المقدمة
إن الإيمان بكل الأنبياء، والتصديق بكل رسالاتهم من المعتقدات الضرورية في الإسلام، وأن إنكار أحد الأنبياء أو أحد أحكامه وتعاليمه يعني إنكار الربوبية التشريعية الإلهية، وبمثابة كفر إبليس. ومن هنا، فبعد إثبات رسالة الإسلام، يلزم الإيمان به، والإيمان بكل الآيات النازلة عليه، وبجميع الأحكام والتعاليم التي جاء بها من الله تعالى. ولكن الإيمان بكل نبي، وبكتابه السماوي، لا يستلزم لزوم العمل وفق شريعته. فالملاحظ أن المسلمين يؤمنون بكل الأنبياء العظام عليهم السلام وجميع الكتب السماوية، ولكن لا يمكنهم ولا يجوز لهم العمل بالشرائع السابقة. ومن الواضح أن الوظيفة العملية لكل أمة هي: العمل بتعاليم النبي المرسل لتلك الامة، إذن، فلزوم عمل الناس جميعاً بالشريعة الإسلامية انما يثبت فيما لو لم تختص رسالة نبي الإسلام بقوم (كالعرب)، وكذلك فيما لو لم يبعث نبي آخر بعده ينسخ شريعته، وبعبارة أخرى: إن الإسلام دين عالمي وخالد. ومن هنا، يلزم علينا البحث في هذه المسألة: هل إن رسالة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله عالمية وخالدة؟ أم أنها تختص بقوم أو زمان معين؟ ومن الواضح أنه لا يمكن دراسة هذه المسألة بالمنهج العقلي البحت، بل لا بد من الإعتماد على منهج البحث في دراسة العلوم النقلية والتاريخية، اي لا بد من مراجعة المستندات والمصادر المعتبرة، ومن ثبت عنده أن القرآن الكريم على حق، وثبت عنه نبوة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وعصمته، فليس هناك أي مصدر آخر أكثر إعتباراً لديه من الكتاب والسنة. عالمية الإسلام إن عالمية الدين الإسلامي، وعدم إختصاصه وتحديده بقوم أو منطقة معينة، من ضروريات هذا الدين الإلهي، وحتى غير معتنقيه يعلمون بأن الدعوة الإسلامية عامة شاملة، وغير محددة بمنطقة جغرافية معينة. إضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الشواهد والدلائل التاريخية التي تدل على أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قد بعث الرسائل لرؤساء وملوك الدول القائمة آنذاك، أمثال قيصر الروم، وشاه إيران، وحكام مصر والشام والحبشة، ورؤساء القبائل العربية المختلفة. وأرسل لكل واحد منهم رسولا خاصا، ودعاهم جميعا لاعتناق هذا الدين المقدس، وحذرهم من مغبة الكفر والمساوئ المترتبة على إمتناعهم عن إعتناق الإسلام1، ولو لم يكن الدين الإسلامي، عالميا لما تحقق مثل هذه الدعوة الشاملة، ولكان هناك عذر ومسوغ لسائر الأقوام والأمم عن عدم إعتناقه. إذن فلا يمكن التفكيك بين الإيمان بأن الإسلام على حق، وضرورة العمل وفق هذه الشريعة الإلهية، ولا يستثني أي أحد عن الإلتزام العملي بهذا الدين الإلهي. الأدلة القرآنية على عالمية الإسلام إن القرآن الكريم هو أفضل الأدلة وأكثر المصادر إعتبارا على هذه الحقيقة، وهو المصدر المعتبر والحجة المعتبرة لكل الناس. ومن ألقى نظرة ولو كانت عابرة على هذا الكتاب الإلهي يدرك بكل وضوح عمومية دعوته، وعدم اختصاصها بقوم، أو عنصر، أو لسان. ومنها: أنه يخاطب الناس جميعا في آيات كثيرة: (يا أيها الناس)1 أو (يا بني آدم)2 ويرى هدايته شاملة لجميع البشر (الناس)3 و(العالمين)4، وقد جعل رسالة النبي الأكرم موجهة لجميع الناس (الناس)5و(العالمين)6. وقد أكد في احدى آياته شمول دعوته لكل من إطلع عليها7 ومن جانب آخر يخاطب معاتبا. أتباع الأديان الأخرى بـ(هل الكتاب)8، ويثبت رسالة النبي صلى الله عليه وآله في حقهم، ويرى الهدف من نزول القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وآله هو إعلاء الإسلام وإظهاره على سائر الأديان9. ومع التأمل في هذه الآيات، لا يبقى أي شك في عمومية الدعوة القرآنية وعالمية الدين الاسلامي المقدس. خلود الإسلام كما أن الآيات المذكورة تثبت عمومية الإسلام وعالميته، من خلال استعمال الألفاظ العامة أمثال (بني آدم، والناس، والعالمين)، وتوجيه الخطاب للامم الأخرى من غير العرب، وأتباع الأديان الأخرى أمثال (يا أهل الكتاب)، فهي كذلك ومن خلال الإطلاق الزماني تنفي أي تحديد وتقييد له بزمان معين، وخاصة هذا التعبير (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه)10، حيث لا يبقى معه شك في هذا المجال. ويمكن الإستدلال على هذه الحقيقة أيضا بالآيتين (41) و(42) من سورة فصلت: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَاب عَزِيز، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيل مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). حيث تدل على أن القرآن الكريم لن يفقد صحته واعتباره أبدا. كما أن الأدلة التي تثبت ختم النبوة بنبي الإسلام تبطل كل ما يتوهم عن نسخ هذا الدين الإلهي، بواسطة نبي آخر أو شريعة أخرى. وقد وردت روايات كثيرة تتضمن هذه الفكرة: "حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة"11. اضافة إلى أن خلود الاسلام كعالميته من ضروريات هذا الدين الإلهي، ولا يحتاج إلى دليل آخر غير الادلة التي تثبت أن الإسلام على حق. معالجة بعض الشبهات إن أعداء الاسلام الذين بذلوا كل جهودهم في الوقوف بوجه هذا الدين الإلهي، والمنع من إنتشاره وإتساعه، حاولوا من خلال طرح بعض الشبهات أن يثبتوا أن الدين الإسلامي إنما نزل للجزيرة العربية فحسب، وليست رسالته شاملة لسائر الناس! وقد تمسكوا ببعض الآيات التي تدل أن النبي صلى الله عليه وآله إنما كان مأمورا بهداية عشيرته وأقربائه، أو أهل مكة وما يحاذيها ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(الشعراء:214)12. وكذلك الآية (69) من سورة المائدة فإنها بعد أن أشارت لليهود والصابئين والنصارى إعتبرت محور السعادة في الإيمان والعمل الصالح، ولم تتطرق إلى تأثير إعتناق الدين الإسلامي في السعادة. وإضافة لذلك، فإن الفقه الاسلامي لم يعتبر أهل الكتاب بمستوى المشتركين، بل يرى أنهم لو دفعوا الجزية (وهي بدل الخمس والزكاة المفروضين على المسلمين) فلهم الأمان في ظل الدولة الإسلامية، ويمكنهم العمل بأحكام شريعتهم، وهذا دليل على إعتبار سائر الأديان. ونقول في الجواب: ان الآيات تذكر عشيرة النبي صلى الله عليه وآله أو أهل مكة، إنما هي في مجال بيان مراحل الدعوة، حيث تبدأ من عشيرته الأقربين، وبعد ذلك تمتد لسائر أهل مكة وما يحاذيها، ثم تأخذ بالإتساع لسائر البشر في العالم، ولا يمكن لهذه الآيات أن تكون مخصصة للآيات الدالة على عالمية رسالة النبي صلى الله عليه وآله، وذلك لإنه بالاضافة إلى أن شكل التعبير في هذه الآيات ولحنها يأبى عن التخصيص فإن مثل هذا التخصيص يلزم منه تخصيص الأكثر وهو مستهجن عند العقلاء. وأما الآية المذكور في سورة المائدة، فهي في مجال بيان هذه الحقيقة، بأن مجرد الإنتساب لهذا الدين أو ذاك لا يكفي لغرض الوصول للسعادة الحقيقية، بل إن عامل السعادة هو الإيمان الواقعي والعمل بالوظائف التي شرعها الله تعالى لعباده. ووفق الأدلة التي تثبت عالمية الإسلام وخلوده فإن وظيفة الناس جميعا بعد ظهور نبي الإسلام هي العمل بأحكام هذا الدين وتشريعاته. وأما الميزة التي تميز أهل الكتاب عن سائر الكفار في الدين الإسلامي فلا تعني إعفاءهم عن إعتناق الإسلام والعمل بأحكامه، بل إنه في واقعه ارفاق دنيوي في حقهم لبعض المصالح، وفي رأي الشيعة إن هذا الإرفاق مؤقت، سيعلن عن الحكم النهائي في حقهم، في زمان ظهور ولي العصر عجل الله فرجه وسيكون الموقف منهم كالموقف من سائر الكفار، ويمكن إستفادة هذا المعنى من قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه﴾. *دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص165-170
1- البقرة:21، والنساء:1-174، وفاطر:15.
2- الاعراف:26-27-28-31-35، ويس:60. 3- البقرة:185-187، وآل عمران:138، وابراهيم:1-52، والجاثية:20، والزمر:41، والنحل:44، والكهف:54، والحشر:21. 4- الانعام:90، ويوسف:104، وص:87، والتكوير:27، والقلم:52. 5- النساء:79، والحج:49، وسبأ:28. 6- الأنبياء:107، والفرقان:1. 7- الأنبياء:107، والفرقان:1. 8- آل عمران:65، و70 و71 و98 و99 و110، والمائدة:19. 9- التوبة:33، والفتح:28، والصف:9. 10- البقرة: 21، والنساء: 1، 174، وفاطر: 15. 11- الكافي، ج1، ص 58، وج2، ص17، والبحار، ج2، ص 260، وج 24، ص 288، ووسائل الشيعة، ج 18، ص 124. 12- وأيضاً: الانعام:92، والشورى:7، والسجدة:3، والقصص:46، ويس:5-6. |
الأربعاء، 28 أكتوبر 2015
القسم المتوفر فيها الموظوع :
دراسات والمقالات
عالمية الإسلام وخلوده
بواسطة:أدمن
6:53 م