اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الجمعة، 14 أغسطس 2015

أحكام عبادة المجاهد

أحكام عبادة المجاهد

القسم الأول: الطهارة الابتلائية:

وضوء الجبيرة:

- إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء الغسل في الوضوء، فهنا صورتان:
- إن أمكن نزعها أو إيصال الماء إلى العضو ولو من دون النزع وجب ذلك.
- إن لم يمكن نزعها ولا إيصال الماء إلى العضو يكفي المسح على الجبيرة بنداوة الوضوء.
- إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء المسح فهنا صورتان:
- إن أمكن نزع الجبيرة ومسح ما تحتها وجب ذلك.
- إن لم يمكن ذلك مسح على الجبيرة.

التيمّمم ومراتبه:

المرتبة الأولى: التيمّم بالصعيد: وهو مطلق وجه الأرض (أي كلّ ما يعدّ أرضاً)، منه: التراب، الصخور، الرمل، الأحجار، الكلس، الجص1، المدر2، الآجر3، والخزف4، الوحل المجفف.
المرتبة الثانية: الغبار المجمّع: لو فقد ما يتيمّم به من المرتبة الأولى يتيمّم بغبار الأرض بعد جمعه، كالغبار الموجود على ثوبه أو فراشه.
المرتبة الثالثة: ظاهر ذي الغبار: إذا لم يستطع المكلّف جمع الغبار يتيمّم على ما يكون على ظاهره غبار الأرض، ضارباً على ذي الغبار.
المرتبة الرابعة: الوحل: مع فقد الغبار يتيمّم بالوحل، ولو تمكّن من تجفيفه وجب ذلك وإلا تيمّم بالوحل.

ويوجد هنا مسائل:

- لا يجوز الانتقال إلى المرتبة الدنيا إلا بعد فقدان المرتبة التي قبلها.
- لو فقد المجاهد جميع هذه المراتب يصير فاقد الطهورين، أي كان غير متمكّنٍ من الوضوء والتيمّم، فالأحوط وجوباً الصلاة في الوقت من دون وضوء وتيمم، ثم القضاء مع الوضوء أو التيمم.
- يشترط فيما يتيمّم به أن يكون طاهراً ومباحاً، فلا يصح التيمّم على النجس أو على المغصوب.

كيفيّة التَّيمُّم:

أوّلاً: أن يضرب باطن الكفّين على ما يصحّ التَّيمُّم به دفعةً واحدة.
ثانياً: أن يمسح تمام الجبهة والجبينين بباطن الكفّين بدءاً من منبت شعر الرَّأس إلى طرف الأنف الأعلى والحاجبين.
ثالثاً: أن يمسح تمام ظاهر كفّ اليد اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن كفّ اليد اليسرى، ثمّ يمسح تمام ظاهر كفّ اليد اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليد اليمنى.
رابعاً: أن يضرب باطن الكفّين مرّة ثانية على الأرض دفعة واحدة، ويمسح اليدين فقط كما تقدّم على الأحوط وجوباً.

القسم الثاني: الصلاة الابتلائية:

أحكام عامة للصلاة:

- تجوز الصلاة في ملك الغير حال الضرورة كالخوف من العدو أو أثناء اشتعال المعركة، أو التواجد في كمين...إلخ.

- لا تجوز الصلاة بالحذاء (العسكري وغيره) إلا في حال الضرورة كالخوف من العدو أو عدم إمكانية نزعه بسبب ظروف العمل العسكري.

- يجب أن يكون موضع سجود الجبهة طاهراً، وأمّا باقي أمكنة أعضاء السجود فلا يشترط أن تكون طاهرة بشرط أن لا يكون فيها نجاسة مسرية إلى باقي المساجد الستّ كلاً أو بعضاً.

- مع عدم إمكان الصلاة في مكان طاهر تصح الصلاة ولو مع وجود نجاسة مسرية.

- إذا لم يتمكّن المجاهد من الصلاة قائماً فيصلي بأيّ نحو تقتضيه الضرورة من الجلوس أو الاضطجاع أو الاستلقاء وتكون صلاته صحيحة ومجزية.

- إذا لم يتمكّن المجاهد من قراءة السورة أو الفاتحة أو لم يتمكن من الركوع أو السجود أثناء صلاته بسبب اشتداد المعركة، فيجب عليه أن يعمل طبقاً لوظيفته المقررة في صلاة المضطرّ فيأتي بالأجزاء التي يتمكن منها في الصلاة.

أحكام القبلة:

- إذا تعذّر على المجاهد معرفة القبلة يبذلُ تمام جهده لإحرازها وإلا يعمل على ظنِّه.

- في حالة الجهل بجهة القبلة، ولم يحصل ظنّ بأي جهة اتجاه القبلة يجب على الأحوط وجوباً أن يصلّى إلى الجهات الأربع مع سعة الوقت لأداء الصلاة إلى أربع جهات، وإن لم يسع الوقت لأداء الصلاة إلى الجهات الأربع، يصلّي إلى الجهات المحتملة لاتجاه القبلة بما يسع الوقت.

ما يعفى عنه في الصلاة:

الأوّل: دم الجروح والقروح5 حتّى تبرأ:
- يُعفى في الصلاة عن دم الجروح والقروح(كدم البواسير) في البدن واللباس حتّى تبرأ، قليلاً كان الدم أم كثيراً إذا لم يتمكن المكلّف من تبديل ثيابه أو تطهيرها.

الثاني: الدم الأقلّ من سعة عقد السبّابة:
- يُعفى في الصلاة عن الدم في البدن واللباس إن كان مقداره أقلّ من عقد السبّابة6.

- إذا كان الدم متفرّقاً في الثياب والبدن(أي نقاط متفرّقة تارة على اليد وأخرى على السروال وهكذا) يمكن تقديره على الشكل التالي:
أ- إن كان مقدار الدم أقلّ من سعة عقد السبّابة، فإنّه يُعفى عنه في الصلاة.
ب- وإن كان الدم أزيد من ذلك (أي بمقدار عقد السبّابة وأزيد)، فلا يُعفى عنه في الصلاة.

الصلاة في النجاسة:

- إذا شك المجاهد في لباسه أنّه نجس أم لا، فيحكم بطهارته، ويصح أن يصلّي فيه.

- أحكام الصلاة في النجاسة تشمل البدن والثياب، أي سواء أكان بدنه نجساً أمّ ثيابه تجري عليهما كافة أحكام النجاسة الآتية.

- إذا صلّى المجاهد مع النجاسة متعمداً بطلت صلاته، ووجب عليه إعادة الصلاة، سواء أكان داخل الوقت أم خارجه.

- إذا صلّى المجاهد مع النجاسة ناسياً بطلت صلاته أيضاً، ووجبت عليه الإعادة، سواء أكان داخل الوقت أم خارجه.

- إذا صلّى المجاهد مع النجاسة جاهلاً بها (أي لم يكن يعلم بها أصلاً)، ثمّ التفت بعد الفراغ من صلاته فصلاته صحيحة.

- إذا بدأ المجاهد بأداء الصلاة ثمّ تبين أثناء الصلاة أن على بدنه أو ثيابه نجاسة، فهنا ثلاث حالات:

- إذا كان بإمكانه إزالة النجاسة من دون أن يقطع الصلاة أو يأتي بما يمحي صورة الصلاة، وجب عليه إزالة النجاسة وإكمال الصلاة، مثلاً ينزع قميصه أثناء الصلاة.

- إذا لم يتمكن من إزالة النجاسة، وكان لديه متسع من الوقت للصلاة، وجب عليه قطع الصلاة ،وإعادتها من جديد.

- إذا لم يتمكن من إزالة النجاسة، ولا يستطيع تبديل ثوبه، ولا قطع الصلاة لخوف عدوٍّ مثلاً، ولا يمكنه الصلاة عرياناً، يصلى بالنجاسة، وصلاته صحيحة، ولا تجب عليه الإعادة.

- إذا كان للمجاهد ثوبان واشتبهت النجاسة بينهما يكرر الصلاة بهما مع سعة الوقت، وإن لم يسع الوقت، فإذا أمكن ان يصلّي عرياناً وجب، وإلا فإذا لم يستطع تكرار الصلاة لضرورةٍ كخوفٍ من العدو ولشدة المعركة صلّى بواحدٍ منهما (الثوبين) وصلاته صحيحة ولا شيء عليه.

- الأحذية العسكرية المصنوعة من الجلود الحيوانية والمستوردة من بلاد غير إسلامية لها ثلاثُ صور:
- إذا علم أنها غير مذكّاة (المذكى هو المذبوح على الطريقة الإسلاميّة) فهي محكومة بالنجاسة، ولا تجوز الصلاة فيها.

- إذا شك أنها مذكّاة حكم بطهارتها، ولكن لا تجوز الصلاة فيها.

- إذا احتمل أن مستوردها المسلم قد أحرز تذكيتها حكم بطهارتها، وتجوز الصلاة فيها، وإلا وجب الاجتناب عنها.

- إذا شك المجاهد في شيء أنّه من أجزاء الحيوان أو من غيره (كالصناعي) فهو محكوم بالطهارة، ولو كان من الكفار أو من أسواقهم، وتصحّ الصلاة فيه.

- إذا كان المجاهد في أرض المعركة ينزف بسبب جرح قد أصابه، فإذا كان في تطهير النجاسة مشقة نوعيّة (عند كلّ الناس) أو شخصيّة (على المجاهد نفسه) يجوز له الصلاة بالنجاسة، وصلاته صحيحة.
* كتاب التربية الجهادية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- الجص: وهو الجفصين.
2- المدر: هو الطين اليابس الذي لا يخالطه رمل.
3- الآجر: وهو القرميد، ومنه الحجارة التي تستعمل في بناء بيوت النار في الأفران.
4- الخزف: وهو نوع من الفخار.
5- القروح: جراح باطنيّة، تنزف إلى الخارج، كالبواسير، والتقّرحات.
6- السبّابة: الإصبع التي بجانب الإبهام.

حقیقة التسبیح


حقیقة التسبیح


السؤال: ماذا یعنی التسبیج؟
الجواب: حقیقة «التسبیح» عبارة عن نفی کلّ عیب ونقص عن الذات الإلهیّة، وشهادة جمی(1)والعجائب فی نظام الکائنات... هذه جمیعها تذکر (الله) بلسان حالها وتسبّحه وتحمده وتنزّهه وتؤکّد أنّ لخالقها قدرة لا متناهیة، وحکمة لا محدودة.
ولذا جاء فی نهایة هذه الآیة: (وهو العزیز الحکیم).
کما یحتمل أن تتمتّع جمیع ذرّات الوجود بنوع من الإدراک والشعور بحیث تسبّح وتحمد الله عزّوجلّ فی عالمها الخاصّ، بالرغم من عدم معرفتنا لذلک بسبب محدودیة علمنا وإطّلاعنا.(2)

.1 «التسبیح» فی الأصل من مادّة «سبح» على وزن «مسح» بمعنى الحرکة السریعة فی الماء والهواء. «والتسبیح» أیضاً هو الحرکة السریعة فی مسیر عبادة الله عزّوجلّ (الراغب فی المفردات).
2. الأمثل، ج 13،ص 554.

تعدد الآلهة

تعدد الآلهة



السؤال: هل یمکن الاعتقاد بتعدد الآلهة؟
الجواب: المشرکون، وإن اعتقدوا أنّ الله هو خالق العالم، کانوا یتخذون من الأصنام ملجأً لأنفسهم، ولربّما اتخذوا صنماً لکلّ حاجة معیّنة، فلهم إله للمطر، وإله للظلام، وإله للحرب والسلم، وإله للرزق، وهذا هو تعدد الأرباب الذی ساد الیونان القدیم.
ولکی یزیل القرآن هذا التفکیر الخاطىء، یأمر رسول الله(صلى الله علیه وآله) أن (قل أغیر الله أتّخذ ولیّاً فاطر السماوات والأرض وهو یطعم ولا یطعم).
فإذا کان هو خالق عالم الوجود کلّه دون الاستناد إلى قدرة اُخرى، وهو الذی یرزق مخلوقاته، فما الذی یدعو الإنسان إلى أن یتخذ من دونه ولیّاً وربّاً؟ وإنّ کلّ الأشیاء غیره مخلوقات وهی بحاجة إلیه فی کلّ لحظات وجودها، فکیف یمکن لها أن تقضی حاجة الآخرین؟ (1)

1. الأمثل ، ج 4 ،ص 29 ،30.

مفهوم المرجعية

(مفهوم المرجعية)
إن حقيقة المرجعية هي الولاية ولا تكون من قبيل المراجعة إلى الطبيب كما يقولون في بحث الاجتهاد والتقليد بأن (تقليد المرجع) هو رجوع الجاهل إلى العالم مثل المراجعة إلى الطبيب، إن هذا التعبير ناقص وقاصر جداً عن معنى المرجعية.
المرجعية عبارة عن أن الشخص الواحد بل المجتمع يضع أموره الفقهية كافة من حين ولادته إلى لحظة وفاته أي كل حياته بين يدي المرجع من ناحية الحكم والحلال والحرام، وهذا يختلف عما قيل في التقليد من الرجوع إلى الطبيب. ولهذا اعتبر الفقهاء شروطاً أخرى مثل العدالة والتقوى وطهارة المولد في المراجع رغم أنه لا دليل لبعض هذه الشروط، ولكن دليله هو أن هذا الموضوع (المرجعية) مهم جداً فيحصنونه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
إن المرجع لا يكون من قبيل الرجوع إلى الطبيب، إن الطبيب قد لا يكون مسلماً ولكن نرجع إليه لأننا نريد أن نستفيد من خبرته وطبابته، ولكن المرجعية والرجوع إلى المقلَّد في الحقيقة أمر مهم جداً، إنها نوع من الولاية أو على الأقل قيادة حقوقية فقهية وتمثل القوة المقننة بأسرها، لأن الناس يأخذون كل قوانين حياتهم من بدايتها إلى نهايتها من المرجع، هذه هي حدود الولاية.
فهل إن شرط هذه الولاية الهامة في الحياة والمجتمع أن يكون متعمقاً في خصوص أصول الفقه ولا توجد لها شروط أخرى؟
إنني هنا أشير إلى شرط واحد أضافه المرحوم آية الله العظمى الشهيد الصدر في كتابه الفتاوى الواضحة عند عرضه لشرائط التقليد من العدالة والذكورة وطهارة المولد والاجتهاد بل الأعلمية على الأحوط، وهو الكفاءة واللياقة للمرجعية، ولم أجد في الرسائل العملية الأخرى هذا الشرط.
وفي الحقيقة يجب على الحوزات العلمية أن تقف عند هذا الشرط وتدرسه في العمق. وأعتقد أننا نستطيع في كل بحث علمي دقيق للمرجعية في هذا اليوم أن نثبت بأنها لابد وأن تكون في أيدي أشخاص مضافاً إلى إحرازهم للنواحي العلمية، أن يكونوا ذوي كمالات أخرى تبعث على لياقتهم للمرجعية زائداً على إحرازهم للتقوى والعدالة العالية، لأنه قد ورد في الأحاديث وكلمات العلماء بأن العدالة المعتبرة في المرجعية هي ذروتها، لأن المقام والمنصب شامخ جداً. وزائداً على ذلك لابد من كمالات أخرى تجعله لائقاً لقيادة المجتمع، ولأن يصير قائداً للمجتمع، لأن الذين يقلدونه، شاء أم أبى يتابعونه في نظراتهم وأسماعهم ويلاحقونه بقلوبهم، ماذا يقول مرجعهم ومقلدهم؟ وماذا يفتي؟ حتى يقلدوه ويتابعوه في حياتهم الخاصة والعامة.
ولأجل هذا لابد أن تتوفر في مرجع التقليد شرائط خاصة أخرى جامعها اللياقة والكفاءة في قيادة مقلديه إذا كانوا مجموعة صغيرة، فكيف إذا كانت قيادته على مستوى قيادة وحاكمية الدولة حتى يسوق مقلديه في الجهة التي يريد.
سماحة آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي (دام ظله)

كتمان الحق


كتمان الحق


الآيتـان

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَابَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُوْلَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّـعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾

سبب النّزول

روى جلال الدين السيوطي عن ابن عباس، أن عدداً من المسلمين أمثال «معاذ بن جبل» و«سعد بن معاذ» و«خارجة بن زيد» سألوا أحبار اليهود عن مسائل في التوراة قد ترتبط بظهور النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأبى الأحبار أن يجيبوا وكتموا ما عندهم من علم(1).

التّفسير

حرمة كتمان الحق:

الآية - وإن خاطبت كما في أسباب النّزول، علماء اليهود - غير محدودة بمخاطبيها، بل تبين حكماً عاماً بشأن كاتمي الحق.

الآية الكريمة تتحدث عن هؤلاء بشدّة وتقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبِيِّنَاتِ وَالْهُدَىْ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ، أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ).

فالله سبحانه وعباده الصالحون وملائكته المقربون يلعنون من يكتم الحق، وبعبارة أخرى، كل أنصار الحق يغضبون على من كتم الحق. وأية خيانة للعالم أكبر من محاولة العلماء كتمان آيات الله المودعة عندهم من أجل مصالحهم الشخصية ولتضليل النّاس.

وعبارة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتَابِ) إشارة إلى أن هؤلاء الأفراد يصادرون في الواقع جهود الأنبياء وتضحيات أولياء الله الصالحين، وهو ذنب عظيم.

والفعل (يلعن) تكرر في الآية للتأكيد، واستعمل بصيغة المضارع لبيان استمرار اللعن، ومن هنا فإنّ لعنة الله ولعنة اللاعنين تلاحق هؤلاء الكاتمين لآيات الله باستمرار، وذلك أقسى صور العقاب.

«البينات» و«الهدى» لهما معنى واسع يشمل كل وسائل الهداية والتوعية والإيقاظ وإنقاذ النّاس.

ولما كان القرآن كتاب هداية، فإنه لا يغلق منافذ الأمل والتوبة أمام الأفراد، ولا يقطع أملهم في العودة مهما ارتكسوا في الذبوب، لذلك تبين الآية التالية طريق النجاة من هذا الذنب الكبير وتقول: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَابُ الرَّحِيمُ).

عبارة (أنَا التَّوَابُ الرَّحِيمُ) جاءت بعد عبارة (فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) للدلالة على كثرة محبة الله، وسبق عطفه على عباده التائبين. فيقول سبحانه لهؤلاء: إن تبتم، أي عدتم إلى نشر الحقائق، فأنا أعود أيضاً إلى إغداق الرحمة والمواهب عليكم.

ومن الملفت للنظر، أن الله لم يقل أنه يقبل التوبة ممن تاب، بل يقول: من تاب فأنا أيضاً أتوب عليه، والفرق في التعبيرين واضح، فالثاني فيه من التودّد والتحنن وإغداق اللطف ما لا يمكن وصفه.

ثم استعمال الضمير (أنا) في هذا الموضع يستهدف نوعاً من التودّد وبيان الارتباط المباشر بين المتكلم والسّامع وخاصة إذا قال عظيم من العظماء: «أنا أتكفل لك بالعمل الفلاني» حيث يختلف عما لو قال: «سنقوم نحن بانجاز العمل» فالمحبّة الكامنة في الأسلوب الأول غير خافية على أحد.

وكلمة «توّاب» صيغة مبالغة تبعث الأمل في نفوس المذنبين وتمزق أستار اليأس، عن سماء أرواحهم خاصة وأنها اقترنت بكلمة (رحيم) التي تشير إلى الرحمة الإلهية الخاصة.

1 - مفاسد كتمان الحق:
كتمان الحقائق من المسائل التي عانت منها المجتمعات البشرية على مرّ التاريخ، وكان لها دوماً آثار سيئة عميقة استمرت قروناً واعصاراً. ويتحمل تبعة هذه المساويء دون شك أولئك العلماء الذين يعلمون تلك الحقائق ويكتمونها.
لعل القرآن لم يهدد ويذمّ فئة كما هدّد وذم هذه الفئة الكاتمة للحقائق. ولم لا؟ فإن عمل هؤلاء يجرّ أجيالا متعاقبة إلى طريق الضلال والفساد، كما أن نشر الحقائق يدفع بالأمم إلى طريق الهداية والصلاح.

البشرية تميل للحقائق بفطرتها، وكتمان الحقائق عنها يعني صدّ البشرية عن طريق تكاملها الفطري المرسوم لها.
لو أن علماء اليهود والنصارى أعلنوا ما عندهم من حقائق بشأن النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ونشروا ما جاء في العهدين من بشائر حول رسول الإسلام، لانضوى أهل الكتاب تحت راية الإسلام، ولأصبحوا مع المسلمين أمة واحدة.


كتمان الحقائق لا ينحصر دون شك في كتمان علامات النّبوة والبشائر بالنّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل يشمل كتمان كل حقيقة تستطيع أن تدفع النّاس إلى الفهم الصحيح بالمعنى الواسع لهذه الكلمة.

السكوت في مواضع يجب فيها البيان قد يكون من مصاديق كتمان الحق، وذلك يكون في موارد يحتاج النّاس فيها بشدّة إلى فهم الحقائق ويستطيع العلماء فيها أن يلبّوا هذه الحاجة.

بعبارة أخرى: نشر الحقائق التي يعاني منها النّاس لا يتوقف على السّؤال، وما يذهب إليه صاحب المنار من أن كتمان الحقائق يكون في مواضع السؤال ليس بصحيح. خاصة وأن القرآن لا يتحدث عن كتمان الحقائق فحسب، بل يتحدث في مواضع اُخرى عن تبيين الحقائق أيضاً، وهذا يرد على أولئك الذين يلتزمون جانب الصمت أمام الإنحرافات بحجّة عدم وجود سائل يطرح عليهم سؤالا بشأن تلك الانحرافات. يقول سبحانه:

(وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(2).
جدير بالذكر أن إلهاءَ النّاس بالمسائل الفرعية، لصرف أنظارهم عن المسائل الأساسية الحياتية نوع من كتمان الحقائق. إذا لم يشمله فرضاً تعبير «كتمان الحقائق» فهو مشمول حتماً بملاك وفلسفة كتمان الحق.

2 - كتمان الحق في الأحاديث:
حملت الأحاديث بشدّة أيضاً على كاتمي الحق، فروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم يَعْلَمُهُ فَكَتَمَ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَام مِنْ نَار»(3).

ونعيد هنا القول أن ابتلاء الناس بمسألة والحاجة الى بيانها يحل محل السّؤال. وبيان الحقائق في هذه الحالة واجب.
وسُئل الامام أمير المؤمنين(عليه السلام):

«مَنْ شَرُّ خَلقِ اللّهِ بَعدَ إبلِيسَ وَفِرعَونَ؟ قَالَ: العُلَمَاءُ إذا فَسَدوا، هُم المُظهِرُونَ لِلأبَاطِيلِ، الكَاتِمُونَ للحَقَائِقِ، وَفِيهِم قَالَ اللّهُ عَزّوجَلَّ: (اُولئك يَلعَنهُم اللّهُ ويَلعَنُهُم اللاعِنُونَ)(4)

3 - معنى اللعن:
اللعن في الأصل: الطرد والإبعاد الممزوج بالغضب والاستياء. فاللعن الإلهي إذن إبعاد الإنسان عن رحمة الله، وعن جميع المواهب المغدقة على عباده.

وما قيل بشأن تقسيم اللعن إلى: لعن في الآخرة، وهو العذاب والعقوبة، ولعن في الدنيا وهو سلب التوفيق، إنما هو من قبيل بيان المصداق، لا حصر اللعن بهذين القسمين.

وكلمة (اللاعنون) لها معنى واسع لا يقتصر على الملائكة والمؤمنين، بل يشمل كل الموجودات التي تتحدث بلسان القال أو الحال. وفي بعض الروايات نرى أن كل الموجودات تدعو لطلب العلم كقول المعصوم: «وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ»(5)
وإن استغفرت هذه الموجودات لطالب العالم، فمن الطبيعي أن تلعن كاتمه.

4 - كلمة (توّاب) صيغة مبالغة من تاب:
عاد، وتبين حقيقة انفتاح باب التوبة أمام الإنسان، حتى ولو انخدع الإنسان بوساوس الشيطان بعد توبته، فيستطيع أن يتوب ثانية ويعود إلى الله ويكشف ما عنده من الحق، فالله توّاب، ولا يجوز اليأس من رحمته وعفوه.

1-  لباب النقول في أسباب النّزول، ص 22.
2-  آل عمران، 187.
3-  مجمع البيان، في تفسير الآية.
4-  الاحتجاج للطبرسي، نقلاً عن نور الثقلين، ج2، ص139.
5-  أصول الكافي، ج 1، باب ثواب العالم والمتعلم.

تكذيب يعقوب لابنائه رغم صدقهم لماذا؟


تكذيب يعقوب لابنائه رغم صدقهم لماذا؟


السؤال:
إنَّ يعقوب النبي (ع) أجاب ابناءه بعد أن أخبروه ﴿إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا.. ﴾(1) أجابهم بقوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾(2) وظاهر ذلك هو التكذيب لهم رغم أنهم كانوا صادقين هذه المرة ولم يكن ما وقع لبنيامين عن تقصيرٍ منهم، فما هو التوجيه لذلك؟

الجواب:
محصَّل ما اعتذر به أبناءُ يعقوب (ع) عن تخلف أخيهم بنيامين في مصر هو أنَّه سرق أو أنه اُتهم بالسرقة، وكان هذا الاعتذار مطابقاً للواقع ظاهراً، وأمارةُ الصدق عليه ظاهرة حيث أن الحدث وقع في محضر القافلة التي كانوا في رفقتها وفي محضر عددٍ من أهل مصر فلا يسعهم الكذب وذلك لإدراكهم أن من الميسور التحري من صدقهم وعدمه في مثل هذا الخبر، ولأنهم كانوا واثقين من صدق ما اعتذروا به لذلك التمسوا من أبيهم التثبُّت من صدقهم بسؤال القافلة وسؤال أهل مصر إن أراد ذلك.

لهذا لم يكن فيما أجاب به يعقوب"ع" أبناءه تكذيب لخبرهم، إذ لا يسعه ذلك قبل التثبت خصوصاً وأن مثل هذا الخبر المحفوف بأمارة الصدق مما يكن التثبت من واقعيته أو عدمها، فلا يصدر التكذيب في مثل هذا الفرض من عاقل منصف فضلاً عن نبيٍ من الأنبياء فليكن ذلك قرينة على عدم إرادته التكذيب من جوابه لهم.

على إن ما أجاب به يعقوب أبناءه لم يكن ظاهراً في التكذيب لخبرهم بل هو ظاهر في النفي والتخطئة لابنائه فيما ادعوه من أن سبب تخلف بنيامين في مصر هو أنه سرق أو اتهم بالسرقة ، فذلك وإن كان قد وقع إلا أنه لم يكن السبب الواقعي وراء تخلفه عنهم في مصر بل إن السبب الواقعي هو ما سولت لكم أنفسكم، وفي ذلك إشارة وتذكير بالسبب الواقعي الذي ترتب عليه تخلف بنيامين عنهم في مصر، فالسبب الواقعي ليس هو اتهامه بالسرقة وعجزه لذلك عن الرجوع إلى بلده فذلك ما هو إلا واحد من نتائج ما فعلوه بيوسف (ع).

فلولا أنهم غيَّبوا يوسف"ع" عن أبيه وشقيقه بنيامين لما كان من مقتضٍ إلى اتهامه بالسرقة حتى يبقى مع شقيقه في مصر، ولما اقتضى ذلك تخلف أخيهم الأكبر في مصر حياءً من أبيه.

فقول يعقوب (ع): ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ لم يكن تكذيباً لخبرهم بل كان توبيخاً وتخطئة لدعواهم أن منشأ تخلف بنيامين هو أنه اتهم بالسرقة، فإن هذا السبب لم يكن هو السبب الحقيقي بل كان سبباً ظاهرياً، وأما السبب الواقعي فهو ما كان قد سولته لكم أنفسكم حين غيبتم يوسف عن أبيه وشقيقه، فكأنه أراد أن يقول: إن كل ما وقع لنا إنما هو من تبعات ذلك الفعل الشنيع.

فمساق جواب يعقوب لابنائه هو مساق قول الأب لزوجته بعد أن تخبره أن ابنه حبس لأنه اعتدى على مال غيره فيجيبها "بل هي تربيتك الفاسدة" فإن جوابه ليس تكذيباً لها فيما أخبرت به من أن سبب حبسه هو أنه اعتدى على مال الغير بل هو بيان للسبب الواقعي الذي ترتب عليه حبسه في نظره. والمؤشر على أنه أراد من جوابه الإشارة إلى ما حدث ليوسف (ع) هو أنَّه بعد أن أجابهم بقوله: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ تولى عنهم ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾(3) وذلك يشعر بأن ما وقع ليوسف (ع) كان حاضراً في جوابه وفي المحاورة التي كانت بينه وبينهم، وكذلك فإنَّ قوله: ﴿عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾(4) مشعر بأنه كان محرزاً لوجود بنيامين وإن عدم رجوعه لم يكن ناشئاً عن موته أو أنهم قتلوه وأنَّ ثمة عائقاً منعه من الرجوع معهم، لذلك عبَّر بما يظهر منه الترجي لرجوعه وليس الترجِّي لحياته.

ثم إن قوله لهم: ﴿اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ.. ﴾(5) مشعر إن لم يكن ظاهراً في أنه صدقهم في أن عدم رجوع بنيامين معهم كان لسببٍ خارجٍ عن اختيارهم واختيار بنيامين، إذ أن ذلك هو مفاد وعظه لهم بعدم اليأس من روح الله تعالى، فكأنه أراد القول لهم أن أمر بنيامين وأن كان قد خرج من أيديكم وأنكم صادقون فيما أخبرتم إلا أن ذلك لا يبرر اليأس من روح الله، لذلك فإن عليكم الرجوع إلى مصر وتقصي الأمر فلعلكم تقفون على حقيقة ما وقع لبنيامين، ولعل في ذلك ما يوصل إلى يوسف (ع).



 
1- سورة يوسف/81.
2- سورة يوسف/83.
3- سورة يوسف/84.
4- سورة يوسف/83.
5- سورة يوسف/87.

معنى قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾

معنى قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾


المسألة:
قال تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾(1)، فما هو تفسير الآية المباركة؟


الجواب:
المُراد من النَّجوى هو المسارَّة أي المحادثة السّرّيَّة وذلك بأن يجتمع اثنان أو أكثر فيكون بينهم حديث خاصّ يتواصون بينهم أن لا يطّلع على هذا الحديث أحدٌ غيرهم، فهذه هي النّجوى.

والقرآن الكريم أفاد في هذه الآية المباركة أنَّ الحديث وإن صدر بنحو التّناجي فإنّ الله مُطَّلع عليه، ذلك لأنَّهُ محيط بكِّل شيء ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء.

فالتَّعبير في الآية المباركة بأنَّه رابع الثَّلاثة وخامس الأربعة وسادس الخمسة ليس بمعنى المُشاركة لهم في المكان والزّمان، فهو تعالى فوق الزّمان والمكان، فلا يُحيط به مكان ولا يحدُّه زمان، وإنَّما هو بمعنى الإحاطة والإشراف والإطّلاع، فهو تعالى لعلمه واطّلاعه على ما يتناجَون به وما يتسارُّون فيه كأنَّه واحد منهم، فكما أنَّ الشَّريك في المناجاة يعلم بتفاصيل ما يكون من أحاديث شركائه في النَّجوى بل ويعلم بأحوال شركائه في النَّجوى حين المحادثة فكذلك الله تعالى يعلم بما هم عليه من حال وما يصدر عنهم من مقال سواءً كانت مناجتهم في محفلٍ عامّ أو محفل خاصّ، فهو تعالى مُطَّلع عليهم أينما كانوا، فهذا هو معنى أنَّه: ﴿مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوْا﴾ فالمَعِيَّة في الآية ليست بمعنى الدُّنُوّ المكانيّ والمجاورة وإنَّما هي بمعنى الإطّلاع والعِلم.

هذا وقد تصدَّت الرّوايات الواردة عن أهل البيت (ع) لإيضاح معنى الآية المباركة، فقد روى الكُلينيّ في الكافي بسنده إلى عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ﴾، قال (ع): "هو واحدٌ وأحديُّ الذّات بائنٌ من خلقه، وبذلك وصف نفسه، وهو بكل شيءٍ مُحيط بالإشراف والإحاطة والقدرة، لا يَعزب عنه مثقال ذرَّة في السّماء ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالإحاطة والعلم لا بالذات، لأنَّ الأماكن محدودة تحويها حدودٌ أربعة، فإذا كان بالذات لزمها الحواية".

 

1- المجادلة/7

كيف تكون شهيداً

كيف تكون شهيداً
لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم".

ولكن هذا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يمنحها لأي كان، وبشكل عشوائي، يقول الإمام الخميني قدس سره: "الشهادة هدية من الله ـ تبارك وتعالى ـ لمن هم أهل لها"1.

فعلى الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن الله تعالى عليه بها.

كيف نكون أهلاً للشهادة

هناك صفات يجب أن يتحلى بها الإنسان حتى يكون مستعداً للفيض الإلهي ومستحقاً لمنصب الشهادة، وتتلخص بالتالي:

1ـ هدف الشهيد

من المعروف في الإسلام أن النية هي أساس العمل {إنما الأعمال بالنيات}، فمن الطبيعي أن يكون أول أمر يجب توفره هو خلوص النية لله سبحانه وتعالى.

وهذا أمر يؤكد عليه الإمام الخميني قدس سره في كلماته حيث يقول في بعضها: "أيها الشهداء! إنكم شهود صدق، والمذكورين بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية، وأفضل الأمثلة لعباد الله المخلصين، فقد أثبتم انقيادكم لله تعالى، وتعبدكم له ببذلكم الدماء والأرواح".

ويقول قدس سره: "أن يضحي بنفسه من أجل الهدف لا من أجل الهوى... وها هو ديدن رجال لله".

هذا الإخلاص الذي يجب أن يتعمق حتى يصل إلى مرحلة العشق! فالإخلاص المطلوب ليس مجرد كلمة تقال على اللسان أو اعتقاد يتصوره العقل، وإنما المطلوب أن تصبح كل خفقة في قلبه تسبح الله سبحانه وتعالى وتهتف باسمه، حتى يصير المرء عاشقاً لله سبحانه وتعالى، لا يعرف قلبه سواه.

ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحالة قائلاً: "ما أشد غفلة عبيد الدنيا الأغبياء، الذين يبحثون عن معنى الشهادة في صحف الطبيعة، ويفتشون عن أوصافها في الأناشيد والملاحم والأشعار، ويجنّدون فنّ التخيّل وكتاب التعقل لكشفها. هيهات وأنّى لهم ذلك، فلا حلّ لهذا اللغز إلا بالعشق".

