أَولى الإسلام اهتماماً كبيراً للتدريب القتالي للمجاهدين في سبيل الله حتى ورد أن نفس خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله كان يباشر تدريب المسلمين على القتال. إلا أنه أولى اهتماماً اكبر بالجانب المعنوي للمجاهدين معتبراً إياه العصب الأساس في تحقيق النصر الإلهي.
إن الروح المعنوية لا تنبعث مع بداية الحرب والقتال بل ينبغي أن تواكب المجاهد في جميع مراحل التربية والتنشئة الاجتماعية وهذا ما عملت عليه تعاليم الإسلام الحنيف من خلال إنبات وغرس قيم تمثل الأساس في تلك الروح، ومن تلك القيم:
(1) توحيد الله وعبادته: فقد كان الشعار المستمر لرسالات الله تعالى هو الدعوة لعبادة الله الواحد، يقول تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾. (سورة الأنبياء، الآية: 25)
(2) عدم الاغترار بالدنيا: فقد قال تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ...﴾(سورة النجم، الآيتان: 28-29). وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الدنيا حُلم، والاغترار بها ندم". (ميزان الحكمة،محمد الريشهري،ج2،ص895)
(3) الإيمان بوعد الله في الآخرة: فقد وعد الله تعالى المجاهدين في سبيله بمضاعفة الأجر والثواب في حياة حقيقية عبر عنها بأنها الحيوان ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(سورة العنكبوت، شطر من الآية: 64) وأن الله تعالى يُسعد المؤمنين فيها بحياة طبية، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾(سورة النحل، شطر من الآية: 97)، وان هذه الحياة سوف تكون في أبهى حُلّة وأجمل صورة وأهنأ معيشة للذين يقاتلون في سبيل الله فينتصرون أو يستشهدون قال تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً﴾. (سورة النساء، الآية: 74)
(4) الانتساب إلى الله تعالى: فقد اعتبر الله المجاهدين في سبيله هم جندٌ له فنسبهم سبحانه إليه قائلاً: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾.(سورة الصافات، الآيات: 171-172-173)
(5) عدم الخوف من غير الله: فقد رسم القرآن الكريم صورة المجاهد في سبيل الله بأنه لا يخاف من غير ربِّه فقال تعالى: ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ﴾( سورة المائدة، شطر من الآية: 54)، وقال تعالى: ﴿فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين﴾. ( سورة آل عمران، شطر من الآية: 175)
(6) النزاهة من المفاخرة وحب الظهور: المجاهد لا يستحق الجنة ولا شمَّ ريحها إلا إذا كان جهاده خالصاً لوجه الله تعالى من أجل اعلاء كلمته عز وجل قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾(سورة النجم، شطر من الآية: 32)، وعن الإمام علي عليه السلام: "أيها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة،وعرِّجوا عن طريق المفاخرة وضعوا تيجان المفاخرة..". (بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج28،ص 233)
(7) إنكار الذات: فقد حثَّ الإسلام على إنكار الذات و أوضح أن العمل الصالح هو ما أدّاه صاحبه ابتغاء وجه الله تعالى قال عز وجل: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً﴾. (سورة الكهف، شطر من الآية: 110)
(8) الشعور بعزة الانتماء: فالمجاهد يفتخر بكونه جندياً في جيش الإسلام يمِّهد لدولة الله تعالى في عهد صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. يقول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.(سورة المنافقون، شطر من الآية: 8)
(9) غلبة حب الله على حب الآخرين: فقد اعتبر الله تعالى حبَّه وحب رسوله وحبَّ الجهاد في سبيله يجب أن يزيد في قلب المؤمن على حبِّ الأهل والأموال. قال تعالى: ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾. (سورة التوبة، الآية: 24)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين