوّته، فالترديد في قوله ﴿أَوِ انفِرُو ليس تخييراً في كيفية الخروج، وإنّما الترديد بحسب تشكُّل العدوّ من حيث العدّة والقوّة، أي إذا كان عددهم قليلاً فيجب الخروج إليهم فرقةً فرقةً (سريّةً سريّةً)، وإن كان كثيراً فيكون الخروج إليهم دفعة واحدة29.
* كتاب آيات الجهاد، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة الأنفال، الآية 60.
2- الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 9، ص 114.
3- التفسير الكبير، ج 15، ص 185.
4- تفسير نمونه، ج 7، ص 222 (تفسير الأمثل).
5- تفسير المنار، ج 15، ص 62. بتصرّف.
6- تفسير الميزان ، ج 9، ص 115.
7- تفسير المنار، ج 10، ص 61.
8- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
9- تفسير نمونه، ج7، ص 225 (تفسير الأمثل).
10- تفسير المنار، ج 10، ص 66.
11- تفسير راهنما، ج6، ص 542.
12- تفسير نمونه، ج 7، ص 226 (تفسير الأمثل).
13- تفسير نور، ج 4، ص 368.
14- م. ن، ج 4، ص 368.
15- تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 853.
16- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
17- تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 50.
18- تفسير المنار، ج 10، ص 67.
19- تفسير نمونه، ج7، ص 228-229 (تفسير الأمثل).
20- سورة البقرة، الآية 272.
21- تفسير الميزان، ج 9، ص 117.
22- م. س، ج 7، ص 229 (تفسير الأمثل).
23- سورة النساء، الآية 71.
24- تفسير الميزان، ح 4، ص 416.
25- م. س، ج 4، ص 416.
26- تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).
27- تفسير راهنما، ج 3، ص 463.
28- م. ن، ج 7، ص 463.
29- تفسير الميزان، ج 4، ص 416.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism