نصائح في فترة الخطوبة |
((دليل العروسين)) |
إن عقد الزواج مدخل لحياة جديدة دخل فيها إنسان آخر على الحياة، فأصبح الحرام
حلالاً بعد بضع كلمات قالها الزوجان، وفي هذه الفترة قد يحتاج الزوجان إلى جملة من
النصائح المستقاة من النصوص الواردة في السنة النبوية المطهرة، إضافة إلى التجربة
الواقعية في مجتمعنا، نعرض من هذه النصائح:
أ - التغافل من الصعب جداً أن نجد شاباً وفتاة ينسجمان بشكل كامل في تطلعاتهما ومسلكياتهما وأذواقهما، والحب بينها فضلاً عن رابطة الزواج لا يسبب طفرة إيجابية في هذه الأمور، نعم قد يساعد ذلك على التحمّل ولكنه لا يغيِّر ذلك الواقع سريعاً. من هنا كان لا بد في بداية العلاقة الجديدة أن لا يبني الشاب أنَّ زوجته تمثل فتاة الأحلام التي يتطلع إليها بشكل مطابق، وأن لا تبني الفتاة أن زوجها يمثل فتى الأحلام الذي كانت تنسجه في مخيلتها؛ إذ من المحتمل جداً أن يظهر من الشاب ومن الفتاة بعض الأفكار أو التصرفات التي لا ينسجم معها الآخر. وهنا من الخطأ أن يشعر أيٌّ منهما بالصدمة والإحباط، بل لا بد أن يتعامل مع هذا الموقف بواقعية. والنصيحة أن لا يحاسب الواحد منهما الآخر من خلال التدقيق في موقعه وتصرفه، بحيث يتحول إلى شبه كاميرا متحركة تسجِّل كلّ خطوة للآخر، ثم تحلل صورها، ويحاسب على أساس ذلك التحليل. إن هذا الأمر يعقِّد العلاقة بينهما، ويشنِّجها، وعلى كل منهما أن يلتفت جيداً إلى أن بيئات الإنسان حتى الخاصة منها قد تختلف مع بعضها البعض في الرؤى والمسلكيات والأذواق، حتى لو كانت تلك البيئات متقاربة في المكان والنسب وغير ذلك. فالحل هو أن يتسامح كل منهما - لا سيّما في بدايات هذه العلاقة - في تصرفات الآخر وأفعاله ومواقفه بنسبة كبيرة، من دون أن يعني ذلك أن يترك محاولة التغيير إلى الأحسن، والتي تحتاج إلى أجواء هادئة، فالانتباه والفطنة إلى المشكلة في تصرُّف الآخر مطلوبة، ولكن بنسبة منخفضة حتى لا يتفاعل معها الإنسان سريعاً بشكل سلبي. وهذا ما أشارت إليه الحكمة القائلة: "الزواج مكيال ثلثه فطنة وثلثاه تغافل". إن هذه الحكمة في الزواج ينبغي أن تكتب في لوحة المادة بماء الذهب، وفي لوحة القلب بقلم العقل، لأنها أساسيّة في نجاح الحياة الزوجية. ب - التعابير العاطفية خلق الله تعالى الأنثى متميزة عن الذكر بعاطفتها النابضة، والتي لولاها لما أحبّت المرأة وسعت أن تحمل تسعة أشهر بتعب وجهد كبيرين، ثمّ تُولد بشدة يصعب تحمّلها، ثم تحضتن مولودها بشغف، مع كونه يحرمها لذّة النوم، ثمّ تتابع تربيته على حساب راحتها. كل ذلك ينطلق من العاطفة التي زرعها الله وغرسها في نفس الأنثى، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه منذ صغرها، لذا أرشدنا أهل البيت عليهم السلام في مورد الآيتان بشيء للأولاد بأن نبدأ "بالإناث قبل الذكور"1. من هنا تأتي أهمية مراعاة الزوج لهذا الجانب العاطفي في زوجته، بأن يعبِّر لها عن حبِّه وعاطفته تجاهها. ولعلّ هذا يمثّل أفضل غذاء في تلك المرحلة لتعزيز أواصر العلاقة بينهما لما له من أثر كبير جدّاً في نفس المرأة، كما أشار اليه الرسول الأكرم صلى الله عليه واله : "قول الرجل للمرأة إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"2. ومن الأمور اللطيفة التي حدثت معي هي مراجعة خطيبين (زوجين أثناء العقد وقبل الزفاف) حول مشكلة تفاقمت بينهما إلا أنهما لم يذكرا أمامي المشكلة بشكل واضح ومقنع، فطلبتُ من خطيبها أن ينتظر خارج المكتب، لأتحدّث معها دون وجوده، وحينما سألتها عن السبب الحقيقي - بنظرها - لهذه المشكلة التي بدأت بتعاطيها السلبي معه، قالت: إني لا أعلم أنه هل يحبّني أو لا، فهو لم يذكر لي مرّة واحدة أنّه يُحبّني، وحينما استدعيته، وسألته: هل تحبّها؟ قال: نعم، سألته: هل ذكرت لها ولو مرَّة بأنك تحبّها؟ فكان جوابه المفاجئ: أنا لست ولداً حتّى أقول لها ذلك !!!! ج- التدرج في العلاقة الخاصة من الأمور المهمة التي ينبغي للشاب أن يلتفت إليها بعد عقد الزواج أن يُلاحظ سِنّ الفتاة، وتربيتها السابقة القائمة على العفة والحياء من الرجال الأجانب، كما هو الحال –ولله الحمد- في أغلب بيئاتنا الاجتماعية. وهذا الأمر يتطلب أن لا يصدمها بخشونته وسرعته في طلب ما يريد من تلبية لرغباته الجنسية، فهذا الأمر إن حصل قد يولِّد عقدة نفسية عند الفتاة يصعب حلّها بعد ذلك، لذا عليه أن يتدرَّج في مقاربته للعلاقة الخاصة بينهما، بحيث يتحقق من حصول الرغبة والانسجام عند كلا الطرفين وليس عنده فقط.. د- احترام أهل الزوجة في الأعراف الاجتماعية بين العقد والزفاف قد تشعر الفتاة بارتباك نفسي وعملي نتيجة وجود مرجعيتين لها قد تتعارضان في إرادتيهما هما والداها وزوجها، فكثيراً ما يجعل الأهل قيوداً على تحرّكات ابنتهما مع زوجها قبل زفافهما، فيحدِّدان – مثلاً - وقتاً معيناً للرجوع إلى المنزل، ويمنعان ابنتهما من النوم في منزل أهله....الخ. وهذا ما قد يزعج الزوج الذي يشعر بسبب ذلك بالحلال المقيّد. والنصيحة في هذا المورد أن يتقيّدا بذلك من دون إيجاد مشكلة مع أهل الزوجة، بل إن بعض الفقهاء المعاصرين يلزم بالتقيّد بذلك طالما أنّه كان عرفاً لذلك المجتمع وجرى العقد على أساس ذلك العرف وتلك العادات. ففي بعض الاستفتاءات يسأل فيها السائل: إذا عقد شخص على زوجته هل يجوز لأب الزوجة وأمها ان يبعدا ابنتهما عن زوجها وان لا يدعاهما يذهبان للنزهة معاً ؟ فيأتي الجواب "إذا جرى العقد على اساس عرف تلك المنطقة وعاداتها، وكان لأهل المنطقة عادات وتقاليد معينة بالنسبة الى خروج الفتاة مع زوجها، ماداما لم يزفا الى بعضهما بعضاً، فيجب العمل طبقاً لتلك العادات والتقاليد"3. هـ- الهدايا المحبـّبة تعارف الناس في عدّة مجتمعات على أنه ليس من مسؤولية الزوج قبل الزفاف النفقة على زوجته،وقد بنى بعض الفقهاء على هذا العرف في الحكم الشرعي، فلم يوجبوا النفقة طالما هي غير مستعدّة للزفاف إلا أن الامتناع عن تقديم شيء للزوجة في هذه المرحلة أو التقليل منه يعطي انطباعاً سلبياً عن الزوج، إضافة الى ذلك، فإن على الزوج أن يبادر الى ما يعزِّز أواصر الحبّ بينهما، والذي منه أن تشعر الفتاة بكرم الشاب وسخائه عليها. وقد يكون التعبير عن ذلك بالهدايا المتتابعة التي تعبِّر عن هذا الحبّ على قاعدة "تهادوا تحابوا". و - الستر والصلاح إن تعبير القران الكريم عن الزوج والزوجة باللباس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾4 يحمل في طيّاته الكثير من العناوين التي يمكن أن تتصيّد من خلال التأمل بطبيعة اللباس ووظيفته والتي منها الستر الذي هو قيمة مطلوبة في الحياة الزوجية منذ بداية الارتباط. وهذا يقتضي عند حصول اختلاف في وجهات النظر أن يبقى الأمر محاطاً بالكتمان؛ لتعالج بروية من قبلهما دون تدخّلات من الخارج. وحينما يقتضي الأمر تدخلاً، فالنصيحة أن لا يراجعا أهليهما، بل يُراجعا من خارج العائلتين من كان معروفاً بالحكمة والتجربة ليساعد في حلّ المشكلة. وفي حال الاضطرار إلى الأهل فالنصيحة أن لا يراجع الزوج والديه، بل يرجع في ذلك إلى أمّ زوجته، وأن لا تراجع الزوجة والديها، بل ترجع في ذلك إلى أبيه. فهذا أفضل لمعالجة المشكلة، وأبعد عن تدخلات قد تغلبها عاطفة الأهل وعزّتهم، فتكون على حساب الزوجين. ز- تقويم المرحلة بعد فترة من الخطوبة بعد العقد، وبعدما يكونان قد اكتشف كل منهما الآخر في عناوين ايجابية وسلبية قد يكون من المفيد أن يضع كل منهما على حدة جدولاً يشمل ثلاث خانات: الخانة الأولى: يذكر فيها سلبياته الشخصية في هذه العلاقة المستجدة. الخانة الثانية: يذكر فيها ايجابيات الطرف الأخر في هذه العلاقة. الخانة الثالثة: يذكر فيها سلبيات الطرف الأخر في هذه العلاقة. ثمّ يجلسان معاً، في جلسة هادئة ليؤكدا الايجابيات، ويعززاها، وليتعهدا ببرنامج لتصحيح ما كان في خانة السلبية. وقد يقتضي الأمر أن يستشيرا في ذلك بعض الموجِّهين الاجتماعيين كعالم دين مخضرم في الخبرة الاجتماعية، ليستنصحانه في معالجة تلك السلبيات.
*كتاب
دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات
1- النوري، حسين، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت
عليهم السلام ط1، قُم، 1407هـ، ج15،ص 118.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص569، ح59. 3- الوحيدي، محمد، أحكام الأسرة، ط1 بيروت، دار المصطفى العالمية، 2010 م. ج1 ص197. 4-البقرة، : 187. |
الخميس، 13 أغسطس 2015
نصائح في فترة الخطوبة
بواسطة:أدمن
8:47 ص