اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الأحد، 13 سبتمبر 2015

الامام الجواد مظهر المقاومة


‫#‏الإمام_الخامنئي‬:
لقد كان ‫#‏الإمام_الجواد‬ تجليّاً لمكافحة الباطل وكان يسعى لإقامة حكومة الله. كان ‫#‏مظهر_المقاومة‬. انسان عظيم قضى فترة عمره القصيرة في مواجهة قوة الخليفة العباسي -‫#‏المأمون‬- المزورة والمرائية ولم يتراجع قيد أنملة وتحمّل كافة الظروف الصعبة وكافح بكل وسائل ‫#‏الكفاح‬ المتاحة.
٠٨/٠٩/١٩٨٣
١٥/٠٥/١٩٨١

جوانب من أدوار الإمام عليه السلام وعصره


تُعدّ فترة إمامة الإمام التاسع محمّد الجواد عليه السلام، من أكثر الفترات حساسيّة وأهميّة في حياة الأئمّة عليهم السلام، فقد كانت فاتحة عهد جديد من عهود الإمامة وهي الإمامة المبكّرة التي تقدّم الحديث عنه، التي استطاعت أن تمهّد الطريق لإمامة الحجّة الغائب المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ولا شكّ أنّ الإمام عليه السلام عمل كآبائه وأجداده عليهم السلام خلال فترة إمامته، على مختلف الصعد التي وفّرتها له الظروف التي عايشها وعاصره، وما أتيح له من العمل في سبيل هداية الناس، وسوقهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة. وسوف نسلّط الضوء على بعض هذه الجوانب المشرقة من حياته صلوات الله عليه وعلى أهل بيته.

الإمام الجواد عليه السلام، وخوارق العادات:
ظهرت على يدي هذا الإمام الكثير من المعجزات والكرامات وخوارق العادات، وذلك لتعزيز الدلالة على ما يمثّله هذا الإمام من حجّة لله تعالى في أرضه. خصوصاً أنَّ الرَّيب في هذا الأمر الذي تسبّب فيه صغر السنّ كان يحتاج إلى ما يدفعه أو يرفعه عن قلوب العديد من الضعفاء، وتقوية إيمانهم واعتقادهم من خلال أمرٍ لا يمكن ليد البشر أن تتناوله عادة. وقد نقلت الروايات الكثير من هذه الأمور:
منها: ما عن المطرِّفيّ قال: مضى أبو الحسن الرضا عليه السلام، ولي عليه أربعة آلاف درهم، فقلت في نفسي: ذهب مالي، فأرسل إليَّ أبو جعفر عليه السلام "إذا كان غداً فأتني وليكن معك ميزان وأوزان"، فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: "مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم؟" فقلت: نعم، فرفع المصلّى الذي كان تحته فإذا تحته دنانير فدفعها إليّ1.

ومنها: إخراجه لأبي الصلت الهرويّ من سجن المأمون العبّاسيّ، حيث عمد المأمون إلى سجنه بعد شهادة الإمام الرضا عليه السلام، يقول أبو الصلت- فيما روي عنه-: فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليلة ودعوت الله تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآل محمّد صلوات الله عليهم، وسألت الله بحقّهم أن يفرّج عنّي، فما استتمّ دعائي حتّى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، فقال لي: "يا أبا الصلت ضاق صدرك؟" فقلت: إي والله، قال: "قم"، فأخرَجني، ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ ففكّها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلّموني وخرجت من باب الدار، ثمّ قال لي: "امضِ في ودائع الله فإنّك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبداً"، فقال أبو الصلت: فلم ألتقِ المأمون إلى هذا الوقت2.

ومنها: ما عن عليّ بن خالد قال: كنت بالعسكر3فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً أُتي به من ناحية الشام مكبولاً، وقالوا: إنّه تنبَّأ. قال: فأتيت الباب وداريت البوابين حتّى وصلت إليه، فإذا رجل له فهم وعقل، فقلت له: يا هذا ما قصّتك؟ فقال: إنّي كنت رجلاً بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال: إنّه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى، إذ رأيت شخصاً بين يديّ، فنظرت إليه فقال لي: "قم"، فقمت معه فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: "أتعرف هذا المسجد؟" فقلت: نعم، هذا مسجد الكوفة، قال: فصلّى فصلّيت معه، ثمّ انصرف وانصرفت معه، فمشى قليلاً فإذا نحن بمسجد الرسول عليه السلام فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصلّى وصلّيت معه، ثمّ خرج وخرجت فمشى قليلاً فإذا أنا بمكّة، فطاف بالبيت وطفت معه، ثمّ خرج فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله تعالى فيه بالشام، وغاب الشخص عن عيني، فبقيت متعجّباً حولاً ممّا رأيت. فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، ودعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الماضي، فلمّا أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلّا أخبرتني من أنت؟ فقال: "أنا محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر". فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره، فرقي ذلك إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات، فبعث إليّ فأخذني وكبّلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى، وادعى عليّ المحال. فقلت له: فأرفع عنك قصّة إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات؟ فقال: افعل. فكتبت عنه قصّة شرحت أمره فيها ورفعتها إلى محمّد بن عبد الملك الزيّات، فوقّع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكّة وردّك من مكّة إلى الشام، أن يخرجك من حبسك هذا. قال عليّ بن خالد: فغمّني ذلك من أمره ورققت له وانصرفت محزوناً عليه. فلمّا كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال وآمره بالصبر والعزاء، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وأصحاب السجن وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المحمول من الشام المتنبئ افتُقد البارحة من الحبس، فلا يُدرَى أخسفت به الأرض أو اختطفته الطير! وكان هذا الرجل- أعني عليّ بن خالد- زيديّاً، فقال بالإمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده4.

ومنها: ما عن داود بن القاسم الجعفريّ قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت، فتناول إحداهما وقال: "هذه رقعة زياد بن شبيب"، ثمّ تناول الثانية، فقال:"هذه رقعة فلان"، فُبهتُّ أنا فنظر إليَّ فتبسّم، قال: وأعطاني ثلاثمائة دينار وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه وقال: "أما إنّه سيقول لك: دلّني على حَريف5يشتري لي بها متاعاً، فدلّه عليه"، قال: فأتيته بالدنانير فقال لي: يا أبا هاشم دلّني على حَريف يشتري لي بها متاعاً، فقلت: نعم.

قال: وكلّمني جمّال أن أكلّمه له يدخله في بعض أموره، فدخلت عليه لأكلّمه له فوجدته يأكل ومعه جماعة ولم يمكنّي كلامه، فقال عليه السلام: "يا أبا هاشم كل" ووضع بين يديّ ثمّ قال- ابتداءً منه من غير مسألة-: "يا غلام انظر إلى الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك"، قال: ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له: جُعلت فداك إنّي لمولع بأكل الطين، فادع الله لي، فسكت ثمّ قال (لي) بعد (ثلاثة) أيّام- ابتداءً منه-: "يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين"، قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليّ منه اليوم6.

ومنها: ما عن أبي هشام الجعفريّ قال: صلّيت مع أبي جعفر عليه السلام، في مسجد المسيّب وصلّى بنا في موضع القبلة سواء7وذكر أنّ السِّدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق، فدعا بماء وتهيّأ تحت السِّدرة فعاشت السِّدرة وأورقت وحملت من عامها8.

الإمام عليه السلام، والجانب العلميّ:
كانت سنّ أبي جعفر عليه السلام عند مضيّ الإمام الرضا عليه السلام، صغيرةً- كما تقدّم- لا تتعدّى العشر السنوات، ما أوقع بعض الشيعة في حيرة بادئ الأمر، كونه أمراً غريباً لم يألفوه فيما عايشوه من أمر الإمامة، فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً وخرجوا قريب الحجّ إلى المدينة، وأتوا دار عبد الله بن موسى بن جعفر عليه السلام، ليتعرّفوا عن كثب على حقيقة الأمر9.
وتظهر الروايات أنّ هؤلاء الشيعة كانوا يتعرّفون على هذا الأمر على أساس المعايير التي عرفوها عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، فعندما خرج إليهم عبد الله بن موسى وهو شيخ وقال الناس: هذا صاحبن، قال الفقهاء من الشيعة: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام أنّه "لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين"، وليس هذا صاحبنا10.

ثمّ تتحدّث الروايات بعد ذلك أنّ هؤلاء الشيعة أخذوا يسألون عن معضلات المسائل ويمتحنون عبد الله في علمه كون هذا الأمر من الشرائط الأساسيّة التي لا بدّ أن تكون في الإمام المنصوب والحجّة من الله تعالى على خلقه، وكان عبد الله يخطأ في الجواب إلى الدرجة التي حيّرت الحاضرين من جرأته على الخطأ11، وورد على الشيعة ما زاد في غمّهم وحزنهم..حتّى إنّهم ضجّوا بالبكاء، إلى أن انتهى الأمر بخروج الإمام الجواد عليه السلام، على الناس وهو صغير السنّ، وأجاب القوم عن مسائلهم قائلاً لعمّه: "يا عمّ، اتّقِ الله، ولا تُفْتِ وفي الأُمّة مَن هو أعلم منك"..ما أدخل السرور على قلب القوم الذين فرحوا بأجوبته وظهور أمره على أمر عبد الله12.

وفي الاختصاص عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم قال: حدّثني أبي قال: لمّا مات أبو الحسن الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كلّ بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السلام، فدخل عمُّه عبد الله بن موسى وكان شيخاً كبيراً نبيلاً عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجّادة فجلس، وخرج أبو جعفر عليه السلام من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل جَدَد13بيضاء، فقام عبد الله فاستقبله وقبّل بين عينيه، وقام الشيعة وقعد أبو جعفر عليه السلام على كرسيّ ونظر الناس بعضهم إلى بعض وقد تحيّروا لصغر سنه، فابتدر رجل من القوم فقال لعمّه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال: تُقطع يمينه ويُضرب الحدّ، فغضب أبو جعفر عليه السلام ثمّ نظر إليه فقال: "يا عمّ اتق الله! اتق الله! إنّه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ فيقول لك: لِمَ أفتيت الناس بما لا تعلم؟" فقال له عمّه: أستغفر الله يا سيّدي، أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: "إنّما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حدّ الزن، فإنّ حرمة الميِّتة كحرمة الحيَّة"، فقال: صدقت يا سيّدي وأنا أستغفر الله، فتعجّب الناس وقالوا: يا سيّدنا أتأذن لنا أن نسألك؟ قال: "نعم"، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين14. وقد أورد في الكافي ذيل هذه الرواية عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وفيها أنّه قال: أستأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة، فأذن لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام، وله عشر سنين15.
ولعلّ العدد الوارد في هذه الرواية فيه شيء من المبالغة، إلّا أنّ الظاهر كون المراد منه كثرة الأسئلة، ومن الواضح أنّها لم تقع في زمان ويوم واحد، بل المراد وحدة المجلس من حيث المكان16ومن الطبيعيّ أنّه طال أيّام، ليستوعب هذا الحجم من المسائل، وأنّه تناول جميع المجالات العلميّة والمعرفيّة، ما يشير إلى الحجم الكبير من الأسئلة الذي أورده هؤلاء، وهم خلق من الشيعة من كلّ بلد، كما في رواية الاختصاص، أو من نواحٍ مختلفة كما في رواية الكافي، وأنّهم كانوا يحتاجون إلى إبراز هذا الجانب الأساسيّ في الإمام عليه السلام، وهو ما لفت نظر المأمون بعد ذلك الذي شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأى من فضله وعلمه على صغر سنه كما سيأتي.

ولعلَّ الوضع الخاصّ جدّاً الذي تميّز به الإمام الجواد عليه السلام، أي تولّيه الإمامة في سنٍّ مبكّرة، هو الذي جعل الناس يهتمّون بطرح الأسئلة الكثيرة عليه17، ممّا يدلّل على أنّ ذهنيّة الشيعة في التعريف بالإمام كانت- مضافاً إلى النصّ- هي أن يكون لديه من العلم ما ليس عند غيره من سائر الناس، فيجيب عن أسئلة الناس واستفساراتهم مهما كانت صعبة وعويصة.

ويظهر من الروايات أنّ الإمام الجواد عليه السلام - سواء كان في بغداد أم في المدينة- قد استغلّ فترة حياته التي عاشها خلال حكم المأمون- وهي تشكّل الفترة الأكبر من حياته عليه السلام - في أداء رسالته، واجتمع فيها الشيعة على إمامته وروى عنه الرواة عشرات الأحاديث في مختلف المواضيع18.

وقد بلغ عدد الرواة عن الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام - على ما أحصاه بعضهم- مائة وواحداً وعشرين رجلاً حدّثوا عنه في مختلف العلوم والمعارف الدينيّة19.

ويجد المتتبّع في مصادر الفقه الشيعيّ هنا وهناك ما يوحي بأنّ بعض الرواة كان يتصل به مباشرة فيقول: سألت أبا جعفر الثاني، وبعضهم كان يكتب إليه فيقول: كتبت إليه أسأله عن كذ، وأحياناً يقول الراوي: سألت أبا جعفر عليه السلام..20.

مع أصحابه وشيعته:
تابع الإمام عليه السلام مسيرة آبائه وأجداده في تربية النخبة والجماعة الصالحة، وكان له من أصحابه وأصحاب آبائه عليهم السلام عدّة من هؤلاء الأشخاص الذين تميّزوا بالعلم والعمل، وعرفوا بمحبّتهم وولائهم لهم عليهم السلام. ونشير ها هنا إلى بعض النماذج من هؤلاء الأصحاب العظام:
1- عليّ بن جعفر: أخو الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام، كان جليل القدر ثقة21.

يقول الشيخ المفيد عنه: وكان عليّ بن جعفر رضي الله عنه راويةً للحديث، سديد الطريق، شديد الورع، كثير الفضل، ولزم أخاه موسى عليه السلام وروى عنه شيئاً كثيراً22، وفي موضع آخر وصفه بأنّه من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان23. وعن محمّد بن الحسن بن عمّار قال: كنت عند عليّ بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه- يعني أبا الحسن عليه السلام - إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام المسجد- مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له أبو جعفر عليه السلام: "يا عمّ، اجلس رحمك الله"، فقال: يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم؟ فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا إذا كان الله عزّ وجلّ- وقبض على لحيته- لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد24.

وروى الكشيّ عن أبي عبد الله الحسن بن موسى بن جعفر، قال: كنت عند أبي عليه السلام، بالمدينة وعنده عليّ بن جعفر وأعرابيّ من أهل المدينة جالس، فقال لي الأعرابي: من هذا الفتى؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام. قلت: هذا وصيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مائتي سنة وكذا وكذا سنة، وهذا حدث كيف يكون هذا؟ قلت: هذا وصيّ عليّ بن موسي، وعليّ وصيّ موسى بن جعفر، وموسى وصيّ جعفر بن محمّد، وجعفر وصيّ محمّد بن عليّ، ومحمّد وصيّ عليّ بن الحسين، وعليّ وصيّ الحسين، والحسين وصيّ الحسن، والحسن وصيّ عليّ بن أبي طالب، وعليّ وصيّ رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

قال: ودنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام عليّ بن جعفر، فقال: يا سيّدي يبدأني ليكون حدّة الحديد بي قبلك، قال: قلت: يهنئك، هذا عمّ أبيه، قال: فقطع له العرق، ثمّ أراد أبو جعفر عليه السلام النهوض فقام عليّ بن جعفر فسوّى له نعليه حتّى لبسهما25.

2- صفوان بن يحيى: أبو محمّد البجليّ بيّاع السابريّ، الكوفيّ، الثقة. كان قد روى عن الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة. وقد توكّل للرضا وأبي جعفر عليه السلام، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً، وكان شريكاً لعبد الله بن جندب وعليّ بن النعمان. ورُوي أنّهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنّه من مات منهم صلّى من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكّى عنه زكاته. فماتا وبقي صفوان، فكان يصلّي في كلّ يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويزكّي زكاته ثلاث دفعات، وكلّ ما يتبرّع به عن نفسه ممّا عدا ما ذكرناه يتبرّع عنهما مثله. وحكى أصحابنا أنّ إنساناً كلّفه حمل دينارين إلى أهله إلى الكوفة فقال: إنّ جمالي مكريّة وأنا أستأذن الأجراء. وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته رحمه الله. وصنّف ثلاثين كتاباً26. وكان الإمام الجواد عليه السلام يترحّم عليه ويترضّى عنه، ولَمّا مات في سنة عشر ومائتين بالمدينة بعث إليه أبو جعفر عليه السلام بحنوطه وكفنه، وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه27.

3- عليّ بن مهزيارالأهوازيّ: أبو الحسن. كان أبوه نصرانيّاً فأسلم. وقد قيل: إنّ عليّاً أيضاً أسلم وهو صغير، ومنَّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقّه، وروى عن الرضا وأبي جعفر عليه السلام، واختصّ بأبي جعفر الثاني عليه السلام وتوكّل له وعظّم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث عليه السلام وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، وكان ثقة في روايته لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده28. وكان من أهل "هندكان" قرية من قرى فارس، ثمّ سكن الأهواز فأقام بها، وكان إذا طلعت الشمس سجد، وكان لا يرفع رأسه حتّى يدعو لألفٍ من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه، وكان على جبهته سجّادة مثل ركبة البعير. وله مصنّفات كثيرة زيادة على ثلاثين كتاباً29. جرى بينه وبين أبي الحسن المقرئ عليّ بن أسباط بن سالم- بيّاع الزطّي30الذي كان فطحيّاً- رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام، فرجع عليّ بن أسباط عن ذلك القول وتركه31. وفي كتاب لأبي جعفر عليه السلام إليه ببغداد: "قد وصل إليّ كتابك، وقد فهمت ما ذكرت فيه، وملأتني سروراً، فسرّك الله، وأنا أرجو من الكافي الدافع أن يكفي كيد كلّ كائدٍ إن شاء الله تعالى". وفي كتابٍ آخر: "وقد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيّين، خلّصهم الله وفرّج عنهم، وسررتني بما ذكرت من ذلك، ولم تزل تفعل، سرّك الله بالجنّة ورضي عنك برضائي عنك، وأنا أرجو من الله حسن العون والرأفة، وأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل". وفي كتاب آخر بالمدينة: "فاشخص إلى منزلك، صيّرك الله إلى خير منزل في دنياك وآخرتك". وفي كتابٍ آخر: "وأسأل الله أن يحفظك من بين يديك ومن خلفك وفي كلّ حالاتك، فأبشر فإنّي أرجو أن يدفع الله عنك، وأسأل الله أن يجعل لك الخيرة فيما عزم لك به عليه من الشخوص في يوم الأحد، فأخّر ذلك إلى يوم الاثنين إن شاء الله، صحبك الله في سفرك وخلفك في أهلك وأدّى غيبتك وسلمت بقدرته". (وعن عليّ بن مهزيار أنّه قال): وكتبت إليه أسأله التوسع عليّ والتحليل لما في يديّ؟ فكتب: "وسّع الله عليك، ولمن سألت به التوسعة في أهلك، ولأهل بيتك ولك يا عليّ عندي من أكبر التوسعة، وأنا أسأل الله أن يصحبك بالعافية ويقدمك على العافية ويسترك بالعافية إنّه سميع الدعاء". وسألتُه الدعاء، فكتب إليّ: "وأمّا ما سألت من الدعاء فإنّك بعدُ لست تدري كيف جعلك الله عندي، وربّما سمّيتك باسمك ونسبك، مع كثرة عنايتي بك ومحبّتي لك ومعرفتي بما أنت إليه، فأدام الله لك أفضل ما رزقك من ذلك، ورضي عنك برضائي، وبلّغك أفضل نيّتك، وأنزلك الفردوس الأعلى برحمته، إنّه سميع الدعاء حفظك الله وتولّاك ودفع الشرّ عنك برحمته، وكتبت بخطّي"32.

التمهيد للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف:
يعدّ وجود هذا الإمام العظيم نفسه وتولّيه الإمامة في سنٍّ مبكّرة، تمهيداً عمليّاً للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، الذي تولّى الإمامة في سنٍّ مبكّرة أيض، ويضاف إلى هذا الأمر ما حدّث به الإمام الجواد عليه السلام، عن ولده الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف، فقد روي عنه في هذا المجال روايات عديدة:
منها: ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام (الحسني) قال: دخلت على سيّدي محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، وأنا أريد أن أسأله عن القائم أهو المهديّ أو غيره؟ فابتدأني فقال لي: "يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهديّ الذي يجب أن يُنتظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوّة وخصّنا بالإمامة إنّه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنّ الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى عليه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبيّ"، ثمّ قال عليه السلام: "أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج"33.

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال: قلت لمحمّد ابن عليّ بن موسى عليهم السلام: إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال عليه السلام: "يا أبا القاسم: ما منّا إلّا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهِّر الله عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب (و) يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره.."34. الحديث.

ومنها: عن الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام يقول: "إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه"، ثمّ سكت. فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ قال: "إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر". فقلت له: يا بن رسول الله، لِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: "لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته". فقلت له: ولِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ قال: "لأنّ له غيبة يكثر أيّامها ويطول أمده، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون"35.

مع خلفاء عصره:
عاصر الإمام الجواد عليه السلام، اثنين من خلفاء بني العبّاس هما: المأمون والمعتصم.

مع المأمون:
هو عبد الله بن هارون الرشيد، سابع خلفاء بني العبّاس، أُمُّه جارية خراسانيّة، اسمها: "مراجل". وقد ماتت بعد ولادتها إيّاه، وهي ما تزال نفساء. فنشأ يتيم الأمّ. وقد كانت أمّه- كما يقول المؤرّخون- أشوه وأقذر جارية في مطبخ الرشيد36. دفعه أبوه إلى جعفر بن يحيى البرمكيّ، فنشأ في حجره. وُلد في سنة 170 ه‍. وتوفّى سنة 218ه‍.

كان قد برع في العلوم والفنون، حتّى فاق أقرانه، بل فاق جميع خلفاء بني العبّاس، وقالوا فيه: إنّه كان أفضل رجال بني العبّاس: حزماً، وعزماً، وحلماً، وعلماً، ورأياً، ودهاءً، وهيبةً، وشجاعةً، وسؤدداً، وسماحةً.. وغير ذلك37.

وقد عاصر الإمام الجواد المأمون العبّاسيّ فترة طويلة حوالي أربعَ عشرةَ سنة، وهي أطول فترات حياته الشريفة.
ولم يكن المأمون يجهل ذلك الشأن من الإمام الجواد عليه السلام، ولا رأي الشيعة فيه، لكنّ سياسته اقتضت أن يرفع مكانة أبي جعفر عليه السلام، ويعظّم شأنه، كما تظاهر قبل هذا مع أبيه أبي الحسن عليه السلام، فاستدعاه من المدينة مكرّماً إلى بغداد وأظهر له من العناية ما استفزّ بني العبّاس حتّى خافوا أن يعهد إليه كما عهد إلى أبيه من قبل. ولكنّهم جهلوا ما يقصده وراء ذلك الإكرام، وجهلوا أنّ السياسة ألوان وأنّ لكلِّ عهد عملاً ولون، فاستمرُّوا في ملامته واستمرّ في كيده حتّى زوّجه بابنته أمّ الفضل وهي التي قتلته بالسمّ بإشارة من المعتصم، فكأنّه ادّخرها للجواد لمثل هذا اليوم38.

يقول الشيخ المفيد أعلى الله مقامه: كان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأى من فضله مع صغر سنّه، وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أُمَّ الفضل وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره.

الزواج من ابنة المأمون:
روى الحسن بن محمّد بن سليمان، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريّان بن شبيب قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أُمَّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، بلغ ذلك العبّاسيّين فغلظ عليهم واستكبروه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك، واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا له: ننشدك الله- يا أمير المؤمنين- (أن تقيم) على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملّكناه الله، ويُنزع منّا عزٌّ قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، حتّى كفانا الله المهمّ من ذلك، فالله الله أن تردّنا إلى غمّ قد انحسر عنّا، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم، وأمّا ما كان يفعله من كان قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم، أعوذ بالله من ذلك، ووالله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه عن نفسي فأبى، وكان أمر الله قدراً مقدوراً!! وأمّا أبو جعفر محمّد بن عليّ فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: إنّ هذا الصبيّ وإن راقك منه هديه، فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدّب ويتفقّه في الدّين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم! إنّني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله وموادّه وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن به ما وصفت من حاله.

قالوا له: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخلِّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم وذاك متى أردتم.

مع قاضي القضاة ابن أكثم:
فخرجوا من عنده وأجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم- وهو يومئذٍ قاضي القضاة- على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك. واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم، وأمر المأمون أن يُفرش لأبي جعفر عليه السلام، دست39، وتجعل له فيه مِسْوَرَتانِ40، ففُعل ذلك، وخرج أبو جعفر عليه السلام وهو يومئذٍ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.

فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي- جعلت فداك- في مسألة؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام: "سل إن شئت" قال يحيى: ما تقول- جُعلت فداك- في مُحرِمٍ قتل صيداً؟ فقال له أبو جعفر: "قتله في حِلٍّ أو حَرَم؟ عالماً كان المُحرِمُ أم جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حُرّاً كان المحرم أم عبداً؟ صغيراً كان أم كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟"، فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي. ثمّ نظر إلى أهل بيته وقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثمّ أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ قال: "نعم يا أمير المؤمنين"، فقال له المأمون: اخطب، جعلت فداك لنفسك، فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوِّجك أمّ الفضل ابنتي وإن رغم قوم لذلك.

خطبة الزواج:
فقال أبو جعفر عليه السلام: "الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلّا الله إخلاصاً لوحدانيّته، وصلّى الله على محمّد سيّد بريّته والأصفياء من عترته. أمّا بعد: فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب أمّ الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد عليه السلام وهو خمسمائة درهم جياداً، فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟". قال المأمون: نعم، قد زوّجتك أبا جعفر أمّ الفضل ابنتي على هذا الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبو جعفر عليه السلام: "قد قبلت ذلك ورضيت به". فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصّة والعامّة. قال الريّان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتاً تشبه أصوات الملّاحين في محاوراتهم، فإذا الخدم يجرّون سفينة مصنوعة من فضّة مشدودة بالحبال من الإبريسم41على عجل مملوءة من الغالية42، فأمر المأمون أن تخضّب لحى الخاصّة من تلك الغالية، ثمّ مُدّت إلى دار العامّة فطُيِّبوا منها، ووُضعت الموائد فأكل الناس، وخرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم.

تفصيل الإمام عليه السلام، لسؤال ابن أكثم:
فلمّا تفرّق الناس وبقي من الخاصّة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر: إن رأيت- جُعلت فداك- أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيدَ لنعلمه ونستفيده. فقال أبو جعفر عليه السلام: "نعم، إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحِلِّ وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحِلِّ فعليه حَمَلٌ قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحَمَل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجّ نحره بمنى، وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكّة. وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة". فقال له المأمون: أحسنت- أبا جعفر- أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك. فقال أبو جعفر ليحيى: "أسألك؟". قال: ذلك إليك- جُعلت فداك- فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلّا استفدته منك. فقال له أبو جعفر عليه السلام: "خبِّرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلّت له وحَرُمَتْ عليه؟". فقال له يحيى بن أكثم: لا والله ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه، فإن رأيت أن تفيدناه، فقال له أبو جعفر عليه السلام: "هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحَرُمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة فحَرُمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له".

قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟! قالوا: لا والله، إنّ أمير المؤمنين أعلم وما رأى. فقال لهم: ويحكم، إنّ أهل هذا البيت خُصُّوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام وحكم له به، ولم يدع أحداً في سنّه غيره. وبايع الحسن والحسين عليه السلام وهما ابنان دون الستّ سنين ولم يبايع صبيّاً غيرهما، أفلا تعلمون الآن ما اختصّ الله به هؤلاء القوم، وأنهّم ذريّة بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟! قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين، ثمّ نهض القوم.

فلمّا كان من الغد أحضر الناس، وحضر أبو جعفر عليه السلام، وصار القوّاد والحجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليه السلام، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك وزعفران معجون، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيّة وإقطاعات، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصّته، فكان كلّ من وقع في يده بندقة، أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له. ووُضعت البِدَرُ43، فنُثر ما فيها على القوّاد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا. وتقدّم المأمون بالصدقة على كافّة المساكين. ولم يزل مكرماً لأبي جعفر عليه السلام، معظّماً لقدره مدّة حياته، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته44.

من حيل المأمون:
وعن محمّد بن الريّان قال: احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكلّ حيلة، فلم يمكنه فيه شيء، فلمّا اعتلّ وأراد أن يبني عليه ابنته دفع إلى مائتي وصيفة من أجمل ما يكون، إلى كلّ واحدة منهنّ جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الأخيار. فلم يلتفت إليهنّ وكان رجل يُقال له:"مخارق" صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام، فشهق "مخارق" شهقة اجتمع عليه أهل الدار وجعل يضرب بعوده ويغنّي فلمّا فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثمّ رفع إليه رأسه وقال: "اتقِ الله يا ذا العُثنون45!" قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات قال: فسأله المأمون عن حاله قال: لمّا صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً46.

وعن محمّد بن عليّ الهاشميّ قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، صبيحة عرسه ببنت المأمون، وكنت تناولت من الليل دواءً فأوّل من دخل عليه في صبيحته أن، وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر عليه السلام، في وجهي وقال: "أراك عطشان؟!"، قلت: أجل، قال: "يا غلام اسقنا ماءً"، فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم47، واغتممت لذلك فأقبل الغلام ومعه الماء، فتبسَّم في وجهي ثمّ قال: "يا غلام، ناولني الماء"، فتناول، فشرب، ثمّ ناولني وتبسَّم فشربت، وأطلت عنده فعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل في المرّة الأولى، وشرب، ثمّ ناولني وتبسَّم، قال محمّد بن حمزة: فقال لي محمّد بن عليّ الهاشميّ: والله إنّي لأظنّ أنّ أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة!!48.

شوقه لمدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم:
ومكث الإمام ببغداد مدّة من الزمان كان ينتظر فيها اليوم الذي يعود فيه إلى حرم جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعن الحسين المكاريّ قال: دخلت على أبي جعفر ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه وقد اصفرّ لونه فقال: "يا حسين، خبز شعير، وملح جريش في حرم جدّي رسول الله أحبُّ إليّ ممّا تراني فيه"49.

العودة إلى المدينة:
ولمّا ضاق صدره استأذن المأمون في الذهاب إلى الحجّ، فأذن له. يُروى أنّه لمّا توجّه عليه السلام من بغداد منصرفاً من عند المأمون ومعه (زوجته) أمُّ الفضل (بنت المأمون) قاصداً بها المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيّعونه، فانتهى إلى دار المسيّب، عند مغيب الشمس، نزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نَبِقَة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل النبقة فصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو الله أحد، وقنت قبل ركوعه فيها، وصلّى الثالثة وتشهّد وسلّم، ثمّ جلس هنيهة يذكر الله تعالى، وقام من غير تعقيب فصلّى النوافل أربع ركعات، وعقّب بعدها وسجد سجدتي الشكر، ثمّ خرج. فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً حسناً فتعجّبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عُجم له50. وقد حُكي عن الشيخ المفيد قوله: ولقد أكلت من ثمرها وكان لا عجم له51، (أي لا نواة له).

وتوجّه إلى حجّ بيت الله الحرام، ومن هناك عاد إلى مدينة جدّه وبقي هناك إلى أن مات المأمون، وتولّى الخلافة من بعده أخوه المعتصم وكان ذلك في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 218 للهجرة.

مع المعتصم:
هو محمّد بن هارون الرشيد أبو إسحاق، الملقّب بالمعتصم بالله، ثامن الخلفاء العبّاسيّين، أُمّه أُمُّ ولد، من مولّدات الكوفة اسمها "ماردة"، وكانت أحظى الناس عند الرشيد. قيل فيه: إنّه كان ذا شجاعة وقوّة وهمّة، وكان عَرِيّاً من العلم، وإذا غضب لا يبالي مَن قتل. قال ابن أبي دؤاد: كان المعتصم يُخرج ساعده إليَّ ويقول: يا أبا عبد الله عَضَّ ساعدي بأكثر قوَّتك، فأمتنع، فيقول: إنّه لا يضرّني، فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنّة فضلاً عن الأسنان. وقال نفطويه: كان من أشدّ الناس بطش، وزَعَم أنّه كان يجعل زَنْدَ الرجل بين إصبعيه فيكسره. وهو أوّل خليفة أدخل الأتراك الديوان. وكان يتشبّه بملوك الأعاجم، ويمشي مشيهم52.

ولمّا استوى المعتصم على الملك وسمع فضائل ومناقب الإمام الجواد عليه السلام وبلغه غزارة علمه اضطرمت نار الحسد في قلبه وصمّم على القضاء على الإمام، فاستدعاه إلى بغداد، فلمّا توجّه الإمام إلى بغداد جعل وصيّه وخليفته ابنه عليّ النقيّ عليه السلام ونصّ على إمامته عند كبار الشيعة وثقات الأصحاب وسلّم إليه كتب العلوم الإلهيّة والأسلحة التي كانت للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء عليهم السلام.

ثمّ ودّع الإمام أهله وولده وترك حرم جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وذهب إلى بغداد بقلب حزين ودخلها يوم الثامن والعشرين من شهر محرّم سنة 220 للهجرة.. 53.

ويظهر من بعض الروايات أنّ المعتصم كان قد أشخصه إلى بغداد غير مرّة، حتّى كانت المرة الثانية في أوّل سنة عشرين ومائتين وهي السنة التي توفّي فيها54.
فعن إسماعيل بن مهران قال: لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى مَن الأمر بعدك؟ فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً وقال: "ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة"، فلمّا أخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جُعلت فداك، أنت خارج فإلى مَن هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ فقال: "عند هذه يُخاف علَيَّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ"55.

ولمّا خرج من المدينة في المرّة الأخيرة قال: "ما أطيبك يا طيبة، فلست بعائد إليك"56.

ولمّا جيء به إلى بغداد، جعل المعتصم يدسّ الدسائس إليه ويزوّر الحقائق عليه بغية إيجاد ما يسوِّغ تصفيته أو التضييق عليه، ولكنّ محاولاته كانت تبوء بالفشل أمام مواجهة الإمام عليه السلام لها بأسلوبه الخاصّ، والإعجازيّ أحياناً.
فقد رُوي عن ابن أرومة أنّه قال: إنّ المعتصم دعا بجماعة من وزرائه، فقال: اشهدوا لي على محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام زوراً، واكتبوا أنّه أراد أن يخرج. ثمّ دعاه، فقال: إنّك أردت أن تخرج عليّ؟ فقال: "والله ما فعلت شيئاً من ذلك". قال: إنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً شهدوا عليك. وأُحضروا، فقالوا: نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك. قال: وكان جالساً في بهوٍ57فرفع أبو جعفر عليه السلام يده فقال: "اللَّهمَّ إن كانوا كذبوا عليّ فخذهم". قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يزحف ويذهب ويجيء، وكلّما قام واحد وقع. فقال المعتصم: يا بن رسول الله إنّي تائب ممّا فعلت فادع ربّك أن يسكِّنه، فقال: "اللَّهمَّ سكّنه، وإنّك تعلم أنّهم أعداؤك وأعدائي". فسكن58.

وعن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد وصديقه بشدّة قال: رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أنّي قد متُّ منذ عشرين سنة، قال: قلت له: ولم ذاك؟ قال: لِما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أُحضر محمّد بن عليّ عليه السلام، فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يُقطع؟ قال: فقلت: من الكُرْسُوع59، قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قلت: لأنّ اليد هي الأصابع والكَفّ إلى الكُرْسُوع، لقول الله في التيمّم: ﴿فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم واتفق معي على ذلك قوم.

وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأنّ الله لمّا قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق، قال: فالتفت إلى محمّد بن عليّ عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال: "قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين"، قال: دعني ممّا تكلّموا به، أيّ شيء عندك؟ قال: "اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين"، قال: أقسمت عليك بالله لمّا أخبرت بما عندك فيه، فقال: "أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إنّي أقول: إنّهم أخطأوا فيه السُّنَّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ"، قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: "قول رسول الله عليه وآله السلام: "السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين"، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وما كان لله لم يُقطع".

قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ.
قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي وتمنّيت أنّي لم أك حيّاً.

قال زرقان: إنّ ابن أبي دؤاد قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة، وأنا أكلّمه بما أعلم أنّي أدخل به النّار، قال: وما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدّين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر المجلس أهل بيته وقوَّاده ووزراؤه وكتاَّبه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلّهم لقول رجل يقول شطر هذه الأُمّة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه، ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟ قال: فتغيّر لونه وانتبه لما نبّهته له وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً.
*جواد الأئمة، سلسلة مجالس العترة، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 497.
2 - الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص 274.
3 - أي مدينة سامراء.
4 - المفيد الإرشاد ج 2 ص 289- 291. الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 151- 152.
5 - أي معامل.
6 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 495.
7 - في هامش الكافي: أي من غير انحراف عن الجدار.
8 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 497.
9 - الطبريّ: دلائل الإمامة ص 388- 389.
10 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 382- 383.
11 - المصدر السابق، ص 383.
12 - الطبريّ: دلائل الإمامة ص 389- 390، المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 220- 221.
13 - أي مستوية أو صلبة.
14 - المفيد: الاختصاص ص 102.
15 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 496.
16 - هذا الاحتمال وغيره ممّا أورده المجلسيّ رحمه الله في بحار الأنوار ج 50 ص 93.
17 - مرتضى العامليّ جعفر: الحياة السياسيّة للإمام الجواد عليه السلام ص 30.
18 - أنظر: الحسنيّ هاشم معروف: سيرة الأئمّة الإثني عشر ج 2 ص 437.
19 - أنظر: العطارديّ الشيخ عزيز الله: مسند الإمام الجواد عليه السلام ص 249.
20 - أنظر: الحسنيّ هاشم معروف: سيرة الأئمّة الإثني عشر ج 2 ص 437.
21 - الطوسيّ: الفهرست ص 151، الرقم 377.
22 - المفيد: الإرشاد ج 2 ص 214.
23 - المصدر السابق، ص 216.
24 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 322.
25 - الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي، ج 2 ص 729، الرقم 804.
26 - النجاشيّ: رجال النجاشيّ ص 197، وانظر: الطوسيّ: الفهرست ص 145، الرقم 356.
27 - الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 2 ص 792.
28 - النجاشيّ: رجال النجاشيّ ص 253 الرقم 664.
29 - الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 2 ص 825 الرقم 1038.
30 - نوع من الثياب.
31 - النجاشيّ: رجال النجاشيّ ص 252 الرقم 663.
32 - الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 2 ص 826- 827 الرقم 1040.
33 - الصدوق: كمال الدّين وتمام النعمة ص 377.
34 - المصدر السابق، ص 377- 378.
35 - الصدوق: كمال الدّين وتمام النعمة ص 378.
36 - وذلك هو الذي يجعلنا نصدّق القصّة التي تقال عن السبب في حملها به وخلاصتها أنّ زبيدة لاعبت الرشيد بالشطرنج على الحكم والرضا، فغلبته، فحكمت عليه أن يطأ أقبح وأقذر وأشوه جارية في المطبخ، فبذل لها خراج مصر والعراق لتعفيه من ذلك، فلم تقبل، ولم تجد جارية تجمع الصفات المذكورة غير "مراجل"، فطلبت إليه أن يطأها، فجاء المأمون.
37 - مرتضى السيّد جعفر: الحياة السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام ص 148- 151.
38 - المظفّر الشيخ محمّد حسين: تاريخ الشيعة ص 63- 64.
39 - الدست: مكان في صدر البيت أو المجلس.
40 - المسورة: متكأ من أدم أي جلد.
41 - أي الحرير ويصنع منه الديباج والخزّ ونحوهما من الثياب.
42 - الغالية: نوع من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن.
43 - البدر: جمع بدرة، والبدرة: كيس فيه مقدار من المال يتعامل به ويقدّم في العطايا، ويختلف باختلاف العهود، والغالب أنّه عشرة آلاف درهم.
44 - المفيد: الإرشاد ج 2 ص 281- 288.
45 - أي اللحية الطويلة.
46 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 494.
47 - وهذا يدلّ على أنّ حياة الإمام عليه السلام كانت في خطر وأنّ قضيّة اغتياله كانت واردة ومتوقّعة، بل في بعض الروايات أنّه كان قد تعرّض للاغتيال فعلاً عبر دسّ السمّ له ولكن الله تعالى أنجاه، فقد روى ابن حمزة الطوسيّ عن محمّد بن القاسم، عن أبيه، وعن غير واحد من أصحابن، أنّه قد سمع عمر بن الفرج أنّه قال: سمعت من أبي جعفر عليه السلام شيئاً لو رآه محمّد أخي لكفر. فقلت: وما هو أصلحك الله؟ قال: إنّي كنت معه يوماً بالمدينة إذ قرب الطعام فقال: "أمسكوا" فقلت: فداك أبي، قد جاءكم الغيب فقال: "عليَّ بالخبّاز" فجيء به، فعاتبه وقال: "مَن أمرك أن تسمّني في هذا الطعام؟" فقال له: جعلت فداك فلان، ثمّ أمر بالطعام فرفع وأتي بغيره. (الطوسيّ ابن حمزة: الثاقب في المناقب ص 517).
48 - الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 153.
49 - القطب الراونديّ: الخرائجوالجرائح ج 1 ص 383.
50 - المفيد: الإرشاد ج 2 ص 288- 289.
51 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 390.
52 - أنظر: السيوطيّ: تاريخ الخلفاء ص 333- 335.
53 - القمّي الشيخ عبّاس: منتهى الآمال ج 2 ص 563، وانظر: المفيد: الإرشاد ج 2 ص 295.
54 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 429.
55 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 323.
56 - الطوسيّ ابن حمزة: الثاقب في المناقب ص 516.
57 -البهو: البيت الذي كانوا يقيمونه أمام البيوت أو الخيام منزلاً للغرباء والضيوف.
58 - القطب الراونديّ: الخرائجوالجرائح ج 2 ص 670- 671.
59 - الكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ.

الإمام الجواد عليه السلام والإمامة المبكّرة


تمهيد
تعتبر الإمامة في الفكر الشيعيّ الإماميّ منصباً من المناصب الإلهيّة التي يمنحها الله تعالى لأشخاص معيّنين ومحدّدين وضمن مواصفات خاصّة.

وعلى أساس هذه النظرة قامت فكرة النصّ على الإمام عند الشيعة, والتي تعني أنّ تحديد هذا المنصب يتمّ عن طريق الوحي الإلهيّ النازل على قلب النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله حصراً, وبدون أيّ تدخّل بشريّ, فله تعالى أن يختار من عباده من يشاء ويصطفي من بينهم من يحبّ, فهو سبحانه أعلم بمصالح عباده وأخبر بأحوالهم وما يحتاجون إليه, 
﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ1, وليس للعبد إلّا أن يذعن ويعترف ويطيع ويسلّم..

وقد كان هذا الأمر معقوداً في نواصي الشيعة بدءاً من زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، حتّى آخر الأئمّة عليهم السلام, يعرفون بالقول به ويمتازون به من غيرهم, وقد ملئت به رواياتهم وأحاديثهم وكتبهم, وعلى هذا جرت سيرتهم وكان ديدنهم.

فعن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد الله، عليه السلام يقول: "أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟! لا والله, ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل فرجل حتّى ينتهي الأمر إلى صاحبه"2.

وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله، عليه السلام ، قال: "إنّ الإمامة عهد من الله عزّ وجلّ معهود لرجال مسمّين، ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده.."3.

وحيث كانت الإمامة منصباً وعهداً إلهيّاً منصوصاً عليه من الله تعالى, فلربّما تفرّدت بأمر لم يعهده البشر فيما بينهم, كما أوضح القرآن الكريم ذلك في حقّ النبوّة التي هي منصب وعهد إلهيّ, فقد نصّ تعالى في كتابه الكريم أنّه أعطاها لشرائح مختلفة من حيث العمر والسنّ, فقال تعالى في حقّ عيسى عليه السلام: 
﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا4, وقال في حقّ يحيى، عليه السلام: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا5, وقال في حقّ يوسف، عليه السلام: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا6، وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي7, وقد تكرّرت هذه الصورة القرآنيّة أيضاً مع أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فكانت ظاهرة الإمامة المبكّرة التي تولّى فيها بعض الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ، منصب الإمامة وتصدّوا لها وهم في سنّ مبكّرة, لم تتجاوز العشرالسنين, وهو عمر صغير بالنسبة إلى ما ألفته الأمّة من أعمار حكامها بل والغالب من حياة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام, ممّا استدعى أن يقع هذا الأمر موضعاً للتساؤل والاستفهام والحاجة إلى الإجابة الموضوعيّة.

وعمدة الشبهة والتساؤل المطروح هو: كيف يكون الإمام والحجّة لله على خلقه صبيّاً صغيراً؟!

الإمامة المبكرة في روايات الأئمّة عليهم السلام:
وقد تصدّت الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام للإجابة عن هذا الأمر ضمن المفهوم القرآنيّ الذي تقدّمت الإشارة إليه:
فعن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عليه السلام ، فكنت تقول: "يهب الله لي غلاماً"، فقد وهبه الله لك، فأقرّ عيوننا، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام ، وهو قائم بين يديه، فقلت: جُعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: "وما يضرّه من ذلك؟ فقد قام عيسى عليه السلام ، بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين"8.

وعن الخيرانيّ، عن أبيه قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام ، بخراسان فقال له قائل: يا سيّدي، إن كان كون فإلى من؟ قال: "إلى أبي جعفر ابني"، فكأنّ القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى، بعث عيسى ابن مريم رسولاً نبيّاً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السنّ الذي فيه أبو جعفر عليه السلام "9.
وعن عليّ بن أسباط قال: خرج عليه السلام عليّ فنظرت إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر, فبينا أنا كذلك حتّى قعد وقال: "يا عليّ إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة، فقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا10قال: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ11,﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً12, فقد يجوز أن يؤتى الحكم (الحكمة) صبيّاً ويجوز أن يعطاها وهو ابن أربعين سنة"13.

وعن عليّ بن أسباط قال: خرج عليّ أبو جعفر عليه السلام ، حدثان14موت أبيه, فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابي، فقعد ثمّ قال: "يا عليّ، إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال: 
﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا"15.

وعن بعضهم، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: إنّهم يقولون في حداثة سنّك، فقال: "إنّ الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله إلى داود عليه السلام ، أن خذ عصا المتكلّمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فإذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود، فقالوا: قد رضينا وسلّمنا"16.
وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال: قال عليّ بن حسّان لأبي جعفر عليه السلام: يا سيّدي، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك، فقال: "وما ينكرون من ذلك قول الله عزّ وجلّ؟ لقد قال الله عزّ وجلّ لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي17, فوالله ما تبعه إلّا عليّ عليه السلام وله تسع سنين، وأنا بن تسع سنين"18.

وقد أجاب علماؤنا الأبرار بمثل ما ورد في هذه الروايات من أدلّة وحجج, فعن الشيخ المفيد رحمه الله أنّه قال: على أن ما اشتبه عليهم من جهة سنّ أبي جعفر عليه السلام ، فإنه بيِّن الفساد، وذلك أنّ كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السنّ قال الله سبحانه: 
﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فخبَّر عن المسيح عليه السلام ، بالكلام في المهد، وقال في قصّة يحيى عليه السلام: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وقد أجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليّاً عليه السلام وهو صغير السنّ ولم يدع الصبيان غيره، وبَاهَل بالحسن والحسين عليه السلام ، وهما طفلان، ولم يُرَ مُبَاْهِلٌ قبله ولا بعده بَاهَل بالأطفال، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه على ما شرحناه، بطل ما تعلّق به هؤلاء القوم"19.
افتراضات لتفسير هذه الظاهرة:
يرى الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره, أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر أن يكون نفس وجود هذا الإمام على خطّ حياة أهل البيت عليهم السلام دليلاً وبرهاناً على صحّة العقيدة التي نؤمن بها نحن بالنسبة إلى أهل البيت عليهم الصلاة والسلام؛ لأنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الإمام هي ظاهرة تولّي الشخص للإمامة وهو بعد في سنّ الطفولة, ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعيّة روحيّاً ودينيّاً وعلميّاً وفكريّاً وهو لا يزيد عن عشر سنوات.

وهذه الظاهرة التي ظهرت لأوّل مرّة في حياة الأئمّة في الإمام الجواد، عليه الصلاة والسلام, لو درسناها، بحساب الاحتمالات، لوجدنا أنّها وحدها كافية للاقتناع بحقّانية هذا الخطّ الذي كان يمثّله الإمام الجواد، عليه الصلاة والسلام, إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخرَ غير فرض الإمامة الواقعيّة في شخصٍ لا يزيد عمره على عشر سنين20, ويتولّى زعامة هذه الطائفة في كلّ المجالات الروحيّة والفكريّة والفقهيّة والدينيّة؟

والافتراضات القائمة لتفسير هذه الظاهرة هي على الشكل الآتي:
1- الافتراض الأوّل: أنّ الإمام الجواد عليه السلام ، لم يكن مكشوفاً أمام المسلمين وأمام طائفته بالخصوص.
وهذا الافتراض لا مجال له, وهو خلاف طبيعة العلاقة التي أُنشئت منذ البداية بين أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وقواعدهم الشعبيّة في المسلمين, وذلك:
لأنّ زعامة الإمام في أهل البيت عليهم السلام ، لم تكن زعامة محوطة بالشرطة والجيش وأُبّهة الملك والسلطان الذي يحجب بين الزعيم ورعيّته, ولم تكن زعامة دعوة سرِّيَّة من قبيل الدعوات الصوفيّة أو الفاطميّة التي تحجب بين رأس الدعوة وبين قواعد هذه الدعوة، لكي يُفترض أنّ هذا الرأس كان محجوباً عن رعيّته مع إيمان الرعيّة به.

بل إمام أهل البيت عليهم السلام ، كان مكشوفاً أمام الطائفة, وكانت الطائفة بكلّ طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينيّة, وفي قضاياها الروحيّة والأخلاقيّة, والإمام الجواد، عليه الصلاة والسلام، نفسه أصرّ على المأمون حينما استقدمه إلى بغداد في أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة, وسمح له بذلك.

إذاً فقد قضى الإمام الجواد، عليه الصلاة والسلام، أكثر عمره، أو كلّ عمره، وهو مكشوف أمام المسلمين, أمام مختلف طبقاتهم, بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وإمامته.
أضف إلى ذلك أنّ الإمام الجواد عليه السلام ، قد سُلِّطت عليه أضواء خاصّة من قِبَل الخليفة المأمون..وقد زوّجه ابنته أُمُّ الفضل, واستقدمه إلى مجلسه ممتحناً له كما في القصّة المعروفة مع قاضيه يحيى بن أكثم, إلى غير ذلك ممّا يدلّ على كونه مكشوفاً أمام الجميع.
2- الافتراض الثاني: أنّ المستوى العلميّ والفكريّ والعقليّ والروحيّ للطائفة وقتئذٍ، كان يَعْبُر عليه هذا الموضوع بحيث تصدّق الطائفة بإمامة طفل وهو ليس بإمام.
وهذا الافتراض ممّا يكذِّبه الواقع التاريخيّ لهذه الطائفة، وما وصلت إليه من مستوى علميّ وفقهيّ, فإنّ هذه الطائفة قد خلّفها الإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام, وفيها أكبر وأضخم مدرسة للفكر الإسلاميّ في العالم الإسلاميّ على الإطلاق, وكانت موزّعة في حواضر العالم الإسلاميّ, فكان بعض قطّاعاتها في الكوفة, وبعض قطّاعاتها في قُمّ, وبعض قطّاعاتها في المدينة, وتتكوَّن من الجيلين المتعاقبين: جيل تلامذة الإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام ، وجيل تلامذة الإمام الكاظم والإمام الرضا عليه السلام, هذان الجيلان كانا على رأس هذه الطائفة في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والأخلاق, وكل جوانب المعرفة الإسلاميّة, وكانت على صلة مباشرة بالإمام الجواد عليه السلام, تستفتيه وتسأله, وتنقل إليه الأموال من مختلف الأطراف من شيعته..

إنّ مثل هذا المستوى الفكريّ والعلميّ لهذه الطائفة التي كانت قبلة الفكر الإسلاميّ في كلّ ميادين المعرفة, لا يمكن أن يعبُر عليه مثل هذا التصوُّر, وتتصوّر أنّ شخصاً طفلاً هو إمام وهو ليس بإمام, فإن أمكن لشخصٍ أن يتصوّر أنّ رجلاً عالماً كبيراً محيطاً مطّلعاً بلغ الخمسين أو الستّين يستطيع أن يقنع مجموعةً من الناس بإمامته وهو ليس بإمام, لأنه يتّصف بدرجة كبيرة من العلم والمعرفة والذكاء والاطلاع, فليس بالإمكان أن نفترض ذلك في شخصٍ لم يبلغ العاشرة من عمره, وهو مكشوف أمامهم.

3- الافتراض الثالث: أنّ الطائفة لم يكن واضحاً عندها مفهوم الإمام والإمامة, فلم تكن تعرف ما هو الإمام، وما هي قيمة الإمام، وما هي شروط الإمام، وكانت تتصوّر أنّ الإمامة مجرّد تسلسل نسبيّ ووراثيّ.

وهذا الافتراض يكذّبه أيضاً واقع التراث المتواتر والمستفيض من عهد أمير المؤمنين إلى عهد الإمام الرضا عليه السلام ، عن ماهيّة الإمام وشروطه وعلاماته. فالتشيّع قام بصورة أساسيّة على المفهوم الإلهيّ المعمّق للإمامة, وكون الإمام إنساناً فذّاً فريداً في معارفه وأخلاقه وقوله وعمله, وهو أوضح وأبده وأوّل مفهوم من مفاهيم التشيّع, الذي بشّرت به النصوص الكثيرة الواردة عنهم عليهم السلام, بحيث أصبحت بالتدريج كلّ الخصوصيّات وكلّ التفاصيل واضحةً في ارتكاز الطائفة وذهنيّتها حتّى بعض التفاصيل الثانويّة, ونجد شواهد في الروايات على ذلك, من قبيل نفي إمامة العديد من إخوة الأئمّة ممّن ادّعي له الإمامة, بما كان واضحاً ومحدّداً عند الكثير من أبناء الطائفة, من أنّ الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليه السلام 21.

4- الافتراض الرابع: أن يكون هذا الأمر تبانياً على الزور والباطل من قبل هذه الطائفة.

وهذا الافتراض أيضاً لا يكذّبه إيماننا الشخصيّ فقط بورع هذه الطائفة وقدسيّتها, بل يكذّبه، إضافةً إلى ذلك، الظروف الموضوعيّة التي عاشتها هذه الطائفة, فلم يكن التشيّع، في يومٍ من الأيّام، في حياة هذه الطائفة، طريقاً إلى الأمجاد, أو المال, أو الجاه, أو السلطان, أو المقامات العالية..حتّى يكون هذا التباني من قبلهم في سبيل مطمعٍ, بل كان طيلة التاريخ طريقاً إلى التعذيب والسجون والحرمان والويل والدمار, وأن يعيش الإنسان حياة الخوف والتقيّة في كلّ حركاته وسكناته.

لماذا يتبانى عقلاء هذه الطائفة ووجهاؤها وعلماؤها على إمامةٍ باطلةٍ- حسب الفرض- مع أنّ تبانيهم على هذه الإمامة الباطلة يكلّفهم كثيراً من ألوان العذاب والحرمان؟ ولو أنّ هؤلاء الوجهاء والعلماء والأعلام تركوا هذه الطريقة واتّبعوا الطريق الرسميّ المتّبع من قبل سائر المسلمين، لكانوا في طليعة سائر المسلمين! فهذا ممّا يشهد على أنّ هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون ناشئاً إلّا عن اعتقادٍ حقٍّ بهذه الإمامة.

5- الافتراض الأخير: وهو الفرض الباقي الوحيد المطابق للواقع, وهو أن يكون الإمام الجواد إماماً حقّاً, بعد أن كانت كلّ الافتراضات السابقة الأخرى غير مقبولة عند أيّ إنسانٍ يطّلع على تاريخ الطائفة, وتاريخ الإسلام وقتئذٍ, وعلى الظروف الموضوعيّة التي تكتنف إمامة الإمام الجواد عليه السلام 22.

1 - سورة الأنعام الآية 124.
2 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 278.
3 - المصدر السابق.
4 - سورة مريم الآية 30.
5 - المصدر السابق 12.
6 - سورة يوسف الآية 22.
7 - سورة الأحقاف الآية 15.
8 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 321.
9 - المصدر السابق، 322.
10 - سورة مريم الآية 12.
11 - سورة يوسف الآية 22.
12 - سورة الأحقاف الآية 15.
13 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 494.
14 - الحدثان نوائب الدهر, وربما يسمّى به الموت أيضاً.
15 - المفيد: الإرشاد ج 2 ص 292.
16 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 383.
17 - سورة يوسف الآية 108.
18 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 384.
19 - الشريف المرتضى: الفصول المختارة ص 316.
20 - في كلمات السيّد الشهيد ورد التعبير بسبع سنين ونظراً للاختلاف الحاصل في عمره بدّلنا ذلك إلى عشر سنوات, والأمر سهل.
21 - أنظر: المجلسيّ: بحار الأنوار ج 25 ص 249.
22 - أخذنا هذا البحث من محاضرة للإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه, أنظر: أئمّة أهل البيت عليهم السلام ودورهم في تحصين الرسالة الإسلاميّة, ص 401- 406.

الإمام الجواد عليه السلام في كلام الولي دام ظله


حياة الإمام محمد الجواد عليه السلام استمرار لخطة أبيه الرضا عليه السلام ويبدو ذلك من علاقة المأمون نفسها بالإمام الجواد عليه السلام ومحاولة المأمون وخطته لصهر الإمام الجواد وتقريبه من أروقة الحكم، استمراراً لمؤامرته لتمييع حركة التشيع وقضيتها ضمن إطار الخلافة العباسية، ومستهدفاً بذلك حجز الإمام وعزله عن قواعده الشعبية بشكل لا يثير الأمة وخصوصاً وهو يعيش معززاً مكرماً في قصور المأمون ومبانيه الفخمة، وبعدها سوف يجعله تحت رقابة القصر المحكمة والتي تحصي عليه كل تحركاته وسكناته بدقة تامة.

ولهذا بادر المأمون إلى خطته القديمة في الظهور أمام الناس بالشخص المشفق المحب للإمام عليه السلام فزوجه ابنته أم الفضل1 لكي يضمن تأييد الإمام له، ولذلك عرض عليه البقاء في مركز الخلافة، لكن الإمام الجواد أصر على الرجوع إلى المدينة، ليحبط خطة المأمون في كسب تأييده لخلافته المغتصبة فهي من جانب الإمام عليه السلام استنكار لخلافة المأمون وإيحاء للاخرين بعدم شرعية حكمه، ومن جانب اخر إثبات لإمامته وانفصال أطروحته عن أطروحة السلطة الحاكمة.

فقبول الإمام عليه السلام بالبقاء مع المأمون في بلاطه وحاشيته معناه أن تندمج الأطروحتان، وتبدو للجمهور أنهما غير متناقضتين مما يضع على أطروحة الإمام معالمها الفكرية الخاصة التي تميزها عن أطروحة الحاكم المنحرف.

والإمام الجواد عليه السلام استمر في خط أبيه، في تخطيطه الفكري وتوعيته العقائدية، فكان في المدينة يجمع عنده الفقهاء من بغداد والأمصار ليسألوه ويستنيروا بهديه "وكان وقت موسم الحج فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً فخرجوا إلى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر"2.

وكان الإمام الجواد عليه السلام يمارس مهام مسؤولياته الجهادية لتوسيع قواعده الشعبية، حتى سمع به المعتصم واستدعاه إلى بغداد بالقوة ليغدر به، وينهي حياته الشريفة بالسم، وقال ابن بابويه: سمه المعتصم3.

فالإمام عليه السلام إذن كان يشكل خطراً على حياة السلطة ويسلط الأضواء على مواضع انحرافهم وبعدهم عن الإسلام، وليس ذلك وحده بل كان الكل يعرف منزلته وتفوقه العلمي والفكري على صغر سنه وتحديه للفقهاء وللقضاة في عصره، "ففي مجلس واحد سألوه عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين"4.

قال المفيد : إن المأمون كان قد شغف بالجواد لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه من الحكمة والعلم والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان".
وقال الطبري في (أعلام الورى) "إنه كان عليه السلام قد بلغ في وقته من الفضل والعلم والحكم والاداب مع صغر سنه منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادة وغيرهم"5.

ننهي حديثنا عن عمل وتخطيط الإمام الجواد بهذا القدر المختصر وذلك لتشابه دوره مع دور أبيه الرضا عليه السلام. لنتوفر على دراسة ظاهرة إعجازية، وجدت مع الإمام الجواد عليه السلام وقد أثارت حولها كثيراً من التساؤلات والأقاويل. ألا وهي ظاهرة توليه مرجعية الإمامة والقيادة وهو في سن الطفولة وكان عمره انذاك ثماني سنين.

الإمام عليه السلام وصغر سنه:

وهي من الظواهر الإعجازية التي وجدت مع الإمام الجواد عليه السلام والتي كان لها أثرها الكبير على واقع الحكام انذاك.
وقد أجمعت المصادر التاريخية أن الإمام الجواد توفي أبوه الرضا عليه السلام وعمره "ثماني سنين أو سبع سنين وأربعة أشهر"6، وتولى الإمامة بعد أبيه وهو في سن الطفولة.

هذه الظاهرة تواجدت لأول مرة في حياة أئمة عليهم السلام في شخص الإمام الجواد عليه السلام وكان تحدياً صارخاً للحكام المنحرفين ورهاناً أكيداً وإعجازياً على حقيقة امتداد خط إمامة ومرجعية أئمة عليهم السلام الذي يمثله الإمام الجوادعليه السلام.

ولو اعتمدنا حساب الإحتمالات لوجدنا أن صغر سن الإمام عليه السلام وحده سبباً كافياً للاقتناع بحقيقة إمامته وتمثيله لخط إمامة أهل البيت، وإلا كيف نفسر توليه للزعامة الشيعية في كل المجالات النظرية والعملية.

ولربما يتبادر افتراض يقول أن الطائفة الإسلامية الشيعية ربما لم ينكشف لديها بوضوح إمامة وزعامة هذا الصبي لأهل البيت، ولربما زادوا هذا الإفتراض زعماً اخر كما جاء على لسان الباحث أحمد أمين "باختفاء الأئمة عن الأعين، واكتفائهم بالدعوة سراً، ليبقى العطف عليهم في الناس"7.

وردنا على هذا الإفتراض والزعم، هو أن زعامة الإمام الجواد عليه السلام كانت زعامة مكشوفة وعلنية أمام كل الجماهير ولم تكن زعامة أئمة أهل البيت في يوم ما زعامة محاطة بالشرطة أو الجيش وأبهة الملك والسلطان، بحيث تحجب الزعيم عن رعيته ولم تكن زعامتهم عليه السلام زعامة دعوة سرية من قبيل الدعوات الصوفية والفاطمية، كي تحجب بين قائد الدعوة وبين قواعده الشعبية، بل كان إمام عليهم السلام يمارس زعامة مكشوفة إلى حد ما، وكانت القواعد الشعبية المؤمنة بزعامته وإمامته تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وقضاياها الإجتماعية والأخلاقية.

ولما استقدمه المأمون إلى مركز خلافته بغداد أصر الجواد عليه السلام على الإستئذان والرجوع إلى المدينة، وقد سمح له المأمون بذلك، وقد قضى أكثر عمره الشريف هناك8.
فالجواد عليه السلام كان يتحرك بفاعلية ونشاط على المسرح الإجتماعي وهو مكشوف أمام كل المسلمين بما فيهم الشيعة الذين يؤمنون بزعامته وإمامته.

حتى أن المعتصم تضايق من نشاطه وتحركه، فطلبه وأحضره إلى بغداد، ولما حضر أبو جعفر عليه السلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون الحيلة في قتله ويقول المفيد: "فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة 220 هجرية وتوفي بها في ذي القعدة من هذه السنة".

وفي روضة الواعظين "مات ببغداد قتيلاً مسموماً"9.
وعلى ضوء هذه الحقائق تسقط دعوى الفرض الذي يقول بأن الجواد عليه السلام لم تكن زعامته مكشوفة أمام المسلمين عامة وأمام شيعته خاصة، خلافاً لطبيعة العلاقة التي نشأت منذ البداية بين قادة أهل البيت وقواعدهم الشعبية وخصوصاً أن المأمون قد سلط الأضواء على إمامة الجواد وعلمه، فقد عرّضه إلى امتحان من أجل إفحامه وفض الناس عنه وجمع بينه وبين كبار العلماء أمام العباسيين فتبين تفوق الجواد عليه السلام العلمي والفكري على صغر سنه10.

وقد طلب المأمون من يحيى بن أكثم، وهو من كبار المفكرين انذاك أن يطرح على الإمام مسألة يقطعه فيها.
فقال له: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة.

فقال له أبو جعفر: سل إن شئت.
قال يحيى: ما تقول في محرم قتل صيداً؟

فقال له الإمام عليه السلام: "قتله في حلّ‏ٍ أو حَرَم؟ عالماً كان المحرم أم جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حراً كان أم عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصراً على ما فعل أم نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهاره؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟".

فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والإنقطاع وتلجلج حتى عرف أهل المجلس أمره11.

وهناك افتراضات أخرى ربما تثار في هذا المجال نعرضها على التوالي:
الإفتراض الأول الذي يقول: إن المستوى العلمي والفكري للطائفة الشيعية وقتئذٍ كان بدرجة يمكن معها أن يغفلوا هذا الموضوع، أو بشكل اخر إن مستواهم الفكري والعقلي والروحي هو الذي دفعهم إلى التصديق والإيمان بإمامة طفل وهو ليس بإمامٍ حقاً!.

وهذا الفرض ساقط، يكذبه الواقع التاريخي الثابت للطائفة الشيعية إذ أن مستواها العلمي والفقهي كان موضع إكبار وتقدير من قبل كل المدارس الفكرية المنافسة الأخرى.
فالمدرسة الفكرية الضخمة التي خلفتها جهود الإمامين الباقر والصادق عليه السلام كانت من أكبر مدارس الفكر الإسلامي التي شهدها العالم الإسلامي انذاك، فهناك جيلان قد تعاقبا وهم من تلاميذ الصادق والكاظم عليه السلام وكانا على رأس الطائفة الشيعية في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث وكل جوانب المعرفة الإسلامية.

وعلى ضوء هذه الحقيقة، لا يمكن الإفتراض أبداً بأن المستوى الفكري والعلمي للطائفة كان بالمقدار الذي يغفل موضوعاً مهماً وخطيراً كهذا فكيف تغفل طائفة بكاملها وفيها هذه المدرسة التي كانت تعد قبلة للفكر الإسلامي المنفتح وتتخيل أو تتصور غفلة أن الإمامة في شخص طفل صغير وهو ليس بإمامٍ حقاً.

وخصوصاً وكما قدمنا أن إمامة الجواد وزعامته لقواعده الشعبية كانت زعامة مكشوفة لكل المسلمين وبإمكان أي فرد منهم أن يتحداها، ويمتحن صدقها، وخصوصاً الطائفة الشيعية التي كانت تمثلها في العالم الإسلامي أكبر المدارس الفكرية وأضخمها على الإطلاق، فقد امتدت مدرستها في الكوفة وقم والمدينة، وكانت هذه المدارس والمراكز الفكرية على صلة بالإمام عليه السلام تستفتيه وتسأله، وتنقل إليه الحقوق والأموال من مختلف الأطراف، فكيف نتصور أن هذه العقلية المنفتحة أو مثل هذه المدرسة الضخمة تغفل عن حقيقة طفل لا يكون إماماً.

الإفتراض الثاني: إن الطائفة الشيعية عبر تاريخها المديد لم تكن تملك تصوراً واضحاً لمفهوم الإمام والإمامة بل كانت تتصور الإمام مجرد رقم في تسلسل نسبي فهي بالتالي تجهل الإمام والشروط اللازمة للإمامة!

نقول إن هذا الإفتراض مردود لأن التشيع كأساس يقوم على المفهوم الإلهي العميق لفكرة الإمامة من أبده وأبسط مفاهيم التشيع، فالإمام في مفهومه الشيعي العام هو ذلك الإنسان الفذ بمعارفه وأقواله وأعماله وأخلاقه.

وهذا المفهوم وهو ما كان واضحاً في معالمه وأبعاده عند الطائفة الشيعية، قد بشرت به الاف النصوص التي توالت منذ عهد الإمام علي عليه السلام إلى عهد الإمام الرضا عليه السلام، حتى أن كل تفاصيل وخصوصيات التشيع أصبحت واضحة في أذهان الشيعة ووعيهم.

تقول إحدى الروايات بهذا الصدد "دخلنا المدينة بعد وفاة الرضا عليه السلام نسأل عن الخليفة بعد الإمام الرضا فقيل إن الخليفة في قرية قريبة من المدينة، فخرجت إلى تلك القرية فدخلتها، وكان فيها بيت للإمام موسى بن جعفر عليه السلام انتقل إلى الإمام الجواد عليه السلام بالوراثة فرأيت البيت غاصاً بالناس ورأيت أحد أخوة الرضا عليه السلام جالساً متصدراً المجلس، وسمع الناس يقولون عنه أي أخ الرضا عليه السلام بأنه ليس هو الإمام الرضا، لأنهم سمعوا من الأئمة عليه السلام: "أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليه السلام"12.

ونستنتج من هذا الحديث، أن كل تفاصيل وخصوصيات التشيع ومفاهيمه كانت واضحة وجلية عندهم، مما يكذب زعم أصحاب هذا الإفتراض.

الإفتراض الثالث والأخير: إن الأمر لا يعدو كونه تفانياً وإصراراً على الغرور والباطل من قبل طائفة الشيعة ومحبيه.
ونقول إن هذه الدعوى باطلة، ليس فقط من وجهة إيماننا بورع الطائفة الشيعية وقدسيتها، وإنما نؤكد القول من خلال تلك الظروف الموضوعية التي أحاطت بهذه الطائفة المضطهدة، إذ أنه لم يكن التشيع في يوم من الأيام في حياة هذه الطائفة المؤمنة طريقاً للأمجاد والسلطان أو الإثراء بل كان التشيع على مدار التاريخ طريقاً إلى التعذيب والحرمان والسجون والإضطهاد، بل وكان طريقاً لأن يعيش معها إنسان الطائفة، حياة خوف وتضحية ومراقبة دائمة في كل خطوة يخطوها.

يقول الإمام الباقر عليه السلام عن تلك المحن والبلايا التي نزلت بالشيعة وخاصة أيام الحكم الأموي:"وقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة والتهمة وكل من يذكر بحبنا أو الإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله وهدمت داره"13.

فافتراض التفاني والإصرار على الباطل، لم يكن في أي وقت من الأوقات من أجل مطمح مادي أو دنيوي.
ولماذا بعد ذلك كل هذا التفاني والإصرار من قبل علماء وفقهاء الطائفة، على إمامة باطلة زائفة، مع أن تفانيهم للإمام عليه السلام سيكلفهم ألواناً قاسية من الحرمان والعذاب.

لذلك لا يمكننا تفسير تفاني الشيعة على الإمامة، إلا أن يكون ذلك ناشئاً عن اعتقاد حقيقي بهذه الإمامة ووعي عميق لشروط انعقادها.
ومن هنا يجب القول أن كل هذه الإفتراضات لا يمكن قبولها لمن اطلع على حقيقة تاريخ هذه الطائفة وظروفها الموضوعية، وبالخصوص الظروف والملابسات التي أحاطت بإمامة الجواد عليه السلام.

بعد عرض هذه الإفتراضات وردها، لا يبقى لدينا إلا الفرض الوحيد المطابق للواقع وهو كون الجواد عليه السلام هو الإمام حقاً.

1- أنظر خبر تزويجه، البحار، ج‏50، ص‏73.
2- البحار، المجلسي، ج‏50، ص‏10.
3- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، ج‏2، ص‏92.
4- البحار، ج‏50، ص‏86.
5- دائرة المعارف، ج‏2، ص‏93.
6- نفس المصدر السابق، ص‏92.
7- المهدي والمهدوية، ص‏62 61.
8- الموسوعة، ج‏2، ص‏92.
9- نقلاً عن دائرة المعارف، ص‏92.
10- نفس المصدر نقلاً عن الإرشاد للمفيد.
11- تذكرة الخواص، ص‏372 368 وراجع للتفصيل تحف العقول عن ال الرسول ابن صغبة، ص‏335.
12- البحار، ج‏50، ص‏90.
13- شرح النهج، ج‏3، ص‏15، لابن أبي حديد.

لمحة عن حياة الإمام عليه السلام


هو الإمام محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، تاسع أئمَّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.

ولادته وشهادته:
وُلد عليه السلام، في المدينة المنوّرة، سنة خمس وتسعين ومائة، واختُلف في الشهر واليوم، فعن بعضهم أنّه في شهر رمضان1، لتسع عشرة ليلة خلت منه2، أو للنصف منه، ليلة الجمعة، وهو المرويّ عن الإمام العسكريّ عليه السلام 3.

وعن بعضهم أنّه في يوم الجمعة لعشر خلون من رجب4.

ويؤيِّده الدعاء المرويّ عن الناحية المقدّسة الذي رواه الشيخ الطوسيّ عن ابن عيَّاش أنّه خرج على يد الشيخ الكبير أبي القاسم، رضي الله عنه، هذا الدعاء في أيّام رجب: "اللَّهمَّ إني أسألك بالمولودَيْن في رجب: محمّد بن عليّ الثاني، وابنه عليّ بن محمّد المنتجب، وأتقرّب بهما إليك خير القرب.."الدعاء5.

ومضى ببغداد شهيداً مسموماً6سنة عشرين ومائتين في ذي القعدة، في آخره7، وقيل: في الحادي عشر منه8، وقيل: لخمس خلون من ذي الحجّة9، وقيل: لستٍّ خلون منه10، وقيل في آخر ذي الحجّة11، ودُفن في مقابر قريش عند قبر جدّه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام 12.

بشارة الولادة:
في الحديث المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال لأُبَيّ بن كعب، وقد دخل عليه الإمام الحسين عليه السلام - في حديث طويل- أخبره فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عمّن يكون في ذرِّيَّته، جاء فيه، بعد ذكر الإمام الرضا، عليه السلام، قوله: "..وإنّ الله ركّب في صلبه نطفةً مباركة طيّبة رضيّة مرضيّة، وسمّاها محمّد بن عليّ، فهو شفيع شيعته ووارث علم جدّه، له علامة بيّنة وحجّة ظاهرة، إذا وُلد يقول: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.."13.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام، في حديث له مع يزيد بن سليط الزيديّ، وقد لقيه في طريقه إلى العمرة، فأخبره الإمام بالنّص على الإمام الرضا عليه السلام، وأنّه سيلقاه في هذا الموضع، ثمّ قال له: "يا يزيد وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه فبشّره أنّه سيولد له غلام، أمين، مأمون، مبارك، وسيعلمك أنّك قد لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله، أمّ إبراهيم، فإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل"، قال يزيد: فلقيت بعد مضيِّ أبي إبراهيم عليه السلام، عليّاً عليه السلام فبدأني، فقال لي: "يا يزيد، ما تقول في العمرة؟" فقلت: بأبي أنت وأمّي، ذلك إليك وما عندي نفقة، فقال: "سبحان الله، ما كنّا نكلّفك ولا نكفيك". فخرجنا حتّى انتهينا إلى ذلك الموضع فابدأني فقال: "يا يزيد، إنّ هذا الموضع كثيراً ما لقيت فيه جيرتك و عمومتك"، قلت: نعم، ثمّ قصصت عليه الخبر، فقال لي: "أمّا الجارية فلم تجئ بعد، فإذا جاءت بلّغتها منه السلام". فانطلقنا إلى مكّة فاشتراها في تلك السنة، فلم تلبث إلّا قليلاً حتّى حملت فولدت ذلك الغلام..14.

الولادة:
وكان مولده ومنشؤه على صفة مواليد آبائه عليهم السلام 15. ويُروى عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، أنّها قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران أمّ أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام فقال لي: "يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي وإيّاها والقابلة بيتاً"، ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علين، فلمّا أخذها الطلق طفى المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: "يا حكيمة الزمي مهده". قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثمّ نظر يمينه ويساره ثمّ قال: "أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله"، فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً، فقال:"وما ذاك؟" فأخبرته الخبر، فقال: "يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر"16.

الإمام الجواد عليه السلام، ومحنة الولادة:
لقد كانت والدة الإمام الجواد عليه السلام، نوبيّة من السودان كما تقدّم، فكان من الطبيعيّ أن يكون الإمام الجواد عليه السلام حائل اللون17، أو شديد الأدمة18، أي السمرة، بحيث يقرب من السواد19.
وقد صار هذا الأمر من المحن والابتلاءات التي تعرّض لها الإمام الرضا عليه السلام وولده الإمام الجواد عليه السلام..
فعن زكريّا بن يحيى بن النعمان الصيرفيّ قال: سمعت عليّ بن جعفر يحدّث الحسن ابن الحسين بن عليّ بن الحسين فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام، فقال له الحسن: إي والله- جُعلت فداك- لقد بغى عليه- أي ظلموه- إخوته، فقال عليّ بن جعفر: إي والله ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جُعلت فداك، كيف صنعتم فإنّي لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته ونحن أيضاً: ما كان فينا إمام قطّ حائل اللون، فقال لهم الرضا عليه السلام: "هو ابني"، قالوا: فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قضى بالقافَّة فبيننا وبينك القافَّة20، قال: "ابعثوا أنتم إليهم، فأمّا أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم". فلمّا جاؤوا أقعدونا في البستان واصطفّ عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه جبّة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة21وقالوا له: ادخل البستان كأنّك تعمل فيه، ثمّ جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عمّ أبيه، وهذا عمّ أبيه، وهذا عمّه، وهذه عمّته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإنّ قدميه وقدميه واحدة، فلمّا رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا: هذا أبوه. قال عليّ بن جعفر: فقمت... ثمّ قلت له (يعني أبا جعفر عليه السلام ): أشهد أنّك إمامي عند الله، فبكى الرضا عليه السلام، ثمّ قال: "يا عمّ! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيّبة الفم، المنتجبة الرحم، ويلهم لعن الله الأعيبس22وذرِّيَّته، صاحب الفتنة، ويقتلهم سنين وشهوراً وأيّاماً يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبَّرة، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجدّه صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أيّ واد سلك؟! أفيكون هذا يا عمّ إلّا منّي؟"، فقلت: صدقت، جُعلت فداك23.

كنيته وألقابه:
أمّا كنيته: فأبو جعفر، (كنية جدِّه الإمام الباقر عليه السلام، ويُقال له أبو جعفر الثاني تمييزاً له منه)24، والخاصّ أبو عليّ.
وأمّا ألقابه فكثيرة، منها: المنتجب والمرتضى والتقيّ والزكيّ والقانع والجواد (وهو أشهرها)25، وكان يعرف بابن الرضا26.

والدته المقدّسة:
كانت والدة الإمام الجواد عليه السلام، أُمَّ ولَد، تسمّى سبيكة27، أو ريحانة28، أو درّة، ثمّ سمّاها الرضا عليه السلام خيزران29، وكانت تكنَّى أُمَّ الحسن30.
وكانت نُوبيّة31، من النُوب، وهي بلاد واسعة للسودان، أو جيل من السودان32، وقال بعضهم إنّها مَرِيْسِيَّة33
- بالتخفيف- وهي جزيرة في بلاد النوبة كبيرة يجلب منها الرقيق34.
ورُوي أنّها كانت من أهل بيت مارية القبطيّة أُمّ إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 35.

وكانت أفضل نساء زمانها36، وعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال فيها: "قُدِّسَت أُمُّ ولدته، فلقد خُلقت طاهرة مطهّرة"37، وفي بعض الروايات أيضاً عنه عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حقّ الإمام المهديّ عجَّل الله تعالى فرجه: "بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبيّة، الطيّبة الفم، المنتجبة الرحم"38. وسيأتي قول الإمام الكاظم عليه السلام - فيما رُوي عنه- ليزيد بن سليط الزيديّ: "فإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل..".
مع أبيه الإمام الرضا عليه السلام:
لقد رُزق الإمام الرضا عليه السلام، بولده الجواد عليه السلام، وهو في سنّ متأخّرة نسبيّاً- كان عمره الشريف آنذاك حوالي 47 سنة - ممّا فسح المجال أمام بعض المخالفين لإمامته باستغلال هذا الأمر، والتشكيك بإمامته.

فعن الحسين بن بشّار أنّه قال: كتب ابن قياما- وهو من الواقفة الذين وقفوا في الإمامة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، ولم يقولوا بإمامة الإمام الرضا عليه السلام - إلى أبي الحسن عليه السلام كتاباً يقول فيه: كيف تكون إماماً وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا عليه السلام - شبه المغضب-: "وما علمك أنّه لا يكون لي ولد؟ والله لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل"39.

وقد رُوي عن ابن قياما المذكور أنّه قال: دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام، وقد وُلد له أبو جعفر عليه السلام، فقال: "إن الله قد وهب لي من يرثني ويرث آل داود"40.
وعن كليم (أو كلثم) بن عمران قال: قلت للرضا عليه السلام: ادع الله أن يرزقك ولداً، فقال: "إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني"، فلمّا وُلد أبو جعفر عليه السلام، قال الرضا عليه السلام، لأصحابه: "قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران، فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدِّست أُمُّ ولدته، (قد خُلقت طاهرة مطهّرة)"41.. وكان طول ليلته يناغيه في مهده42.

فلمّا طال ذلك على عدّة ليال قلت له: جُعلت فداك، قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكلّ هذا تعوّذه؟ فقال:"ويحك، ليس هذا عوذة، إنّما أغرّه بالعلم غرّاً"43.
وعن أبي يحيى الصنعانيّ قال: كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السلام فجيئ بابنه أبي جعفر عليه السلام، وهو صغير، فقال: "هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه"44.

وعن بنان بن نافع أنّ أبا الحسن عليه السلام، قال له: "يا بن نافع، سلِّم وأذعن له بالطاعة فروحه روحي، وروحي روح رسول الله"45.
وعاش مع أبيه عليه السلام سنوات قليلة إلى أن أشخص المأمون أباه الرضا عليه السلام، إلى خراسان لولاية العهد، فحجّ الإمام الرضا عليه السلام، في تلك السنة إلى بيت الله الحرام ومعه ولده الإمام الجواد عليه السلام، (الذي أحسّ بالخطر على أبيه من خلال طوافه حول الكعبة ووداعه لها)46، وبعد الطواف، صار أبو جعفر عليه السلام إلى الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفّق (خادمه): قم جُعلت فداك، فقال: "ما أريد أن أبرح من مكاني هذا إلّا أن يشاء الله"، واستبان في وجهه الغمّ، فأتى موفّق أبا الحسن عليه السلام، فقال: جُعلت فداك، قد جلس أبو جعفر عليه السلام، في الحِجر وهو يأبى أن يقوم، فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر عليه السلام، فقال له: "قم يا حبيبي"، فقال: "ما أريد أن أبرح من مكاني هذا"، قال: "بلى يا حبيبي"، ثمّ قال: "كيف أقوم، وقد ودَّعتَ البيت وداعاً لا ترجع إليه؟!" فقال: "قم يا حبيبي، فقام معه"47.

وعندما أُخرج الإمام عليه السلام إلى خراسان كان يكتب إلى ولده الجواد عليه السلام، في المدينة. يحدّث أبو الحسين بن محمّد بن أبي عبّاد- وكان يكتب للرضا عليه السلام ضمّه إليه الفضل بن سهل- فيقول: ما كان عليه السلام يذكر محمّداً ابنه إلّا بكنيته، يقول: "كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام، وكنت أكتب إلى أبي جعفر عليه السلام "، وهو صبيٌّ بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر عليه السلام، في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: "أبو جعفر وصيّي وخليفتي في أهلي من بعدي"48.

وعن إبراهيم بن أبي محمود، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي كتب إليه من أبيه، فجعل يقرؤها ويضع كتاباً كثيراً49على عينيه، ويقول: "خطُّ أبي والله"، ويبكي حتّى سالت دموعه على خديه50.
من فضائله ومناقبه:
قال الشيخ كمال الدّين بن طلحة: وأمّا مناقبه: فما اتسعت حلبات مجاله، ولا امتدّت أوقات آجاله، بل قضت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأنجاله، فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل القدوم عليه لزيارة حِمامه، فلم تطل بها مدّته ولا امتدّت فيها أيّامه51.

فمِن لقبه عليه السلام، يُعرف جوده وكرمه كآبائه وأجداده عليهم السلام، يقول الذهبيّ: وكان أحد الموصوفين بالسخاء ولذلك لقِّب بالجواد52. وممّا كتب به الإمام الرضا عليه السلام، لولده الإمام الجواد عليه السلام، ما رُوي عن ابن أبي نصر أنّه قال: قرأت في كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر عليه السلام:"يا أبا جعفر، بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، فإنّما ذلك من بخل منهم، لئلّا ينال منك أحد خير، وأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلّا من الباب الكبير، فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضّة، ثمّ لا يسألك أحد شيئاً إلّا أعطيته، ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دينار، والكثير إليك، ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين دينار، والكثير إليك، إنّي إنمّا أريد بذلك أن يرفعك الله، فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتاراً"53.

وأتاه عليه السلام، رجل فقال له: أعطني على قدر مروّتك، فقال: "لا يسعني". فقال: على قدري. قال: "أمّا ذا فنعم، يا غلام، أعطه مئة دينار"54.
ونُقل أنّه عليه السلام، لمّا كان مقيماً في بغداد كان يرسل بعطاياه السنويّة إلى فقراء المدينة، فتُوزَّع عليهم. وفي ذلك يقول الراوي: وكان يبعث إلى المدينة في كلّ عام بأكثر (من) ألف ألف درهم55.

ومن فضله العميم، رعايته لشيعته ومحبّيه، فعن أحمد بن زكريّا الصيدلانيّ عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان56قال: رافقت أبا جعفر، عليه السلام، في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم، فقلت له، وأنا معه على المائدة، وهناك جماعة من أولياء السلطان: إنّ والينا- جعلت فداك- رجل يتولّاكم أهل البيت ويحبكم وعليَّ في ديوانه خراج، فإن رأيت- جعلني الله فداك- أن تكتب إليه كتاباً بالإحسان إليّ، فقال لي: "لا أعرفه"، فقلت: جُعلت فداك، إنّه على ما قلت من محبّيكم أهل البيت، وكتابك ينفعني عنده، فأخذ القرطاس وكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميل، وإنّ ما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك، واعلم أنّ الله عزّ وجلّ سائلك عن مثاقيل الذرّ والخردل"، قال: فلمّا وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيسابوريّ وهو الوالي، فاستقبلني على فرسخين من المدينة، فدفعت إليه الكتاب فقبَّله ووضعه على عينيه، ثمّ قال لي: ما حاجتك؟ فقلت: خراج عليّ في ديوانك، قال: فأمر بطرحه عنّي، وقال لي: لا تُؤدِّ خراجاً ما دام لي عمل. ثمّ سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضل، فما أدّيت في عمله خراجاً ما دام حيّاً، ولا قطع عنّي صلته حتّى مات57.

ومن مواساته لإخوانه ما رواه ابن مهران قال: كتب أبو جعفر الثاني عليه السلام إلى رجل: "ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك الله عزّ وجلّ إنّما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة، فأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وربط على قلبك، إنّه قدير، وعجّل الله عليك بالخلف، وأرجو أن يكون الله قد فعل، إن شاء الله تعالى"58.

ومن دعائه لشيعته ما رواه بكر بن صالح قال: كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني صلوات الله عليه: إنّ أبي ناصب خبيث الرأي، وقد لقيت منه شدّة وجهداً، فرأيك- جُعلت فداك- في الدعاء لي، وما ترى، جعلت فداك؟ أفترى أن أكاشفه أم أداريه؟ فكتب عليه السلام: "قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدعُ الدعاء لك إن شاء الله، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر فإنّ العاقبة للمتقين. ثبّتك الله على ولاية من تولّيت، نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا تضيع ودائعه". قال بكر: فعطف الله بقلب أبيه (عليه) حتّى صار لا يخالفه في شيء59.

ومن قول الشعراء فيه عليه السلام، ما عن المغيرة بن محمّد المهلبيّ قال: أنشدني عبد الله بن أيّوب الخرّيتيّ الشاعر وكان انقطاعه إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، يخاطب ابنه أبا جعفر محمّد بن عليّ، بعد وفاة أبيه الرضا عليه السلام:
يَا بْنَ الذَّبِيْحِ وَيَاْ بْنَ أَعْرَاْقِ الثَّرَى        طَاْبَتْ أَرُوْمَتُهُ60 وَطَاْبَ عُرُوْقَا
يَا بْنَ الْوَصِيِّ وَصِيِّ أَفْضَلِ مُرْسَلٍ       أَعْنِيْ النَّبِيَّ الصَّاْدِقَ الْمَصْدُوْقَا
مَاْ لُفَّ فِيْ خِرَقِ الْقَوَاْبِلِ مِثْلُهُ           أَسَدٌ يُلَفُّ مَعَ الْخَرِيْقِ خَرِيْقَا
يَاْ أَيُّهَاْ الْحَبْلُ الْمَتِيْنُ مَتَى أَغِدْ           يَوْماً بِعَقْوَتِهِ61 أَجِدْهُ وَثِيْقَا
أَنَاْ عَاْئِذٌ بِكَ فِيْ الْقِيَاْمَةِ لَاْئِذٌ            أَبْغِي لَدَيْكَ مِنَ النَّجَاْةِ طَرِيْقَا
لَاْ يِسْبِقَنِّيْ فِيْ شَفَاْعَتِكُمْ َغداً            أَحَدٌ فَلَسْتُ بِحُبِّكُمْ مَسْبُوْقَا
62
*جواد الأئمة، سلسلة مجالس العترة، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1 - الشهيد الأوّل: الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة ج 2 ص 14.
2 - المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 216، الشافعيّ الشيخ كمال الدّين بن طلحة: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص 140.
3 - الطبريّ الإماميّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 383.
4 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379.
5 - الطوسيّ: مصباح المتهجّد ص 804- 805.
6 - النيسابوريّ: روضة الواعظين ص 243، ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 380، ونسبه إلى قيل الطبرسيّ في إعلام الورى بأعلام الهدى ص 338، وغيرهم.
7 - المفيد: الإرشاد ج 2 ص 289، ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379، الكليني: الكافي ج 1 ص 492، الطبرسيّ: إعلام الورى بأعلام الهدى ص 329. الشهيد الأوّل: الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة ج 2 ص 14.
8 - الشهيد الأوّل: الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة ج 2 ص 15.
9 - الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 137.
10 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 497، رواه بسنده عن ابن سنان، الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 155، النيسابوريّ: روضة الواعظين ص 243، ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379.
11 - الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 137.
12 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 492، ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379، المفيد: الإرشاد ج 2 ص 289.
13 - الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 64.
14 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 315- 316.
15 - المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 217.
16 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 394.
17 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 322.
18 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 387.
19 - سيأتي في حديث ابن أبي دؤاد القاضي وصفه للإمام عليه السلام بالأسود.
20 - القافّة جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار ويلحق الولد بالوالد.
21 - المسحاة المجرفة من الحديد (كالرفش ونحوه).
22 - أي خليفة بني العبّاس.
23 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 322- 323.
24 - الشافعيّ الشيخ كمال الدّين بن طلحة: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص 140.
25 - المالكيّ ابن الصبّاغ: الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ج 2 ص 1038.
26 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379، وانظر: الطبريّ الإماميّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 396.
27 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 492، المفيد: الإرشاد ج 2 ص 274، وما في بعض المصادر أنّها سكينة، الظاهر أنّه تصحيف.
28 - الإماميّ الطبريّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 396.
29 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379.
30 - الإماميّ الطبريّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 396، ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379.
31 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 492، المفيد: الإرشاد ج 2 ص 273.
32 - ابن منظور: لسان العرب، مادّة نوب.
33 - الأربليّ: كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ج 3 ص 135، الشافعيّ الشيخ كمال الدّين بن طلحة: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص 140، إبنشهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 379.
34 - البغداديّ صفيّ الدّين: مراصد الاطلاع ج 3 ص 1263.
35 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 492، الطوسيّ: تهذيب الأحكام ج 6 ص 90.
36 - المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 216.
37 - المصدر السابق.
38 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 323، وكون المقصود به الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه، وكونّه من ذرّيته، يدلّ عليهما سياق الحديث، فراجع.
39 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 320.
40 - الصفّار: بصائر الدرجات ص 158.
41 - في عيون المعجزات: فلمّا ولدته طاهرة مطهّرة قال الرضا عليه السلام...الخ.
42 - المجلسيّ: بحار الأنوار ج 50 ص 15، عن عيون المعجزات المنسوب إلى الشيخ حسين بن عبد الوهّاب من علماء القرن الخامس الهجريّ، وقيل إنّه للسيّد المرتضى رحمه الله.
43 - المسعوديّ: إثبات الوصيّة ص 217.
44 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 321.
45 - ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 388.
46 - الحسنيّ هاشم معروف: سيرة الأئمّة الإثني عشر ج 2 ص 427.
47 - المجلسيّ: بحار الأنوار ج 49 ص 120.
48 - الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 266.
49 - في بعض المصادر وردت عبارة "كبيراً" بدل "كثيراً"، وفي بعض آخر "كتاباً" أي كان يضع كتاباً كتاباً على عينيه، ولعلّه الأظهر، فلاحظ.
50 - الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي، ج 2 ص 838 الرقم 1073.
51 - الشافعيّ الشيخ كمال الدّين بن طلحة: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص 141.
52 - الذهبيّ تاريخ الإسلام ج 15 ص 385.
53 - الكلينيّ: الكافي ج 4 ص 43.
54 - الشاكريّ الحاج حسين: موسوعة المصطفى والعترة ج 13 ص 146.
55 - المصدر السابق، ص 149.
56 - وهي المعروفة اليوم بسيستان في إيران.
57 - الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 5 ص 111.
58 - المصدر السابق، ج 3 ص 205.
59 - المفيد: الأمالي ص 191.
60 - الأرومة: الأصل.
61 - العقوة: الساحة وما حول الدار.
62 - المجلسيّ: بحار الأنوار ج 49 ص 325.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism