لم يعد مستغربا سماع أنباء القتل والحرب والدمار في كافة أصقاع البلاد الاسلامية. قتل ممنهج وحروب طائفية وأثنية مدروسة الأهداف. ودمار وتخريب يصب في مصلحة لجهة واحدة. ومن هذه البلاد نيجيريا وهي تعيش منذ سنوات حربا واقتتالا داخليا بتغذية خارجية ممنهجة من آخر فصولها ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية من استهداف للحركة الاسلامية في مدينة "زاريا" القريبة من "كانو" شمالي البلاد.
حيث قام الجيش النيجيري يوم السبت بمهاجمة حسينية "بقية الله" التابعة للحركة الاسلامية بقيادة الشيخ "ابراهيم الزكزاكي" دون سابق إنذار، مما أسفر عن استشهاد العشرات من بينهم إبن الشيخ وزوجته ومساعده وطبيبه الخاص، وأنباء عن اعتقال الشيخ الزكزكي ايضا. وقد لقت الحادثة أصداء واسعة في نيجيريا، حيث حصلت مظاهرات في أكثر من مدينة تنديدا بالعدوان من قبل الجيش النيجيري. أما الاعلام النيجيري والغربي فقد اعتبر الحادثة ناتجة عن محاولة أنصار الشيخ الزكزكي إغتيال رئيس أركان الجيش في مدينة زاريا النيجيرية.
وللوقوف على الأسباب والدوافع الحقيقية لهذه الحادثة لا بد من الغوص في العلاقة التي تربط الشيخ الزكزاكي بالحكومة والأجهزة الأمنية النيجيرية بالاضافة الى اطلالة على السياسات المريبة التي تعتمدها الحكومة النيجيرية وأجهزتها الأمنية.
الواقع النيجيري.. فساد سياسي ومالي لصالح النخبة الحاكمة
رغم المقدرات والثروات الطبيعية التي تمتلكها نيجيريا، الا أن الفساد السياسي والمالي جعل هذه المقدرات بيد النخب الحاكمة مقابل معانات معظم سكان البلاد المقدرون ب 170 مليون نسمة. وهذه المسألة من أشد الأمور الخلافية بين الدولة والحركة الاسلامية في نيجيريا التي يرأسها الشيخ الزكزكي والذي لطالما انتقد الدولة على الفساد المستشري وعلى سياسة اذكاء الفتن الطائفية فيما بين المسلمين والمسيحيين بغية إحكام السيطرة على مقدرات الشعب من خلال اشغاله بصراعات طائفية لا طائل منها. وهذه المسألة جعلت من الشيخ الزكزاكي عدوا لدودا للفاسدين من الحكام بالاضافة الى كبار قيادات الجيش والقوى الأمنية الضالعين في عمليات الفساد المالي.
العلاقات المميزة مع الكيان الاسرائيلي
تربط نيجيريا بالكيان الاسرائيلي علاقات يمكن وصفها بالمميزة لناحية التنسيق الأمني العالي المستوى والمساعدات التي يقدمها الكيان الاسرائيلي لنيجيريا. وقد ظهرت آثار هذه العلاقات المميزة من خلال القرار النيجيري بالامتناع عن التصويت لصالح القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، والذي يجبر الكيان الاسرائيلي على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 م، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها "القدس".
ومن الجدير ذكره أن الشيخ "الزكزاكي" لطالما وجه انتقادات شديدة اللهجة للحكومة النيجيرية بسبب العلاقات مع "اسرائيل" وتبادل المعلومات فيما بينهم. وهذا أدى الى سخط كبير عليه من قبل الحكومة والأجهزة الأمنية النيجيرية. وخلال العام الماضي، تعرضت مسيرة لأنصار الحركة الاسلامية في يوم القدس العالمي لنيران القوات الأمنية النيجيرية التي طاردت المتظاهرين، وأطلقت عليهم الرصاص الحي، مما أسفر عن وقوع 33 شهيد، بينهم ثلاثة من بناء الشيخ الزكزاكي بالاضافة الى إصابة العشرات.
الحرب على "بوكو حرام"
أما بالنسبة الى الحرب الدائرة بين الحكومة النيجيرية ومنظمة "بوكو حرام" الارهابية التي أعلنت مؤخرا مبايعتها لتنظيم "داعش" الارهابي، فيتهم الشيخ الزكزكي قيادات في الجيش والقوى الأمنية النيجيرية بالتواطؤ مع المنظمة الارهابية. تواطؤ ممنهج لتمرير مصالح تصب بصالح السلطة الحاكمة، حيث يبرز تواطؤ مع الارهابيين في كثير من الأحيان فلا تحرك الدولة ساكنا خاصة في حال شنت المنظمة الارهابية هجوما على أنصار "الحركة الاسلامية".
ختاما بعد ما ورد من معطيات تتضح خلفيات و حقيقة الهجوم المدبر الذي وقع، حيث لا يمكن اعتباره خارجا عن سياق الارهاب الذي يسعى إلى وأد الحركات الاسلامية الحرة في كل أنحاء العالم بما في ذلك نيجيريا و ترهيبها بكافة الأساليب. واذا ما قمنا بربط مجريات الأمور ببعضها البعض ندرك أن الأيدي الخفية التي تسعى لهدم الاسلام الأصيل على حساب الحركات الطارئة التي لا تمت الى الاسلام والمسلمين بصلة هي نفسها التي تلعب داخل نيجيريا وأفريقيا بشكل عام وتغذي الحركات والحكومات الحاقدة على إسلامنا. والهدف هو نفسه الذي تسعى اليه في البلاد العربية والاسلامية الأخرى وهو نشر الفوضى والخراب كما يحصل اليوم في سوريا والعراق. بالاضافة الى وسم الاسلام بصبغة الارهاب في أذهان الرأي العام العالمي والغربي بشكل خاص، خوفا من انتشار هذا الدين في مجتمعاتهم المتعطشة الى الروحانية والتفلت من قيود المادية.