قال مسؤول الحشد الشعبي المقاتل هادي العامري ان الأمريكي (مستشار نظري)، بينما سليماني (مستشار عملي)، معك في الميدان، بل وتجده امامك مبينا أن الأكراد لايريدون للعراقيين أن يدافعوا عن كركوك، ويحمونها من داعش، في الوقت الذي لم يستطع فيه الأكراد حمايتها، ولا حماية غيرها من المدن والمواقع التي سقطت بيد داعش جاء ذالك خلال لقاء اجرته معه مجلة كل الناس وتنشر وكالة نون الخبرية نص اللقاء....
عندما تتحدث عن الموقف والإلتزام والفروسية والبسالة والدفاع عن الأرض، يجب عليك أن تذكر المقاتل البطل هادي العامري. أما إذا تحدثت عن الرجال المعطرة حياتهم بالجهاد والكفاح والتصدي للدكتاتورية ومقارعة الطغاة، فيتوجب عليك أن تذكر أيضاً المجاهد الوطني هادي العامري.. ويقيناً أن الملايين من العراقيين يعرفون هذا الفارس الشجاع، فهو لايحتاج الى أكثر من ذكر إسمه المضيء، وكفى!
(كل الناس) كان لها موعد مع الذي غادر الوزارة والكرسي، وهجر النعيم والراحة والفخفخة والجاه والبيت والأهل والأولاد، وكل ملذات الدنيا، ليحمل البندقية على كتفه ويمضي الى حيث ساحات الوغى، مستجيباً لنداء المرجعية، وملبياً بشرف لنداء الواجب الوطني، ليقاتل جنباً الى جنب مع ولده (مهدي) ومع أفراد حمايته الشباب، ومع آلاف المقاتلين الذين كان بعضهم يتمنى أن يلتقي به مجرد لقاء.. هادي العامري تحدث بصراحته المعروفة، ووضع في حواره هذا النقاط على الحروف في وقت مهم وحساس وخطير، يحتاج فيه الناس الى قراءة الأحداث مكتوبة بحروف منقطة، وليست عارية من النقاط.
* قلت لأبي حسن: هل كانت الموصل مستهدفة لتحقيق هدف جزئي معين؟ ام أن هناك مشروعاً كاملاً تكون فيه الموصل نقطة الإنطلاق!
فقال أبو حسن:- لم تكن الموصل وحدها المستهدفة، إنما كان العراق كله مستهدفاً.. وقد بدأ التخطيط، ومن ثم التنفيذ منذ فترة، ليتواصل العمل بشكل مراحل متعددة ومتنوعة.. ولأن المشروع كبير، فقد كانت الإستعدادات له واسعة وطويلة، وحتماً فإن إحتلال الموصل لم يكن وليد الساعة التي تم فيها الإحتلال، إنما بدأ بإجهاد الجيش العراقي، وإستنزافه في الرمادي والفلوجة، ثم انتقل الى صفحة التحشيد الطائفي حيث كان لمنصات الإعتصام، وخيام الطائفية في الرمادي دور كبير في تنظيم وتحفيز الناس طائفياً، فكان الشباب السني يدخلون الى تنظيم داعش بالمجاميع، وكل ذلك يحصل جراء الخطاب الطائفي المتداول في تلك الخيام.. لقد مهد الإعتصام الى حصول الكارثة في الموصل بشكل واضح لا يقبل المناقشة والتأويل.
*طيب من المسؤول عن سقوط الموصل بيد إرهابيي داعش؟
- هي أسباب كثيرة وعديدة لهذا السقوط المؤلم.. بعضها ذكرتها في جوابي على السؤال السابق، وبعضها بات معروفاً للناس لا يحتاج الى القول والإفصاح، ولأني لا أريد أن أسبق نتائج التحقيق الرسمية حول إحتلال الموصل فأقول رأياً ربما يفهم خطأ من قبل الآخرين، سأكتفي بما ذكرت.. لكني أستطيع القول بأن هناك من مهد لهذا السقوط وسعى له، سواء أكان من قبل بعض السياسيين العراقيين، أم من قبل الدول الأجنبية! كما أن هناك أيضاً تقصيراً من قبل الجيش لايمكن التغاضي عنه. وبما إننا مازلنا في موضوع إحتلال الموصل، فإني أود أن أشير هنا الى أن ساحات الإعتصام قد ساهمت عبر الإتهامات التي وجهت الى الجيش والمؤسسة الأمنية في إضعاف معنويات القوات العسكرية، لذلك حصل الإنهيار الفظيع، وسقطت الموصل بيد أقذر خلق الله، فكانت النتيجة إن دفع العراقيون بشكل عام، والمواطنون الموصليون بشكل خاص ثمن هذا السقوط العسكري والسياسي للموصل.
*وكيف حصل التحول في الروح المعنوية، والقدرة القتالية أيضاً؟
- لقد حصل ذلك بسبب صلابة الموقف الشجاع للمقاومة الإسلامية.. ولا أخفي عليك فقد كانت المقاومة الإسلامية بمثابة الحجر الكبير الذي أوقف زحف الدواعش أولاً، وفي دحرهم، وتحرير المواقع من دنسهم أيضا. لقد بدأ التحول العراقي من الدفاع الى الهجوم بفضل الفتوى المباركة للسيد السيستاني، وإستجابة الناس لها، حيث راحت تنخرط في حشود شعبية هائلة، لتقاتل جنباً الى جنب مع المجاهدين في المقاومة الإسلامية، فكانت النتيجة هذه الإنتصارات الجبارة التي تحققت على تنظيم داعش الإرهابي في عشرات المدن، والأراضي العراقية. وسأقول لك بصراحة إن الإنهيار المعنوي الذي كان حاصلاً بين صفوف القوات العسكرية والأمنية قد وصل للأسف حتى لأفراد الشرطة في البصرة، وباقي المدن العراقية الأخرى. بينما اليوم، وبعد أن أصبح أبطال المقاومة الإسلامية ومقاتلو الحشد الشعبي في خندق قتالي واحد، صار أفراد الشرطة والجيش يتسابقون فيما بينهم لإحراز الشهادة. وفي حوزتي العديد من الأمثلة لمقاتلين من الجيش والشرطة أبلوا بلاء حسناً في ساحات القتال، بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف يقاتل ويستبسل أخوانهم في المقاومة الإسلامية، وبقية الصفوف المقاتلة في الحشد الشعبي البطل. وطبعاً فإن هناك قلة قليلة من الجيش والشرطة لم تتمكن من الوصول الى المستوى المتقدم الذي وصل اليه الآخرون.
لم نعتد على أحد قط
*وماحكاية الإتهامات الموجهة لكم بحرق، ونهب المدن المحررة؟
- معاذ الله أن يرتكب الذين يضحون بحياتهم من أجل تحرير المدن العراقية مثل هذه الإعمال المخجلة.. ولا أعرف كيف يستطيع البعض إتهامنا بمثل هذه الأعمال، ونحن الذين ندفع دماءنا ثمناً لحريتهم؟! سأقول لك إننا خسرنا شباباً بعمر الورود، ملتزمين بقيم الدين الحنيف، وبأخلاق المجاهدين، كما خسرنا أيضاً شيوخاً أبطالاً، باعوا الدنيا بما فيها من أجل إرضاء الله، وحرية الوطن. ومن بين هؤلاء الشهداء الشجعان، سقط لنا من هو (يساوي) مدنية بأكملها، إذن..! عن أي مدن منهوبة يتحدث هؤلاء؟!
لقد كان مقاتلو الحشد الشعبي أمناء، ونزيهين بشكل مدهش، فوالله وجدت فيهم من يرفض الصلاة في بيوت محررة خوفاً من ان يكون صاحب البيت غير راض عن ذلك، فتفسد صلاته، وبعضهم قام عند تحرير مدينة ما بإسقاء الحيوانات العائدة لبعض أهالي هذه المدينة، لأن هذه الحيوانات بقيت عطشى، ولم يتم إرواؤها منذ فترة طويلة، بعد أن غادرها أصحابها بسبب دخول داعش.. وأزيدك من الشعر بيتاً أن أغلب مقاتلينا حافظوا على البيوت، وبما فيها، رغم أنهم كانوا يعلمون أن بعض أصحاب هذه البيوت داعشيون!!
ولو دققت في الفرق الأخلاقي والشرعي والوطني بين دخول الحشد الشعبي الى المدن، وبين إحتلال داعش لها، فستجد أن الفرق واسع جداً.. ومثال على ذلك، ان تنظيم داعش حين يحتل مدينة (سنية)، فسيقوم بتفجير أي بيت، قد يكون فيه شخص واحد متعاوناً مع الحكومة. بينما نحن نحافظ على بيوت، وممتلكات الناس جميعاً في المدينة التي نحررها مهما كان أصحابها. ولكي أكون دقيقاً فإني أود الأشارة الى أن ثمة إستثناءات تحدث هنا وهناك، خصوصاً في المدن المختلطة، فأنا لا أستطيع مثلاً أن أسيطر على مشاعر، وإنفعلات البعض من الشباب في هذه المدن المختلطة، ولا أقدر قطعاً أن أقف في وجه (الشيعي) الذي يدخل المدينة محرراً مع اخوته المجاهدين، ثم يجد أن بيته محروق، (وحسينيته) محروقة، ومحله كله ممسوح من الأرض، بينما يجد بيت جاره (السني)، وسيارته، وجامعه، ومحلاته سالمة، وهنا ستتحرك المشاعر الموجوعة، وتشتعل النار المخبوءة في الصدور، فيحدث ما يحدث..وأظن إن لا أحد يطلب مني وقتها ان أترك ساحة المعركة، وهي في آخر صفحات التطهير والملاحقة لمجرمي داعش، وفيها النيران العدوة مصوبة نحونا، بينما أمضي موجهاً سلاحي الى أخي ورفيقي في الجهاد والقتال لأمنعه من القيام برد فعل، لايمثل سوى حالة فردية واحدة، ربما، او أكثر بقليل..!!
وما طبلت له وسائل الإعلام المعادية في (بروانة) والضلوعية، وما وجهته لنا من إتهام، فأنا أقسم لكم أن جميعه كذب وإفتراء. لقد استقبلنا الناس في (الضلوعية) بالهتافات والهوسات استقبال المحررين الفاتحين، وثق أن بعض الشباب في الضلوعية قد وضعوا صورة هادي العامري (خلفية لموبايلاتهم) رداً على مواقفنا الأخلاقية تجاههم، وهذا يمثل برأيي تكريماً إنسانياً عفوياً لنا، لما قمنا به من عمل كبير عند تحريرنا مدينتهم.. لقد كان تعاملنا مع الناس، والممتلكات، والعقائد في مدينة الضلوعية مثالاً وأنموذجاً يقتدى به.. فهذا برأيي أحسن وأفضل نموذج للمصالحة الوطنية.. فالمصالحة الوطنية برأيي هي تلك التي تتم في لحظات الدفاع المشترك عن الأرض والعرض، وتتشكل المصالحة أيضاً حين تختلط الدماء العراقية بعضها البعض من أجل العراق.. إن الصورة الزاهية في الضلوعية لم يعرضها الإعلام المشبوه للناس كي يفرحوا بها، فمثلاً (قناة الشرقية) قلبت الصورة تماماً وأظهرت العكس!
نحن يا أخي العزيز من مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن ينتمي لهذه المدرسة الإنسانية العظيمة، لايمكن أن يكون قاسياً على الآخر، فما بالك لو كان (الآخر) أخاً وشريكاً في الوطن والدين؟
*وما رأيكم بما سيكون عليه الحال في الميدان مستقبلاً؟
- النصر لنا مليون في المائة، ولا أشك لحظة واحدة بهذا النصر.. فبقوة الأيمان بالله، والحق، والوطن، وبصلابة مقاتلي الحشد الشعبي، وعزيمة الجيش والشرطة، ووحدتهم مع العشائر الوطنية الشريفة سيهزم داعش، ومن يقف خلف داعش، مهما كانت قوته، وتمويله.
*ما ردك على من يتهمكم بإناطة مهمة القيادة لقاسم سليماني؟
ضحك (أبو حسن) وقال: قاسم سليماني واحد من أسباب النصر على داعش، فالرجل مقتدر، وعقل ميداني كبير، له خبرة ستراتيجية طويلة في مواجهة إرهاب القاعدة وداعش، وله مساهمات ومشاركات عديدة في كوسوفو وافغانستان وسوريا وغيرها. هو الآن مستشار عسكري وأمني في العراق، جاء بإتفاقات حكومية بين العراق وإيران، وليست شخصية او مزاجية. للرجل بصمات واضحة في التخطيط والمساهمة في دحر داعش ليس في الأرض العراقية فحسب بل وفي الشام أيضاً. ولا أدري لماذا يتغاضى الجماعة عن عشرات المستشارين الأمنيين من الأمريكيين وغير الأمريكيين، ويغلقون الأبصار عنهم بينما نجدهم (مچلبين) بالحاج قاسم سليماني؟!
ثم لماذا يتوسلون بالأمريكي، وغير الأمريكي، ويقولون له: تعال حررنا من إحتلال داعش، بينما يرفضون سليماني المتطوع للدفاع عنهم، وعن العراق.. لقد جلست معه جلسات ميدانية حربية ووجدت أنه يملك خبرة وقدرة عسكرية وامنية ستراتيجية كبيرة.. سأضحكك وأقول ان البعض من أخوتنا يرفض، او يبتعد عن إلتقاط صورة مع سليماني، بينما أنا ألتقط الصور معه بثقة تامة، فهذا الرجل نذر حياته للدفاع عن الحق أينما كان، وجاء متطوعاً ليدافع عني، وعن بلدي، فلماذا اتحرج، او أتخوف من التقاط الصور التذكارية معه..؟!
وهنا اود أن أذكر معلومة مهمة هي ان الأمريكي (مستشار نظري)، بينما سليماني (مستشار عملي)، معك في الميدان، بل وتجده امامك..
كركوك عراقية رغم أنف الذي لا يريد ذلك
قلت لهادي العامري: وماذا عن مشكلتك مع الكرد بشأن كركوك؟
- قال: ليس لي معهم أية مشكلة.. ولا مع البيشمرگة، فقد سبق لي وأن كنت مقاتلاً في جبال كردستان بصحبة الشهيد السعيد محمد باقر الحكيم، ونحن نتصدى سوية لنظام صدام الدكتاتوري. لكن الإختلاف في قضية كركوك يتعلق بإننا نرى هذه المدينة مثلما يراها العالم كله، ومثلما هي بالفعل: مدينة عراقية خالصة، بينما الأكراد يريدونها ان تكون مدينة كردية، رغماً عن أنف التاريخ والجغرافيا والحق والوقائع.. ولعل القضية الأخطر أن الأكراد لايريدون للعراقيين أن يدافعوا عن مدينتهم، ويحمونها من داعش، في الوقت الذي لم يستطع فيه الأكراد حمايتها، ولا حماية غيرها من المدن والمواقع التي سقطت بيد داعش، وهي التي كان رئيس الأقليم يتبجح بحمايتها والدفاع عنها، وأظن ان ثمة الكثير من الناس يعرفون هذه المدن المحتلة.. لقد إتصلت بالسيد رئيس الجمهورية، ومحافظ كركوك، وقلت لهما انا مستعد لأن آخذ معي قوة من الحشد الشعبي وأذهب للدفاع عن كركوك.. لقد قلت لهما ذلك فحسب، لأني لا آخذ الإذن من أحد فيما يتعلق بقضية الدفاع، أو التحرير لأي مدينة عراقية، سواء أكانت كركوك، أم البصرة! بل وحتى أربيل أيضاً، مع إحترامي لخصوصية كردستان..فكل هذه المدن عراقية أباً عن جد!!
كل أولادي يقاتلون معي
- قلت للفارس هادي العامري: وماذا عن اولادك؟
- فقال: كلهم يقاتلون معي..
- قلت له: وهل بينهم مهدي (الذي أعاد الطائرة من بيروت)؟
- فضحك وقال: هذا ليس بينهم فحسب، بل أشدهم شراسة في القتال ضد داعش، بالمناسبة فإن ولدي مهدي قد كان يقاتل في الشام دفاعاً عن مرقد العقيلة زينب، وبإمكانك ان تسأل عنه كل الذين قاتلوا معه هناك ليحكي لك عن فروسية وعراقية هذا الولد اما موضوع الطائرة الذي لا أريد الخوض في موضوعه مرة أخرى، فهو لم يكن كما عرض في وسائل الإعلام، وللحق فإن أباه كان المستهدف بالموضوع وليس هو، ولأسباب كثيرة، ليس مهماً ذكرها الآن.
لا أبكي على الشهيد!!
قبل أن أختتم الحديث مع البطل العامري، قلت له:
*هل تبكي على رأس شهيد من شهداء أبطال منظمتك الباسلة (بدر) حين يأتون به اليك مضرجاً بدمه.. وهو الذي كان يتناول الطعام معك قبل يوم او يومين؟
- رغم إن عواطفي جياشة، ومشاعري حساسة جداً، لكني لا أبكي على شهيد، فهو أولاً حي يرزق، وشهيد نال الشهادة من اجل الدين والوطن، أجره عند الله عظيم.. فضلاً عن إن البكاء امام المقاتلين قد يصيبهم بالإحباط خصوصاً الشباب.. رغم ثقتي العظيمة بهؤلاء المقاتلين.. لكني أعترف لك بأن دمعة انزلقت سراً على خدي عندما استشهد المقاتل البطل (أبو زهراء) رغماً عني، ورغماً عن إعتدادي وممانعتي.. فانا أولاً وأخيراً إنسان!!
حوار:فالح حسون الدراجي
عندما تتحدث عن الموقف والإلتزام والفروسية والبسالة والدفاع عن الأرض، يجب عليك أن تذكر المقاتل البطل هادي العامري. أما إذا تحدثت عن الرجال المعطرة حياتهم بالجهاد والكفاح والتصدي للدكتاتورية ومقارعة الطغاة، فيتوجب عليك أن تذكر أيضاً المجاهد الوطني هادي العامري.. ويقيناً أن الملايين من العراقيين يعرفون هذا الفارس الشجاع، فهو لايحتاج الى أكثر من ذكر إسمه المضيء، وكفى!
(كل الناس) كان لها موعد مع الذي غادر الوزارة والكرسي، وهجر النعيم والراحة والفخفخة والجاه والبيت والأهل والأولاد، وكل ملذات الدنيا، ليحمل البندقية على كتفه ويمضي الى حيث ساحات الوغى، مستجيباً لنداء المرجعية، وملبياً بشرف لنداء الواجب الوطني، ليقاتل جنباً الى جنب مع ولده (مهدي) ومع أفراد حمايته الشباب، ومع آلاف المقاتلين الذين كان بعضهم يتمنى أن يلتقي به مجرد لقاء.. هادي العامري تحدث بصراحته المعروفة، ووضع في حواره هذا النقاط على الحروف في وقت مهم وحساس وخطير، يحتاج فيه الناس الى قراءة الأحداث مكتوبة بحروف منقطة، وليست عارية من النقاط.
* قلت لأبي حسن: هل كانت الموصل مستهدفة لتحقيق هدف جزئي معين؟ ام أن هناك مشروعاً كاملاً تكون فيه الموصل نقطة الإنطلاق!
فقال أبو حسن:- لم تكن الموصل وحدها المستهدفة، إنما كان العراق كله مستهدفاً.. وقد بدأ التخطيط، ومن ثم التنفيذ منذ فترة، ليتواصل العمل بشكل مراحل متعددة ومتنوعة.. ولأن المشروع كبير، فقد كانت الإستعدادات له واسعة وطويلة، وحتماً فإن إحتلال الموصل لم يكن وليد الساعة التي تم فيها الإحتلال، إنما بدأ بإجهاد الجيش العراقي، وإستنزافه في الرمادي والفلوجة، ثم انتقل الى صفحة التحشيد الطائفي حيث كان لمنصات الإعتصام، وخيام الطائفية في الرمادي دور كبير في تنظيم وتحفيز الناس طائفياً، فكان الشباب السني يدخلون الى تنظيم داعش بالمجاميع، وكل ذلك يحصل جراء الخطاب الطائفي المتداول في تلك الخيام.. لقد مهد الإعتصام الى حصول الكارثة في الموصل بشكل واضح لا يقبل المناقشة والتأويل.
*طيب من المسؤول عن سقوط الموصل بيد إرهابيي داعش؟
- هي أسباب كثيرة وعديدة لهذا السقوط المؤلم.. بعضها ذكرتها في جوابي على السؤال السابق، وبعضها بات معروفاً للناس لا يحتاج الى القول والإفصاح، ولأني لا أريد أن أسبق نتائج التحقيق الرسمية حول إحتلال الموصل فأقول رأياً ربما يفهم خطأ من قبل الآخرين، سأكتفي بما ذكرت.. لكني أستطيع القول بأن هناك من مهد لهذا السقوط وسعى له، سواء أكان من قبل بعض السياسيين العراقيين، أم من قبل الدول الأجنبية! كما أن هناك أيضاً تقصيراً من قبل الجيش لايمكن التغاضي عنه. وبما إننا مازلنا في موضوع إحتلال الموصل، فإني أود أن أشير هنا الى أن ساحات الإعتصام قد ساهمت عبر الإتهامات التي وجهت الى الجيش والمؤسسة الأمنية في إضعاف معنويات القوات العسكرية، لذلك حصل الإنهيار الفظيع، وسقطت الموصل بيد أقذر خلق الله، فكانت النتيجة إن دفع العراقيون بشكل عام، والمواطنون الموصليون بشكل خاص ثمن هذا السقوط العسكري والسياسي للموصل.
*وكيف حصل التحول في الروح المعنوية، والقدرة القتالية أيضاً؟
- لقد حصل ذلك بسبب صلابة الموقف الشجاع للمقاومة الإسلامية.. ولا أخفي عليك فقد كانت المقاومة الإسلامية بمثابة الحجر الكبير الذي أوقف زحف الدواعش أولاً، وفي دحرهم، وتحرير المواقع من دنسهم أيضا. لقد بدأ التحول العراقي من الدفاع الى الهجوم بفضل الفتوى المباركة للسيد السيستاني، وإستجابة الناس لها، حيث راحت تنخرط في حشود شعبية هائلة، لتقاتل جنباً الى جنب مع المجاهدين في المقاومة الإسلامية، فكانت النتيجة هذه الإنتصارات الجبارة التي تحققت على تنظيم داعش الإرهابي في عشرات المدن، والأراضي العراقية. وسأقول لك بصراحة إن الإنهيار المعنوي الذي كان حاصلاً بين صفوف القوات العسكرية والأمنية قد وصل للأسف حتى لأفراد الشرطة في البصرة، وباقي المدن العراقية الأخرى. بينما اليوم، وبعد أن أصبح أبطال المقاومة الإسلامية ومقاتلو الحشد الشعبي في خندق قتالي واحد، صار أفراد الشرطة والجيش يتسابقون فيما بينهم لإحراز الشهادة. وفي حوزتي العديد من الأمثلة لمقاتلين من الجيش والشرطة أبلوا بلاء حسناً في ساحات القتال، بعد أن رأوا بأم أعينهم كيف يقاتل ويستبسل أخوانهم في المقاومة الإسلامية، وبقية الصفوف المقاتلة في الحشد الشعبي البطل. وطبعاً فإن هناك قلة قليلة من الجيش والشرطة لم تتمكن من الوصول الى المستوى المتقدم الذي وصل اليه الآخرون.
لم نعتد على أحد قط
*وماحكاية الإتهامات الموجهة لكم بحرق، ونهب المدن المحررة؟
- معاذ الله أن يرتكب الذين يضحون بحياتهم من أجل تحرير المدن العراقية مثل هذه الإعمال المخجلة.. ولا أعرف كيف يستطيع البعض إتهامنا بمثل هذه الأعمال، ونحن الذين ندفع دماءنا ثمناً لحريتهم؟! سأقول لك إننا خسرنا شباباً بعمر الورود، ملتزمين بقيم الدين الحنيف، وبأخلاق المجاهدين، كما خسرنا أيضاً شيوخاً أبطالاً، باعوا الدنيا بما فيها من أجل إرضاء الله، وحرية الوطن. ومن بين هؤلاء الشهداء الشجعان، سقط لنا من هو (يساوي) مدنية بأكملها، إذن..! عن أي مدن منهوبة يتحدث هؤلاء؟!
لقد كان مقاتلو الحشد الشعبي أمناء، ونزيهين بشكل مدهش، فوالله وجدت فيهم من يرفض الصلاة في بيوت محررة خوفاً من ان يكون صاحب البيت غير راض عن ذلك، فتفسد صلاته، وبعضهم قام عند تحرير مدينة ما بإسقاء الحيوانات العائدة لبعض أهالي هذه المدينة، لأن هذه الحيوانات بقيت عطشى، ولم يتم إرواؤها منذ فترة طويلة، بعد أن غادرها أصحابها بسبب دخول داعش.. وأزيدك من الشعر بيتاً أن أغلب مقاتلينا حافظوا على البيوت، وبما فيها، رغم أنهم كانوا يعلمون أن بعض أصحاب هذه البيوت داعشيون!!
ولو دققت في الفرق الأخلاقي والشرعي والوطني بين دخول الحشد الشعبي الى المدن، وبين إحتلال داعش لها، فستجد أن الفرق واسع جداً.. ومثال على ذلك، ان تنظيم داعش حين يحتل مدينة (سنية)، فسيقوم بتفجير أي بيت، قد يكون فيه شخص واحد متعاوناً مع الحكومة. بينما نحن نحافظ على بيوت، وممتلكات الناس جميعاً في المدينة التي نحررها مهما كان أصحابها. ولكي أكون دقيقاً فإني أود الأشارة الى أن ثمة إستثناءات تحدث هنا وهناك، خصوصاً في المدن المختلطة، فأنا لا أستطيع مثلاً أن أسيطر على مشاعر، وإنفعلات البعض من الشباب في هذه المدن المختلطة، ولا أقدر قطعاً أن أقف في وجه (الشيعي) الذي يدخل المدينة محرراً مع اخوته المجاهدين، ثم يجد أن بيته محروق، (وحسينيته) محروقة، ومحله كله ممسوح من الأرض، بينما يجد بيت جاره (السني)، وسيارته، وجامعه، ومحلاته سالمة، وهنا ستتحرك المشاعر الموجوعة، وتشتعل النار المخبوءة في الصدور، فيحدث ما يحدث..وأظن إن لا أحد يطلب مني وقتها ان أترك ساحة المعركة، وهي في آخر صفحات التطهير والملاحقة لمجرمي داعش، وفيها النيران العدوة مصوبة نحونا، بينما أمضي موجهاً سلاحي الى أخي ورفيقي في الجهاد والقتال لأمنعه من القيام برد فعل، لايمثل سوى حالة فردية واحدة، ربما، او أكثر بقليل..!!
وما طبلت له وسائل الإعلام المعادية في (بروانة) والضلوعية، وما وجهته لنا من إتهام، فأنا أقسم لكم أن جميعه كذب وإفتراء. لقد استقبلنا الناس في (الضلوعية) بالهتافات والهوسات استقبال المحررين الفاتحين، وثق أن بعض الشباب في الضلوعية قد وضعوا صورة هادي العامري (خلفية لموبايلاتهم) رداً على مواقفنا الأخلاقية تجاههم، وهذا يمثل برأيي تكريماً إنسانياً عفوياً لنا، لما قمنا به من عمل كبير عند تحريرنا مدينتهم.. لقد كان تعاملنا مع الناس، والممتلكات، والعقائد في مدينة الضلوعية مثالاً وأنموذجاً يقتدى به.. فهذا برأيي أحسن وأفضل نموذج للمصالحة الوطنية.. فالمصالحة الوطنية برأيي هي تلك التي تتم في لحظات الدفاع المشترك عن الأرض والعرض، وتتشكل المصالحة أيضاً حين تختلط الدماء العراقية بعضها البعض من أجل العراق.. إن الصورة الزاهية في الضلوعية لم يعرضها الإعلام المشبوه للناس كي يفرحوا بها، فمثلاً (قناة الشرقية) قلبت الصورة تماماً وأظهرت العكس!
نحن يا أخي العزيز من مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن ينتمي لهذه المدرسة الإنسانية العظيمة، لايمكن أن يكون قاسياً على الآخر، فما بالك لو كان (الآخر) أخاً وشريكاً في الوطن والدين؟
*وما رأيكم بما سيكون عليه الحال في الميدان مستقبلاً؟
- النصر لنا مليون في المائة، ولا أشك لحظة واحدة بهذا النصر.. فبقوة الأيمان بالله، والحق، والوطن، وبصلابة مقاتلي الحشد الشعبي، وعزيمة الجيش والشرطة، ووحدتهم مع العشائر الوطنية الشريفة سيهزم داعش، ومن يقف خلف داعش، مهما كانت قوته، وتمويله.
*ما ردك على من يتهمكم بإناطة مهمة القيادة لقاسم سليماني؟
ضحك (أبو حسن) وقال: قاسم سليماني واحد من أسباب النصر على داعش، فالرجل مقتدر، وعقل ميداني كبير، له خبرة ستراتيجية طويلة في مواجهة إرهاب القاعدة وداعش، وله مساهمات ومشاركات عديدة في كوسوفو وافغانستان وسوريا وغيرها. هو الآن مستشار عسكري وأمني في العراق، جاء بإتفاقات حكومية بين العراق وإيران، وليست شخصية او مزاجية. للرجل بصمات واضحة في التخطيط والمساهمة في دحر داعش ليس في الأرض العراقية فحسب بل وفي الشام أيضاً. ولا أدري لماذا يتغاضى الجماعة عن عشرات المستشارين الأمنيين من الأمريكيين وغير الأمريكيين، ويغلقون الأبصار عنهم بينما نجدهم (مچلبين) بالحاج قاسم سليماني؟!
ثم لماذا يتوسلون بالأمريكي، وغير الأمريكي، ويقولون له: تعال حررنا من إحتلال داعش، بينما يرفضون سليماني المتطوع للدفاع عنهم، وعن العراق.. لقد جلست معه جلسات ميدانية حربية ووجدت أنه يملك خبرة وقدرة عسكرية وامنية ستراتيجية كبيرة.. سأضحكك وأقول ان البعض من أخوتنا يرفض، او يبتعد عن إلتقاط صورة مع سليماني، بينما أنا ألتقط الصور معه بثقة تامة، فهذا الرجل نذر حياته للدفاع عن الحق أينما كان، وجاء متطوعاً ليدافع عني، وعن بلدي، فلماذا اتحرج، او أتخوف من التقاط الصور التذكارية معه..؟!
وهنا اود أن أذكر معلومة مهمة هي ان الأمريكي (مستشار نظري)، بينما سليماني (مستشار عملي)، معك في الميدان، بل وتجده امامك..
كركوك عراقية رغم أنف الذي لا يريد ذلك
قلت لهادي العامري: وماذا عن مشكلتك مع الكرد بشأن كركوك؟
- قال: ليس لي معهم أية مشكلة.. ولا مع البيشمرگة، فقد سبق لي وأن كنت مقاتلاً في جبال كردستان بصحبة الشهيد السعيد محمد باقر الحكيم، ونحن نتصدى سوية لنظام صدام الدكتاتوري. لكن الإختلاف في قضية كركوك يتعلق بإننا نرى هذه المدينة مثلما يراها العالم كله، ومثلما هي بالفعل: مدينة عراقية خالصة، بينما الأكراد يريدونها ان تكون مدينة كردية، رغماً عن أنف التاريخ والجغرافيا والحق والوقائع.. ولعل القضية الأخطر أن الأكراد لايريدون للعراقيين أن يدافعوا عن مدينتهم، ويحمونها من داعش، في الوقت الذي لم يستطع فيه الأكراد حمايتها، ولا حماية غيرها من المدن والمواقع التي سقطت بيد داعش، وهي التي كان رئيس الأقليم يتبجح بحمايتها والدفاع عنها، وأظن ان ثمة الكثير من الناس يعرفون هذه المدن المحتلة.. لقد إتصلت بالسيد رئيس الجمهورية، ومحافظ كركوك، وقلت لهما انا مستعد لأن آخذ معي قوة من الحشد الشعبي وأذهب للدفاع عن كركوك.. لقد قلت لهما ذلك فحسب، لأني لا آخذ الإذن من أحد فيما يتعلق بقضية الدفاع، أو التحرير لأي مدينة عراقية، سواء أكانت كركوك، أم البصرة! بل وحتى أربيل أيضاً، مع إحترامي لخصوصية كردستان..فكل هذه المدن عراقية أباً عن جد!!
كل أولادي يقاتلون معي
- قلت للفارس هادي العامري: وماذا عن اولادك؟
- فقال: كلهم يقاتلون معي..
- قلت له: وهل بينهم مهدي (الذي أعاد الطائرة من بيروت)؟
- فضحك وقال: هذا ليس بينهم فحسب، بل أشدهم شراسة في القتال ضد داعش، بالمناسبة فإن ولدي مهدي قد كان يقاتل في الشام دفاعاً عن مرقد العقيلة زينب، وبإمكانك ان تسأل عنه كل الذين قاتلوا معه هناك ليحكي لك عن فروسية وعراقية هذا الولد اما موضوع الطائرة الذي لا أريد الخوض في موضوعه مرة أخرى، فهو لم يكن كما عرض في وسائل الإعلام، وللحق فإن أباه كان المستهدف بالموضوع وليس هو، ولأسباب كثيرة، ليس مهماً ذكرها الآن.
لا أبكي على الشهيد!!
قبل أن أختتم الحديث مع البطل العامري، قلت له:
*هل تبكي على رأس شهيد من شهداء أبطال منظمتك الباسلة (بدر) حين يأتون به اليك مضرجاً بدمه.. وهو الذي كان يتناول الطعام معك قبل يوم او يومين؟
- رغم إن عواطفي جياشة، ومشاعري حساسة جداً، لكني لا أبكي على شهيد، فهو أولاً حي يرزق، وشهيد نال الشهادة من اجل الدين والوطن، أجره عند الله عظيم.. فضلاً عن إن البكاء امام المقاتلين قد يصيبهم بالإحباط خصوصاً الشباب.. رغم ثقتي العظيمة بهؤلاء المقاتلين.. لكني أعترف لك بأن دمعة انزلقت سراً على خدي عندما استشهد المقاتل البطل (أبو زهراء) رغماً عني، ورغماً عن إعتدادي وممانعتي.. فانا أولاً وأخيراً إنسان!!
حوار:فالح حسون الدراجي