صفات المؤمن
الإيمان هو توجّه القلب نحو الله عزّ وجلّ والخضوع له بعد ما عرفه العقل وصدّق به. فالتّصديق العقليّ بالله عزّ وجلّ غير كافٍ بمفرده ليكون الإنسان مؤمناً. فإذا وصل بعض النّاس إلى معرفة الله بعقولهم، ولكنّهم لم يترجموا هذه المعرفة إلى خضوع له تعالى في القلب، فإنّ معرفتهم له تعالى على هذا النّحو تبقى سطحيّة، ودون الغاية المطلوبة، بل ربّما تكون وبالاً عليهم يوم القيامة. وعليه، فالإنسان المؤمن هو الذي يتدرّج في معرفة الله عزّ وجلّ، فيعرفه بعقله، ثمّ يثبّت هذه المعرفة على لوح قلبه، لتترجم خضوعاً وطاعة تامّة لجوارحه وحواسّه في محضر ربّه الشّاهد والرّقيب على أعماله. ومن هذا المنطلق، على كلّ واحد منّا السعي للخروج من هذه الدّنيا بإيمان ينجيه يوم القيامة من العذاب، لأنّ الإيمان الصّحيح هو الذي ينفع في تلك الدّار. لذلك يقول تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾1. والقلب السّليم هو ذلك القلب المؤمن والخاضع للباري تعالى. ولكون الإيمان يشكّل مفصلاً أساسيّاً في حياة الإنسان جعل له الإسلام علامات، من خلالها يستطيع كلّ واحد منّا أن يستكشف وجوده في قلبه، وأن يعرف أيضاً درجته في مراتب الإيمان. ولأنّ الإيمان على مراتب ودرجات، ينال كلّ واحد منّا حظّه في الآخرة بحسب مرتبته فيه. وأهمّ علامتين على الإيمان: ملازمة التّقوى والعمل الصّالح. فهذان الأمران لا يمكن أن ينفكّا عن الإيمان الحقيقيّ، وبالتالي من يرتكب المعاصي ويترك القيام بواجباته الدينيّة فليعلم أنّه لا إيمان له. وهذا ما أكّدته الرّوايات. فعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله : ما الإيمان؟ فجمع لي الجواب في كلمتين فقال: "الإيمان بالله أن لا تعصي الله"2. وعنه قال: "قال رسول الله: الإيمان قول وعمل، أخوان شريكان"3. وعن أمير المؤمنين ، قال: قال رسول الله: "الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان"4. ومن كانت هذه حاله ستظهر عليه علامات أخرى تفصيليّة تابعة للعلامتين الأساسيّتين اللّتين ذكرناهما، منها: ما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾5. ومنها ما في قول الإمام الصّادق: "من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن"6. وما في قوله أيضاً: "المؤمن من طاب مكسبه، وحسنت خليقته، وصحّت سريرته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، وكفى النّاس شرّه، وأنصف النّاس من نفسه"7. الغوايات والإغراءات من حولناما يؤسف له أنّ الإيمان في مجتمعاتنا صار عنواناً خاوياً من مضمونه، فنجد الكثير من النّاس يفتخرون بانتسابهم لأهل البيت ، ومع ذلك لا يتورّعون عن الكذب والغيبة والتّهاون بالواجبات واقتراف المحرّمات، لاعتقادهم بأنّ هذا الانتساب يمكن أن ينجيهم يوم القيامة. مع أنّ هذا الاعتقاد مخالف لكثير من النّصوص الصّريحة، الّتي تدلّ على أنّ الاعتقاد بمفرده لا يكفي، وأنّه يجب أن يقترن بالإيمان والتّقوى لينجو الإنسان من العقاب. بل إنّ بعض النّصوص يحدّد بعض الصّفات للشيعيّ الحقيقيّ، فمثلاً، قال أبو عبد الله: "إنّما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر"8. لذا يترتّب على الإنسان الّذي يريد أن يحافظ على إيمانه مسؤوليّات كبيرة، خصوصاً في ظلّ انتشار المحرّمات من حوله وسهولة الوصول إليها، عبر التلفاز والانترنت وغيرهما من وسائل الاتّصال. وعليه أن يتّخذ الإجراءات المناسبة حتّى لا ينجرّ إلى الحرام. وفي حال زلّت قدمه عليه أن يتراجع ويتوب فوراً ويعالج الخلل الذي جعله يرتكب العمل المحرّم. فمثلاً إذا كان العمل المحرّم الذي ارتكبه هو مشاهدة المشاهد الإباحية عبر التلفاز، فعليه التخلّص من القنوات أو الأقراص التي تحوي تلك المشاهد، ثمّ يتوب لربّه ويدعوه لأنْ يوفّقه للتحرّز عن مثل هذه المحرّمات. إستنتاج - الإيمان هو توجه القلب نحو الله عزّ وجلّ والخضوع له. -لا تكفي المعرفة القلبيّة ليكون الإنسان مؤمناً، فعلى القلب أن ينال حظه من التوجه نحو الله عزّ وجلّ، ليدخل الإنسان في سلك الإيمان. -أهم علامتين على الإيمان: التقوى والعمل الصلح، ومنهما تتفرّع العلامات التفصيليّة على الإيمان. كيف نقاوم الإغراءات؟ على الإنسان أن يستنفر كلّ طاقاته وإمكاناته، ليعيش حياة ملؤها الإيمان والطّاعة لله عزّ وجلّ. والوصول إلى هذه الغاية يتطلّب عدّة خطوات ـ الخطوة الأولى: الخروج من نوم الغفلة، بمعنى أن يتنبّه الإنسان إلى أنّه قابع في سلك الغافلين عن الله والآخرة، وأنّه يجب أن يستيقظ ويعود إلى ربّه تائباً إليه من تقصيره وغفلته. وهذا الالتفات مهمّ جدّاً، ومن دونه لا يمكن للإنسان أن يخطو خطوة واحدة نحو إصلاح نفسه وحياته. ومن الأمور التي تساعد الإنسان على الخروج من غفلته، كثرة التفكّر في حاله وفي حال الدّنيا ومآل النّاس فيها. وأنّه يجب أن يتزوّد للآخرة لأنّ الموت قد يأتي بغتة ولا يمهله. إنّ جعل التفكر مثل الورد اليوميّ علاج ناجع للغفلة عن الله عزّ وجلّ والآخرة. أيضاً من الأمور التي تساعد على الخروج من الغفلة، زيارة المقابر وقراءة روايات ونصوص الموت والآخرة. فتذكّر الموت والعيش ضمن أجوائه يكبح جماح الشهوة والغريزة، ويضيء في القلب شعلة تذكّر الآخرة والسعي للتزوّد لها. ـ الخطوة الثّانية: مراقبة النّفس في أقوالها وأفعالها وخواطرها، فهذه النّفس أمّارة بالسّوء، وتركها من دون مراقبة ومحاسبة يجعلها بين الحين والآخر تخرج عن حدودها، وتطغى على ربّها وخالقها. نفس الإنسان كالشّجرة في البستان. فالشّجرة حتّى تثمر ولا تتعرّض للضّرر والتلف يجب على البستانيّ أن يراقبها ويرعاها ويسقيها ويحميها من الحشرات والآفات الضارّة. وهذه النّفس أيضاً تحتاج إلى أن يغذّيها الإنسان بالعبادة والطّاعة، وأن يبعد عنها آفّات المعاصي، حتّى تثمر في النهاية روحاً طاهرة وقلباً سليماً. ـ الخطوة الثّالثة: مصاحبة الصّالحين: فالصّحبة معدية، والإنسان يجذب أغلب صفات وطباع صاحبه، ولذلك ورد عن الرسول: "المرء على دين خليله وقرينه". ـ الخطوة الرّابعة: ملء أوقات الفراغ بأعمال ونشاطات مفيدة، فوقت الفراغ خطير جدّاً، والشّيطان يتسلل من خلاله ليوجّه الإنسان نحو المعاصي والشّهوات، ولذلك، إذا استطاع الإنسان أن يرتّب حياته على قاعدة ملء أوقات الفراغ، فإنّه بذلك يسدّ على الشّيطان أهمّ المنافذ التي يتسلّل من خلالها إلى فكر وخيال الإنسان. ـ الخطوة الخامسة: الطّلب من الله عزّ وجلّ والتوسّل إليه، ليحفظه على خطّ الإيمان واليقظة، وأن يبعد عنه طريق المعصية والخذلان. إستنتاج - مقاومة الإغراءات تكون بالخروج من نوم الغفلة ومراقبة النفس في أقوالها وأفعالها،ومصاحبة الصالحين،وملأ أوقات الفراغ بالمفيد،وطلب التوفيق من الله عزّ وجلّ للبقاء على خطّ الإيمان. *'طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الشعراء: 88 ـــ 89.
2-الأمالي، الطوسي، ص 139. 3- بحار الأنوار، المجلسي، ج66، ص66. 4-نهج البلاغة، ج4، ص50. 5- الأنفال: 2. 6- الخصال، الصدوق، ص47. 7-م. ن، ص352. 8- صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، ص 11. 9-الكافي، الكليني، ج 2، ص 375. |
الجمعة، 11 سبتمبر 2015
القسم المتوفر فيها الموظوع :
أخلاقيات الولائي
هكذا يكون المؤمن
بواسطة:أدمن
11:18 م