هل تخافون أمريكا
توجهت أنا والشيخ هاشمي وشخص آخر - لا أريد ذكر اسمه الآن - من طهران إلى قم لزيارة الإمام الخميني لنسأله ما الذي نفعله بهؤلاء الجواسيس* بالتالي؟ هل يبقون، أم لا نحتفظ بهم، خصوصاً وأن الحكومة الموقتة أثارت ضجة عجيبة حول ما يجب فعله بخصوصهم!
حين التقينا الإمام وشرح له الإخوة الأوضاع وقالوا إن الإذاعات مثلاً تقول كذا وكذا، وأمريكا تقول كذا، ومسؤولو الحكومة يقولون كذا.. تريث الإمام قليلاً ثم سألنا هذا السؤال الحاسم: «هل تخافون أمريكا؟» قلنا: كلا. قال: احتفظوا بهم إذن!
نعم، يشعر الإنسان أنّ هذا الرجل لا يخشى أبداً هذه العظمة الظاهرية المادية، وهذه القدرة والإمبراطورية المتسلحة بكل شيء. عدم خوفه واستهانته المطلقة بالاقتدار المادي للعدو كان حصيلة اقتداره الشخصي وذكائه. الشجاعة الذكية غير الشجاعة البلهاء الناتجة عن النوم والغفلة. فالطفل مثلاً لا يخاف الإنسان القوي أو الحيوان الخطر، لكن الإنسان القوي أيضاً لا يخاف. بيد أن الأفراد والمجاميع المختلفة قد يخطأون أحياناً في تقييم قدراتهم فلا يرونها.
من كلمة للإمام الخامنئي في لقائه أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام بتاريخ: 17/4/ 1999م
* في الرابع من نوفمبر سنة 1979 ـ 13/ 8/1358ش ـ وإبان الثورة الإسلامية، اقتحم الطلبة الجامعيون السائرون على نهج الإمام السفارة الأمريكية واحتلوها، واحتجزوا 53 جاسوساً أمريكياً وحارساً يعملون تحت غطاء دبلوماسي كرهائن في السفارة لمدة 444 يوماً. فأفشلوا المؤامرات التي كانت تحاك ضد الثورة الإسلامية.
أنسه بالقرآن
عندما جاء الإمام الخميني إلى إيران في سنة 79، التقينا أولاً بسماحته في اليوم الأول من مجيئه، ثم شاهدناه ليلاً حينما جاء إلى مدرسة رفاه، ولكني لم أقترب منه لئلا أزاحمه، حيث كان الجميع ملتفّون حوله ويقبّلونه، فقلت في نفسي أنا شخصياً لا أضايق الإمام على الأقل، وأتشرف بخدمته فيما بعد. وبعد ليلة أو ليلتين مضت من مكوثه في مدرسة علوي، استدعانا الإمام، وطلب مني ومن سائر الإخوة الذين كنا أعضاء في مجلس الثورة الحضور عنده. فدخلت الغرفة في بداية الليل، ووجدت الإمام جالساً يقرأ القرآن. ولكن في أيّ وقت؟ بعد يومين أو ثلاثة أيام من مجيء الإمام، تلك الأيام التي يُفترض أنكم تتذكرونها حيث كان شارع إيران والمناطق المحيطة به تعجّ بالناس والجماهير. وكان الإمام يستضيف الضيوف باستمرار، سواء من عامة الناس أو من الشخصيات البارزة ورجال السياسة والدين، وكذلك أصدقاؤه القدامى ومختلف الشرائح، كانوا يتشرفون بخدمة الإمام، هذا يقترح، وذاك يسأل، وثالث يتحدث بحديث آخر، والإمام في شغل متواصل. وإذا به في بداية الليل وفي خضم هذا الضجيج، حيث كانت له بعد ذلك أيضاً لقاءات أخرى مع أصناف من الناس حتى آخر الليل، في وسط هذه الضوضاء، جلس الإمام بعد صلاتي المغرب والعشاء في غرفة خالية وكأنه في عالم آخر، وفتح القرآن وبدأ بتلاوته. ومعنى ذلك أن الإمام لم يغفل عن تلاوة القرآن حتى يوماً واحداً. فانظروا إلى ما ناله من مرتبة لما في قلبه من أنس ومعرفة بالقرآن.
من كلام للإمام الخامنئي في جلسة تفسير القرآن الكريم بتاريخ: 1982/1/29 م