اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

السبت، 23 يناير 2016

القسم المتوفر فيها الموظوع :

وصايا للثوار من وحي التجربة


خطبتا صلاة الجمعة التي أقيمت بإمامة الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي=
على أعتاب الذكرى 32 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران

المكان: طهران.
الحضور: جموع غفيرة من المصلّين.
المناسبة: صلاة الجمعة العبادية السياسية
الزمان: 30/2/1432ﻫ.ق 15/11/1389ﻫ.ش 4/2/2011م
الخطبة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه، حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرمين سيما بقية الله في الأرضين، ونصلّي ونسلّم على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أوصيكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء والمصلّين الكرام ونفسي بمراعاة تقوى الله. اليوم يوم استشهاد أبي الحسن علي بن موسى الرضا ×. وفي الأيام الماضية أحيى شعبنا ذكرى رحيل نبيّ الإسلام المكرّم المعظّم سيدنا محمد بن عبد الله | وذكرى الاستشهاد المفجع لسبطه الأكبر الإمام المجتبى ×. أعزيكم أيها المؤمنون المصلّون وكل الشعب الإيراني وكافة الشيعة وجميع مسلمي العالم بهذه المصائب الكبرى والأحداث التاريخية‌ المفجعة الأليمة.
قال الله تعالى لنبيّه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ}([1]). فالتقوى وضرورة التقوى ومراعاة التقوى يُخاطب بها حتى الوجود المقدّس للرسول الأكرم |. لنتذكّر الله ولا ننساه، ولنراقب أعمالنا وسلوكنا وأقوالنا وحتى أفكارنا وتصوّراتنا. هذا هو معنى التقوى. إذا تحقّق هذا فسوف تنفتح كل الطرق المغلقة، وسيعين الله تعالى الشعب الملتزم بالتقوى في كل المراحل والأطوار.
لعشرة الفجر والثاني والعشرين من بهمن لهذا العام أجواء وحماس مختلف؛ فالشعب يشاهد بعد أعوام من الجهاد أن صدى صوته وهتافه المظلوم والمقتدر يُسمع اليوم بقوة وقدرة في مناطق أخرى من العالم الإسلامي.
للأحداث الجارية في شمال أفريقيا حالياً، في مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى معنى آخر بالنسبة لنا نحن الشعب الإيراني.. لها معنى خاص. هذا هو الشيء الذي كان يطرح دوماً باعتباره صحوة إسلامية بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية الكبرى للشعب الإيراني، وهو يفصح عن نفسه اليوم، لذا فإن عشرة الفجر هذه مهمة.
سأذكر في الخطبة الأولى اليوم أموراً حول ثورتنا، وفي الخطبة الثانية سأتطرّق بعض الشيء لقضايا مصر وتونس، ثم أستأذنكم أيها المصلّون المحترمون لأوجّه خطبة باللغة العربية للمسلمين العرب في كل المنطقة إن شاء الله.
ما أريد أن أقوله حول ثورتنا.. هذا الحدث العظيم للشعب الإيراني - وهو مصدر دروس وعبر لنا - هو أوّلاً صورة لواقع العالم، حتى نرى ماذا كان يريد المستكبرون والمستعمرون والعتاة والقوى المهيمنة‌ في العالم، وماذا حصل. ما الذي تابعوه وما الذي وقع على الصعيد العملي. ثم أذكر خصوصيتين من خصوصيات الثورة تتعلّق بفترتنا هذه.
بخصوص الشطر الأول المتعلّق بصورة‌ الواقع الراهن، ومقارنته بالشيء الذي أراده عتاة وطغاة العالم، أقول إن المنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهم بعض البلدان الأوربية وأمريكا، كانت لهم سياسة ثـابتة لمنطقة الشرق
الأوسط المهمة. فهذه المنطقة مهمة استراتيجياً حيث هي نقطة اتصال آسيا وأوربا وأفريقيا، ومن حيث كونها أحد أكبر مخازن النفط في العالم، والنفط هو شريان حياة كل القوى الصناعية المتسلّطة على العالم، ومن حيث شعوب المنطقة حيث فيها شعوب عريقة ومتجذّرة وذات سوابق تاريخية. لذلك رسموا لهذه المنطقة سياسة معيّنة، وكانت هذه السياسة عبارة عن أنه يجب أن تكون في هذه المنطقة بلدان ووحدات سياسية‌ لها هذه الخصوصيات: أوّلاً يجب أن تكون ضعيفة، وثانياً يجب أن تكون معادية لبعضها البعض ومتعارضة وغير مجتمعة ولا تستطيع الاتحاد، لذلك لاحظتم سياسة ‌تقوية القومية ‌العربية‌ والقومية التركية والقومية الإيرانية تتابع طوال الأعوام المتمادية. وثالثاً يجب أن يكون حكام هذه البلدان عملاء ومطيعين وخاضعين للقوى الغربية من الناحية ‌السياسية. ورابعاً يجب أن تكون هذه البلدان من الناحية‌ الاقتصادية مستهلكة، بمعنى أن تنفق أموال النفط الذي ينتزع بالمجان تقريباً من أيديهم للاستيراد والاستهلاك حتى تزدهر المصانع الغربية. وخامساً يجب أن تكون متخلفة‌ من الناحية‌ العلمية، ولا يسمح لها بالتقدم علمياً. وهذه النقاط التي أذكرها إنما هي رؤوس نقـاط،
ويمكن حقاً تأليف كتب وذكر تفاصيل كثيرة لكل واحدة منها. كيف حالوا في بلدنا إيران وفي بعض البلدان الأخرى دون تنمية العلوم وتعميقها، وكيف أرادوا أن تكون شعوب هذه المنطقة من الناحية الثقافية مقلدة محضة للأوربيين، وتكون من الناحية العسكرية ذليلة وضعيفة وهشة، وتكون من الناحية ‌الأخلاقية فاسدة ومنحطة بمختلف الأشكال، ومن الناحية الدينية ‌سطحية تماماً وقانعة بنوع من التديّن الفردي وربما الشكلي. هذه هي الصورة التي رسموها لأنفسهم عن هذه المنطقة، ووضعوا سياساتهم على هذا الأساس. ربما اجتمع الخبراء الاستراتيجيون الغربيون آلاف الساعات، ودرسوا هذه القضايا وفكّروا ووضعوا البرامج، وعيّنوا عناصرهم هنا في بلدان هذه المنطقة، ونفّذوا الأمور والأعمال بواسطتهم. وفق هذا التحليل يمكن إدراك سلوك رضا خان وسلوك محمد رضا بصورة ‌صحيحة، ويمكن كذلك إدراك ما قام به مصطفى كمال في تركيا، وآخرون وآخرون. هذه كانت برامجهم وخططهم.
وقد نجحوا.. نجحوا في ذلك قبل انتصار الثورة ‌الإسلامية‌ باستثناء فترات قصيرة ‌من الزمن وفي بعض المسائل. باستثناء فترات قصيرة.. في مصر مثلاً باستثناء عدة سنوات تولّت فيها الأمور حكومة‌ وطنية، وفي إيران بشكل‌ آخر، وفي أماكن أخرى بأشكال أخرى، ولكن على العموم، وحين ننظر للأمور على إطلاقها، فقد تقدم هؤلاء على كافة المستويات. ولكن قبل الثورة وقعت فجأة حادثة كبرى وانفجار عظيم غيّر كل أوضاعهم. ظهر في الشعب الإيراني رجل عالم متميز حكيم فقيه مجاهد شجاع مخاطِر نافذ الكلمة باسم الإمام الخميني، وقد كان ظهور هذا الرجل ووجوده وتربية هذا الإنسان الكبير من فعل الله حقاً. كان هذا تقديراً إلهياً أن يقع مثل هذا الحدث. وقد كان الشعب الإيراني مستعداً فتقبّل الأمر ورحّب به وألقى بنفسه في الأهوال والمخاطر ونزل إلى الساحة وضحّى بنفسه وماله ونجح في الامتحان، لذلك كانت الثورة‌ الإسلامية، وتغيّرت كل هذه الحسابات واضطربت واختلت. ظهرت الثورة الإسلامية‌ في إيران بقوة واستمرت بقوة، أي لم يكن الأمر بحيث تتصاعد حالة الهياج والحماس في السنة الأولى والثانية‌ والثالثة ثم تنتهي الأمور، لا، بل لقد تواصل الأمر، ولديّ ما أقوله بخصوص هذا الاستمرار سأذكره لاحقاً.
وقف الإمام كالجبل، ووقف الشعب وراء ‌الإمام كالجبل الشامخ. وبذلت جبهة الأعداء - ولم يكن العدو واحداً، بل كانوا في جبهة واحدة - كل ما استطاعت من الجهود والمساعي، وفعلوا كل ما كانوا يستطيعون فعله، بدءً بحروب الشوارع، إلى الحروب القومية، إلى الانقلاب العسكري، إلى فرض حرب السنوات الثماني، إلى الحظر الاقتصادي، إلى إطلاق آلة‌ حرب نفسية هائلة طوال اثنين وثلاثين عاماً، فمنذ اثنين وثلاثين عاماً والحرب النفسية ضد الشعب الإيراني وضد الثورة‌ وضد الإمام قائمة‌.. مارسوا الكذب وتوجيه التهم وبث الإشاعات، وسعوا لزرع الخلافات وتحريف السبل في الداخل.
الأهداف التي كانوا يسعون لها هي بالدرجة الأولى إسقاط الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية. كان هدفهم الأوّل الإسقاط. وهدفهم الثاني هو أنه إذا لم يتحقّق إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية‌ فسيسعون لمسخ الثورة واستحالتها، فتبقى صورة الثورة‌ ويزول باطنها وسيرتها وروحها. حاولوا الكثير في هذا المجال، وكان آخر مسرحياتهم التي عرضت على ستار المسرح فتنة‌ عام 1388ﻫ.ش، فكانت في الحقيقة مسعى من المساعي، ووقع البعض في الداخل أسرى هذه المؤامرة بسبب حبّ الذات وحبّ المناصب وما إلى ذلك من الأمراض النفسية الخطيرة. وقد قلت مراراً: إن المخطط والمصمم والمدير كان ولا يزال خارج الحدود. وقد تعاونوا معهم في الداخل، بعضهم عن علم والبعض الآخر عن غير علم. هذا هو الهدف الثاني.
وكان الهدف الثالث ولا يزال هو أنه لو بقي النظام الإسلامي فيمكن دسّ عناصر من ضعيفي النفوس فيه، والاستفادة منهم، وجعلهم أطرافه الأصليين الذين يتعامل معهم في خصوص قضايا البلاد، وبالتالي يريدون أن يكون هناك نظام لا يمتلك القدرة الكافية، ويكون ضعيفاً ومطيعاً - المهم هو أن يكون عميلاً ومطيعاً - ولا يقف في وجه أمريكا. هذه هي أهدافهم.
وقد أخفقت هذه الأهداف وهذه المراحل لحد الآن ولم يستطيعوا تحقيقها. طبعاً بذلوا الكثير من المساعي وقاموا بأعمال متنوعة - سوف أشير إلى بعضها خلال حديثي - ولم يدّخروا أيّ جهد، لكنهم لم ينجحوا، لأن الشعب كان يقظاً. لدينا في المجتمع نخب جيّدة، وشعبنا شعب صالح جيّد، ولدينا مسؤولون جيّدون. ولم يستطع العدو لحد الآن - والحمد لله - تحقيق أهدافه. لقد واصلت الثورة‌ طريقها وتقدّمت.
ولنا أن نسأل:‌ ما الذي حدث في الثورة؟ هذه أمور مهمة. الثورة‌ التي حدثت في إيران أوجدت تغييرات تعتبر مهمة‌ من حيث العمق، فهي تغييرات أساسية. وعلى أساس هذه التغييرات يمكن التقدم بالمجتمع وإيجاد تغييرات واسعة. لقد أرسيت هذه الدعائم الأصلية بشكل متين ومحكم.
أذكر هنا بعض التغييرات التي وقعت. وهي طبعاً مما يعلمه الجميع ونعلمه كلنا، فهي أمور أمام أنظارنا، ولكن، كما يلفت الله تعالى أنظارنا في القرآن الكريم إلى الشمس {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}([2])، والشمس مقابل أعيننا، لكنه يقسم بها لننتبه إلى أن هذه الظاهرة وهذه الحادثة وهذا الموجود له كل هذه العظمة.. نحن كذلك يجب علينا التنبّه لهذه الظواهر العظيمة المحيطة بنا، لذلك فإن ذكر هذه الأمور ضروري كي نتوجّه وننتبه لها.
أوّلاً: كان النظام الحاكم في البلاد قبل الثورة نظاماً محارباً للإسلام بشدة. لم يكن لهم شأن كبير بالظواهر، ولكن على المستوى العميق كانوا يسعون بجد لاستئصال جذور الإيمان الإسلامي لدى الشعب. والأمثلة والشواهد والخواطر في هذا المجال كثيرة في بالي، ولا فرصة‌ هاهنا لاستعراضها. وجاءت الثورة لتكون على الضد من ذلك مائة‌ وثمانين درجة، فجعلت الإسلام محوراً لإدارة البلاد، والأحكام والقوانين الإسلامية هي المعايير والملاكات لقبول القوانين أو رفضها، ومعايير عمل الجهات التنفيذية في البلاد.
كان البلد قبل الثورة يعيش التبعية من الناحية السياسية، أي أن الحكومة ومحمد رضا نفسه والأجهزة المختلفة كانت مطيعة لأمريكا وتنتظر إشارات أمريكا. وهنا أيضاً الشواهد كثيرة. فشخص (كالدكتور أميني)([3]) يقوم ويذهب من هنا إلى أمريكا من أجل أن يقنع الأمريكان بأن يكون رئيس وزراء إيران، وبالفعل عاد وصار رئيساً للوزراء، وبعد سنة‌ أو سنتين ذهب الشاه - وكان غير راغب فيه - إلى أمريكا وأقنع الأمريكان بأن يعزله عن رئاسة الوزراء، وعاد فعزله عن رئاسة‌ الوزراء! كان هذا واقع بلدنا آنذاك؛ فمن أجل انتخاب رئيس الوزراء كان الشاه ورئيس البلاد بحاجة لموافقة الأمريكان ورضاهم! في كثير من الأمور كان الشاه يدعو سفير أمريكا وسفير بريطانيا لقصره ليطرح عليهم القرار الذي يريد اتخاذه! وإذا خالفوا فإن القرار لا يجد طريقه للتطبيق العملي! هذه هي التبعية‌ السياسية. كانوا مطيعين لأمريكا، ومن قبلها لبريطانيا؛ فالبريطانيون أنفسهم جاءوا برضا خان إلى السلطة، وحينما وجدوا أنه لم يعد ينفعهم عزلوه عن السلطة وطردوه من البلاد وجاءوا بابنه إلى السلطة. كان هذا قبل الثورة.
وجاءت الثورة فحققت للبلد استقلاله السياسي الكامل. في هذا العالم الكبير اليوم، وبين هذه القوى الكبرى،‌ لا توجد أية قوة تستطيع أن تزعم أن إرادتها لها تأثير على إرادة مسؤولي البلاد أو الشعب الإيراني. وهذه النقطة بالذات - أي الصمود والاستقلال والعزة السياسية - لها أكبر جاذبية في نفوس الشعوب. فحين ترون أن الشعوب تحترم الشعب الإيراني الكبير فإن الجانب الأكبر من هذا الاحترام يعود لهذا السبب، أي الاستقلال السياسي.
قبل الثورة‌ كان نظام الحكم ملكياً لا شأن ولا دور للشعب فيه، نقيض الحكم الديمقراطي الذي يكون الشعب فيه هو الكل في الكل، كان الحكم وراثياً قبل الثورة؛ فيموت واحد ويعيّن آخر مكانه، أي أن الناس لم يكن لهم أي دور، كانوا مضطرين للقبول شاءوا أم أبوا. أما في الجمهورية الإسلامية وببركة الثورة فإن الدولة منتخبة، والناس هم الذين ينتخبون، وذوق الناس وإرادتهم هي الحاسمة. قبل الثورة كانت الحكومة ديكتاتورية استخبارية.. ديكتاتورية صعبة سوداء.. لا زلت أتذكر أن أحد أصدقائنا جاءني من باكستان - وقد جاء إلى مشهد بالتهريب - وكان يتحدث فقال: كنا نقرأ المنشور الفلاني في المتنزه مع الأصدقاء. فتعجبت، في المتنزه؟! منشور؟! وهل هذا ممكن!؟ لم يكن يخطر ببالنا إطلاقاً أن يكون هناك منشور في جيب أحد، ويكون في ذلك المنشور شيء من النقد للجهاز الحاكم آنذاك، ويمكن لذلك الشخص أن يمشي في الأزقة. هكذا كان وضع الديكتاتورية الاستخبارية‌ في ذلك الحين. وجاءت الثورة فجعلت الأجواء حرة.. أجواء النقد والإصلاح والتذكير والتنبيه، وحتى أجواء المخالفة والاعتراض فتحتها الثورة أمام الناس. هكذا كان الوضع طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين بما في ذلك سنوات بداية الثورة.
قبل الثورة كان اعتماد البلد في العلوم والتقنيات على الغرب تماماً. وقد قلت مراراً أن بعض قطع طائراتنا العسكرية حينما كانت تعطل أو تستهلك، وكان يراد إصلاحها لم يكونوا يسمحون للمهندسين الإيرانيين في القوة الجوية بفتح هذه القطعة ليروا ما هي، ناهيك عن أن يفكروا في تصليحها. كانوا يضعون القطعة في طائرة ويأخذونها إلى أمريكا ويأتون بغيرها مكانها، أو إذا كان المقرر تعميرها كانوا يعمّرونها. لم تكن هناك صناعة، كانت الصناعة تجميعية‌ محضة من دون أي ابتكار. أما بعد الثورة فقد استعاد الشعب ثقته بنفسه وبقدراته العلمية، وهاهم كل هؤلاء العلماء البارزين والكبار في مختلف حقول العلم، ولدينا اليوم علماء في داخل البلاد قلما نجد أمثالهم في العالم. لقد تقدم علماؤنا ومعظمهم من الشباب.
قبل الثورة لم يكن لإيران أي تأثير في القضايا العالمية، وحتى في قضايا المنطقة. كان البلد مهاناً، وليس بمقدوره ترك أي تأثير في القضايا المختلفة. أما بعد الثورة فقد تحققت للشعب عزة وعظمة في أنظار شعوب العالم، وأصبح له تأثير في قضايا المنطقة إلى درجة بهرت الأعداء وفرضت عليهم الاعتراف بذلك. لاحظوا اليوم المواقع الالكترونية التي تورد الأخبار الأجنبية، يتحدثون فيها دوماً عن نفوذ إيران وتمكنها وتواجدها وحضورها في قضايا المنطقة. يذكرون ذلك حتى بدوافع مغرضة أحياناً، لكنهم يعترفون على كل حال.
وعلى الصعيد الثقافي كنا قبل الثورة محض مقلدين، وبعد الثورة جرت معرفة‌ الغزو الثقافي كخطر. والنقاط من هذا القبيل كثيرة. هذه هي الأمور الأساسية.
حينما يتم إرساء مثل هذه الدعائم في بلد عندئذ يستطيع الشعب أن يكون متفائلاً بأن يستطيع بناء صرح حضارة جديدة وعظيمة على هذه الدعائم. كل واحدة من هذه الخصوصيات تستقطب أنظار الشعوب بنحو من الأنحاء، فهي تنظر إليها وتراها وتنجذب نحوها وتثني عليها وأهمها – بالطبع - هو حالة الاستقلال السياسي والصمود في مقابل عسف الأعداء.
أنقل لكم هنا رأياً لعالم غربي، وإن ليس من دأبي أن أنقل شيئاً من أقوال هؤلاء الساسة الغربيين وثنائهم لكن هذه العبارة ملفتة، فهو يقول: شيئان إذا تداولهما المسلمون يداً بيد، وتعرّفت عليهما الشعوب المسلمة فسوف تتحطّم جميع التابوات الغربية - أي الأصول الغربية الجزمية - وتصبح باطلاً. فما هما هذان الشيئان؟ يقول هذا المفكر الغربي: أحدهما دستور الجمهورية الإسلامية، وهو الدستور الذي يوفّر نظام حكم جماهيري شعبي تقدّمي عصري، وفي نفس الوقت ديني، أمام أنظار المسلمين في العالم. إنه دستور يدلّ على أن بالإمكان تأسيس نظام حكم يتّصف بالحداثة والعصرية والتقدّم ويكون دينياً تماماً. هذه هي الصورة التي يرسمها الدستور. يقول إن مثل هذا الشيء ممكن.
هذا أحد الشيئين، والثاني ملف النجاحات العلمية والاقتصادية والسياسية‌ والعسكرية للجمهورية الإسلامية، وهو ما لو توفّر للمسلمين لوجدوا أنه أمر ممكن وقد حصل.
يقول: لو أن الشعوب المسلمة اطّلعت على هذه الإمكانية والحصول النسبي، أي إن هذا الشيء ممكن وقد تحقق بنحو نسبي في إيران الإسلامية اليوم، ولو وضع هذا النظام أمام أنظارهم، فلن يعد بالإمكان الحؤول دون سلسلة الثورات.

لقد حصل هذا الشيء اليوم. وهو طبعاً لم يحصل اليوم، بل حدث منذ ثلاثين عاماً. إنها فكرة تتموضع تدريجياً وبصورة هادئة في أذهان الشعوب، وتنمو وتنضج ثم تبرز بهذا الشكل الذي تشاهدونه حالياً في شمال أفريقيا والمناطق الأخرى.
طبعاً ارتكب الغربيون أنفسهم أخطاء سياسية، ساعدت الجمهورية الإسلامية. لاحظوا أن الغربيين أخطأوا في خصوص الملف النووي الإيراني. فقد ضخموا القضية النووية الإيرانية من أجل أن يواجهوها، وأثاروا حولها الضجيج ومارسوا الضغوط، وقالوا إن على الجمهورية الإسلامية التراجع عن قضيتها النووية. ولكن اتضح للناس في العالم طوال هذه الأعوام السبعة - منذ سبعة‌ أعوام وهم يبذلون مساعيهم–شيئان، أحدهما هو أن إيران استطاعت تحقيق تقدّم لم يكن متوقعاً في الملف النووي، والثاني هو أن إيران صمدت ولم تتراجع على الرغم من كل هذه الضغوط. وهذا لصالح الشعب الإيراني. والآن يعلم العالم كله أن أمريكا وأوربا وأعوانهم وأتباعهم رغم كل الضغوط التي مارسوها لم يستطيعوا التغلّب على الجمهورية الإسلامية وفرض التراجع عليها. هذا ما تمّت معرفته وانتشاره على يد أعداء‌ الشعب الإيراني أنفسهم، أي إنهم ساعدوا على تعريف الشعب الإيراني.
وکذا الحال في القضايا الأخرى، فقد أثاروا الضجيج بأننا نريد حظر البنزين على إيران. حسناً، لقد كنا ولا نزال من مستوردي البنزين. قالوا نريد منع دخول البنزين إلى إيران، وأثاروا الضجيج حول هذا الموضوع، وراح محلّلوهم يخمّنون أن البلاد ستضطرب والناس ستفعل كذا وكذا، لكن هذا أدى إلى أن يفكر المسؤولون هنا بإنتاج مزيد من البنزين. واليوم حسب التقرير الذي عندي - طبعاً حتى الثاني والعشرين من بهمن بتوفيق من الله - سوف تستغني بلادنا عن استيراد البنزين تماماً، وسوف نستطيع بعد الآن حتى أن نصدر البنزين، وقد أصدروا الأوامر بذلك. هنا انتهى ضجيجهم لصالح شعب إيران، وقد شاهد المراقبون الدوليون ذلك.
هكذا الحال في جميع القضايا، هكذا كان الحال بالنسبة لحظر الأسلحة في فترة الحرب، وكذا في قضية خلق تيار إسلامي متطرف وموازٍ؛ فقد خلقوا في جوارنا تياراً إسلامياً متطرفاً من أجل مضايقة الجمهورية الإسلامية والإضرار بها، لكنه أصبح الآن آفة عليهم، ولا يستطيعون السيطرة عليه والحؤول دونه، ولا يدرون كيف يعالجون الأمر. وكذا الحال بالنسبة لبثّهم الخلافات الطائفية. وكذا الحال في فتنة سنة 1388ﻫ.ش حيث أثاروا الضجيج والصخب وقالوا إن الجمهورية الإسلامية انتهت، والخلافات انتشرت، وحدث كذا وكذا. ثم نظروا فوجدوا أن الشعب الإيراني قد انتصر، وقد كان التاسع من دي والثاني والعشرين من بهمن العام الماضي من أيام الله بالمعنى الحقيقي للكلمة. القلوب بيد الله، وقد جاء الله تعالى بهذه القلوب إلى وسط الساحة، وأبدى الشعب الإيراني عظمته وأثبتها. كل ما فعلوا شيئاً انتهى بضررهم، وسيكون الأمر كذلك بعد الآن أيضاً. هذا واقع مشهود في العالم حالياً. أرادوا شيئاً وحصل شيء آخر.
وأما النقطة الثانية التي ذكرت أنني يجب أن أقولها فهي أننا لو أردنا تشخيص أهمية أية ظاهرة وتشخيص نجاحها فيجب أن ننظر كم استطاعت هذه الظاهرة أن تكون نموذجية ومثالاً يحتذى، وكم استطاعت الصمود والاستقامة والثبات والبقاء على مبادئها وكلامها. وهكذا هو الحال بالنسبة‌ للثورات؛ فإذا أرادت الثورة التأثير على أذهان الآخرين وممارساتهم والتحوّل إلى نموذج لهم فيجب أن تتحلّى بخصوصيات، أهمها الثبات والاستقامة والصمود، فإذا كان هذا كانت الثورة نموذجاً للآخرين، وإلا فالبرق الذي يقدح في مكان ثم ينطفئ لا يمكنه أن يعدّ نموذجاً ومثالاً، ولا يمكنه ترغيب الآخرين بأن يتبعوه. وقد استطاعت ثورتنا أن تكون ملهمة، وأن توفّر نموذجاً ومثالاً، وقد كان هذا نتيجة الثبات والاستقامة والصمود على الأصول والأركان الرئيسية التي أعلنها الإمام الخميني لهذه الثورة.
لقد صمدت هذه الثورة، ويمكن أن أذكر عدة أمثلة في هذا الباب، فمن الأمثلة الصفة الإسلامية. قال الإمام منذ البداية إن ثورتنا إسلامية، وتقوم على أساس الإسلام، وثار ضجيج كبير في العالم فقالوا إن الإسلامية لا تجتمع مع الديمقراطية، والإسلامية رجعية وتأخر، والأحكام الإسلامية لا يمكن تطبيقها وكذا وكذا وكذا. وراح البعض يكرر أصواتهم في الداخل، فكتبوا الكتب والمقالات، وبثّوا الإشاعات من أجل فرض التراجع عن الالتزام بالإسلام على الجمهورية الإسلامية. لكن الجمهورية الإسلامية صمدت وثبتت ولم تستسلم للضجيج والصخب. نعم نحن إسلاميون ونفخر بهذا، ونثبت أن هذا هو سبيل إنقاذ البشرية. هذا ما أعلنته الجمهورية الإسلامية بصوت عال للعالم كله.
انظروا إلى مجتمعنا اليوم بعد 32 سنة‌، فالسلوكيات إذا لم تكن أكثر إسلامية من اليوم الأول فهي على الأقل بنفس إسلامية اليوم الأول لانتصار الثورة، والشباب الذين لم يروا الإمام ولم يعاصروا فترة‌ الحرب ولا يتذكرون شيئاً عن الثورة نرى أن التزامهم بمباني الإسلام أفضل وأقوى من بعضنا نحن الشيوخ. مسؤولو البلاد يفخرون بالإسلامية. طبعاً طوال هذه الأعوام الـ 32 جرت محاولات عديدة، وقد كان هناك بعض الأشخاص حتى داخل المنظومة ‌الحكومية يحاولون أن يسلكوا سبلاً ملتوية ليبتعدوا تدريجياً، لكنهم لم يستطيعوا. فثبتت الجمهورية الإسلامية على مبادئها وإسلاميتها.. هذا نموذج.
والنموذج أو المثال الآخر قضية الديمقراطية، فقد أعلن الإمام الخميني منذ اليوم الأول أن الشعب يجب أن يدلي برأيه سواء‌ في أصل انتخاب الجمهورية الإسلامية، أو في تدوين الدستور، أو في قبول الدستور الذي تمت المصادقة عليه في مجلس الخبراء، أو في انتخاب رئيس الجمهورية، أو في انتخاب المجلس.. ثبت الإمام.. مضت على الثورة‌ 32 سنة، وإذا أحصينا الانتخابات والاستفتاءات المقامة لكان لنا 32 مشاركة انتخابية جماهيرية بمعنى أنه في كل عام انتخابات واحدة كمعدل - حيث توجّهت الجماهير لصناديق الاقتراع وأدلت بأصواتها وانتخبت. انتخاب الشعب مهم جداً. كانت طهران في فترة الحرب المفروضة تحت القصف، لكن الانتخابات لم تتعطل. لم تتعطل الانتخابات في المدن التي كانت تحت القصف الصاروخي لنظام صدام خلال فترة الحرب.
وفي إحدى دورات مجلس الشورى ضغطوا لتأخير الانتخابات لأسباب سياسية تتعلق بهم، لكنهم لم ينجحوا. لم يحصل تأخير حتى يوم واحد في انتخابات الجمهورية الإسلامية ومشاركة الجماهير لحد الآن. هذه هي الديمقراطية. قالها الإمام الخميني منذ اليوم الأول، وبقيت الجمهورية الإسلامية‌ ثابتة على هذه الديمقراطية. لم يوافق على تجاوز الديمقراطية. واليوم فإن مسؤولي البلاد بدءً من خبراء القيادة الذين ينصبون القائد ويعزلونه، إلى رئاسة الجمهورية، إلى مجلس الشورى، إلى المجالس البلدية هم من المنتخبين من قبل الشعب. وقد تولت الأمور تيارات متنوعة ولم يتولّ الأمور تيار واحد، منذ اليوم الأول وإلى الآن تولى الأمور عدة رؤساء جمهورية، وكان لكل واحد منهم توجه وميول سياسية معيّنة لكنهم تولّوا الأمور كلهم بانتخاب الشعب.
المثال الآخر هو العدالة الاجتماعية، فقد أعلن الإمام الخميني مبدأ العدالة‌ منذ اليوم الأول. والعدالة الاجتماعية أصعب من كل هذه الأمور والمهمات. أقول لكم إن تكريس العدالة الاجتماعية أصعب من الحفاظ على الديمقراطية، وسائر المهمات في الجمهورية الإسلامية. إنها عملية صعبة جداً. ولا نقول إننا استطعنا إلى اليوم تكريس وتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل. كلا، فلا تزال المسافة بعيدة جداً، ولا تزال المسافة كبيرة بين العدالة التي أرادها منا الإسلام وما هو موجود اليوم في مجتمعنا، بيد أن المسيرة نحو العدالة الاجتماعية لم تتوقف وهي مستمرة وتتصاعد يوماً بعد يوم. التحرّك باتجاه العدالة الاجتماعية أشدّ حالياً من الأعوام والدورات الماضية. ومن المصاديق المهمة للعدالة الاجتماعية التقسيم والتوزيع المناسب للفرص في البلاد. في الأنظمة الغافلة عن حقيقة العدالة الاجتماعية يجري التشديد على طبقة خاصة وعلى مناطق خاصة من البلاد، ولكن في الجمهورية الإسلامية‌ كلما مضى الزمن وتقدمنا - وقد مضى لحد الآن 32 عاماً - نجد أن هذا المعنى يتكرّس ويقوى أكثر. فالقرى تندرج ضمن مناطق المراقبة والاهتمام، وكذلك المدن النائية. كل هذا البناء للمساكن في القرى والأرياف، وكل هذا المدّ للطرق نحو المدن البعيدة والقرى في البلاد.. طرق التواصل، والاتصالات على اختلاف أشكالها، وتوصيل الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة‌ للشرب والهاتف وإمكانيات الحياة.. كل هذه الأمور تم توزيعها في مختلف أنحاء البلاد.
هذه الأسفار والزيارات التي يقوم بها المسؤولون للمحافظات والمدن، وبعض هذه المدن البعيدة لم يكن أهاليها يتصوّرون يوماً أن يشاهدوا مسؤولاً من الدرجة الثانية، ويرون اليوم أن مسؤولي البلاد رفيعي المستوى يزورونهم. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية والقيمة. حينما يذهب المرء إلى هناك ويشاهد المشكلات فسوف تتوفّر المحفزات لمعالجة المشكلات، وهذا هو تحقيق العدالة الاجتماعية. نحن نسير باتجاه العدالة الاجتماعية.
ما يشاهده المرء من حياة المسؤولين في العالم إنما هو حياة باذخة ارستقراطية، فالذين يصلون إلى الحكم ويتولون رئاسة الجمهورية أو مناصب رفيعة تنقلب حياتهم رأساً على عقب. لكن الأمر ليس كذلك في بلادنا. طبعاً أمثالي يجب أن يطابقوا حياتهم مع أضعف وأفقر شرائح المجتمع، لكننا لم نستطع ولم نوفّق لذلك. هذا شيء لم يحصل، لكن حياة مسؤولي البلاد والحمد لله كحياة الطبقة المتوسطة من الناس، وبعضهم دون ذلك. وهذا شيء قيّم جداً.
كما أن مشاريع أسهم العدالة، والمساكن الريفية، وترشيد الدعم الحكومي.. هي أعمال كبيرة. وإذا استطاع مسؤولو البلاد إن شاء الله تطبيقها بنحو جيّد فهي على جانب كبير من الأهمية. وبالنسبة للدعم الذي كانت الحكومة تمنحه للجميع لقاء الطاقة الكهربائية، أين الذي يستهلك الكثير من الكهرباء في بيته لوجود ثريات عديدة فيه من الذي لا يوجد في بيته سوى مصباح أو مصباحين؟ الشخص الأكثر ثراء كان يستفيد من هذا الدعم أكثر، وهذا ظلم، ويريدون الحؤول دون هذا الظلم. وكذا الحال بالنسبة للخبز والبنزين وغير ذلك. نحن صامدون والنظام صامد على شعار العدالة الاجتماعية.
النقطة الأخرى هي مقارعة الاستكبار وعدم الاستسلام مقابل الضغوط. ونحن صامدون في هذا المجال أيضاً. وقد كانت هذه العملية صعبة لكن الجمهورية الإسلامية استطاعت إنجاز هذه المهمة الصعبة بنجاح. كان هناك الكثيرون يقولون منذ بداية الثورة: ما دامت الثورة قد انتصرت فلنكتف ولنذهب وننهي الأمور مع الأمريكيين! ومعنى هذا هو تخطئة شعار مقارعة الظلم في هذه الثورة. كانوا يشجعون على هذا، وقد كان هناك على مرّ الزمن من يريدون هذا الشيء، أن نذهب ونتماشى مع أمريكا، وننضوي تحت مظلة ورعاية من هم أعداؤنا الأصليون. ومعنى هذا الكلام بيع القضية الفلسطينية، وغض النظر عن جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان وأمثال ذلك، معنى هذا الكلام غض الطرف عن كل هذا الظلم الذي تمارسه أمريكا في العالم، معنى هذا الكلام عدم الاعتراض على هذه الأمور والقضايا. تطبيع العلاقات معناه أن لا يعود الشعب الإيراني والمسؤولون الإيرانيون قادرين على التصريح باعتراضهم وإطلاق كلامهم، وفي مرحلة مقبلة سيضطرون تدريجياً لقبول كلام أولئك. وقد كانت هذه الاستقامة صعبة جداً، لكنها كانت مباركة واستجلبت الرحمة الإلهية، ولفتت أنظار الشعوب. صمودكم أيها الشعب الإيراني في هذه الأعوام الاثنين والثلاثين على الشعارات الأصلية للثورة كانت فيه بركة كبيرة هي أن ينظر لكم العالم الإسلامي اليوم بعين الإعظام والإجلال. حينما يزور مسؤولو بلادكم البلدان المختلفة يستقبلونهم بكل حفاوة وترحيب، وعندما يحسب المراقبون شعبية الشخصيات السياسية يقف مسؤولو بلادكم في المرتبة الأولى. لقد أصبح ما قام به الشعب الإيراني نموذجاً يحتذى، وتلاحظون اليوم علامات ذلك. هذه البركة الكبرى، وهذه الخصوصية من تلك التي لا تتّضح إلا بمضي الزمن.

واليوم يسمع في مصر انعكاس أصواتكم، فرئيس جمهورية أمريكا في زمن انتصار ثورتنا تحدّث قبل أيام في مقابلة وقال إن الأصوات التي تسمع في مصر اليوم معروفة عندي! أي أن ما يسمع في القاهرة اليوم كان يسمع في طهران أيام رئاسة جمهوريته. هذا ما يحكم به العالم ويقوله، لذلك فإن عشرة الفجر في بلادنا لهذا العام مهمة وحسّاسة وحماسية، وسوف تزيد مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن التي تخرجون بها أيّها الشعب العزيز إن شاء الله على جميع مفاخركم.

بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}
الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما علي أمير المؤمنين، والصديقة الطاهرة سيّدة نساء العالمين، والحسن والحسين سبطي الرحمة وإمامي الهدى، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف القائم الحجّة، حججك على عبادك وأمنائك في بلادك، وصلّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين، واستغفر الله لي ولكم.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أوصيكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء ونفسي مرة أخرى بمراعاة التقوى.
أذكر لدقائق قصيرة بعض النقاط حول الأحداث الجارية في مصر وتونس. إنها أحداث مهمة جداً، وهي زلزال حقيقي. وإذا استطاع الشعب المصري بعون الله وتوفيقه أن يحقق هذا الشيء فإن ما سيكون بالنسبة للسياسات الأمريكية في المنطقة هو هزيمة لا تعوّض. ربما كان الإسرائيليون اليوم أشدّ قلقاً من المسؤولين الهاربين من تونس ومصر. الإسرائيليون والأعداء الصهاينة قلقون أكثر من الجميع، إنهم يعلمون أيّ حدث عظيم سيقع في هذه المنطقة لو تخلّت مصر عن التحالف معهم وتموضعت في موضعها الحقيقي، وسوف تتحقّق التخمينات والفراسات التي تنبّأ بها إمامنا الجليل. لذا فالأحداث مهمة جداً. في التحليلات العالمية يحاولون تجاهل السبب الأصلي لهذه الانتفاضات، ويشيرون إلى الشؤون الاقتصادية وغير الاقتصادية - وهي شؤون مؤثرة بالطبع - لكن العامل والسبب الرئيسي لهذه الحركة الجماهيرية العظيمة في تونس أولاً ثم حين بلغت ذروتها في مصر، هو الشعور بالمهانة لدى الجماهير نتيجة الوضع الذي أوجده رؤساؤهم، فالجماهير أهينت وشعرت بأنها أهينت، (لامبارك) مصر هذا أذلّ الشعب المصري.
وسبق أن ذكرت نقطة حول تونس، فرئيس جمهورية تونس الهارب بن علي هذا كان تابعاً لأمريكا تماماً، بل لدينا تقارير أنه كان تابعاً لـ(سي آي أي) الأمريكي أيّ لأجهزة التجسس الأمريكية. لاحظوا كم من الصعب على الشعب أن يكون رئيسه - وخصوصاً الرئيس الذي يكون بكل ذلك التبختر والغرور والتكبّر والسوء - خادماً رسمياً للأجهزة الأمريكية. حكم الناس سنين طوالاً بكل شدة وحدّة، وحكم ضد مصالح الناس، ومن جملة ذلك ضد الدين. في تونس، وهو بلد مسلم وله سابقة إسلامية طويلة ومفاخر ورموز في الثقافة الإسلامية، كان الناس في زمن بن علي إذا أرادوا الذهاب للمسجد وجب عليهم الحصول على بطاقة خاصة.. بطاقة الدخول للمسجد التي تمنحها الحكومة، ولم تكن تمنحها للجميع! لم يكونوا يسمحون للناس بالذهاب إلى المسجد. وقد كانت الصلاة فرادى في المساجد ممنوعة، ناهيك عن صلاة الجماعة، فقد كانت ممنوعة أمام الأنظار. كما أن الحجاب كان ممنوعاً بشكل رسمي. وقد كان من المحفزات المهمة للناس هو مطالبتهم بالإسلام، لذلك رأيتم أنه بمجرد أن هرب هذا الخائن من بلاده وتغيّرت الأوضاع ذهبت الفتيات الجامعيات إلى الجامعات بالحجاب، وهذا دليل على الدوافع الإسلامية‌ العميقة، وهذا ما يريد المحلّلون الغربيون كتمانه وإخفاءه.
والحافز الآخر هو رفض التبعية لأمريكا، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. فلا يرغب الأمريكان أن يقال إن التبعية هي سبب نهضة الشعب في تونس أولاً ثم في مصر حيث بلغت النهضة ذروتها. لكن هذه هي حقيقة القضية. طبعاً حدث في تونس تغيير سطحي، فهرب بن علي لكن أجهزته بقيت تتولّى الأمور، وعسى أن يتفطّن الشعب في تونس إلى موقعه جيّداً لئلا يستطيع العدو - لا سمح الله - بخداعه.
وأما مصر.. مصر بلد مهم جداً. أذكر بعض النقاط على وجه الإيجاز. مصر كانت البلد الإسلامي الأول الذي تعرّف على الثقافة الغربية، وكان ذلك في أواخر القرن الثامن عشر، حدث ذلك لمصر قبل كل البلدان. كانت مصر أول بلد من بين البلدان الإسلامية تعرّف على الثقافة الأوربية، كما كان أوّل بلد إسلامي وقف بوجه تلك الثقافة الأوربية والغربية وأدرك معايبها وقاومها. السيد جمال الدين الكبير، ذلك الرجل الإسلامي الشجاع المناضل العظيم، وجد أن أفضل مكان لنضاله هو مصر.. ومن بعده جاء تلامذته محمد عبده وغيره. كما أن الحركات الإسلامية في مصر لها مثل هذا الماضي. ولدى المصريين شخصيات كبيرة في المجال السياسي والمجال الثقافي وكلهم من أنصار الحرية؛ فأضحت مصر رائدة في ‌العالم العربي من الناحية ‌الفكرية والسياسية، وبقيت البلدان العربية لفترة طويلة تنظر لمصر حيث صارت مصر رائدة في العالم العربي. الاستقلال وطلب الحرية كانا يموجان في ذلك البلد. طبعاً لم تتوفر فرص جيدة للشعب المصري، باستثناء‌ فترات قصيرة.
وكانت مصر أوّل بلد أو أكبر بلد دخل الحرب إلى جانب سورية‌ من أجل القضية الفلسطينية، فلم يدخل أيّ من البلدان الإسلامية‌ الأخرى الحرب في هذه الحروب التي كانت مع إسرائيل، لكن بلد مصر وظّف جنوده وجيشه وشعبه وإسناده للحرب، ولم ينجحوا طبعاً.. مرة في سنة 1967 ومرة في سنة 1973. هكذا هي مصر. لذلك تعتبر مصر ملجأ وملاذاً للفلسطينيين، بل ملجأ للكثير من الثوريين من البلدان الأخرى. مثل هذا البلد وقع لمدة ثلاثين عاماً في يد شخص ليس من طلاّب الحرية وأنصارها، وليس هذا فحسب بل وعدوّ للحرية. وليس غير معاد للصهيونية فحسب، بل مواكب للصهاينة ومتعاون معهم وأمينهم وبمعنى من المعاني خادمهم. البلد الذي كانت فيه راية الكفاح ضد الصهيونية ذات يوم تلهم العالم العربي كله وصل به الأمر إلى درجة أن الأعداء‌ الإسرائيليين الصهاينة راحوا يعتمدون في كل أنشطتهم المعادية للفلسطينيين على مساعدة هذا (اللامبارك)، فقد كان يساعدهم. ففي قضية غزة لو لم يساعد حسني مبارك الإسرائيليين لما استطاعوا محاصرة‌ غزة؛ فقد كان الفلسطينيون في غزة محاصرين - وهم محاصرون منذ أربعة أعوام - وفي حرب الـ 22 يوماً احترق رجالهم ونساؤهم وأطفالهم بنيران الإسرائيليين، وماتوا وتهدّمت بيوتهم، لكنهم لم يسمحوا لقوافل المساعدات بمد يد العون لهؤلاء الناس، وليست القوافل من مصر فقط بل حتى القوافل من البلدان الأخرى التي أرادت العبور من مصر - ومنها قوافل شعبنا - لإيصال المساعدات لهم لم يسمح لها حسني مبارك بذلك. مثل هذا الوضع كان سائداً في مصر. هؤلاء الناس طفح بهم الكيل بالتالي، والشعب المصري يشعر بالذلّة والمهانة نتيجة مناصرة نظامه الحالي لإسرائيل، وبسبب تبعيته وطاعته المحضة لأمريكا. هذا هو السبب الرئيس للنهضة والتحرّك. هؤلاء شعب مسلم، وقد انطلق التحرّك من صلاة الجمعة ومن المساجد، وكانت شعاراتهم «الله أكبر». الجماهير ترفع شعاراً دينياً، والتيار المناضل الأقوى هناك هو التيّار الإسلامي. يريد الشعب المصري تطهير نفسه من هذا الذلّ. هذا هو السبب. الغربيون لا يسمحون لهذا التحليل بالانتشار بين الشعوب والرأي العام العالمي، ويركّزون فقط على المسائل الاقتصادية.
نعم، هذه أيضاً حقيقة - طبعاً - أن خدمة شخص مثل حسني مبارك لأمريكا لم تستطع التقدّم بمصر حتى خطوة واحدة نحو الازدهار، فأربعون بالمائة من سكان مصر البالغين أكثر من سبعين مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر! وفي مدينة القاهرة نفسها - كما ورد في تقارير دقيقة وصلتني - يعيش مئات الآلاف - وقد سمعت أن العدد يصل إلى مليونين وثلاثة ملايين، لكن القدر المسلم به هو مئات الآلاف - من فقراء القاهرة ‌في المقابر! هم مشرّدون وجوّابو صحاري يلوذون بالمقابر. الناس تعيش معيشة صعبة، أي أن الأمريكيين لم يمنحوا حتى أجور هذه الخدمة، وسوف لن يمنحوه أجره اليوم أيضاً؛ فاليوم أيضاً متى ما هرب من مصر وخرج - بعون الله - ليكن على ثقة أن أوّل بوابة ستغلق في وجهه هي البوابات الأمريكية، ولن يسمحوا له بالدخول، كما لم يسمحوا لبن علي، وكما لم يسمحوا لمحمد رضا.. هكذا هم.. لينظر الذين تخفق قلوبهم لصداقة‌ أمريكا وإطاعتها إلى هذه النماذج، فهؤلاء مثل الشيطان.
يقول في دعاء الصحيفة السجادية إن الشيطان حينما يغويني ينظر بعدها هناك - على حد تعبيري - ويضحك عليّ ويدير لي ظهر المجن ولا يأبه لي. هكذا هم هؤلاء.. الأمريكان يسعون وراء مصالحهم بواسطة هؤلاء الأفراد الضعفاء الأذلاء.
طبعاً الأمريكان حالياً مضطربون ومتخبّطون بشدة، والإسرائيليون متخبّطون أكثر منهم، ويبحثون عن علاج لقضية مصر. وسوف لن يجدوا علاجاً إنما يعملون الآن على الخداع فيتحدّثوا عن مناصرة الشعب. وقيل الآن أن الأمريكيين أيضاً قالوا له يجب أن يعتزل بسرعة ويغادر، وهذا يعود إلى طريقة عمل الشعب المصري وكيف يتخذون قرارهم.
كتبت بعض النقاط أخاطب بها الإخوة العرب أقرؤها.

الخطبة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على أبناء ‌الأمة الإسلامية في كل مكان. على ساحة العالم الإسلامي اليوم إرهاصات حادثة عظيمة مصيرية كبرى، حادثة تستطيع أن تغيّر معادلات الاستكبار في هذه المنطقة لصالح الإسلام ولصالح الشعوب، حادثة تستطيع أن تعيد العزة والكرامة للشعوب العربية والإسلامية، وتنفض عن وجهها غبار عشرات السنين مما جناه الغرب وأمريكا بحق هذه الشعوب العريقة الأصيلة من ظلم واستهانة وإذلال. إن هذه الحادثة الإعجازية بدأت على يد الشعب التونسي وبلغت ذروتها بسواعد الشعب المصري الرشيد العظيم. لقد انحبست الأنفاس في صدور العالم الغربي والعالم الإسلامي - ولكل واحد أسبابه - وهم يترقبون ما سيحدث في مصر الكبرى، مصر نوابغ القرن الأخير، مصر محمد عبده والسيد جمال، مصر سعد زغلول وأحمد شوقي، مصر عبد الناصر والشيخ حسن البنا، مصر عام 1967 و 1973، يترقبون مدى ارتفاع راية همّة المصريين. فلو أن هذه الراية انتكست - لا سمح الله - فسيعقب ذلك عصر حالك الظلام، وإن رفرفت على القمم فإنها ستطاول عنان السماء.
الشعب التونسي استطاع أن يطرد الحاكم الخائن المنقاد لأمريكا والمجاهر بعدائه للدين، ولكن من الخطأ الظن بأن هذه هي النتيجة المطلوبة. النظام العميل لا يسقط بخروج المكشوفين من رموزه. لو حلّ محلّ هذه الرموز بطائنها لم يتغيّر شيء، بل إنه الشراك الذي ينصب أمام الشعب. في الثورة الإسلامية الكبرى في إيران حاولوا مراراً إيقاع شعبنا في مثل هذا الفخ لكن وعي الشعب وقائده الإلهي العظيم أدرك دسيسة
الأعداء وأحبطها وواصل الطريق حتى نهايته. وأما مصر، فإن مصر نموذج فريد، لأن مصر في العالم العربي بلد فريد. مصر أول بلد في العالم الإسلامي تعرف على الثقافة الأوربية، وأول بلد أدرك أخطار هجوم هذه الثقافة وتصدى لها. إنه أول بلد عربي أقام دولة مستقلة بعد الحرب العالمية‌ الثانية، ودافع عن مصالحه الوطنية‌ في تأميم قناة السويس، وأول بلد وقف بكل طاقاته إلى جانب فلسطين وعرف في العالم الإسلامي بأنه ملجأ للفلسطينيين. السيد جمال لم يكن مصرياً لكنه لم ير في غير شعب مصر المسلم من يفهم همّه الكبير. إن الشعب المصري أثبت جدارته في ساحات النضال السياسي والديني، وسجّل مواقفه المشرفة على جبهة التاريخ. لم يكن محمد عبده وتلاميذه وسعد زغلول وأتباعه أشخاصاً عاديين. كانوا من النوابغ الشجعان والواعين الذين يحقّ لمصر أن تفخر بهم وبأمثالهم. إن مصر بهذا العمق الثقافي والديني والسياسي قد احتلت بحق مكان الريادة في العالم العربي. إن أكبر جريمة ارتكبها النظام الحاكم في مصر هي أنه هبط بهذا البلد من مكانته الرفيعة إلى مرتبة آلة طيّعة بيد أمريكا في لعبتها السياسية
على صعيد المنطقة. إن هذا الانفجار الذي نشهده اليوم في الشعب المصري هو الجواب المناسب لهذه الخيانة الكبرى التي ارتكبها الدكتاتور العميل بحق شعبه. إن الساحة تموج اليوم بألوان التحليل بشأن نهضة الشعب المصري، وكلّ يدلي بدلوه في هذا المجال، غير أن كل من يعرف مصر يفهم بوضوح أن مصر تدافع اليوم عن عزتها وكرامتها. مصر ابتليت بخيانات صادرت كرامتها. إن شعباً في ذروة العزة قد أذلوه إرضاءً لغرور أعدائه وتكبرهم. إن موقف مصر من القضية الفلسطينية يشكل نموذجاً بارزاً لمكانة مصر. فلسطين منذ عشرات السنين تشكل أبرز محور في مسائل المنطقة، ومسائل هذه المنطقة متداخلة مترابطة بحيث لا يستطيع أي بلد أو أي شعب أن يتصور مصيره بمعزل عن القضية الفلسطينية. وليس ثمة‌ أكثر من جهتين:‌ إما دعم لفلسطين ونضالها العادل أو الوقوف في الجبهة المقابلة. أما شعوب المنطقة فقد بيّنت موقفها منذ البداية تجاه هذا الاصطفاف، فحين يتجه أي نظام حاكم إلى دعم القضية الفلسطينية‌ فإنه ينال التفاف شعبه والشعوب العربية والمسلمة، ولقد جرّبت مصر ذلك فـي الستينات وأوائـل السبعينات، لكنه
حين يقف في الصف الآخر فإن الشعب يعرض عنه، وفي مصر ظهرت الهوة ‌العميقة بين الدولة والشعب بعد اتفاقية ‌العار في كامب ديفيد. إن الشعب المصري استرخص النفس والنفيس لمساعدة فلسطين في 67 و 73 لكنه رأى بعد ذلك بأمّ عينيه أن حكامه هرولوا على طريق العمالة‌ والطاعة لأمريكا إلى درجة جعلت مصر حليفة وفية ‌للعدو الصهيوني الغاصب. إن سيطرة أمريكا على حكام مصر قد بددت كل جهود هذا الشعب السابقة في دعم فلسطين وبدلت النظام المصري إلى عدو لدود لفلسطين وأكبر حام للصهاينة المعتدين، بينما حافظت سورية شريكة مصر في حرب 67 و 73 على مواقفها المستقلة رغم ما واجهت من ضغوط أمريكية هائلة. وبلغ بالنظام المصري العميل أن الشعب المصري شاهد لأول مرة في التاريخ أن حكومته تقف في حرب إسرائيل على غزة‌ إلى صف الجبهة الإسرائيلية، ولم تمتنع عن المساعدة فحسب بل كانت نشطة في دعم جبهة العدو. سوف لا ينسى التاريخ أبداً أن حسني مبارك هو نفسه الذي وقف بقوة إلى جانب إسرائيل وأمريكا في حرب إسرائيل وأمريكا على غزة، حيث قتل النساء والرجـال والأطفال خـلال
22 يوماً من القصف المتواصل، وفيما فرض قبل ذلك وبعده على غزة من حصار ظالم. أية معاناة ومحنة ‌عاشها الشعب المصري تلك الأيام. شاشات التلفزيون نقلت لنا جانباً من مشاعر المصريين وهم يبكون بسبب عدم فسح المجال أمامهم لمساعدة إخوتهم الفلسطينيين. لقد بلغ السيل الزبى بهذا الشعب، ولم يعد يحتمل أكثر هذا الوضع، وما نشاهده في القاهرة وبقية‌ المدن المصرية هو انفجار هذا الغضب المقدس وهذه العقد المتراكمة‌ في قلوب الرجال والنساء الأحرار المصريين خلال السنوات الطويلة جرّاء مواقف هذا النظام الخائن العميل المعادي للإسلام. نهضة‌ الشعب المصري المسلم حركة إسلامية‌ تحررية، وأنا باسم الشعب الإيراني وباسم الحكومة الثورية الإيرانية أحيّي الشعب المصري والشعب التونسي سائلاً الله سبحانه أن يمنّ عليكم بالنصر المؤزّر الكامل. إنني أشعر بالفخر والاعتزاز لنهضتكم.
أيها الإخوة والأخوات المصريين والتونسيين، لا شك أن نهضات الشعوب ترتبط بظروفها الجغرافية‌ والتاريخية‌ والسياسية والثقافية الخاصة ببلدانها، ولا يمكن أن نتوقع أن يحدث في مصر أو تونس أو أي بلد آخر ما حدث في الثورة الإسلامية الكبرى بإيران قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ولكن هناك مشتركات أيضاً، وتجارب كل شعب تستطيع أن تكون نافعة للشعوب الأخرى، وما نراه مفيداً أن نقدمه من تجارب في الظروف الراهنة هي:
أولاً: إن نهضة‌ الشعوب هي في الواقع حرب بين إرادتين: إرادة‌ الشعب وإرادة أعدائه. وكل جانب كان أكثر وأقوى عزة‌ وأكثر تحملاً للصعاب فهو منتصر حتماً. يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}([4]).
ويخاطب رب العالمين رسوله بالقول:‌ {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}([5]).
العدو يسعى بممارسة‌ القوة والخداع أن يوهن من إرادتكم فاحذروا من ضعف إرادتكم.
ثانياً: العدو يحاول بث اليأس من تحقيق أهدافكم بينما الوعد الإلهي يقول: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}([6]).
فثقوا ثقة تامة‌ لا يعتريها تردد بوعد الله المؤكد حيث يقول عزّ من قائل: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}([7]).
ثالثاً: العدو يسوق إليكم قواه الأمنية المجهزة كي يبعث الرعب والفوضى بين الناس. لا تهابوهم.. أنتم أقوى من هؤلاء المأجورين. أنتم الآن في مرحلة‌ تشبه المرحلة التي خاطب فيها الله سبحانه رسوله حيث قال: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ}([8]). أنتم تستطيعون بالاتكال على الله والاعتماد على الشباب الغيور أن تتفوقوا على كل عبث وفوضى وإرهاب.
رابعاً: إن سلاح الشعوب المهم في مواجهة قوى الطغيان والحكام العملاء هو الاتحاد والانسجام. العدو يسعى بأنواع أساليب المكر أن يفتّت تلاحمكم، ومن ذلك إثارة مواضع الافتراق، ورفع الشعارات المنحرفة‌، وطرح وجوه غير موثوقة لتكون بديلة للرئيس الخائن. حافظوا على اتحادكم حول محور الدين وإنقاذ البلد من شر عملاء العدو.. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}([9]).
خامساً: لا تثقوا بما يلعبه الغرب وأمريكا من دور وما يقومون به من مناورات سياسية في نهضتكم. هؤلاء كانوا قبل أيام يدعمون النظام الفاسد وهم اليوم بعد أن يئسوا من الاحتفاظ به راحوا يعزفون على نغمة‌ حق الشعوب. هؤلاء يسعون بذلك أن يبدلوا عميلاً بعميل، وأن يسلطوا الأضواء على بعض الوجوه ليفرضوا عملائهم عليكم. هذه إهانة لمشاعر الشعوب. ارفضوا ذلك ولا تقبلوا بأقل من استقرار نظام كامل مستقل وشعبي ومؤمن بالإسلام.
سادساً: الظرف يتطلب من علماء‌ الدين والأزهر الشريف بتاريخه النضالي المعروف أن ينهضوا بدورهم بشكل بارز، فحين يبدأ الشعب ثورته من المساجد ومن صلوات الجمعة‌ ويرفع شعار «الله أكبر» فإن المتوقع من علماء الدين أن يتخذوا موقفاً أبرز، وهو توقع في محله.
سابعاً: الجيش المصري الذي يحمل على صدره وسام المشاركة‌ في حربين على الأقل مع العدو الصهيوني يتعرّض اليوم لاختبار تاريخي كبير. العدو يطمع أن يدفع به لقمع الجماهير. لو حدث هذا - لا سمح الله - فإنه يشكل ثغرة لهذا الجيش الفخور لا يمكن سدّها. إن الذي يرتعد أمام الجيش المصري يجب أن يكون العدو الصهيوني لا الشعب المصري. مما لا شك فيه أن عناصر من الجيش المصري الذي هو من الشعب ومن أبناء الشعب ستلتحق بالجماهير إن شاء الله. عندئذ ستتكرر هذه التجربة الحلوة ‌في مصر مرة أخرى.
ثامناً وأخيراً: إن أمريكا التي دعمت الحكام العملاء ثلاثين عاماً خلافاً لإرادة الشعب المصري ليست الآن في موقف يؤهلها أن تدخل في قضية مصر في وساطة أو نصيحة. انظروا بعين الشك والتشاؤم في هذا الشأن إلى كل توصية وخطوة أمريكية ولا تثقوا بها.
أيها الإخوة والأخوات، نستطيع أن نفهم بوضوح أن نهضة‌ الشعب المصري يوجّهها جمع من نخب السياسة‌ والحكماء بالتشاور والتنسيق بينهم، ونتضرع إلى الله تعالى أن يأخذ بأيديهم، غير أن الذي ذكرناه إنما هو تجاربنا، وأنا باعتباري أخاً لكم في الدين وانطلاقاً من التزامي الديني قدمت لكم تلك التجارب.
يا أبناء الكنانة، إن الأبواق الإعلامية‌ للعدو سوف ترفع عقيرتها كما فعلت من قبل بالقول إن إيران تريد أن تتدخل، تريد أن تنشر التشيع في مصر، تريد أن تصدّر ولاية‌ الفقيه إلى مصر، وتريد وتريد... هذه أكاذيب ملأت آذاننا خلال ثلاثين عاماً الهدف منها أن يفرّقوا بين الشعوب بعضها من مساعدة بعض، ورددها أيضاً المأجورون {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}([10]).
إن هذه الأحابيل لن تثنينا إطلاقاً عن أداء ما حمّلنا الإسلام من مسؤولية، والله من وراء القصد. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم..

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــ
 ([1]) سورة الأحزاب، الآية: 1.
([2]) سورة الشمس، الآية: 1.
([3]) الدكتور علي أميني)؛ من العائلة القاجارية ومن كبار الملاكين ومن رجال الدولة طوال أكثر من نصف قرن. تخرج في علم الاقتصاد بباريس. تولى مناصب حكومية شتى، منها رئاسة الوزراء سنة 1961م. هرب إلى خارج البلاد عشية انتصار الثورة الإسلامية.
 ([4]) سورة فصلت، الآية، 30.
 ([5]) سورة الشورى، الآية، 15.
 ([6]) سورة القصص، الآية: 5.
([7]) سورة الحج، الآية: 40.
 ([8]) سورة الأنفال، الآية: 65.
 ([9]) سورة آل عمران، الآية: 103.
 ([10]) سورة الأنعام، الآية: 112.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism