ما هو الإسلام
دين الرحمة والمحبة
الإسلام أراد للناس أن يتراحموا في ما بينهم، وأن يهتم كل منهم بمصير الآخر، ويحرص على مصالحه، وأن يشارك الآخرين في معاناتهم ويسعى في تصحيح أخطائهم، وأن يدعو أحدهم للآخر، وأن يتعاملوا بالمودة والرأفة ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾[1]. المحبّة بين الأخوة، وبين الأصدقاء، وبين الأخوات، وبين أفراد الأمة الإسلامية، والإرتباط العاطفي، وحب الخير للآخرين، صفات فاضلة ونبيلة، ويجب على المرء أن يعمل للإستزادة منها[2].
دين الدنيا والآخرة
نشاهد أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاء بالدين وبالبصيرة واعتمد على الجانب المعنوي، لكنه في الوقت نفسه وفّر الوسيلة الماديّة وذلك إمّا مباشرة بتعليمهم إدارة شؤون الحياة، وإمّا بفرض التعلّم عليهم وأمرهم بالتبصّر والإكتشاف في الموارد التي تحتاج إلى تخصّص. وكان نتيجتها عظمة واقتدار هذين الأمرين في صدر الإسلام، وببركة الإسلام صار المسلمون في قمة العلوم البشرية المادية، ولا يمكن للغرب إنكار هذا التاريخ وسلبه من الدول الإسلامية.
لو اجتمعت الدنيا والآخرة كان الأمر هكذا، وإن أُخذ بأحدهما دون الآخر، واجه إشكالات. إنّ ما يلاحظ اليوم في الأنظمة التي أوجدتها الثقافة الغربية ـ سواء في الغرب أو في سائر بقاع العالم ـ هم تقدّم الجانب الدنيوي وفي شؤون الحياة المادّية، أنهم استطاعوا الوصول إلى الكواكب وتمكّنوا من تصليح وإعمار التلسكوب وهي في الفضاء، ويعتبر هذا تقدّماً علمياً عظيماً وخارقاً للعادة، ولا أحد ينكر ذلك، لكنها تخلّفت كثيراً في تحديد مسار الحياة الإنسانية الصحيحة التي هي بحاجة إلى تلك الوسائل الماديّة ـ فبدون تحديد المسار تكون هذه الوسائل مضرّة بالبشر، ومن هنا يلاحظ أنّ الدنيا ملئت ظلماً وجوراً.
وللأسف فانّ البعض لا يفهم المسألة بهذا الوضوح، أليست هذه الدنيا خلقت للبشر؟ أليس التقدّم العلمي لأجل أن يستفيد الإنسان منه؟ ألا يكفي ما نراه اليوم من الأوضاع المأساوية السائدة في العالم، في حين أنّ زمرة تقدم على ظلم الإنسانية بهذه الصورة وبالوسائل العلمية التي خلقت لها؟ ألا يكفي هذا الأمر لمعرفة أنّ أحد جناحي الإنسانية ـ أي جناح المعنوية ـ مكسور؟[3].
دين الفرد والمجتمع
الإسلام هو لأجل الحياة، الإسلام هو للفرد والمجتمع، للدنيا والآخرة[4].
دين المنطق والعقل
للمنطق القوي والإستدلال المتين تأثيرها الفاعل في اجتذاب أفكار الناس. أي أنكم إذا نظرتم ستلاحظون أنّ المعتقدات الإسلامية وعلى الرغم من كثرة الشبهات التي أثيرت ضدها على مدى الزمن بغية توهينها، إلاّ أنّ متانة منطقها ـ لا ينحصر في حقل العقيدة الإسلامية فقط، بل حتى الأحكام الإسلامية على هذه الشاكلة أيضاً ـ وقوّة استدلالها، تجعل كل عقل سليم يخضع لمنطق الإسلام. وهذا هو السبب في انتشار الإسلام يوماً بعد آخر.