2ـ حب لقاء الله وتمني الشهادة

إن من صفات المتقين التي أكدت عليها الروايات وذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين، حب لقاء الله حتى كادت أرواحهم تخرج من أجسادهم: "ولولا الأجل الذي كتب لهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب".

نعم أولياء الله مشتاقون لذلك اللقاء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "دع أولئك المفترسين الذين لا يفكرون إلا بأنفسهم يأكلون كما تأكل الأنعام، يفكون قيود عشاق سبيل الحق من أغلال الطبيعة ويصلونهم إلى فضاء جوار المعشوق"2.

ولذلك فإن تمني الشهادة هو تمني لقاء الله تعالى على أفضل وجه يحبه ويرضاه، وهذا ما يتمناه أولياء الله على الدوام.

وقد ورد في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "قلت: يا رسول الله، أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيِزت عني الشهادة، فشق ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟ فقلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر!".

وعنه عليه السلام: "فو الله إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب".

هكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام عاشقاً للشهادة، وهكذا يجب أن يكون أتباعه ومحبيه، ويعلق الإمام الخميني قدس سره على قول أمير المؤمنين عليه السلام: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه"، قائلاً: "أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول ذلك لأنه كان يعرف ما هي الدنيا وما هو عالم لغيب، كان يعرف معنى الموت، وأن الموت حياة، نحن قدمنا الشهداء لكن شهداءنا أحياء، أحياء عند ربهم يرزقون، خالدون، ونحن أيضاً نسأل الله تعالى أن يوفقنا للشهادة، لحظة واحدة تتبعها سعادة دائمة، عناء لحظة واحدة يتبعها السادة الأبدية والدائمة!".

هكذا كان أولياء الله على الدوام، كما يخبر الإمام قدس سره: "لابد من اجتياز هذه المرحلة ولابد من السفر، فليكن في سبيل الإسلام وفي خدمة الشعب المسلم، ولتكن شهادة فوزاً بلقاء الله، وهذا ما كان يتمناه أولياء الله العظام ويطلبونه بإلحاح في مناجاتهم من العلي القدير"3.

وهكذا يجب أن يكون شيعة علي عليه السلام وكل مخلص يعمل في سبيل الله. يقول الإمام قدس سره: "إن كنا نعتقد بالغيب فعلينا أن نشكر الله تعالى لكي نُقتل في سبيله وندخل في زمرة الشهداء"4.

"نحن خاضعون أمام التقدير الإلهي ونطيع أوامره، ولذلك فإننا نطلب الشهادة منه، ولهذا أيضاً لا نتحمل الذلة والعبودية إلا لله تعالى"5.

"عبر هذا الهدف يحتضن جميع الأولياء الشهادة ويعتبرون الموت أحلى من العسل، وإن أبناءكم في جبهات القتال، قد نالوا جُرعاً منها وأخذهم الوجد وتجلى ذلك في أمهاتهم وأخواتهم وآبائهم وإخوانهم، فلابد أن نقول "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً". هنيئاً لهم ذلك النسيم العطر والتجلي المبهج"6.

"كم هم سعداء أولئك الذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهاية عمرهم الفيض العظيم الذي يتمناه كل عشاق لقاء المحبوب"7.

نعم إن هذا الشعب الذي خرجت منه مواكب الشهداء كانت سمته الأساسية حب الشهادة وعشق لقاء الله سبحانه وتعالى.

يتحدث الإمام الخميني قدس سره عن هذا الواقع في الكثير من كلماته، حيث يقول في بعضها: "يتوارث الأولياء الشهادة كلٌ من الآخر، وإن شبابنا الملتزمين يدعون الله دائماً لنيل الشهادة في سبيله"8.

"أنتم تلاحظون أن جميع شبابنا الذين استشهدوا كانوا جميعاً من المقبلين على الشهادة".

3ـ الزهد بالدنيا


قيمة الدنيا أنها مرزعة الآخرة ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: "كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين9. بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز10"11.

هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ12.

وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إن الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقل بكثير من أن تكون جزءاً وربتة للمجاهدين في سبيل الله".

"إن المجاهد في سبيل الله أسمى من أن يقيم عمله النفيس بزخارف الدنيا".

"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلقاتها"13.

4ـ الارتباط بمدرسة عاشوراء


إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".

وإلى ذلك يشير الإمام الخميني قدس سره في كلماته: "نحن لا نبالي إذا سكبت دماء شبابنا الزاكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزائنا، إنه الأسلوب المرضي المتبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"14.

"منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع مناهجهم"15.

"لقد قدمت أمة الإسلام من حراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر تاريخ التشيع الأحمر، قدمت ضحايا قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل الله"16.

فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبية على المجتمع ولن يتسبب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.

إن ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "مهما كان، فإن قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يمكن توصيف مجاهداتهم وبطولاتهم وخيراتهم وبركاتهم، هؤلاء الأبناء المعنويين لكوثر فاطمة الزهراء سلام الله عليه، وبالتأكيد فإن هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء سلام الله عليه"17.

5ـ الارتباط بالشهداء


وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن ذلك كله يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم، جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.

وقد أكد الإمام الخميني قدس سره في الكثير من المناسبات، أن الشهداء يعتبرون قادة المسيرة، وأنهم المعلمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فمما قاله في هذا السياق: "إن قائدنا هو ذلك الطفل ذو الاثني عشر عاماً18 صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتا وأقلامنا فضلاً، الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجرها محتسياً شراب الشهادة".

"الذين أوقدوا ـ بدمائهم الطاهرة ـ مشاعل طريق الحرية لكل الشعوب المكبلة".

"إن من كل شعرة تمس أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصممون"19.

6ـ العزم الراسخ والهمة العالية


يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيها الشهداء، إنكم شهود صدق والمذكورون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية لخير عباد الله المخلصين، الذي سجلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبودية والانقياد إلى المقام الأقدس للحق جل وعلا، وجسدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدو، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"20.

ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمة العالية للشهداء، ثبتت قواعد الجمهورية الإسلامية في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزة والشرق تنير الدروب لهداية الأجيال المتعطشة"21.

الشهيد الحي


هناك بعض المجاهدين ممن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنه لم يوفق لها، ولم تكن من نصيبه!

وقد نأسف عندما نجد مجاهدا ًمات على فراش المرض في نهاية الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.

إن هذا الأسف في غير محله، لأنك إن أصلحت نيتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنيت الشهادة، وارتبط بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حي، وهذا ما تؤكده الروايات.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه".

إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً.
* الشهادة في فكر الإمام الخميني. نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة. ص: 27-35.

1- صحيفة النور، ج10، ص111.
2- صحيفة النور، ج15، ص15.
3- صحيفة النور، ج15، ص122.
4- صحيفة النور، ج1، ص72.
5- صحيفة النور، ج20، ص237.
6- صحيفة النور، ج21، ص203.
7- صحيفة النور، ج17، ص56.
8- صحيفة النور، ج11، ص39.
9- القصص:83.
10- عفطة العنز، ما تنثره من أنفها.
11- نهج البلاغة ج1، ص36، من الخطبة 3، المعروفة بالخطبة الشقشقية.
12- آل عمران:157.
13- صحيفة النور، ج19، ص296.
14- صحيفة النور، ج5، ص269.
15- صحيفة النور، ج15، ص154.
16- صحيفة النور، ج15، ص252.
17- صحيفة النور، ج20.
18- إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجر نفسه بدبابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه ـ رغم صغر سنه ـ.
19- من كلمة ألقاها بتاريخ (11/2/58).
20- صحيفة النور، جزء19، ص296.
21- صحيفة النور، ج20، ص59.

تبعاتُ ترك الجهاد

تبعاتُ ترك الجهاد

الموعظة القرآنية:

قال الله تعالى: ﴿وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ1.

تمهيد

بالإضافة إلى ما ذكرناه من الآثار السلبية على المستوى الدنيوي، إن لترك الجهاد آثاراً سلبية أيضاً على المستويين المعنوي والأخروي هي أخطر وأفدح بكثير، حيث يؤدّي التهاون في أمر الجهاد والقعود عنه إلى عواقب وخيمة جداً على عاقبة الإنسان ومصيره. وسوف نقوم في هذا الدرس بالتعرّض لها وبحثها مفصّلاً على ضوء الآيات والروايات. من أهم هذه العواقب:

بالإضافة، إلى خسران الآثار الطيّبة التي أشرنا إليها في الدرسين السابقين، يؤدّي التهاون في أمر الجهاد والقعود عنه إلى عواقب ونتائج غير محمودة، وسوف نقوم في هذا الدرس بالتعرّض لها وبحثها مفصّلاً على ضوء الآيات والروايات، ومن هذه العواقب:

خراب دورُ عبادة الله
من التبعات المضرّة لترك الجهاد، زوال دُور التوحيد ومَحَال عبادة الإنسان لله. فقد حذّر القرآن المجيد من أنّ الناس ما لم يقوموا بتكليفهم في الدفاع، فسوف تتهدّم دور عبادة الحقّ، وليس فقط دور عبادة المسلمين، بل جميع دور عبادة الأديان التوحيدية الأخرى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ2.

وبالطبع، من الممكن أن يكون ذكر المساجد والمعابد في الآية قد ورد على سبيل المثال، وعليه فهي تتعدّاها لتشمل المراكز الثقافية، وتلك المسؤولة عن تقدّم الأفراد والمجتمع ونضجهما.

ومن هنا نفهم أنّ المجال لتطوّر الناس وتكاملهم المعنوي والفكري لا يعود موجوداً في حال إهمال القيام بمسؤولية الدفاع، ويؤول مصير مثل هذه المراكز إلى الفناء والزوال.

الذلّة والمهانة
من العواقب الملموسة بشدّة للإعراض عن الجهاد، عاقبة الذلّة والمهانة، والتي تشمل كلّ أمّة تركت الجهاد في سبيل الله. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"3.

ولذا، بعد أن يشجّع المؤمنين على هذا الحكم الإلهي، نجدُ أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى تبعات التهاون عن القيام به، حيث يقول: "... فمن تركَهُ رغبةً عنهُ ألبسَهُ اللهُ ثوبَ الذلِّ، وشمِلَهُ البلاءِ، ودُيِّثَ بالصَّغارِ والقَماءَة"4.

فمن المشكلات الكبيرة التي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام طوال مدّة حكمه، كانت عدم استعداد الناس لأجل الدفاع عن دين الله. وقد بيّن الإمام علي عليه السلام في العديد من الكلمات والخطب عدم رضاه عن أصحابه وموقفِهم من مسألة الجهاد، موجّهاً انتقاداته لهم، وموضّحاً عواقب الضعف عن القيام بهذا الواجب في السياق.

وفي أحد هذه الموارد، يشير الإمام عليه السلام إلى أنّ القعود عن الجهاد يؤدّي إلى انتصار العدو وانفلات زمام إدارة المجتمع من يد الحكّام، حيث يقول عليه السلام: "... فتواكلتم وتخاذلتم حتى شُنّت عليكم الغاراتُ، ومُلكتْ عليكمُ الأوطان"5.

ومن مظاهر هذه الذلّة التي تشملهم أنّهم يعجزون عن أن يكونوا قوّة يُنتقم بها من الباطل، أو يستفاد منها في تحقيق أيّ من أهداف الإسلام، حيث يقول عليه السلام: "فما يدركُ بكم ثارٌ ولا يُبلغُ بكم مُرام"6.

وفي مثل هكذا مجتمع لا يتوقّع حدوث التوفيق والتقدّم، ويوماً بعد يوم يزداد الضعف وتقلّ الاستفادة من المعارف الإلهية، وسيُبتلى هذا المجتمع بسقوط القيم والانحطاط.

وتشهد تجارب التاريخ على أنّ المجتمع الذي كان أمير المؤمنين عليه السلام يعيش فيه، والذي من ثمَّ تركَ الجهاد، قد عانى من عواقب وخيمة وظلم شديد، إلى الحدّ الذي تسلّط عليه - وخلال مدّة قصيرة - أشخاص كانوا يخنقون أقلّ صوت يرتفع طالباً الحقّ. وبوقاحة تامّة، عمدوا إلى قتل الأئمة عليهم السلام، الذين ارتفعوا شهداء في سبيل الله، وفقد كلّ إنسان قدرة الدفاع عن الحقّ. فهل تتصوّر ذلّة أكبر من هذه الذلّة، يمكن لها أن تصيبَ مجتمعاً إسلامياً؟

وبالإضافة إلى التحذيرات المتكرّرة من القعود عن الجهاد، أشار القرآن الكريم في أحد المواطن، وبشكل صريح، إلى عاقبة الذلّة في الدنيا عند تركه، حيث ذكر أنّ بني إسرائيل قد عوقبوا بالتيه أربعين سنة على أثر عصيان هذا الأمر الإلهي: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ7.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الإعراض عن الجهاد والانشغال بالدنيا،قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لئن أنتم اتبعتم أذناب البقر وتبايعتم بالعِينَة وتركتم الجهادَ في سبيل الله، ليلزمنّكُم الله مذلّة في أعناقكم ثمّ لا تُنزعُ منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه أو تتوبوا إلى الله"8.

ضعف الإيمان
دين الله هو عبارة عن مجموعة من الأحكام والقوانين الإلهية التي تزداد درجة إيمان كلّ فردٍ بمقدارها يعمل بها ويأخذها بقوّة، كما أنّ تلك الدرجة تنقص وتضعف في المقابل بقدر ما يترك العمل بهذه الأحكام ويميل بعيداً عنها.

وبناءً على هذا الأساس، كل من يترك الجهاد في سبيل الله، فإيمانه والتزامه العملي بالدين سيكون ناقصاً وضعيفاً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشأن: "من لم يَغزُ أو يُحدّث نفسهُ بغزوٍ مات على شُعبةٍ منَ النِّفاق"9.

الحرمان من التكامل المعنوي
يُعدّ الأشخاص الذين يمتنعون عن أداء هذه الفريضة الإلهية الكبرى، أشخاصاً قد فقدوا الفهم الصحيح، وبتعبير أمير المؤمنين عليه السلام: "فمن تركه رغبة عنه... وضُرب على قلبهِ بالأَسْداد"10.

ويكتب الشهيد مطهري قدس سره كلاماً بديعاً في شرح هذا الحديث، فيقول: "إنّها لنكتة فريدة أن يعتبر عليّ عليه السلام بصيرة القلب ونورانيّته موقوفة على هذا الأمر (الجهاد)، فقد ذُكر في منطق الإسلام صراحة أنّ البصيرة وليدة العمل، ولكن لم يشرْ في أي مكان وبمثل هذه الصراحة إلى أنّ عملاً اجتماعياً كالجهاد هو ركن من أركان التكامل المعنوي والسلوك إلى الله، بحيث إنّ تركه يوجب ظهور الحُجب على القلب"11.

الميل نحو الباطل
إنّ الأفراد الذين لا يهبّون لنصرة الحقّ، ويحترفون السكون والحيادية، هم أشخاص قد ابتعدوا عن الحقّ بلا أدنى شكّ، ومالوا إلى الباطل. وعلى أثر ذلك، لم يَعدْ هؤلاء يملتكون لياقة رفع لواء الإسلام، والدين القويم، وضاعت من أيديهم حكومة الحقّ، التي أُودِعَت أمانة عندهم تماماً، كما قال الإمام عليّ عليه السلام بهذا الشأن: "وأُديل الحقّ منه بتضييع الجهاد"12.

الحرمان من العدالة
سوف يُحرَم تاركوا الجهاد من العدالة والإنصاف، وسوف يتعرّضون للحرمان ولامبالاة من قبل الآخرين بسبب قعودهم والإعراض عن هذا الواجب الإلهي، كما قال الإمام عليّ عليه السلام: "ومنع النّصفَ"13.

وفي سياق شرحه لهذه الجملة من كلام الإمام علي عليه السلام، يقول الشهيد مطهري: "إنّ المراد من كلامه عليه السلام هو أنّه ما دامت أمّةٌ ما أمّةً غير مجاهدة، لا يَحسِبُ الآخرون لها حساباً، ولا يُبقي لها الآخرون أي كيان، ويتشدّدون في حرمانها من أيّ نوع من أنواع الإنصاف"14.

فما ينتج عن ذلك هو أنّ حقوق هذه الأمّة تُداس في المحافل السياسية والاقتصادية والعسكرية والدولية، ولا يعيرون طلباتها وطروحاتها أيّة أهمّيّة.

عذاب الآخرة
إنّ العذابَ الأخروي لتاركي الجهاد يكمن في البعد عن رحمة الله والسقوط في نار جنهم. ولهذا، نجد أنّ القرآن المجيد يهدّد في سورة التوبة أولئك المنافقين الذين امتنعوا عن الذهاب إلى الجبهة بحجّة حرارة الطقس، واعتبروا أنفسهم معذورين أمام الله، نجده يهدّدهم بعذاب جهنم، فيقول تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ15.

وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ16.

وبالطبع، إنّ لفظ هذه الآية مطلق، ولذا يمكنُ أن يكون شاملاً للعذابات الدنيوية أيضاً، وخصوصاً أنّ الله قد هدّدهم في سياق الآية بالهلاك الدنيوي وباستبدالهم بقوم غيرهم لا يتركون الجهاد.
* كتاب باب الأولياء، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة آل عمران، الآيتان 167.
2- سورة الحج، الآية 40.
3- الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، الأمالي، ط1، قم المقدّسة، قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، 1417هـ.ق، ح906، ص736.
4- نهج البلاغة، الخطبة 27.
5- (م.ن).
6- (م.ن)، الخطبة 39.
7- سورة المائدة، الآية 26.
8- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، بيروت، دار صادر، ج2، ص84.
9- البيهقي،السنن الكبرى، بيروت، دار المعرفة، ج9، ص48.
10- نهج البلاغة، الخطبة 27.
11- قيام وانقلاب مهدي، انتشارات صدرا، ص92.
12- نهج البلاغة، الخطبة 27.
13- (م.ن).
14- قيام وانقلاب مهدي، ص92-93.
15- سورة التوبة، الآيتان 81 و82.
16- سورة التوبة، الآية 39.

سنن النصر الإلهيّ في القرآن الكريم

سنن النصر الإلهيّ في القرآن الكريم

موعظة قرآنية
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ1.

مقدّمة

هل النصر والمدد الإلهيّ سنّة من السنن وقانون كتبه الله على نفسه وألزم نفسه به؟ وما هي الشروط التي يجب على الإنسان توفيرها ليحصل عليه؟ أو فلنقل ما هو الفعل الذي يجب على الإنسان أن يحقّقه لينال ردّ الفعل الإلهيّ وصدى فعله وجزاءه الحسن وهو النصر وتحقيق الأهداف؟

وللجواب عن هذا السؤال يحسن بنا الاستعانة بجهود أحد العلماء الذين عالجوا موضوعًا شبيهًا بهذا الموضوع وأبدع في فتح هذا البحث وفيما انتهى إليه من نتائج، وهو الشهيد المرحوم السيد محمد باقر الصدر.

السنّة بحسب رأي الشهيد الصدر

يرى الشهيد الصدر أنّ القرآن كشف عن اهتمامه بما يسمّيه بالسنن التاريخيّة بأكثر من طريقة، فمرّة يخبرنا القرآن الكريم عن خضوع التاريخ البشريّ لمجموعة من القوانين والسنن على نحوٍ عامٍّ، وثانية يخبرنا عن سننٍ بعينها من خلال ذكر المصاديق والأمثلة لهذه السنن، وثالثة يمزج القرآن بين النظريّة والتطبيق بحيث يبيّن المفهوم الكليّ في إطار المصداق، ورابعة يدعونا إلى النظر في التاريخ والتأمّل في مصائر الأمم الغابرة كي نكتشف القانون ونَعِي السنّة2. ومن أمثلة القسم الأوّل قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ3. ومن أمثلة القسم الثاني قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ4 ومن أمثلة الحثّ على النظر في مصائر الشعوب السابقة قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ5.

كيف نثبت أنّ النصر سنّة؟

يمكننا معالجة سؤالنا المطروح في العنوان على ضوء ما تقدّم أعلاه والبحث عن الآيات التي تبيّن أن النصر سنّة من السنن التي كتب الله على نفسه الالتزام بها في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم. ومن الشواهد والقرائن العامّة الدالّة على أنّ النصر سنّة تعبير الله عن منحه النصر لبعض الرسل والأمم السابقة بصيغة المضارع. والفعل المضارع كما يقرّ علماء اللغة العربيّة يدلّ على الاستمرار والتكرار. وهاتان السمتان من سمات القانون كما أشرنا آنفًا. ومن الآيات التي وردت بهذه الصيغة قوله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ6. والتأكيد المضاعف الذي اتّسم به بعض عبارات القرآن التي تتحدّث عن النصر تكشف عن أنّ النصر سنّة من السنن الإلهيّة التي يجريها الله عزّ وجلّ على من يستحقّها: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ7. ونشير هنا إلى أداتي التوكيد اللام والنون، كما نلفت إلى أن الفعل كتب يدلّ على الجزم: "والكتابة معروفة المعنى ويُكنّى بها عن الفرض والعزيمة والقضاء الحتم"8.

آيات النصر في القرآن

سوف نستعرض فيما يأتي الآيات التي تتضمّن الوعد الإلهيّ بالنصر للمؤمنين وفق التقسيم المذكور أعلاه، لنثبت أنّ النصر سنّة إلهيّةٌ عامّة تجري في عروق التاريخ وشرايين المجتمعات الإنسانيّة. وقد لا يُسعفنا التنظيم المنطقيّ للبحث عن استيفاء الأقسام المذكورة، والسبب هو اختلاف محور البحث عندنا عن المحور المعتمد عند الشهيد الصدر. وبيان ذلك أنّ الشهيد الصدر كان بصدد الحديث عن مبدأ خضوع حركة التاريخ البشريّ للقوانين والسنن، وأما نحن فإنّنا نبحث في مرحلة لاحقةٍ وهي مرحلة التسليم بهذا الخضوع والبحث عن سنّة بعينها هي سنّة النصر الإلهيّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ ما نبغيه هو ذكر بعض الأمثلة ولسنا نرمي إلى الحصر والاستقصاء.

الآيات العامّة في النصر

من الصيغ التي ذكرت لتعبير القرآن عن السنن صيغة التعبير العامّ عن هذه السنّة ولو من باب بيان خضوع المجتمع والتاريخ للسنن والقوانين، وممّا وجدنا أنّه يمكن اندراجه في هذا الصنف الآيات الآتية:

1- قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ9. يأمر الله في هذه الآية بإبلاغ الذين كفروا بالقانون الإلهيّ الذي سوف يُطبّق عليهم وهو قانون الغلبة، مهما تطاولت الأيّام. وهذه الآية على الرغم من أنّها لا تتحدّث مباشرة عن نصر المؤمنين وانتصارهم، فإنّها تفيد هذا المعنى بوضوح، فعندما يُغلب الكافرون سوف يكون المنتصر هو الطرف المقابل لهم أي المؤمنون.

2- قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ10. وهذه الآية أيضًا تقرّر مبدأً عامًّا هو تحقّق الغلبة الدائمة لحزب الله على غيرهم من الجماعات التي توالي غير الله وتتحزّب له.

3- قال الله تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ11. وهذه الآية على الرغم من ورودها في سياق الحديث عن النصر الذي منّ الله به على المسلمين في معركة بدرٍ إلا أنّ ختامها بهذه الطريقة يسمح بتصنيف هذا المقطع من الآية في خانة الآيات العامّة، وذلك لأنّه ختام مشعر بالتعليل، وصيغة النفي والاستثناء تؤكّد هذا المعنى. يقول السيد الطباطبائي في مقام إرجاع النصر والمدد إلى الله تعالى دون غيره من الوسائل حتّى لو كانت الملائكة: "...هو المقام الربوبيّ الذي ينتهي إليه كلّ أمرٍ وحكمٍ ولا يكفي عنه ولا يستقلّ دونه شيء من الأسباب، فالمعنى أنّ الملائكة الممدّين ليس لهم من أمر النصر شيء، بل هم أسباب ظاهريّة يجلبون لكم البشرى وطمأنينة القلب، وإنّما حقيقة النصر من الله سبحانه لا يغني عنه شيء وهو الله الذي ينتهي إليه كلّ أمرٍ، العزيز الذي لا يُغلب الحكيم الذي لا يجهل"12.

4- قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ13. ووجه تصنيف هذه الآية في الآيات العامّة أمران أحدهما أنّها تتحدّث عن الرسل الذين أرسلهم الله تعالى قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشير إلى رسول بعينه منهم، وثانيهما أنّها تختم ببيان قاعدة عامّة مفادها أنّ الله جعل للمؤمنين على نفسه حقًّا أن ينصرهم ولا يكلهم إلى أنفسهم، ولا يلقي بهم طعمة للكافرين.

5- قال الله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ14. وهذه الآية التي مرّت سابقًا تدخل في هذه المجموعة من الآيات التي تبيّن أنّ النصر سنّة من السنن الإلهيّة التي ألزم الله نفسه بها. وهي تشبه في لهجتها التعبير القرآنيّ الوارد في قوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ15 وفي هذه الآيات غنًى وكفاية تعفي من الإطالة ومتابعة البحث.

الآيات المصداقيّة في النصر

- قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ16. هذه واحدةٌ من الآيات التي تخبرنا عن منّ الله بالنصر على المؤمنين. وهي وإن كانت آية خاصّةً بمعركة بدرٍ إلا أنّ لسانها يوحي بإمكان تعميم هذا المبدأ إلى غير هذه الواقعة من الوقائع. والمؤشّرات التي تسمح بمثل هذا التعميم هي: الحديث عن النصر مع الإشارة إلى الضعف وقلّة العدد الذي كان عليه المسلمون في ذلك الزمان، وختام الآية بالدعوة إلى التقوى والشكر الأمر الذي يوحي ولو على نحو الإشعار بالوعد بدوام مثل هذه المنّة إن ثبت المسلمون على التقوى والشكر. ويتأكّد هذا المعنى بملاحظة سياق الآية اللاحقة لهذه الآية ومن ذلك قوله تعالى في الآية 521 من السورة نفسها: ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ17.

- قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ18، تكمل هذه الآية دلالة الآية السابقة وتوضحها. وتبيّن أنّ نصر الله للمؤمنين في بدرٍ لم يكن استثناءً بل كان هو القاعدة. والهزيمة التي مُنِي بها المسلمون أوّلًا في حنين ناجمة عن الإعجاب بالكثرة وترك التوكّل على الله. وقد ورد في بعض الأخبار المرتبطة بغزوة حنين أنّ أحد المسلمين قال: "لن نغلب اليوم عن قلّة"19. ولكنّ الله يكشف في الآيات اللاحقة عن أنّه لم يترك المسلمين ولم يكلهم إلى أنفسهم بل عاد عليهم بعد أن أدّبهم وألفتهم إلى أنّ الكثرة لا تغني عن المدد الإلهيّ، فأنزل سكينته وأمدّهم بأسباب النصر الغيبيّة20.

- قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ21. وظاهر هذه الآية أنّها نزلت في معركة بدرٍ كما يرى عددٌ من المفسّرين، وذلك أنّ المسلمين كانوا على هذه الحالة من الضعف والخوف وقت بدرٍ22 وبعد هذا النصر تغيّر حال المسلمين، وقويت شوكتهم وقلّ طمع المشركين فيهم.

- قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ23. وهذه الآية وإن كانت خاصّةً بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنّ سياقها يفيد أنّ انتصار النبيّ لا يتوقّف على نصر الناس له فقد نصره الله يوم لم يكن معه سوى رجلٍ واحدٍ. وهذا يدلّ بوضوح على أنّ الله يحقّق ما يريد من انتصار نبيّه وإتمام حجّته وتبليغ رسالته سواء كثر الناس حوله أم قلّوا وبالتالي تريد أن تقول هذه الآية لا يمنّنّ أحدٌ لا على الله ولا على رسوله، فإنّ الله إذا أراد أن ينصر رسوله ينصره ولو كان وحيدًا.

آيات الدعاء بالنصر

ورد في القرآن الكريم آياتٌ عدّة تتحدّث عن طلب المؤمنين النصر من الله تعالى. ووجه دلالة هذه المجموعة من الآيات على ما نحن فيه أي على أنّ النصر من عند الله وهو سنّة من سننه تعالى، هو نقل القرآن هذه المجموعة بطريقة تشبه إقرارهم الداعين على دعائهم ما يعني أنّ هؤلاء الداعين يطلبون ما يطلبون من محلّه ولو كان النصر يُطلب من محلٍّ آخر لندبهم الله تعالى إلى طلبه من حيث يجب أن يُطلب. ومن هذه الآيات:
- قال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ24. ففي هذه الآية يخبرنا الله عزّ وجلّ عن أنّ هذه الأمّة سوف يحصل لها ما حصل على الأمم السابقة من امتحان وابتلاء، وسوف يشتدّ عليها البلاء إلى درجة تجعل الرسول يتوجّه إلى الله ويسأل عن وقت النصرة والمدد. وقد توقّف بعض المفسّرين عند إمكان أن يصدر مثل هذا الأمر عن الرسول وقال: "ولا ضير في أن يتفوّه الرسول بمثل هذا الكلام استدعاءً للنصر الذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم..."25 وبغضّ النظر عن القائل والداعي الذي يستنزل النصر من الله، فإنّ الله ينقل هذا الدعاء ولا يبيّن للداعي أنّه أخطأ في طلبه النصر من الله، وليس هذا فحسب بل تكمل الآية وتبيّن أنّ نصر الله قريبٌ، إذ يبدو من ظاهر الآية أنّ العبارة الأخيرة هي الجواب الإلهيّ والردّ على دعاء الداعي.

قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ26. وهذه آية أخرى تحكي عن جند طالوت إذ برزوا في مواجهة جالوت وجنوده طلبوا من الله أن ينصرهم ويثبّت أقدامهم. ووجه الدلالة فيها ما تقدّم في الآية السابقة فلا نعيد. وتتأكّد دلالة الآية بالنظر إلى الآية اللاحقة التي تكمل فتقول: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ27، وإذن الله في هذه الآية لا بدّ من أن يُفهم على أنّه إذنٌ تكوينيٌّ وليس إذنًا تشريعيًّا، وذلك أنّه لا شكّ في الإذن التشريعيّ بهزيمتهم وبالتالي لا داعي لذكره، وما يستحقّ الذكر هو الإذن التكوينيّ لدفع توهّم أنّ القوّة الماديّة هي السبب في النصر، فبيّن الله أنّ النصر تحقّق بإذن الله وإرادته وليس بالاعتماد على المادّة والمادّيات.
 
وقفّة تأمّلية

لو نزلتم إلى الميدان في سبيل الله وصمّدتم، فإنّ النصر أمر قطعي: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ ...28، هذا الأمر لا يتعلّق بما جرى في معارك صدر الإسلام فقط ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. هي سنة إلهية.... ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ29 فإنّ الله تعالى سينصر حتماً وقطعاً، ومعنى ﴿وَلَيَنصُرَن، هو هذه القطعية والحتمية، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً30.

الإمام الخامنئي دام ظله: كلمته في ذكرى انتقاضة أهالي قم/8/1/2013م.

بالطبع، نحن نُخطئ، فلا نُدرك أحياناً هذا التفضّل الإلهي ولا نرى يد العطف الربّانية التي تُظلِّنا في مختلف القضايا. بعض الأحيان، نُخطئ من هذه الجهة حيث نتصوّر أنّنا نحن الذين نقوم بمثل هذه الأمور، في حين أنّنا لسنا كذلك. ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ31.

"قلب المؤمن بين إصبعي الرحمن"، فمن الذي يجذب هؤلاء المؤمنين لينزلوا إلى الميادين ويجعلهم متوجّهين إلى الله بهذا الشكل؟ ليست إلا اليد الإلهية والقدرة الربّانية ولا غير، هذه هي الأمور التي تجعلنا متفائلين.

لا أُريد الاقتصار على تفصيل الوقائع فنحن جميعاً نُشاهدها تباعاً بل أُريد أن أصل إلى هذه النتيجة: ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ32، فالله تعالى يجعل تأييده إلى جانب النّصرة بواسطة المؤمنين، حيث إنّ الأمر هنا بالظاهر هو النّصرة المعنويّة، مثلما ورد: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ33 وأمثالها. ﴿هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ34 المؤمنون هم الذين يوجبون النّصرة، المؤمنون هم الذين يحفظون النظام ثابتاً، المؤمنون هم الذين يُعبّدون الطريق في الميادين المختلفة حتى يتمكّن النظام الإسلامي من إنجاز الأعمال الكبرى. ونحن لا ينبغي أن نتصوّرها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي35، لا نتصوّرن أنّنا من يفعل ذلك، بل هي فعل الله. الإمام الخامنئي دام ظله، كلمته في لقاء مجلس خبراء القيادة/ 08/09/2011م.
* كتاب النصر الإلهي، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة البقرة، الآية 214.
2- السيد محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنيّة، الطبعة الأولى، مركز الأبحاث والدراسات التخصّصيّة للشهيد الصدر، قم، 1421 هـ.ق.، ص 54.
3- سورة الأعراف، الآية 34.
4- سورة الأنعام، الآية 34.
5- سورة يوسف، الآية 109. تجدر الإشارة إلى أنّ الأمثلة المذكورة للآيات الشريفة هي من الشهيد الصدر نفسه. انظر: المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص 55-66.
6- سورة الحج، الآية 40.
7- سورة المجادلة، الآية 21.
8- الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 7.
9- سورة آل عمران، الآية 12.
10- سورة المائدة، الآية 56.
11- سورة آل عمران، الآية 126.
12- الميزان في تفسير القرآن، ج 4، ص 4.
13- سورة الروم، الآية 47.
14- سورة المجادلة، الآية 21.
15- سورة الأنعام، الآية 54.
16- سورة آل عمران، الآية 123.
17- سورة آل عمران، الآية 125.
18- سورة التوبة، الآية 25.
19- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، النجف، 1956م، ج 1، ص 180.
20- انظر: سورة التوبة، الآية 26. ويمكن أن تكون هذه الآية نموذجًا آخر للآيات التي تتحدّث عن حالات محدّدة من النصر الإلهيّ.
21- سورة الأنفال، الآية 26.
22- الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 53، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 5، ص 299.
23- سورة التوبة، الآية 40.
24- سورة البقرة، الآية 214.
25- الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 159.
26- سورة البقرة: الآية 250.
27- سورة البقرة: الآية 251.
28- سورة الفتح، الآيتان 22 و23.
29- سورة الحج، الآية 40.
30- سورة النساء، الآية 122.
31- سورة الأنفال، الآية 63.
32- سورة الأنفال، الآية 62.
33- سورة الأنفال، الآية 9.
34- سورة الأنفال، الآية 62.
35- سورة القصص، الآية 78.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism