قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾1.
توضيح المعاني:
﴿مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾: كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين.
﴿تُرْهِبُونَ﴾: تخيفون.
﴿يُوَفَّ﴾: الفوز بعظيم الثواب في الآخرة.
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن:"الإعداد" تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من "القوة" في الحرب، كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، وقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم...﴾، أمر عام لجميع الناس بتهيئة القوى الحربية قدر استطاعتهم وما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء الموجودة بالفعل أو المفترض، وفُسِّرت "القوة" في الروايات بالسلاح، والسيف، والترس، والخضاب بالسواد،- (ليظهر بمظهر الشاب الفتي)-، والرمي وذلك من باب بيان أفراد الإعداد2. وعليه: فالقوّة لفظ كلي عام شامل لكافة مظاهر القوة التي تظهرها الأدوات القتالية أو التي يتمتع بها المقاتل واقعاً أو ظاهراً كما يستوحى من الروايات، وهذا يقتضي تعلّم الفنون العسكرية كما أصبح متعارفاً عليه حديثاً في المؤسسات العسكرية3، وامتلاك الأسلحة الحديثة، والخطط الحربية التي تتوافق مع أرض المعركة وجغرافيا الطبيعة... إلخ، وبمعنى آخر: امتلاك كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية4، وهذا يشمل عملية صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطائرات، والمفخخات، وإنشاء المركبات الحربية بأنواعها ومنها الغوَّاصات. ويجب تعلّم الفنون والصناعات ذات الصلة5.
2- أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع:السرّ في توجيه الخطاب للناس في هذه الآية، - بعدما كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية تراعي حقوق الأفراد وتحترم إرادتهم، ومن ضمن الأهداف التي يسعى العدو إلى استهدافها وتحطيمها هي حقوق الأفراد ومنافعهم. ولهذا فعلى الأفراد أن تدافع عن مصالحها، وحقوقها. نعم، هناك جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات، لكونها تحتاج إلى استطاعة مالية كبيرة، وتجهيزات عظيمة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف في التعلم موجه إلى الجميع6.
3- وجوب الدفاع عن الحدود:في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، - وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على حين غرّة، ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجائها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها7.
4- إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل:جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ هي في مقام التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم﴾8، بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد، وتقتل العباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين9.
5- أصالة الصلح في الإسلام:إن تقييد الإعداد بقصد ترهيب الأعداء، دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول: استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم10.
6- وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض):خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه: يجب على المسلمين استعراض قواهم بنحو ما في مقابل العدو11.
7- هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين:اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللهِ﴾ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ﴾، إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية12 والمسلمين13.
8- وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف:يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات في الخطط والبرامج إلى العدو المجهول أيضاً14. وأمّا المقصود من﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ ففيه خلاف، حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة15، وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم16.
9- ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:لمّا كان إعداد العدّة يقتضي تمويل، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه17، فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾، أي ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء18.
10- توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:كلمة "شيء" لها مدلول واسع يشمل الروح، المال، الفكر...19، وهي أعمّ من كلمة "خير" في الآية ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾20، لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال21.
11- الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء:احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ أنها معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ﴾، وبناءً على هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء، فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً22.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً﴾23.
توضيح المعاني:
﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾: إشارة إلى التوزّع على فرق متعدّدة.
﴿انفِرُواْ جَمِيعً﴾: إشارة إلى الخروج دفعة واحدة.
الإشارات والمضامين:
1- ضرورة التيقّظ والاحتياط في مواجهة العدو:أ- الحِذر: ما يحذر به وهو آله الحذر كالسلاح، وربما قيل إنه مصدر ك كـ(الحَذَر)
ب- والنفر: هو السير إلى جهة مقصودة، وأصله الفزع، فالنفر من محل السير فزع عنه، وإلى محل السير فزع إليه.
ج- والثبات: جمع ثبتة وهي الجماعة على تفرقة، فالثبات: بعد الجماعة بحيث تتفصّل ثانية عن أولى، وثالثة عن ثانية، ويؤيد ذلك مقابلة ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً﴾. والتفريع في قوله: ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾ على قوله: ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ يؤكد كون المراد بالحذر أي ما به الحذر، وهو كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد. فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدوا للخروج، واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا، أو اخرجوا إليهم جميعاً عسكراً24.
2- ضرورة الاستعداد القتالي لمواجهة العدو:جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ تدعو إلى التهيّؤ التام للخروج إلى الجهاد، فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدّوا للخروج واخرجوا إلى عدوّكم25. وكلمة "الحذر" أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية، ويشتمل أمر "الحذر" أيضاً على الاستعداد النفسي، والثقافي، والاقتصادي، والإمكانيات البشرية والعسكرية26.
3- وجوب إحداث تشكيلات لإعداد وتعبئة القوى العسكرية:الأمر الإلهي بتعبئة القوى العسكرية، يدلّ على وجوب إحداث تشكيلات وظيفتها إعداد القوى العسكرية وتعبئتها27.
4- وجوب استعداد المقاتلين قبل التوجّه إلى قتال العدو:إن عطف عبارة: ﴿فَانفِرُو﴾ بحرف العطف فاء على جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾، تدلّ على وجوب الاستعداد بداية، ومن ثمّ الخروج لمواجهة العدو28.
5- ضرورة اتخاذ التكتيك والتشكيل المناسب لمواجهة العدو:أحد الدروس المستفادة من الآية، أنّ التهيّؤ والإعداد يختلف باختلاف عدّة العدو وقوّته، فالترديد في قوله ﴿أَوِ انفِرُو﴾ ليس تخييراً في كيفية الخروج، وإنّما الترديد بحسب تشكُّل العدوّ من حيث العدّة والقوّة، أي إذا كان عددهم قليلاً فيجب الخروج إليهم فرقةً فرقةً (سريّةً سريّةً)، وإن كان كثيراً فيكون الخروج إليهم دفعة واحدة29.
توضيح المعاني:
﴿مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾: كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين.
﴿تُرْهِبُونَ﴾: تخيفون.
﴿يُوَفَّ﴾: الفوز بعظيم الثواب في الآخرة.
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن:"الإعداد" تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من "القوة" في الحرب، كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، وقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم...﴾، أمر عام لجميع الناس بتهيئة القوى الحربية قدر استطاعتهم وما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء الموجودة بالفعل أو المفترض، وفُسِّرت "القوة" في الروايات بالسلاح، والسيف، والترس، والخضاب بالسواد،- (ليظهر بمظهر الشاب الفتي)-، والرمي وذلك من باب بيان أفراد الإعداد2. وعليه: فالقوّة لفظ كلي عام شامل لكافة مظاهر القوة التي تظهرها الأدوات القتالية أو التي يتمتع بها المقاتل واقعاً أو ظاهراً كما يستوحى من الروايات، وهذا يقتضي تعلّم الفنون العسكرية كما أصبح متعارفاً عليه حديثاً في المؤسسات العسكرية3، وامتلاك الأسلحة الحديثة، والخطط الحربية التي تتوافق مع أرض المعركة وجغرافيا الطبيعة... إلخ، وبمعنى آخر: امتلاك كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية4، وهذا يشمل عملية صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطائرات، والمفخخات، وإنشاء المركبات الحربية بأنواعها ومنها الغوَّاصات. ويجب تعلّم الفنون والصناعات ذات الصلة5.
2- أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع:السرّ في توجيه الخطاب للناس في هذه الآية، - بعدما كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية تراعي حقوق الأفراد وتحترم إرادتهم، ومن ضمن الأهداف التي يسعى العدو إلى استهدافها وتحطيمها هي حقوق الأفراد ومنافعهم. ولهذا فعلى الأفراد أن تدافع عن مصالحها، وحقوقها. نعم، هناك جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات، لكونها تحتاج إلى استطاعة مالية كبيرة، وتجهيزات عظيمة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف في التعلم موجه إلى الجميع6.
3- وجوب الدفاع عن الحدود:في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، - وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على حين غرّة، ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجائها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها7.
4- إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل:جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ هي في مقام التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم﴾8، بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد، وتقتل العباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين9.
5- أصالة الصلح في الإسلام:إن تقييد الإعداد بقصد ترهيب الأعداء، دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول: استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم10.
6- وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض):خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه: يجب على المسلمين استعراض قواهم بنحو ما في مقابل العدو11.
7- هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين:اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللهِ﴾ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ﴾، إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية12 والمسلمين13.
8- وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف:يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات في الخطط والبرامج إلى العدو المجهول أيضاً14. وأمّا المقصود من﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ ففيه خلاف، حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة15، وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم16.
9- ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:لمّا كان إعداد العدّة يقتضي تمويل، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه17، فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾، أي ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء18.
10- توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل:كلمة "شيء" لها مدلول واسع يشمل الروح، المال، الفكر...19، وهي أعمّ من كلمة "خير" في الآية ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾20، لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال21.
11- الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء:احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ أنها معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ﴾، وبناءً على هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء، فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً22.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً﴾23.
توضيح المعاني:
﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾: إشارة إلى التوزّع على فرق متعدّدة.
﴿انفِرُواْ جَمِيعً﴾: إشارة إلى الخروج دفعة واحدة.
الإشارات والمضامين:
1- ضرورة التيقّظ والاحتياط في مواجهة العدو:أ- الحِذر: ما يحذر به وهو آله الحذر كالسلاح، وربما قيل إنه مصدر ك كـ(الحَذَر)
ب- والنفر: هو السير إلى جهة مقصودة، وأصله الفزع، فالنفر من محل السير فزع عنه، وإلى محل السير فزع إليه.
ج- والثبات: جمع ثبتة وهي الجماعة على تفرقة، فالثبات: بعد الجماعة بحيث تتفصّل ثانية عن أولى، وثالثة عن ثانية، ويؤيد ذلك مقابلة ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعً﴾. والتفريع في قوله: ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾ على قوله: ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ يؤكد كون المراد بالحذر أي ما به الحذر، وهو كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد. فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدوا للخروج، واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا، أو اخرجوا إليهم جميعاً عسكراً24.
2- ضرورة الاستعداد القتالي لمواجهة العدو:جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ تدعو إلى التهيّؤ التام للخروج إلى الجهاد، فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدّوا للخروج واخرجوا إلى عدوّكم25. وكلمة "الحذر" أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية، ويشتمل أمر "الحذر" أيضاً على الاستعداد النفسي، والثقافي، والاقتصادي، والإمكانيات البشرية والعسكرية26.
3- وجوب إحداث تشكيلات لإعداد وتعبئة القوى العسكرية:الأمر الإلهي بتعبئة القوى العسكرية، يدلّ على وجوب إحداث تشكيلات وظيفتها إعداد القوى العسكرية وتعبئتها27.
4- وجوب استعداد المقاتلين قبل التوجّه إلى قتال العدو:إن عطف عبارة: ﴿فَانفِرُو﴾ بحرف العطف فاء على جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾، تدلّ على وجوب الاستعداد بداية، ومن ثمّ الخروج لمواجهة العدو28.
5- ضرورة اتخاذ التكتيك والتشكيل المناسب لمواجهة العدو:أحد الدروس المستفادة من الآية، أنّ التهيّؤ والإعداد يختلف باختلاف عدّة العدو وقوّته، فالترديد في قوله ﴿أَوِ انفِرُو﴾ ليس تخييراً في كيفية الخروج، وإنّما الترديد بحسب تشكُّل العدوّ من حيث العدّة والقوّة، أي إذا كان عددهم قليلاً فيجب الخروج إليهم فرقةً فرقةً (سريّةً سريّةً)، وإن كان كثيراً فيكون الخروج إليهم دفعة واحدة29.
* كتاب آيات الجهاد، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الأنفال، الآية 60.
2- الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 9، ص 114.
3- التفسير الكبير، ج 15، ص 185.
4- تفسير نمونه، ج 7، ص 222 (تفسير الأمثل).
5- تفسير المنار، ج 15، ص 62. بتصرّف.
6- تفسير الميزان ، ج 9، ص 115.
7- تفسير المنار، ج 10، ص 61.
8- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
9- تفسير نمونه، ج7، ص 225 (تفسير الأمثل).
10- تفسير المنار، ج 10، ص 66.
11- تفسير راهنما، ج6، ص 542.
12- تفسير نمونه، ج 7، ص 226 (تفسير الأمثل).
13- تفسير نور، ج 4، ص 368.
14- م. ن، ج 4، ص 368.
15- تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 853.
16- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
17- تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 50.
18- تفسير المنار، ج 10، ص 67.
19- تفسير نمونه، ج7، ص 228-229 (تفسير الأمثل).
20- سورة البقرة، الآية 272.
21- تفسير الميزان، ج 9، ص 117.
22- م. س، ج 7، ص 229 (تفسير الأمثل).
23- سورة النساء، الآية 71.
24- تفسير الميزان، ح 4، ص 416.
25- م. س، ج 4، ص 416.
26- تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).
27- تفسير راهنما، ج 3، ص 463.
28- م. ن، ج 7، ص 463.
29- تفسير الميزان، ج 4، ص 416.
2- الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 9، ص 114.
3- التفسير الكبير، ج 15، ص 185.
4- تفسير نمونه، ج 7، ص 222 (تفسير الأمثل).
5- تفسير المنار، ج 15، ص 62. بتصرّف.
6- تفسير الميزان ، ج 9، ص 115.
7- تفسير المنار، ج 10، ص 61.
8- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
9- تفسير نمونه، ج7، ص 225 (تفسير الأمثل).
10- تفسير المنار، ج 10، ص 66.
11- تفسير راهنما، ج6، ص 542.
12- تفسير نمونه، ج 7، ص 226 (تفسير الأمثل).
13- تفسير نور، ج 4، ص 368.
14- م. ن، ج 4، ص 368.
15- تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 853.
16- تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
17- تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 50.
18- تفسير المنار، ج 10، ص 67.
19- تفسير نمونه، ج7، ص 228-229 (تفسير الأمثل).
20- سورة البقرة، الآية 272.
21- تفسير الميزان، ج 9، ص 117.
22- م. س، ج 7، ص 229 (تفسير الأمثل).
23- سورة النساء، الآية 71.
24- تفسير الميزان، ح 4، ص 416.
25- م. س، ج 4، ص 416.
26- تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).
27- تفسير راهنما، ج 3، ص 463.
28- م. ن، ج 7، ص 463.
29- تفسير الميزان، ج 4، ص 416.