اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الأحد، 28 فبراير 2016

القسم المتوفر فيها الموظوع :

الحقوق بين القائد والمجاهد


تمهيد
لا بد من صفات عسكرية يحملها المجاهد في سبيل الله، صفات نابعة من صميم عمله ولها علاقة مباشرة بأموره الجهادية.

يلخص أمير المؤمنين عليه السلام هذه الحقوق في إحدى خطبه حيث يقول عليه السلام:

"أيها الناس! إن لي عليكُمْ حقَّاً، ولكم عليَّ حقٌ: فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كي لا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم"1.

وسنتعرض لما ورد في هذه الخطبة بشيء من التفصيل، فهي قد أشارت لمجمل الحقوق، ويكفينا لكي ندرك الحقوق هذه أن ندقق في هذه الرواية الجامعة المهمة.

حق المجاهد على القائد
تشير الرواية إلى حقوقٍ أساسية للمجاهد على القائد ليقوم بها، أهمها:

توجيه المجاهد وتعليمه

بمعنى أن يرشده لمواطن الخير، وما فيه صلاح أمره، وتوجيهه أيضاً يتضمن توضيح مهامه التي ينبغي أن يقوم بها بشكل لا يترك له سؤالاً في موضع حيرة يقع فيها، وهي مسائل قد تكون ذات صلة بتأدية العمل على أكمل وجه بأقل خسائر ممكنة، ويتضمن مسألة التدريب العسكري وتأهيل المجاهد ليكون في أعلى مستويات الجهوزية، وهذا ما دأب عليه أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول ابن عباس: "عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، والله ما رأيت ولا سمعت رئيساً يوزن به، لرأيته يوم صفين وعلى رأسه عمامة قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة يحضهم، حتى أنتهى إليّ وأنا في كنف من الناس فقال: "معاشر المسلمين استشعروا الخشية، وغضوا الأصوات، وتجلببوا السّكينة، وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف قبل السلة، وأطعنوا الشزر 2، ونفحوا بالظبا 3، وصلوا السيوف بالخطا 4، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

عاودوا الكرّ، واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق، ونار يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت مشياً سجحاً 5، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّواق المطنب. فاضربوا ثبجه 6، فإن الشيطان راكب صعبة، ومفرش ذراعيه، قد قدم للوثبة يداً، وأخّر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى يتجلى لكم عمود الدين ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(محمد:35).

وهذا من رعاية الإمام لجنده إذ يحضرهم معنوياً ويعلمهم طرق القتال وأصلحها وأكثرها فاعلية في ذلك الزمان.

ومن الروايات التي تظهر شدة حرص الإمام على القدرات العسكرية لجنده هذه الرواية التي يشير فيها إلى أدق تفاصيل القتال في عصره سلام الله عليه حيث يقول عليه السلام: "عضوا على النواجذ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام وأكملوا اللامة"7.

حيث فسر كلامه عليه السلام وقوله عضوا على النواجذ والنواجذ جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس. ولكل إنسان أربعة نواجذ، ويسمى الناجذ ضرس العقل لأنه ينبت بعد البلوغ. ومراده عليه السلام وإذا عضضت على ناجذك تصلبت أعصابك وعضلاتك المتصلة بدماغك فكانت هامتك أصلب وأقوى على مقاومة السيف فكان أنبى عنها وأبعد عن التأثير فيها. والهام جمع هامة وهي الرأس.

والمراد من قوله عليه السلام وأكملوا اللامة وهي الدرع، وإكمالها أن يزاد عليها البيضة "وهي ما يوضع الرأس وتسمى بالخوذة هذه الأيام" والسواعد ونحوها، وقد يراد من اللامة آلات الحرب والدفاع واستيفاؤها.

فخلاصة الأمر أن الإمام عليه السلام يوصي أصحابه بأمور هي من صميم العمل العسكري وهي تمس حماية وفعالية المقاتل بشكل مباشر.

العطف على الجند وتكريمهم
فتكريم المجاهد ومن قدّم انجازاً كبيراً وتحفيز المجاهدين بالثناء على جهادهم وعظمة ما يقومون به يخلق في أنفسهم دافعاً كبيراً لتقديم الأكثر والحفاظ على القدرات، ويبقي الهمم في أعلى درجاتها، كما أن في ذكر ما أبدى أهل الشجاعة منهم تشجيعاً لمن يطرق الخوف قلبه، وتحفيزاً له على التجرؤ للقتال، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام من عهده للأشتر: "وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته... فافسح في آمالهم، وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهزّ الشجاع، وتحرّض الناكل إن شاء الله"8.

حق القائد على المجاهد
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أطع من فوقك يطعك من دونك، وأصلح سريرتك يصلح الله علانيتك"9.

تشير الرواية الشريفة إلى منهج التعاطي بين القائد والمنقاد أي بين المسؤول والمسؤول عنه، وهي الطاعة، وهي الحق الأول والأهم على المجاهد تجاه قائده.

واستشارة الجنود والاستماع لنصائحهم لا يعني بالضرورة الالتزام بآرائهم، بل للقائد اختيار ما يراه مناسباً، وعليهم الالتزام، وهذا ما أشار له أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله بن عباس، وقد أشار عليه في شيء لم يوافق رأيه: "لك أن تشير عليّ وأرى، فإن عصيتك فأطعني"10.

وطاعة المجاهد للقائد في الشريعة أمر واجبٌ، وأمر القائد أمر لعناصرهِ ليس نصيحة يمكن للمجاهد أن يقبلها أو لا، بل هي تكليف شرعي كما أي تكليف شرعي آخر يثاب المرء على أدائه ويعصي بتركه أو التهاون فيه...

ولترك التكليف هذا آثار على الصعيد الدنيوي، فلا يستقيم العمل ولا ينتظم إذا عمل كل فرد على ما يهواه، بل التراتبية في الأعمال شرط لنجاح أي عمل في الحياة فكيف إذا كان العمل جهاداً في سبيل الله تعالى، وفيه تحمل لمسؤوليات الدماء، وأمانة على أرواح الآخرين.

وهذا ما أشار له أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:"... ولي عليكم الطّاعة، وألا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات الى الحق، فإن أنتم لم تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن اعوجّ منكم ثم أعظِّمُ له العقوبة، ولا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، وأعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به أمركم"11.

الخلاصة هي الانضباط التام
إن الالتزام التام بأمر القيادة هي استجابة لله أولاً ولما أوصانا به الدين الحنيف، وهي سبب أول وأساسي لنجاح أي عمل، عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن والحسين لما ضربه ابن ملجم: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم"12.

والانضباط يكون بعدم التهاون في الأمور وعدم الاستعجال بها في غير أوقاتها، وهذا ما أوضحه الإمام علي عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر: "وأمضِ لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه... وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل أمر موقعه"13.

*خاصة الاولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2007م، ص103-110.


1- نهج البلاغة: الخطبة 34.
2- الشزر بالفتح الطعن بالجوانب يميناً وشمالاً.
3- نفحوا كافحوا وضاربوا، والظبا بالضم جمع طرف السيف وحدّه.
4- صلوا من الوصل أي اجعلوا سيوفكم متصلة بخطا أعدائكم.
5- سجحاً أي سهلاً.
6- ثبجه أي وسطه.
7- نهج البلاغة: الخطبة 66.
8- نهج البلاغة: الكتاب 53.
9- غرر الحكم: 2475.
10- نهج البلاغة: الحكمة 321 الكتاب 13.
11- نهج البلاغة: الكتاب 50.
12- نهج البلاغة: الكتاب 47.
13- نهج البلاغة: الكتاب 53.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism