الطلاق |
((المشاكل الزوجية)) |
لقد عرّف الإسلام الحنيف الطلاق على أنه أبغض الحلال إلى الله حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق"1.
وهذا خلاف المسيحية التي لا يوجد فيها طلاق أصلاً، ولكنهم ومن خلال استخدام الحيل ـ وهنا ليس محل طرحها ـ يقومون بعمليات الطلاق، وإن حالات الطلاق بينهم تتفاقم يومياً بشكل عجيب حتى أضحى هذا الأمر حاكماً اليوم في دنيا الغرب. وفي إيران، لو تأتى لنا مطالعة إحصائيات الطلاق لرأينا ازديادها يوماً بعد يوم، وعلى سبيل الفرض، رغم أن المسؤولين يخالفون عمليات الطلاق، نرى أن هذا الأمر أضحى اليوم رائجاً في أوساطنا الإسلامية، بالرغم من تلك المخالفة. إن إحدى المصائب الكبرى التي ترى واضحة جليّة في إيران الثورية في وقتنا الحاضر هي: كثرة الطلاق مع شدة التضييق على هذه المصيبة من خلال التبصرات والنصائح التي يتفضل بها العلماء والمثقفون في وسائل الإعلام المرئي والمسموع، ولكننا ـ وكأنما لا يوجد تأثير ملموس لتلك النصائح ـ نرى ازدياد وتفاقم حالات الطلاق بشكل يبعث على الدهشة، فما السبب في ذلك؟ إن إحدى أسباب الخوض في هذا البحث الذي أسميته الأخلاق البيتية هو المساهمة في الحؤول دون تزايد حالات الطلاق، وقد نوفق بنسبة واحد في الألف لمنع استمرارية ابغض حلال في الإسلام، لذا فإن بحثنا هذا يدور حول سبب استشراء هذا الأمر، وكما قسّم الزواج إلى ثلاثة أقسام، يقسّم الطلاق إلى ثلاثة أقسام أيضاً: أقسام الطلاق 1- الطلاق الضروري بما أن قوانين الإسلام شاملة، ولم تدع مفصلاً حياتياً إلاّ وطرقته لذا يكون الطلاق هو أحد القوانين المشمولة بالنظام الإسلامي المتكامل، وبالرغم من كراهية الطلاق في الإسلام، يُعتبر وجوده ضرورياً في الحالات التي تستوجب ذلك. إن مثل الطلاق الضروري كمثل اليد التي أصابها السرطان، والتي يجب أن تقطع حتى لا يسري المرض إلى بقية أجزاء الجسم، وقد يكون صاحب اليد ممتعضاً لقطع يده، لكنه في الوقت ذاته مقتنع بذلك القطع، بل ويقدم المال للطبيب الذي قطعها ويشكره على فعله ذاك. إن الطلاق الضروري يجري عندما لا يحصل توافق أخلاقي بين الرجل والمرأة بعد طرق جميع أبواب التضحية والإيثار والعفو وكلّ ما يمنع حدوثه من مساعٍ وتدابير خاصة اعتمدها الإسلام للإبقاء على الحياة العائلية. فحينما يبتلى مؤمن ـ والعياذ بالله ـ بامرأة غير عفيفة، أو تبتلى امرأة خيّرة بزوج وضيع ويصل الأمر إلى طريق مسدود. ماذا يمكن أن يكون الحلّ؟ لا حلّ هنا سوى الطلاق، وفصل هذه الوصلة غير المنسجمة عن بعضها البعض لذا يكون الطلاق في مثل هذه الحالات ضرورياً وحسناً بنظر الإسلام والمجتمع. لقد أقرّ العالم المسيحي ولمّرات عديدة بأن قانون الطلاق الموجود في النظام الإسلامي ـ بالطبع مع وجود الموانع الكثيرة ـ قانون جيّد، ولو لم يكن قانون الطلاق موجوداً في النظام الإسلامي لعدّ الإسلام ناقصاً. إن التركيبة الطبيعية للزواج والتي بنى الإسلام قوانينه على أساسها وهي أن تغدو المرأة محترمة ومحبوبة داخل المنظومة العائلية، فإذا ما حدث ما يؤدي إلى نزول المرأة عن هذا المقام وانطفأت شعلة حب الرجل لها، وأصبح زوجُها غير راغب فيها، فقد هدم الصرح والركن الأساس للعائلة. إن الإسلام ينظر إلى مثل هذا الوضع نظرة أسى وأسف، لكنه حين يشاهد انهيار الأساس الطبيعي لهذا الزواج لا يسعه أن يفرض بقاءه من الناحية القانونية. إن الطلاق الضروري قليل، وقليل جداً، وهو أقل من 1% من مجمل الطلاقات التي تحصل في إيران سنوياً، وقد لا تصل مثل هذه الطلاقات إلى 100 حالة سنوياً. وإذا ما رأينا ازدياد الطلاق وتفاقمه في إيران فهو لأسباب أخرى غير ضرورية. 2- الطلاق الترفي إن الطلاق الترفي يشبه إلى حدّ ما الزواج الترفي، وفي الطلاق الترفي يكون الرجل عاشقاً لإحدى النساء، أو من الذين يبحثون عن شيء جديد يلبّي رغبات فيهم غير طبيعية، لذا تراه يطلق زوجته التي حملت منه عدة مرات ليتزوج أخرى معجبٌ بطريقة كلامها، والأنكى من ذلك حينما تكون هذه الحالة عند المرأة. فالمرأة التي عشقت شخصاً آخر غير زوجها، نتيجة لعدم التزامها العرفي والشرعي، تحاول جاهدةً أن تطلب الطلاق بعد تبريرها له بشتى الوسائل لكي تلتحق بمعشوقها، ومثل هذه الزيجات قليلٌ جداً في مدينة قم وكثيرٌ من بين الأفراد المنحرفين والغوغائيين. وهنا لا بدّ من طرح سؤال مهم وأوجهه بالخصوص إلى النساء إذ ينبغي لهن أن يحكّمن ضمائرهن في الجواب، وهو: ما هو منبع الطلاق الترفي أو الطلاق الاعتباطي والعشقي؟ وأجيب على هذا السؤال بالقول: إنه يحدث نتيجة اختلاط الرجال مع النساء، ومن التطلّع في الوجوه، أو من الأحاديث غير الضرورية التي تتم بين الرجل والمرأة، وأقول أكثر من ذلك إنه ينتج بسبب التبرّج أو السفور. فالمرأة المتبرّجة أو السافرة لا يمكن أن نحسبها غير إنسانة ظالمة، وإنها ستحشر يوم القيامة مع أعتى الظلمة، وما هو الظلم الذي يكون أعلى مرتبة من ذاك الذي تحرك فيه امرأة شهوة شاب أعزب؟ إنها بتحريكها له قد ألقت به في نارٍ مشتعلة ليحترق بشكل يبعث على الأسف والأسى، وقد تكون نار الغريزة الجنسية أشدّ اشتعالاً من النار العادية. ماذا يمكن أن يكون ذلك الظلم الذي ينظر فيه الشاب إلى وجه امرأة أو بنت متبرّجة؟ أو إلى جواربها الشفافة التي تكشف من خلالها عن ساقيها؟ وفي نهاية الأمر سيحاول الشاب النظر إلى المواضع الحساسة الأخرى، فتتحرك كوامن غريزته الجنسية ليقع في الإثم والمعصية ـ والعياذ بالله ـ. إن ولوغ ذلك الشاب في المعصية يرجع في الأساس إلى تبرّج تلك السيدة، هذه السيدة التي تبتسم يميناً وشمالاً، وعند بائع المحلة، وتكشف عن رقبتها وشعرها في بعض الأحيان من أجل الحظوة بزوج جوارب أقل ثمناً مما لو كانت محجّبة، إنها تبيع حياءها ودينها لكي تصل إلى مرادها التافه، ولا أعني هنا أنها تزني من أجل ذلك، كلا بل إنها ـ والعياذ بالله ـ تمزح وتوزع الابتسامات، وترد حارتها بلباس فضفاض من أجل جلب أنظار الشباب إليها، وقد لا تعرف هي السبب في عملها ذاك الذي لا ينمّ إلا عن ظلمها لنفسها وظلمها للآخرين، كونها بعملها ذاك ستثير شهوة الكاسب أو الرجل المتزوج فتبرد علاقته ومحبته مع زوجته، وبالتدريج ينجرّ ذلك الرجل إلى تطليق زوجته، أو إلى موت المحبة في نفسه، أو إلى بروز عقدة نفسية تنعكس آثارها السلبية على ابنائه بشكل خاص، وعلى بيته بشكل عام، وهذا هو الظلم العظيم، والمعصية الكبرى. إن أحد الأشياء التي توجب ظهور المصائب والبلايا هو العشق، والعشق هذا أسوأ من السرطان، العشق الذي يحدث أحياناً بين الرجال والرجال، العشق الذي يحدث بين النساء والنساء، والعشق الذي يقوم بين الرجال والنساء، وهو إجمالاً يترك البيوت بلاقعَ، حيث ترى العاشق يتنكر لكل القيم والمُثل في سبيل الحظوة بمعشوقه، بل ويصل الأمر به إلى أنه يكون ذليلاً مستكينا في مقابل تلك الحظوة المتدنّية. وعندما نراجع أشعار العشاق نستشف بأنهم مستعدون لإهراق ماء وجوههم في سبيل ذلك العشق، وإذا ما أهرق ماء الوجه كيف يمكن استرجاعه ثانية؟. وليعلم الجميع أن الغريزة الجنسية هي أساس تلك المصائب والبلايا إذا تُرك العنان لها، وإن الفتيان أو الفتيات إذا ما أحب بعضهم البعض، فإن حبّهم ذاك وعشقهم يستقي من تيار الغريزة الجنسية، وقد يكون العشق ذاك تحت مسميات أخرى كأن يكون أحد مُسميات الصداقة، أو التحابب بين المسلمين، أو العشق من أجل الله تبارك وتعالى، وكل ذاك تبرير شيطاني محض. سُئِل الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن أصل المحبة؟ فأجاب بأن حب الله إذا خرج من قلب امرءٍ، دخل مكانه في القلب حب آخر ثم أردف سلام الله عليه بالقول: "كُلّ من لم يحبّ على الدين، ولم يبغض على الدين فلا دين له"2. أما الحب أو العشق البعيد عن الدين فيطلق عليه اصطلاحاً " بالمرض السودائي" وهو مرض أشبه ما يكون بالعصاب، ويحصل هذا المرض نتيجة الاختلاط، والنظر الشهواني إلى ما حرّم الله. لقد أثبت البعض بأن في الأبدان أشعة خاصة ترد بدن الناظر عن طريق عينيه، وعندما يستهوي بدن الناظر تلك الأشعة يحصل العشق أو الحب الدنيء، وعليه حرّم الإسلام النظر إلى كل ما يمكن أن يثير الشهوة، وحرّم التحدث والاختلاط بين النساء والرجال إلاّ لضرورة. وبالرغم من وجود أكثر من عشرة آيات تتعرض لمسألة الحجاب بصورة مباشرة، فإن هناك الكثير من الآيات التي تشير إليه من خلال عبارات قصيرة ومقتضية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾3. وإذا ما كانت المرأة بصّاصة، وكثيرة التحدث للآخرين، فقد تضحى عاشقة بالرغم من أنها متزوجة، وحينها تحدث الكارثة بسبب ذلك التحدث والنظر هنا وهناك، وتكون عندها مصداقاً للآية المباركة التي تقول: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾4. وبناء على ما تقدم يتضح لنا أن التبرّج والسفور هو سبب أساسي في مسألة الطلاق الترفي، وإن المذنب الرئيسي فيه هي المرأة غير الملتزمة بما جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. إن للمرأة جاذبية خاصة، وإن جاذبيتها تلك حدت بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار من أهل بيته عليهم السلام إلى أن يُكرّهوا حتى المشي خلفها، أو التطلع إلى ظهرها، وحذّروا كثيراً من المشي وراءها إلاّ أن تكون هناك مسافة تحول دون الجذب. أما إذا لمٍ يلتزم الرجل بهذه المسائل فسوف يكون عرضةً لذلك الجذب، وعرضةً لشِراك الشيطان الرجيم الذي يسعى دائماً للإيقاع به. إنني أعتقد بأن الفصل بين الرجال والنساء أمر ضروري لا بُدّ منه، وعليه يجب الفصل بينهما حتى في باصات النقل العمومية، ولا أوصلنا الله إلى حالة نجلس بعدها نندب حظّنا. إن التماس الذي قد يحصل بين الرجل والمرأة في باصات النقل ـ ولو بالملابس فقط ـ خطيرٌ جداً، لذا أقول للمرأة: إنك درٌّ ثمين وكلّما حُفِظ الدرّ في مكان آمن كلّما كان بعيداً عن أيدي السرّاق، وعليه ينبغي أن يحذر الرجل والمرأة التمادي في التحدث إلى بعضهما البعض، وأن يلتزموا بالأخلاق الإنسانية والإسلامية العريقة التي تحول دون استشراء الفساد في المجتمعات البشرية. 3- الطلاق المعقّد الطلاق المعقّد يشبه إلى حدّ ما الزواج المعقّد، وهو كثيرٌ نسبياً إذا ما قيس بالنوعين الأوليين، ويمكن القول بأن نسبته المئوية تصل في بعض الأحيان إلى 80%. ويحدث هذا الزواج في الأعمّ الأغلب عندما لا تهتم المرأة بوظائفها المنزلية، بعد أن تبرز في كوامنه عقدة نفسية تتفاقم شيئاً فشيئاً لتصل إلى مرحلة خطيرة يُقدم فيها الزوج على التزوج ثانية وثالثة ورابعة. والجدير بالذكر أن الرجل في هذه الحالة من التعقيد يضحى قسيّ القلب بعض الشيء ـ فعلى سبيل المثال ـ عندما يقال له إن وضع أبنائك وزوجتك سيؤول إلى دمار، فيقول: فليحدث ذلك بالرغم من أنه كان قبل ذلك يبذل الغالي والنفيس من أجل هؤلاء الأبناء وتلك الزوجة. وعلى عكس ما ذكرنا، وحينما نشاهد عدم مراعاة الرجل للمسائل الصغيرة الكبيرة، وحينما يكون بخيلاً، جافاًّ في تعامله مع الأبناء والزوجة قولاً وفعلاً تتعقد الزوجة، وحينما تتعقد تدخل في مداخل ضيقة قد تكون في بعض الأحيان أماكن بعيدة عن العفّة، ناهيك عن كراهيتها لكلّ ما يمكن أن يذكرها بزوجها من مثل عشيرته، أو أبنائه، أو... إن البعض من الرجال لا يعرفون كيف ينظمون أوقاتهم، أو بالأحرى لا يولون أهمية تذكر لتنظيم أوقاتهم فتراهُ يخلط بين الوقت المخصص لزوجته وأبنائه وبين الوقت الذي يمارس فيه قراءة القرآن أو مطالعة الكتب العلمية ـ على سبيل المثال ـ وهذا أمرٌ خطير جداً، حيث تصبح الأسرة في مثل هذه الحالة في الحاشية، لتبقى المسائل الأخرى المتعلقة به في المتن. إن أغلب الكسبة يخرجون في الصباح الباكر ليعودون في المساء متعبين، من كثرة ساعات العمل، ومن كثرة النقاش والجدل مع المشترين، وحين رجوعهم مساءً إلى المنزل لا يطالبون زوجاتهم إلاّ بطعام يأكلونه وينامون، هذا إذا لم يجلبوا معهم دفاتر حساباتهم التي ينامون عليها في أغلب الأحيان. مثل هذا الوضع الخطير، والخطير جداً، والذي قد يؤدي بالزوجة النجيبة إلى الخروج على نجابتها وعفّتها، وهذا ما لا يرضاه الله ولا رسوله ولا الأئمة الأطهار. قد يكون ذلك الرجل يذهب إلى المسجد كثيراً، ويحضر في صلاة الجمعة، ويشارك في المجالس العمومية والخيرية ويعتبر عمله ذلك هو الأساس، بل هو المتن، وما عداه ـ من مثل الاهتمام بالأسرة ـ هو الحاشية وهذا هو عين الخطأ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله تعالى سائل كلّ راع عمّا استرعاه أحفظ ذلك أم ضيّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"5. وبناء على ذلك ينبغي للرجل أن يقسّم وقته ساعة لربه، وساعة لأهله وعياله، وساعة لمنامه وغذائه. هذا بالإضافة إلى اهتمام الرجل بشكل خاص بزوجته، فإذا دخل منزله واستقبله أحد أولاده، فلا بأس من معانقته، ولكن لا يجدر به أن يرفع عينه عن زوجته، ولا تظنّ بأنها إنسانة ساذجة وبسيطة. قبل مدّة اعتقلت الشرطة المحلية امرأة قتلت أبناءها بعد أن غرزت في رؤوسهم إبراً معدنية، وحينما سُئلت عن السبب في عملها المشين هذا أجابت، بأنهم كانوا سبباً حائلاً بيني وبين زوجي حيث كان يهتم بهم أكثر مما يهتم بي لذا صممت على قتلهم جميعاً ليخلو لي الجو بزوجي!! إن البعض من النساء يتصلن بي تلفونياً، وقد أسمع بكاءهنّ وكأن عزيزاً لهن قد مات، وبعد التحدث إليهن أصل إلى نتيجة بأن أزواجهن لا يبخلون عليهم مادياً ولا جنسياً، بل يبخلون عليهن عاطفياً. قال الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحُسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها"6. وقال سلام الله عليه أيضاً: "إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكفّلها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن"7. تقول إحدى النساء والتي كان أولادها سيئين بأن السبب في ذلك يرجع إلى أبيهم الذي كان ليلاً ونهاراً يطالع في الكتب، وإذا خلص من ذلك يبدأ بقراءة القرآن الكريم، وعليه كان ابناؤه معقّدين، وسيئين في القول والفعل. إن العالم أو الطالب الذي لا يعرف غير المطالعة ظالم لنفسه ولأهله، وإن علمه ذاك لا بركة فيه، لأنه مكتسب عن طريق الظلم، ومن أراد علماً بدون ظلم يجب عليه أولاً أن يتفرّغ ساعة في اليوم على الأقل لزوجته وأبنائه ومن ثم يمارس ما يريد ممارسته لوحده. وإن المرأة المثالية يجب عليها أن تتبسم في وجه زوجها حينما تقدم له قدح الشاي حتى يذهب التعب والعناء عنه، ولكي تتأصل أواصر المحبة والألفة والانسجام في المؤسسة الأسرية. كان أحد العلماء الكبار يبكي بشدة لوفاة زوجته، وعندما قلنا له: ألا ترضى بالمقدّرات الإلهية؟ قال: أنا راضٍِ بقدر الله تباركت أسماؤه، ولكنَّ قلبي يشتعل ناراً حينما أتذكر بأن مؤنسي، ومعهد علمي، لن يعود إليّ ثانيةً. كان يقول: عندما أكون مُتعباً أثناء المطالعة أرى زوجتى الرؤوفة تطلّ عليّ بابتسامة عريضة، وهي تحمل بيدها قدح الشاي، ثم تجلس إليّ لتحدثني قليلاً، وما إن تشعر بغياب التعب عني تستأذنني بالذهاب إلى عملها المنزلي، لذا أرى أن كلّ أعمالي العلمية مرهونة بوجود تلك المرأة التي ذهبت إلى حيث رحمة الله الواسعة. يقول باستور: إن كل اختراعاتي، وخدماتي التي قدمتها للإنسانية ترجع في أساسها إلى زوجتي التي أنقذتني من العناء والتعب حينما كنت أجهد نفسي في الوصول إلى هدف معيّن. وبناء على ما تقدم فإن الرجل الذي لا يهتم بزوجته وأبنائه لانشغاله، بالكسب الحلال، أو لانشغاله في طلب العلم سيكون سبباً في تعقيد زوجته، وعندما يتفاقم ذلك التعقيد قد يصل الأمر إلى الطلاق، هذا إذا كانت الزوجة، نجيبة وملتزمة وخيّرة، وعندما تُسئل عن كيفيّة تركها لأبنائها الذين سيفشلون في حياتهم تُجيب: دعوني أحظى بقسطٍ من الراحة ولو على حساب فشل أبنائي، وهذا ما يسمى بالطلاق المعقّد. هذا الطلاق الذي يحدث نتيجة بروز عقدة نفسية تزداد رويداً رويداً لتصل في آخر المطاف إلى حالة تنفجر فيها تلك العقدة فتؤدي إلى الطلاق، وإن تلك العقدة هي حاصل سوء ظنّ المرأة في أغلب الأحيان، وعدم اهتمام الرجل بزوجته في بعض الأحيان. *الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص213-222.
1- كنز العمال/ خ27871.
2- الكافي/ ج2، ص127. 3- الأحزاب:59. 4- الحج:11. 5- كنز العمال/ خ14636. 6- تحف العقول/ ص238. 7- تحف العقول/ ص237. |
|
الخميس، 13 أغسطس 2015
الطلاق
بواسطة:أدمن
8:50 ص
نصائح في فترة الخطوبة
بواسطة:أدمن
8:47 ص
نصائح في فترة الخطوبة |
((دليل العروسين)) |
إن عقد الزواج مدخل لحياة جديدة دخل فيها إنسان آخر على الحياة، فأصبح الحرام
حلالاً بعد بضع كلمات قالها الزوجان، وفي هذه الفترة قد يحتاج الزوجان إلى جملة من
النصائح المستقاة من النصوص الواردة في السنة النبوية المطهرة، إضافة إلى التجربة
الواقعية في مجتمعنا، نعرض من هذه النصائح:
أ - التغافل من الصعب جداً أن نجد شاباً وفتاة ينسجمان بشكل كامل في تطلعاتهما ومسلكياتهما وأذواقهما، والحب بينها فضلاً عن رابطة الزواج لا يسبب طفرة إيجابية في هذه الأمور، نعم قد يساعد ذلك على التحمّل ولكنه لا يغيِّر ذلك الواقع سريعاً. من هنا كان لا بد في بداية العلاقة الجديدة أن لا يبني الشاب أنَّ زوجته تمثل فتاة الأحلام التي يتطلع إليها بشكل مطابق، وأن لا تبني الفتاة أن زوجها يمثل فتى الأحلام الذي كانت تنسجه في مخيلتها؛ إذ من المحتمل جداً أن يظهر من الشاب ومن الفتاة بعض الأفكار أو التصرفات التي لا ينسجم معها الآخر. وهنا من الخطأ أن يشعر أيٌّ منهما بالصدمة والإحباط، بل لا بد أن يتعامل مع هذا الموقف بواقعية. والنصيحة أن لا يحاسب الواحد منهما الآخر من خلال التدقيق في موقعه وتصرفه، بحيث يتحول إلى شبه كاميرا متحركة تسجِّل كلّ خطوة للآخر، ثم تحلل صورها، ويحاسب على أساس ذلك التحليل. إن هذا الأمر يعقِّد العلاقة بينهما، ويشنِّجها، وعلى كل منهما أن يلتفت جيداً إلى أن بيئات الإنسان حتى الخاصة منها قد تختلف مع بعضها البعض في الرؤى والمسلكيات والأذواق، حتى لو كانت تلك البيئات متقاربة في المكان والنسب وغير ذلك. فالحل هو أن يتسامح كل منهما - لا سيّما في بدايات هذه العلاقة - في تصرفات الآخر وأفعاله ومواقفه بنسبة كبيرة، من دون أن يعني ذلك أن يترك محاولة التغيير إلى الأحسن، والتي تحتاج إلى أجواء هادئة، فالانتباه والفطنة إلى المشكلة في تصرُّف الآخر مطلوبة، ولكن بنسبة منخفضة حتى لا يتفاعل معها الإنسان سريعاً بشكل سلبي. وهذا ما أشارت إليه الحكمة القائلة: "الزواج مكيال ثلثه فطنة وثلثاه تغافل". إن هذه الحكمة في الزواج ينبغي أن تكتب في لوحة المادة بماء الذهب، وفي لوحة القلب بقلم العقل، لأنها أساسيّة في نجاح الحياة الزوجية. ب - التعابير العاطفية خلق الله تعالى الأنثى متميزة عن الذكر بعاطفتها النابضة، والتي لولاها لما أحبّت المرأة وسعت أن تحمل تسعة أشهر بتعب وجهد كبيرين، ثمّ تُولد بشدة يصعب تحمّلها، ثم تحضتن مولودها بشغف، مع كونه يحرمها لذّة النوم، ثمّ تتابع تربيته على حساب راحتها. كل ذلك ينطلق من العاطفة التي زرعها الله وغرسها في نفس الأنثى، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه منذ صغرها، لذا أرشدنا أهل البيت عليهم السلام في مورد الآيتان بشيء للأولاد بأن نبدأ "بالإناث قبل الذكور"1. من هنا تأتي أهمية مراعاة الزوج لهذا الجانب العاطفي في زوجته، بأن يعبِّر لها عن حبِّه وعاطفته تجاهها. ولعلّ هذا يمثّل أفضل غذاء في تلك المرحلة لتعزيز أواصر العلاقة بينهما لما له من أثر كبير جدّاً في نفس المرأة، كما أشار اليه الرسول الأكرم صلى الله عليه واله : "قول الرجل للمرأة إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"2. ومن الأمور اللطيفة التي حدثت معي هي مراجعة خطيبين (زوجين أثناء العقد وقبل الزفاف) حول مشكلة تفاقمت بينهما إلا أنهما لم يذكرا أمامي المشكلة بشكل واضح ومقنع، فطلبتُ من خطيبها أن ينتظر خارج المكتب، لأتحدّث معها دون وجوده، وحينما سألتها عن السبب الحقيقي - بنظرها - لهذه المشكلة التي بدأت بتعاطيها السلبي معه، قالت: إني لا أعلم أنه هل يحبّني أو لا، فهو لم يذكر لي مرّة واحدة أنّه يُحبّني، وحينما استدعيته، وسألته: هل تحبّها؟ قال: نعم، سألته: هل ذكرت لها ولو مرَّة بأنك تحبّها؟ فكان جوابه المفاجئ: أنا لست ولداً حتّى أقول لها ذلك !!!! ج- التدرج في العلاقة الخاصة من الأمور المهمة التي ينبغي للشاب أن يلتفت إليها بعد عقد الزواج أن يُلاحظ سِنّ الفتاة، وتربيتها السابقة القائمة على العفة والحياء من الرجال الأجانب، كما هو الحال –ولله الحمد- في أغلب بيئاتنا الاجتماعية. وهذا الأمر يتطلب أن لا يصدمها بخشونته وسرعته في طلب ما يريد من تلبية لرغباته الجنسية، فهذا الأمر إن حصل قد يولِّد عقدة نفسية عند الفتاة يصعب حلّها بعد ذلك، لذا عليه أن يتدرَّج في مقاربته للعلاقة الخاصة بينهما، بحيث يتحقق من حصول الرغبة والانسجام عند كلا الطرفين وليس عنده فقط.. د- احترام أهل الزوجة في الأعراف الاجتماعية بين العقد والزفاف قد تشعر الفتاة بارتباك نفسي وعملي نتيجة وجود مرجعيتين لها قد تتعارضان في إرادتيهما هما والداها وزوجها، فكثيراً ما يجعل الأهل قيوداً على تحرّكات ابنتهما مع زوجها قبل زفافهما، فيحدِّدان – مثلاً - وقتاً معيناً للرجوع إلى المنزل، ويمنعان ابنتهما من النوم في منزل أهله....الخ. وهذا ما قد يزعج الزوج الذي يشعر بسبب ذلك بالحلال المقيّد. والنصيحة في هذا المورد أن يتقيّدا بذلك من دون إيجاد مشكلة مع أهل الزوجة، بل إن بعض الفقهاء المعاصرين يلزم بالتقيّد بذلك طالما أنّه كان عرفاً لذلك المجتمع وجرى العقد على أساس ذلك العرف وتلك العادات. ففي بعض الاستفتاءات يسأل فيها السائل: إذا عقد شخص على زوجته هل يجوز لأب الزوجة وأمها ان يبعدا ابنتهما عن زوجها وان لا يدعاهما يذهبان للنزهة معاً ؟ فيأتي الجواب "إذا جرى العقد على اساس عرف تلك المنطقة وعاداتها، وكان لأهل المنطقة عادات وتقاليد معينة بالنسبة الى خروج الفتاة مع زوجها، ماداما لم يزفا الى بعضهما بعضاً، فيجب العمل طبقاً لتلك العادات والتقاليد"3. هـ- الهدايا المحبـّبة تعارف الناس في عدّة مجتمعات على أنه ليس من مسؤولية الزوج قبل الزفاف النفقة على زوجته،وقد بنى بعض الفقهاء على هذا العرف في الحكم الشرعي، فلم يوجبوا النفقة طالما هي غير مستعدّة للزفاف إلا أن الامتناع عن تقديم شيء للزوجة في هذه المرحلة أو التقليل منه يعطي انطباعاً سلبياً عن الزوج، إضافة الى ذلك، فإن على الزوج أن يبادر الى ما يعزِّز أواصر الحبّ بينهما، والذي منه أن تشعر الفتاة بكرم الشاب وسخائه عليها. وقد يكون التعبير عن ذلك بالهدايا المتتابعة التي تعبِّر عن هذا الحبّ على قاعدة "تهادوا تحابوا". و - الستر والصلاح إن تعبير القران الكريم عن الزوج والزوجة باللباس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾4 يحمل في طيّاته الكثير من العناوين التي يمكن أن تتصيّد من خلال التأمل بطبيعة اللباس ووظيفته والتي منها الستر الذي هو قيمة مطلوبة في الحياة الزوجية منذ بداية الارتباط. وهذا يقتضي عند حصول اختلاف في وجهات النظر أن يبقى الأمر محاطاً بالكتمان؛ لتعالج بروية من قبلهما دون تدخّلات من الخارج. وحينما يقتضي الأمر تدخلاً، فالنصيحة أن لا يراجعا أهليهما، بل يُراجعا من خارج العائلتين من كان معروفاً بالحكمة والتجربة ليساعد في حلّ المشكلة. وفي حال الاضطرار إلى الأهل فالنصيحة أن لا يراجع الزوج والديه، بل يرجع في ذلك إلى أمّ زوجته، وأن لا تراجع الزوجة والديها، بل ترجع في ذلك إلى أبيه. فهذا أفضل لمعالجة المشكلة، وأبعد عن تدخلات قد تغلبها عاطفة الأهل وعزّتهم، فتكون على حساب الزوجين. ز- تقويم المرحلة بعد فترة من الخطوبة بعد العقد، وبعدما يكونان قد اكتشف كل منهما الآخر في عناوين ايجابية وسلبية قد يكون من المفيد أن يضع كل منهما على حدة جدولاً يشمل ثلاث خانات: الخانة الأولى: يذكر فيها سلبياته الشخصية في هذه العلاقة المستجدة. الخانة الثانية: يذكر فيها ايجابيات الطرف الأخر في هذه العلاقة. الخانة الثالثة: يذكر فيها سلبيات الطرف الأخر في هذه العلاقة. ثمّ يجلسان معاً، في جلسة هادئة ليؤكدا الايجابيات، ويعززاها، وليتعهدا ببرنامج لتصحيح ما كان في خانة السلبية. وقد يقتضي الأمر أن يستشيرا في ذلك بعض الموجِّهين الاجتماعيين كعالم دين مخضرم في الخبرة الاجتماعية، ليستنصحانه في معالجة تلك السلبيات.
*كتاب
دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات
1- النوري، حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت
عليهم السلام ط1، قُم، 1407هـ، ج15،ص 118.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص569، ح59. 3- الوحيدي، محمد، أحكام الأسرة، ط1 بيروت، دار المصطفى العالمية، 2010 م. ج1 ص197. 4-البقرة، : 187. |
العلاقات الجديدة
بواسطة:أدمن
8:46 ص
العلاقات الجديدة |
((دليل العروسين)) |
من الطبيعي أن تطرأ على الزوجين علاقات جديدة، تكون قديمة
بالنسبة لأحدهم، فلديه أصدقاء وأقارب، ولديها صديقات وأقرباء وبداية التعارف قد
تكون في أيام تقبل التهاني. وهنا ينبغي الالتفات إلى أمرين:
الأول: أن يتفاعل كل منهما مع الزائرين الجدد في حياتهم، ولو بنحو "إخوان المكاشرة" بحسب تعبير أمير المؤمنين عليه السلام حينما قسم الإخوان إلى قسمين "إخوان ثقة"، و "إخوان مكاشرة" والأول يعني إخوان العلاقات الحميمة، والثانية يعني إخوان العلاقات الرسمية، فكشَّر أي ابتسم وبانت أسنانه، فهي شبيهة بالعلاقات البروتوكولية، ريثما يعرف بعد ذلك من ينسجم معه ليكون من إخوان الثقة. الثاني: أن يلتفتا منذ بداية الأمر إلى سلبيات الاختلاط غير المدروس، والذي قد يؤدي إلى مخاطر اجتماعية.فالاختلاط وإن كان ليس عنواناً مستقلاً للحرمة، لكن جملة من الأحكام الشرعية تدعو المؤمن والمؤمنة إلى تضييق دائرة الاختلاط. * فتزين المرأة لغير زوجها حرام، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه واله أن تتزين الزوجة لغير زوجه، "فإن فعلت كان حقاً على الله أن يحرقها بالنار"1. * وتطيّب المرأة بحيث تفوح رائحتها العطرة لغير زوجها حرام، وقد مرت بعض الروايات في ذلك. * والمصافحة بين الرجل والمرأة وسائر أنواع اللمسات المباشرة حرام لغير الزوجين والمحارم، فعن النبي صلى الله عليه واله : "من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط الله عز وجل"جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار"2. * وخضوع المرأة وميوعتها في الكلام منهى عنه، بقوله الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾3. * والنظر بشهوة حرام، والمطلوب الغض من البصر، يقول الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾4. والغض هو الخفض والنقصان من الطرف بحيث لا يحصل تحديق وإمعان. وأفادت بعض الروايات أن النظرة سهم سموم من سهام إبليس5. والممازحة بين الرجل والمرأة الأجنبيين ينبغي الحذر من خرقه لبعض الحصون والحواجز المطلوبة، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال لأحد أصحابه الذي أخبره بأنه مازح امرأة: "لا تعودن إليها"6. هذه الأحكام والإرشادات الشرعية تدعو إلى دراسة كيفية الشكل المناسب في العلاقات مع الآخرين ودراسة دائرة الاختلاط حتى لا تصل الأمور إلى محاذير لا تحمد عقباها.
*كتاب
دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات
1- الحر العاملي،، وسائل الشيعة، ج20، ص 162.
2- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 73، ص 334. 3- الأحزاب، : 32. 4- النور، الآيتين: 30-31. 5- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص 280. 6- التستري، محمد تقي، قاموس الرجال، ط1، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1425، ج 12، ص 426. |
موقع النصر في حسابات الجهاد
بواسطة:أدمن
8:45 ص
موقع النصر في حسابات الجهاد |
|
موعظة قرآنية ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾1. مقدّمة هنا سؤال ينبغي أن يُطرح في سياق الحديث عن النصر وهو: ما موقع النصر في حسابات التفكير في خوض المعركة؟ وهل يجب أن يكون النصر مضمونًا حتّى يتقلّد المسلم أو الأمّة الإسلامية السيف لمواجهة العدوّ أم لا يُشترط ذلك؟ في الجواب عن هذا السؤال ربّما يُفهم ممّا تقدّم أنّ النصر ليس شرطًا واجبًا في خوض معركة الدفاع. فالدفاع حربٌ مفروضة يجب على الأمّة خوضها من حيث المبدأ، ويستطيع قائد المسلمين التفكير في الآليّات والسبل التي تساعده على خوض هذه الحرب لضمان النصر فيها، أو التقليل من الخسائر بالحدّ الأدنى. ولمزيد من وضوح الفكرة وطلبًا لتوثيقها نوزّع البحث على حالات الجهاد الآنفة الذكر لنرى موقع النصر منها. ونبدأ أوّلًا بإشارة أوليّة نقارن ونحدّد فيها النظرة الإسلامية إلى النصر. معنى إحدى الحسنيين في القرآن يقول الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾2. وتكشف هذه الآية عن موقع النصر في حسابات أرباح الجهاد وخسائره، بدرجة عالية. ويكاد يتّفق المفسرون على أنّ المراد من الحسنيين في الآية هو إحدى النتيجتين اللتين يمكن أن تنتهي إليهما أيّ معركة يخوضها المسلمون مع عدوّهم. فإمّا أن تنتهي هذه المعركة بالنصر والغلبة، وإما أن تنتهي بالشهادة والفوز بلقاء الله. معان أخرى للآية ويستفاد من هذه الآية مجموعة معانٍ ذات صلة بما نحن فيه منها: 1- اختلاف المؤمنين عن غيرهم في النظرة إلى الأمور، فبينما يرى المنافق أو الكافر أنّ الفوز ينحصر في الكسب الدنيويّ والسيطرة على العباد والبلاد يرى المؤمن أنّ المهمّ هو أداء الواجب والخروج عن عهدة التكليف. فسواء عنده النصر والهزيمة عندما يكون كلٌّ منهما في طاعة الله. وهذا يذكّرنا بقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في خطبة المتّقين: "نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ"3. كما يذكّر بالقول المنسوب إلى أكثر من شخص، منهم عمّار بن ياسر عندما دنت منه المنيّة، فطلب شيئًا من الشراب فأُتي به فتذكّر وعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إيّاه بأن آخر نصيبه من الدنيا كأس من اللبن، ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ لَوْ هَزَمُونَا حَتَّى يُبْلِغُوا بنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الحَقٍّ، وَأنّهُمْ عَلَى البَاطِلٍ"4. 2- اعتقاد المؤمنين بخضوع الكون وما فيه لإرادة الله تعالى، وأنّه لا يريد لأهل الإيمان إلا الخير والأحسن وليس الحسن فحسب. وبالتالي ما دامت الأمور تجري في سبيل الله فهي الخيار الأحسن كائنًا ما كان هذا الخيار. ولا يهمس المؤمن بالاعتراض على إرادة الله ومشيئته، بل يستعذب أمرّ الخيارات ويراها حلوة ما دامت خاضعةً لإرادة الله عزّ وجلّ. وما أقرب القولين المشهورين اللذين يُنسب أحدهما إلى الإمام الحسين عليه السلام عندما استشهد ابنه الرضيع بين يديه فقال: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله"، والآخر المنسوب إلى السيدة زينب عليها السلام عندما هتفت في وجه ابن زياد قائلةً: "ما رأيت إلا جميلًا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم...". نعم القتل في سبيل الله في عين زينب جميل يشبه لجوء النعسان إلى مضجعه. والشهادة في سبيل الله في مقاييس التقييم الإلهيّ إحدى الحسنيين كالنصر على حدٍّ سواء. 3- الدرس الثالث الذي يُستفاد من الآية هو أنّ على المؤمن أن لا يحسب أنّ الدنيا يجب أن تبقى دائمًا طوع يديه ورهن إشارته ينال منها ما يحبّ ولا ينتقل فيها إلا من نصر دنيويّ إلى نصر. بل إنّ على المؤمن أن يتوقّع الصعود والهبوط في حسابات الدنيا، والمقياس الأهمّ في نظره هو عاقبة الأمور ونهاية المطاف، ولو على المدى البعيد، فالنصر الذي قد يناله المنافق في هذه الدنيا مرّ العاقبة، والشهادة التي ينالها المؤمن هي إحدى الحسنيين، عندما يؤخذ المشهد كلّه على هذا الأساس ولو اقتضى الأمر توسيع النظرة إلى عمر البشريّة كلّها. فربّ دمٍ يراق يتحوّل إلى نصر يروي دوحة الأهداف الإلهيّة ولو بعد حينٍ. ومن هنا ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال: "إما موت في طاعة اللّه وإدراك ظهور إمام..."5. وفي هذه الآية دلالات أخرى يطول بنا المقام لو استعرضناها جميعًا. وعلى أيّ حال يمكن الخروج من هذه الآية بنتيجة هي: أنّ النصر ليس هو الشرط الأساس والأول والأخير في خوض المعارك، وخاصّة عندما يكون الحديث عن النصر الآنيّ الدنيويّ. موقع النصر في القتال والمواجهة المسلّحة يميّز الفقهاء بين مفهومين للقتال في سبيل الله، أحدهما الجهاد والآخر الدفاع. ويختلف أحد هذين المفهومين عن الآخر في المفهوم كما في بعض الأحكام. وهدفنا الأساس هنا هو البحث عن موقع النصر في حسابات الإقدام على حمل السلاح ومواجهة العدوّ، ولكن لا بأس من بيان المفهومين لنبيّن موقع النصر من كلٍّ منهما. موقع النصر في الجهاد وأمّا الجهاد فهو مصطلح يقصد به عند بعض الفقهاء الشروع في القتال، من دون أن يكون ذلك بالضرورة ردًّا على هجوم العدوّ على بلاد المسلمين وتعرّضه لقتالهم. ويبدو من كلام بعض الفقهاء أنّ هذا النوع من الجهاد هو المقصود عندما يُبحث عن الجهاد في الكتب الفقهيّة. وبالرجوع إلى كتب الفقه الإسلاميّ نجد أنّ فقهاء المسلمين يختلفون فيما بينهم في اشتراط إحراز النصر قبل الشروع في القتال. فمنهم من يرى أنّ إحراز النصر ليس ضروريًّا بل يمكن البدء بالقتال مهما اختلفت موازين القوى بين المسلمين وأعدائهم. ومن هؤلاء الشيخ الطوسي الذي يقول: "وإذا كان في المسلمين قلّة وضعفٌ وفي المشركين كثرةٌ وقوّة، فالأولى أن يؤخّر الجهاد ويتأنّى حتّى يحصل للمسلمين قوّة. فإذا اشتدّت شوكة المسلمين وعلم شوكتهم لا يجوز أن يؤخّر القتال..."6 وتفيد هذه العبارة من الشيخ الطوسي أنّ الحرب ليست هوايةً ومغامرة, بل يجب أن تُخاض من أجل أهداف نبيلة، فإذا كانت النصر غير محرز فلا ينبغي لقائد المسلمين أن يغامر بجنده وأمّته ويدخلهم في حربٍ لا فائدة تُرجى منها. موقع النصر في الدفاع الدفاع في الفقه الإسلاميّ هو: القتال الذي يحصل كردٍّ فعلٍ على هجوم يصدر عن العدوّ على المسلمين أو على بلادهم. ويتنازل الفقهاء في هذا الصنف من الجهاد عن كثير من الشروط التي يذكرونها في الصنف السابق. مثلًا يشترط عدد من الفقهاء حضور الإمام وإذنه في الصنف السابق, ولكنّهم في هذا الصنف يتنازلون عن عدد من هذه الشروط. يقول الشيخ الطوسي في هذا المجال: "والجهاد مع أئمّة الجور... خطأٌ يستحقّ فاعله به الإثم وإن أصاب لم يؤجر عليه، وإن أصيب كان مأثومًا، اللهم إلا أن يدهم المسلمين أمرٌ من قبل العدوّ يُخاف منه على بيضة الإسلام ويُخشى بواره، أو يُخاف على قوم منهم، وجب حينئذٍ أيضًا جهادهم ودفاعهم غير أنّه يقصد المجاهد والحال ما وصفناه الدفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام وعن المؤمنين، ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر..."7، وتظهر هذه العبارة المنقولة عن الشيخ الطوسي أنّه لا يشترط الوثوق بالنصر في خوض المعارك الدفاعيّة. شبهة أن الإسلام دين حرب وفي ختام هذا البحث تجدر الإشارة إلى أمر مهمٍّ وهو أنّ المستشرقين يعترضون على الإسلام بأنّه دين حربٍ وقتال، وذلك بالاستناد إلى مفهوم الجهاد الابتدائيّ. وفي الردّ على هذه الشبهة نشير إلى ملاحظات سريعة ونترك التفصيل تجنّبًا للتطويل في غير محلّه. أ- إن قسمًا كبيرًا من المعارك التي خاضها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هي حروب دفاعيّة. ب- الحروب التي ظاهرها أنّها ابتدائيّة هي في واقعها من أجل الدفاع عن حقوق الشعوب التي كان يمنع فيها الناس من الاطلاع على الإسلام، وبالتالي هي معارك تهدف إلى فتح النوافذ على الإسلام وليس إلى فتح البلدان والأراضي. ج- إنّ العلاقات الدولية بين الدول والشعوب تغيّرت في هذا العصر وتبدّلت وبالتالي فإنّ عددًا من الأحكام لا يطبق في هذا العصر بالطريقة التي كان يطبّق فيها. د- إن مفهوم المقاومة في حدّ نفسه يحمل في داخله مفهوم الدفاع، فهذا المفهوم يتضمّن من حيث المعنى معنيين بالحدّ الأدنى: المقاومة لصدّ العدوان، والمقاومة لاستعادة الأرض والتحرير. وقفّة تأمّلية إذا أراد الإنسان أن يصل إلى الحقّ، وإذا أراد أن يُطبّق الإسلام الحقّ في بلدٍ ما، فيجب أن يصبر، هكذا كان يصبر أولياء الله سلام الله عليهم في كل المراحل والمصائب والمشاكل. لقد واجه رسول الله كثيراً من المشاكل خلال زمان وجوده الشريف في مكة والمدينة ومن جميع الجهات، فقد كانت المحاصرة الاقتصادية وكانت الهجمات العسكرية التي لم نر نحن مثلها... إنّكم على علم بأنّ تاريخ الإسلام مشحون بهذه المجاهدات والتضحيات والقتل على أيدي الفجّار، حتى إنّ أئمّتنا عليهم السلام قد ابتلوا بهذه الأمور، ولكن يجب الصبر والتلبُّس بالمناعة والاستقامة فإنّ الله مع الصابرين، وقد تغلّبنا على هذه القوّة الشيطانية الخارقة (الشاه) التي كانت كل القوى تقف وراءها، وليس هذا إلا لأنّ شعبنا كان متّحداً صبوراً وكان يصبر على المشاكل ويحلّها بالصبر وبالاتكال على الله تبارك وتعالى. الإمام الخميني قدسر سره، الاستقامة والثبات، ص121.
1- سورة التوبة: الآية 52.
2- سورة التوبة: الآية 52. 3- الإمام عليّ عليه السلام، نهج البلاغة، خطبة المتّقين. 4- الشيخ المفيد، الاختصاص، ط 2، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، 1993م، ص 14. 5- الكليني، الكافي، ج 8، ص 286، حديث 431. 6- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 2. 7- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، النهاية ونكتها، مع تعليقات العلامة الحليّ، ج 2، ص 3. |
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)