اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الجمعة، 14 أغسطس 2015

القسم المتوفر فيها الموظوع :
,

سنن النصر الإلهيّ في القرآن الكريم

سنن النصر الإلهيّ في القرآن الكريم

موعظة قرآنية
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ1.

مقدّمة

هل النصر والمدد الإلهيّ سنّة من السنن وقانون كتبه الله على نفسه وألزم نفسه به؟ وما هي الشروط التي يجب على الإنسان توفيرها ليحصل عليه؟ أو فلنقل ما هو الفعل الذي يجب على الإنسان أن يحقّقه لينال ردّ الفعل الإلهيّ وصدى فعله وجزاءه الحسن وهو النصر وتحقيق الأهداف؟

وللجواب عن هذا السؤال يحسن بنا الاستعانة بجهود أحد العلماء الذين عالجوا موضوعًا شبيهًا بهذا الموضوع وأبدع في فتح هذا البحث وفيما انتهى إليه من نتائج، وهو الشهيد المرحوم السيد محمد باقر الصدر.

السنّة بحسب رأي الشهيد الصدر

يرى الشهيد الصدر أنّ القرآن كشف عن اهتمامه بما يسمّيه بالسنن التاريخيّة بأكثر من طريقة، فمرّة يخبرنا القرآن الكريم عن خضوع التاريخ البشريّ لمجموعة من القوانين والسنن على نحوٍ عامٍّ، وثانية يخبرنا عن سننٍ بعينها من خلال ذكر المصاديق والأمثلة لهذه السنن، وثالثة يمزج القرآن بين النظريّة والتطبيق بحيث يبيّن المفهوم الكليّ في إطار المصداق، ورابعة يدعونا إلى النظر في التاريخ والتأمّل في مصائر الأمم الغابرة كي نكتشف القانون ونَعِي السنّة2. ومن أمثلة القسم الأوّل قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ3. ومن أمثلة القسم الثاني قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ4 ومن أمثلة الحثّ على النظر في مصائر الشعوب السابقة قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ5.

كيف نثبت أنّ النصر سنّة؟

يمكننا معالجة سؤالنا المطروح في العنوان على ضوء ما تقدّم أعلاه والبحث عن الآيات التي تبيّن أن النصر سنّة من السنن التي كتب الله على نفسه الالتزام بها في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم. ومن الشواهد والقرائن العامّة الدالّة على أنّ النصر سنّة تعبير الله عن منحه النصر لبعض الرسل والأمم السابقة بصيغة المضارع. والفعل المضارع كما يقرّ علماء اللغة العربيّة يدلّ على الاستمرار والتكرار. وهاتان السمتان من سمات القانون كما أشرنا آنفًا. ومن الآيات التي وردت بهذه الصيغة قوله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ6. والتأكيد المضاعف الذي اتّسم به بعض عبارات القرآن التي تتحدّث عن النصر تكشف عن أنّ النصر سنّة من السنن الإلهيّة التي يجريها الله عزّ وجلّ على من يستحقّها: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ7. ونشير هنا إلى أداتي التوكيد اللام والنون، كما نلفت إلى أن الفعل كتب يدلّ على الجزم: "والكتابة معروفة المعنى ويُكنّى بها عن الفرض والعزيمة والقضاء الحتم"8.

آيات النصر في القرآن

سوف نستعرض فيما يأتي الآيات التي تتضمّن الوعد الإلهيّ بالنصر للمؤمنين وفق التقسيم المذكور أعلاه، لنثبت أنّ النصر سنّة إلهيّةٌ عامّة تجري في عروق التاريخ وشرايين المجتمعات الإنسانيّة. وقد لا يُسعفنا التنظيم المنطقيّ للبحث عن استيفاء الأقسام المذكورة، والسبب هو اختلاف محور البحث عندنا عن المحور المعتمد عند الشهيد الصدر. وبيان ذلك أنّ الشهيد الصدر كان بصدد الحديث عن مبدأ خضوع حركة التاريخ البشريّ للقوانين والسنن، وأما نحن فإنّنا نبحث في مرحلة لاحقةٍ وهي مرحلة التسليم بهذا الخضوع والبحث عن سنّة بعينها هي سنّة النصر الإلهيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما نبغيه هو ذكر بعض الأمثلة ولسنا نرمي إلى الحصر والاستقصاء.

الآيات العامّة في النصر

من الصيغ التي ذكرت لتعبير القرآن عن السنن صيغة التعبير العامّ عن هذه السنّة ولو من باب بيان خضوع المجتمع والتاريخ للسنن والقوانين، وممّا وجدنا أنّه يمكن اندراجه في هذا الصنف الآيات الآتية:

1- قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ9. يأمر الله في هذه الآية بإبلاغ الذين كفروا بالقانون الإلهيّ الذي سوف يُطبّق عليهم وهو قانون الغلبة، مهما تطاولت الأيّام. وهذه الآية على الرغم من أنّها لا تتحدّث مباشرة عن نصر المؤمنين وانتصارهم، فإنّها تفيد هذا المعنى بوضوح، فعندما يُغلب الكافرون سوف يكون المنتصر هو الطرف المقابل لهم أي المؤمنون.

2- قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ10. وهذه الآية أيضًا تقرّر مبدأً عامًّا هو تحقّق الغلبة الدائمة لحزب الله على غيرهم من الجماعات التي توالي غير الله وتتحزّب له.

3- قال الله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ11. وهذه الآية على الرغم من ورودها في سياق الحديث عن النصر الذي منّ الله به على المسلمين في معركة بدرٍ إلا أنّ ختامها بهذه الطريقة يسمح بتصنيف هذا المقطع من الآية في خانة الآيات العامّة، وذلك لأنّه ختام مشعر بالتعليل، وصيغة النفي والاستثناء تؤكّد هذا المعنى. يقول السيد الطباطبائي في مقام إرجاع النصر والمدد إلى الله تعالى دون غيره من الوسائل حتّى لو كانت الملائكة: "...هو المقام الربوبيّ الذي ينتهي إليه كلّ أمرٍ وحكمٍ ولا يكفي عنه ولا يستقلّ دونه شيء من الأسباب، فالمعنى أنّ الملائكة الممدّين ليس لهم من أمر النصر شيء، بل هم أسباب ظاهريّة يجلبون لكم البشرى وطمأنينة القلب، وإنّما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغني عنه شيء وهو الله الذي ينتهي إليه كلّ أمرٍ، العزيز الذي لا يُغلب الحكيم الذي لا يجهل"12.

4- قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ13. ووجه تصنيف هذه الآية في الآيات العامّة أمران أحدهما أنّها تتحدّث عن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشير إلى رسول بعينه منهم، وثانيهما أنّها تختم ببيان قاعدة عامّة مفادها أنّ الله جعل للمؤمنين على نفسه حقًّا أن ينصرهم ولا يكلهم إلى أنفسهم، ولا يلقي بهم طعمة للكافرين.

5- قال الله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ14. وهذه الآية التي مرّت سابقًا تدخل في هذه المجموعة من الآيات التي تبيّن أنّ النصر سنّة من السنن الإلهيّة التي ألزم الله نفسه بها. وهي تشبه في لهجتها التعبير القرآنيّ الوارد في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ15 وفي هذه الآيات غنًى وكفاية تعفي من الإطالة ومتابعة البحث.

الآيات المصداقيّة في النصر

- قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ16. هذه واحدةٌ من الآيات التي تخبرنا عن منّ الله بالنصر على المؤمنين. وهي وإن كانت آية خاصّةً بمعركة بدرٍ إلا أنّ لسانها يوحي بإمكان تعميم هذا المبدأ إلى غير هذه الواقعة من الوقائع. والمؤشّرات التي تسمح بمثل هذا التعميم هي: الحديث عن النصر مع الإشارة إلى الضعف وقلّة العدد الذي كان عليه المسلمون في ذلك الزمان، وختام الآية بالدعوة إلى التقوى والشكر الأمر الذي يوحي ولو على نحو الإشعار بالوعد بدوام مثل هذه المنّة إن ثبت المسلمون على التقوى والشكر. ويتأكّد هذا المعنى بملاحظة سياق الآية اللاحقة لهذه الآية ومن ذلك قوله تعالى في الآية 521 من السورة نفسها: ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ17.

- قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ18، تكمل هذه الآية دلالة الآية السابقة وتوضحها. وتبيّن أنّ نصر الله للمؤمنين في بدرٍ لم يكن استثناءً بل كان هو القاعدة. والهزيمة التي مُنِي بها المسلمون أوّلًا في حنين ناجمة عن الإعجاب بالكثرة وترك التوكّل على الله. وقد ورد في بعض الأخبار المرتبطة بغزوة حنين أنّ أحد المسلمين قال: "لن نغلب اليوم عن قلّة"19. ولكنّ الله يكشف في الآيات اللاحقة عن أنّه لم يترك المسلمين ولم يكلهم إلى أنفسهم بل عاد عليهم بعد أن أدّبهم وألفتهم إلى أنّ الكثرة لا تغني عن المدد الإلهيّ، فأنزل سكينته وأمدّهم بأسباب النصر الغيبيّة20.

- قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ21. وظاهر هذه الآية أنّها نزلت في معركة بدرٍ كما يرى عددٌ من المفسّرين، وذلك أنّ المسلمين كانوا على هذه الحالة من الضعف والخوف وقت بدرٍ22 وبعد هذا النصر تغيّر حال المسلمين، وقويت شوكتهم وقلّ طمع المشركين فيهم.

- قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ23. وهذه الآية وإن كانت خاصّةً بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنّ سياقها يفيد أنّ انتصار النبيّ لا يتوقّف على نصر الناس له فقد نصره الله يوم لم يكن معه سوى رجلٍ واحدٍ. وهذا يدلّ بوضوح على أنّ الله يحقّق ما يريد من انتصار نبيّه وإتمام حجّته وتبليغ رسالته سواء كثر الناس حوله أم قلّوا وبالتالي تريد أن تقول هذه الآية لا يمنّنّ أحدٌ لا على الله ولا على رسوله، فإنّ الله إذا أراد أن ينصر رسوله ينصره ولو كان وحيدًا.

آيات الدعاء بالنصر

ورد في القرآن الكريم آياتٌ عدّة تتحدّث عن طلب المؤمنين النصر من الله تعالى. ووجه دلالة هذه المجموعة من الآيات على ما نحن فيه أي على أنّ النصر من عند الله وهو سنّة من سننه تعالى، هو نقل القرآن هذه المجموعة بطريقة تشبه إقرارهم الداعين على دعائهم ما يعني أنّ هؤلاء الداعين يطلبون ما يطلبون من محلّه ولو كان النصر يُطلب من محلٍّ آخر لندبهم الله تعالى إلى طلبه من حيث يجب أن يُطلب. ومن هذه الآيات:
- قال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ24. ففي هذه الآية يخبرنا الله عزّ وجلّ عن أنّ هذه الأمّة سوف يحصل لها ما حصل على الأمم السابقة من امتحان وابتلاء، وسوف يشتدّ عليها البلاء إلى درجة تجعل الرسول يتوجّه إلى الله ويسأل عن وقت النصرة والمدد. وقد توقّف بعض المفسّرين عند إمكان أن يصدر مثل هذا الأمر عن الرسول وقال: "ولا ضير في أن يتفوّه الرسول بمثل هذا الكلام استدعاءً للنصر الذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم..."25 وبغضّ النظر عن القائل والداعي الذي يستنزل النصر من الله، فإنّ الله ينقل هذا الدعاء ولا يبيّن للداعي أنّه أخطأ في طلبه النصر من الله، وليس هذا فحسب بل تكمل الآية وتبيّن أنّ نصر الله قريبٌ، إذ يبدو من ظاهر الآية أنّ العبارة الأخيرة هي الجواب الإلهيّ والردّ على دعاء الداعي.

قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ26. وهذه آية أخرى تحكي عن جند طالوت إذ برزوا في مواجهة جالوت وجنوده طلبوا من الله أن ينصرهم ويثبّت أقدامهم. ووجه الدلالة فيها ما تقدّم في الآية السابقة فلا نعيد. وتتأكّد دلالة الآية بالنظر إلى الآية اللاحقة التي تكمل فتقول: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ27، وإذن الله في هذه الآية لا بدّ من أن يُفهم على أنّه إذنٌ تكوينيٌّ وليس إذنًا تشريعيًّا، وذلك أنّه لا شكّ في الإذن التشريعيّ بهزيمتهم وبالتالي لا داعي لذكره، وما يستحقّ الذكر هو الإذن التكوينيّ لدفع توهّم أنّ القوّة الماديّة هي السبب في النصر، فبيّن الله أنّ النصر تحقّق بإذن الله وإرادته وليس بالاعتماد على المادّة والمادّيات.
 
وقفّة تأمّلية

لو نزلتم إلى الميدان في سبيل الله وصمّدتم، فإنّ النصر أمر قطعي: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ ...28، هذا الأمر لا يتعلّق بما جرى في معارك صدر الإسلام فقط ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. هي سنة إلهية.... ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ29 فإنّ الله تعالى سينصر حتماً وقطعاً، ومعنى ﴿وَلَيَنصُرَن، هو هذه القطعية والحتمية، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً30.

الإمام الخامنئي دام ظله: كلمته في ذكرى انتقاضة أهالي قم/8/1/2013م.

بالطبع، نحن نُخطئ، فلا نُدرك أحياناً هذا التفضّل الإلهي ولا نرى يد العطف الربّانية التي تُظلِّنا في مختلف القضايا. بعض الأحيان، نُخطئ من هذه الجهة حيث نتصوّر أنّنا نحن الذين نقوم بمثل هذه الأمور، في حين أنّنا لسنا كذلك. ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ31.

"قلب المؤمن بين إصبعي الرحمن"، فمن الذي يجذب هؤلاء المؤمنين لينزلوا إلى الميادين ويجعلهم متوجّهين إلى الله بهذا الشكل؟ ليست إلا اليد الإلهية والقدرة الربّانية ولا غير، هذه هي الأمور التي تجعلنا متفائلين.

لا أُريد الاقتصار على تفصيل الوقائع فنحن جميعاً نُشاهدها تباعاً بل أُريد أن أصل إلى هذه النتيجة: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ32، فالله تعالى يجعل تأييده إلى جانب النّصرة بواسطة المؤمنين، حيث إنّ الأمر هنا بالظاهر هو النّصرة المعنويّة، مثلما ورد: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ33 وأمثالها. ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ34 المؤمنون هم الذين يوجبون النّصرة، المؤمنون هم الذين يحفظون النظام ثابتاً، المؤمنون هم الذين يُعبّدون الطريق في الميادين المختلفة حتى يتمكّن النظام الإسلامي من إنجاز الأعمال الكبرى. ونحن لا ينبغي أن نتصوّرها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي35، لا نتصوّرن أنّنا من يفعل ذلك، بل هي فعل الله. الإمام الخامنئي دام ظله، كلمته في لقاء مجلس خبراء القيادة/ 08/09/2011م.
* كتاب النصر الإلهي، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة البقرة، الآية 214.
2- السيد محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنيّة، الطبعة الأولى، مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر، قم، 1421 هـ.ق.، ص 54.
3- سورة الأعراف، الآية 34.
4- سورة الأنعام، الآية 34.
5- سورة يوسف، الآية 109. تجدر الإشارة إلى أنّ الأمثلة المذكورة للآيات الشريفة هي من الشهيد الصدر نفسه. انظر: المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص 55-66.
6- سورة الحج، الآية 40.
7- سورة المجادلة، الآية 21.
8- الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 7.
9- سورة آل عمران، الآية 12.
10- سورة المائدة، الآية 56.
11- سورة آل عمران، الآية 126.
12- الميزان في تفسير القرآن، ج 4، ص 4.
13- سورة الروم، الآية 47.
14- سورة المجادلة، الآية 21.
15- سورة الأنعام، الآية 54.
16- سورة آل عمران، الآية 123.
17- سورة آل عمران، الآية 125.
18- سورة التوبة، الآية 25.
19- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، النجف، 1956م، ج 1، ص 180.
20- انظر: سورة التوبة، الآية 26. ويمكن أن تكون هذه الآية نموذجًا آخر للآيات التي تتحدّث عن حالات محدّدة من النصر الإلهيّ.
21- سورة الأنفال، الآية 26.
22- الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 53، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 5، ص 299.
23- سورة التوبة، الآية 40.
24- سورة البقرة، الآية 214.
25- الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 159.
26- سورة البقرة: الآية 250.
27- سورة البقرة: الآية 251.
28- سورة الفتح، الآيتان 22 و23.
29- سورة الحج، الآية 40.
30- سورة النساء، الآية 122.
31- سورة الأنفال، الآية 63.
32- سورة الأنفال، الآية 62.
33- سورة الأنفال، الآية 9.
34- سورة الأنفال، الآية 62.
35- سورة القصص، الآية 78.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism