الجواب : إنّ المثل العليا والقيم الساعية التي جسدّها الإمام الحسين (عليه
السلام) في الطفّ، جعلت السائرين على نهجه ، والمرتبطين به يحيون ذكراه ، وينشرون
مآثره ، باعتبارها خير أسوة يتأسّى بها الناس .
فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً ، وتحوّلاً نوعياً في حياة
الأُمم ، أمر طبيعي وغير مستهجن ، لأنّه نابع من ذات الإنسان ، ومتصل بفطرته ، كما
أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة ، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الأحداث العظيمة فيها ،
وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء ؟!
لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ ، لما جرى فيها من فجائع من
جهة ، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى .
فالشيعة يقيمون هذه المآتم ، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق ،
ومن منطلقات أُخرى ، منها :
1-امتثال أمر الله تعالى ، والقاضي بمودّة العترة الطاهرة ، حيث قال تعالى
: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى
} ، ومواساة رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة ، فرسول الله (صلى الله عليه
وآله) بكى على الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهو لم يزل في سني الطفولة .
فقد ورد عن عائشة أنّها قالت : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى
أصحابه ، والتربة في يده ، وفيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وحذيفة ، وعمار ، وأبو
ذر ، وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟! فقال : " أخبرني جبرائيل
، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني أنّ فيها
مضجعه ".
2-نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصراً للحقّ وإحياءً له ، وخذلاناً
للباطل وإماتة له ، وهذا الأمر من أجله أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر .
3-إنّ إحياءنا لهذه الذكرى ، حفظ لها من الضياع ، وصون لمبادئها من التزييف
، ولولا ذلك لاضمحلت ، وخبت جذوتها ، ولأنكرها المخالفون ، كما حاولوا إنكار غيرها
!!
4-بإقامتنا لهذه الشعائر لاسيّما المجالس الحسينية نكشف عن منهج مدرستنا ،
هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات ، حيث يعرض التفسير والتاريخ ، والفقه
والأدب ، و ... فهي مؤتمرات دينية ، تطرح فيها مختلف المعارف والعلوم .
5-إنّ إحياءنا لهذه الشعائر ، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام
الأصيل ، لأنّها حية وغير معقّدة ، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس !
فالإحياء والمشاركة ، والتنمية لشعائر الحسين (عليه السلام) إحياء لذكر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لأنّه قال : " حسين منّي وأنا من حسين
" فهما (عليهما السلام) من سنخ واحد
، وإحياء ذكرى النبيّ (صلى الله عليه وآله) إحياء للدين ، باعتباره الرمز الأوّل
للإسلام .
وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر ، فمن أرادها فليطلبها من
مضانّها .