قارنوا الإسلام اليوم مع ما كان عليه قبل خمسين سنة. ففي البلدان التي تحارب أنظمتها الإسلام بكل ما يتوفر لديها من وسائل، كالنظام الأمريكي الذي يحارب الإسلام بجميع الأساليب المتاحة أمامه، مع التستر على الظاهر طبعاً، حيث يدّعي عدم معارضته الإسلام وعدم عدائه للمسلمين، إلاّ أنّ هذا ظاهر منافق لكي يموّه على المسلمين ويصرف أنظارهم عما يجري، ولكن في نفس هذا البلد الذي يعادي نظامه الإسلام ـ ولو وجد إسلاما صحيحاً وأصيلاً لانبرى لمحاربته بكل وسيلة ـ تشير الإحصائيات إلى أن الإسلام هو الدين الثاني فيه. بمعنى أن عدد المسلمين في هذا البلد كبير جداً، والمواطنون فيه، ليس السود منهم فقط بل وحتى البيض منهم أي الأمريكيين الأصليين الذين سكنوا هذه الأرض منذ عدة أجيال أخذوا يميلون للإسلام يوماً بعد آخر. وهكذا الحال في أوروبا أيضا، وفي أفريقيا، وفي الشرق الأقصى.
ومع أن جميع أولئك يعارضون الإسلام إلاّ أنه آخذ بالإنتشار، بسبب ما يتسم به من قوّة الإستدلال والمنطق، وليس استدلاله استدلالاً علمياً بحتاً حتى يقال أن شريحة العلماء فقط تفهمه، أبداً، بل إن الإسلام بذاته يتضمن أحكاما ومعتقدات تجذب كل إنسان سليم العقل وتجعله يؤمن به. والإسلام لا يقتصر في براهينه على الأدلة الفلسفية المعقّدة ـ وهي موجودة فيه طبعاً ـ إلاّ أن النمط الذي نتحدث عنه منها هو ذلك النمط من البراهين المفهومة لعامة الناس، وهذه من جملة الأدوات التي يملكها الإسلام[5].
الإسلام دين منطقي، والفهم الشيعي للإسلام هو الأكثر منطقية من غيره. ولا أحد يتمكن من أن يتّهم الشيعة بضعف منطقهم، لأن علماء الكلام من الشيعة كانوا كالشموس الساطعة في عهدهم، سواء الذين عاصروا حياة الأئمة كمؤمن الطاق وهشام بن الحكم وسواء الذين جاؤوا بعد الأئمة كبني نوبخت والشيخ المفيد وغيرهما والمتأخرين من علماء الكلام الشيعة كالمرحوم العلامة الحلّي وغيرهم.
فنحن الشيعة أهل المنطق وأهل الإستدلال المنطقي وأن الكتب الخاصة بالشيعة مفعمة بالإستدلالات المنطقية القوية ككتب المرحوم شرف الدين وكتاب الغدير للمرحوم العلامة الأميني في عصرنا الحاضر التي تستند إلى أدلة أقوى من الاسمنت المسلّح.
هذا هو التشيّع وليس تلك الأعمال التي لا تستند إلى أي دليل وهي أشبه بشيء من الخرافات، فلماذا يروّجون هذه الأعمال؟ إنه من الأخطار الكبرى التي يجب على علماء الدين وحماة العقيدة أن ينتبهوا إليها[6].
دين الإعتدال والتعقل
الإسلام دين الإنسانية والإعتدال والتعقل والتسليم أمام إرادة رب العالمين. وهكذا كان شأن كل الأديان دون شك قبل أن تمسها يد التحريف. لذلك قدم الدواء لهذه الأدواء الإنسانية بطريقة عقلانية لا يشوبها الإفراط ولا التفريط، ودعا الإنسان إلى الذكر والتضرع والإرتباط الداخلي برب العالمين، وعلمه وأوصاه أن يكافح الشرور والعدوان والظلم والفساد، وأن يواجه باستمرار ما في نفسه من جموح الذات والأنانية واستفحال الأهواء.
أحكام الإسلام الأساسية تبلورت بهذا الشكل، ومنهج الإسلام للحياة الفردية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية نما من هذه الجذور[7].
دين التوحيد
إنّ الإسلام دين التوحيد، والتوحيد يعني خلاص الإنسان من العبودية والطاعة والتسليم لأي شيء أو شخص سوى الله، ويعني تحطيم كل قيود النظام السلطوي الإنساني، ويعني كسر سرّ الخوف من القوى الشيطانية والمادية.
ويعني الإعتماد على الطاقات المطلقة التي أودعها الله في وجود الإنسان وطلب منه الإستفادة منها كفريضة لا يمكن التخلّف عنها.
إنّه يعني الإعتماد على الوعود الإلهية بانتصار المستضعفين على الظالمين والمستكبرين شريطة القيام والكفاح والثبات. ويعني التعلّق القلبي بالرحمة الإلهية وعدم الخوف من احتمال الهزيمة، ويعني مواجهة كل المصاعب والأخطار التي تهدد الإنسان في طريقه لتحقيق الوعود الإلهية بصدر رحب. يعني تحمل مشكلات الطريق في سبيل الله والأمل بالنصر النهائي المحتّم، ويعني تركيز الأحداق ـ خلال الكفاح ـ على الهدف السامي وهو خلاص المجتمع من كل ظلم أو تفرقة أو جهل أو شرك، وطلب الأجر الإلهي في قبال المصاعب الشخصية التي تعترضه في طريقه الطويل[8].
الإسلام بدون السياسة ليس إسلام
أعتقد أنّ هناك اتّجاهين وتيّارين خطيرين ومناقضين للإسلام، أحدهما اتّجاه يحصر الإسلام بحفنة من الأعمال العبادية، أو على أكثر الإحتمالات، بمجموعة من الممارسات الشخصية، وينتزع منه أهم جوانب الحياة، ويجرده من السياسة والإقتصاد ومن العلاقات الاجتماعية والأعمال المهمّة، ويصوّره وكأنّه مجرّد عقيدة قلبية وعمل فردي، ويحبسه كحد أقصى في إطار الأسرة والعلاقات العائلية. وهذا ليس هو الإسلام الذي يهفو إليه عالم اليوم، بل وليس هذا هو الإسلام أساساً...
لا بد ـ في سبيل العمل بالإسلام ـ من استيلائه على جميع جوانب الحياة. لا أن يقتصر على تسخير القلوب فقط وتنحصر مهمته في حفنة من الممارسات الفردية، ويتحدد دوره في قضايا صغيرة ووضيعة. إذن فمثل هذا التوجّه توجّه مغلوط[9].
البعض يتصور أنّ بإمكانه أن يكون مسلماً دون العمل بالأحكام الإسلامية، وهذا معنى فصل الدين عن السياسة، أي كونوا مسلمين بالإسم لكن لا تعملوا بالأحكام الإسلامية، أي النظام المصرفي، والنظام الإقتصادي وتركيبة الحكومة والعلاقات الفردية والاجتماعية، كل هذه تدار طبقاً للقوانين غير الإسلامية، بل المخالفة للإسلام في المناطق التي يحكمها القانون، وطبقاً لإرادة ورغبة إنسان قاصر ناقص في المناطق التي لا يحكمها القانون كبعض الدول الإسلامية اليوم. كيف يمكن تصوّر أناس مسلمين لا يفهمون من الإسلام سوى الصلاة والصوم والطهارة والنجاسة فقط، وتكون شؤون الإسلام الرئيسية كإدارة نظام الحياة، وقضايا الإقتصاد والعلاقات الثقافية والاجتماعية والتربية والتعليم كلها غير إسلامية، بل تصدر من قوانين غير إسلامية أو عن رغبات فردية وغير إسلامية، فيجب أن يحكم الإسلام في المجتمعات الإسلامية[10].
ـــــــــــــــــــــ
[1] سورة البلد, الآية: 17.
[2] 3 شعبان 1418 هـ.
[3] 2 رجب 1414 هـ.
[4] 8 محرم الحرام 1416 هـ.
[5] 12 ذي القعدة 1417.
[6] 29 ذي الحجة 1414 هـ.
[7] 8 شعبان 1418 هـ.
[8] 6 ذي القعدة 1410 هـ.
[9] 28 محرم 1419 هـ.
[10] 18 ذي الحجة 1415 هـ.