هادي قبيسي
جيفري فيلتمان الأستاذ، خريج الجامعة الأمريكية الإستعمارية التي تمرست في إخضاع الشعوب المستضعفة في بلدان ما يطلق عليه جوراً العالم الثالث، والتي ورثت عهوداً استعمارية أوروبية عريقة. البذلة الأنيقة التي يعتمدها رجال السياسة الأمريكية والشعارات المصممة بشكل فني راقٍ، والصالونات والقاعات الفخمة، تدل على مدى تهذيب ورقي الدولة الأمريكية، التي تتربع على عرش الإستعمار الحديث وهي الدولة الأكثر عدوانية وهمجية في التاريخ البشري، واللغة الديبلوماسية هي القفاز الذي تستعمله هذه الدولة، التي ليس هناك من وصف صادق لها سوى الشيطان الأكبر، هي غشاء رقيق يستر سياساتها للمحافظة على حضورها كقطب واحد. حتى هذا التعبير اللطيف (القطب الواحد) حقيقته هي المحافظة على تفردها في نهب الخيرات واستعباد البلاد والعباد.
بتاريخ الثامن من تموز عام 2010 حضر الأستاذ ببذلته الأنيقة ليقدم شهادة في الصالون الفخم لمجلس الشيوخ حول تقييم قدرات حزب الله، بصفته مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. أهمية الشهادة الشهيرة تكمن في أنها تشرح نظرية متكاملة للمواجهة، وتشكل الدليل العملاني للشبيبة اللبنانية المعادية للمقاومة، ومن خلال استقرائها يمكن لنا فهم المانيفستو الكامل للفريق السياسي الأمريكي والفوج الصحافي الملحق به، الذي يحدد الأستاذ ميزانيته خلال أربع سنوات سابقة على الإدلاء بالشهادة بـ 500 مليون دولار مطالباً مجلس الشيوخ بعدم تخفيض الميزانية.
الألاعيب الإستعمارية القديمة مع أدواتها النمطية حاضرة أمام الأستاذ على الطاولة، تعلَّم أن كل حركة مقاومة ينبغي أن تُسلب المشروعية لتتم محاصرتها في الوطن والمحيط، ومن ثم يمكن العمل لتحويلها إلى حالة سلبية في نظر مجتمعها فتحصل التفرقة التي تؤدي إلى سيادة المستعمر.
المقدمة وافية "حزب الله يهدد مصالح الولايات المتحدة، لبنان، وشركاءنا في الشرق الأوسط وخصوصاً اسرائيل" في حين أن الرؤية الأمريكية قائمة على أساس سلام شامل من خلال انخراط "سوريا ولبنان كطرفين كاملي الشراكة"، المصلحة الإمبراطورية تكمن في السلام وحزب الله يهدد وطنه وأمريكا وإسرائيل، لبنانا وإسرائيل صديقان لولا حزب الله.
يبدأ الأستاذ بتعليم التلاميذ فن السياسة، يغرف من معينه الإستعماري ويعطي بكرم، أولاً في التأسيس "استغل حزب الله البنية الطائفية للمجتمع اللبناني بهدف اجتذاب التأييد الشعبي في وسط شرائح لديها شعور تقليدي بالتهميش .. محاولاً تقديم نفسه كجزء طبيعي من النظام السياسي اللبناني وكمدافع عن مصالح لبنان" التي تتولى الولايات المتحدة الدفاع عنها، ونسمعه يلقن فتيانه الأشداء في فريق 14 آذار الجمل التالية من فصل (فن المؤامرة) في كتاب "أصول المهنة" : عدم رغبة حزب الله في الإنصياع للقانون وسلطة الدولة الرسمية، حيازته للسلاح، استخدامه المتكرر للقوة، خرق القرار 1701، العمل لمصلحة الحزب الخاصة ومصالح إيران، التسبب بالحروب، وهو، أي حزب الله، كما يستمر الأستاذ في التلقين، يختلف عن سائر المجموعات اللبنانية التي تسعى للعب دور بناء في النظام السياسي اللبناني، فهو الميليشيا الوحيدة التي ترفض التخلي عن سلاحها، وإن نظرة إلى الصراع الكارثي عام 2006 ستبين لنا مدى خطورة وجود السلاح في يد حزب الله، ففي تلك الحرب قرر الحزب بشكل منفرد اتخاذ خطوات استدرجت البلاد نحو صراع مفتوح، وفي أيار عام 2008 هاجم الحزب المدنيين اللبنانيين، ولا ينسى فيلتمان بحرصه المعروف على تنشئة صف سياسي فاعل الإشارة إلى تورط الحزب في تجارة وتهريب المخدرات، وكذلك إلى شبكة الحزب للإتصالات التي تسرق الخزينة العامة على حد قوله.
السرد حتى الآن يتحدث عن الضرورة الكامنة في المصلحة الأمريكية التي تبرر استهداف المقاومة في لبنان، ولكن سيصل الأستاذ فيلتمان الآن إلى استخدام صيغة قانونية وسياسية ملزمة، تميز نظرته إلى الحزب عن النظرة الأمريكية تجاه حركات أخرى مماثلة في الشرق الأوسط.
"في الخامس والعشرين من أيار هذا العام (2010) قال حسن نصر الله في خطابة للمرة الأولى بأن الحزب مستعد لقصف السفن الإسرائيلية التجارية والعسكرية في حال استهدفت اسرائيل المرافئ اللبنانية أو حاصرت لبنان بحرياً في أي حرب قادمة" هنا اختلفت المقاربة، كأنه يضرب بيده على الطاولة : انتباه ! ممنوع أن تدافعوا عن أنفسكم أيها اللبنانيون ! ويبدأ بعرض مقاربة مباشرة وإلزامية أمام أعيان مجلس الشيوخ مفترضاً أن تلاميذه الصغار في لبنان سيكونون في حالة تجاهل، ولا شك أن بعضهم يردد آمين، يبدأ "إدارة أوباما ملتزمة بتأمين أمن إسرائيل ومساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها.. لقد تعاونت الولايات المتحدة بشكل وثيق مع إسرائيل لتطوير قدراتها الدفاعية في مواجهة الصواريخ الباليستية".
يشرح مفصلاً عمق الروابط الإلزامية تجاه إسرائيل، فهنا يتحرك ضمير الأعيان في مجتمع الكاوبوي القذر "سلاح حزب الله تهديد لكل من لبنان وإٍسرائيل .. وهو يدعي أنه يحمل السلاح للدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل وينال شعبيته بذلك، في الواقع يستخدم الحزب الصراع مع إسرائيل لكسب التأييد الشعبي وتشريع امتلاكه للترسانة الضخمة من الأسلحة، ليتمكن من العمل كنقطة ارتكاز لإيران في المنطقة" هذا ليس فارس سعيد، للتنبيه، إنه أستاذه، والصف السياسي ببغاوات.
يستكمل فيلتمان مقاربته التي تشكل الدليل العملاني الملزم لفريقه اللبناني، يشير إلى استغلال الحزب لانتصار عام 2000، ومؤكداً بأن السلام الشامل لن يستثني المصالح اللبنانية، لكن وللأسف فإن إيران وحزب الله لديهم رؤية مختلفة ترفض حق إسرائيل في الوجود، وهنا عمق ومحور المشكلة.
المقدمات الأدبية والسياسية وتلك الإلزامية المتعلقة بحماية اسرائيل سيقت لأجل المحافظة على تدفق المال للفريق اللبناني، لقد تم دفع نصف مليار دولار منذ عام 2006، وذلك في سبيل دعم بدائل التطرف، وحصر قدرة حزب الله على استقطاب الشباب، ودعم الجمهور من خلال احترام حقوقه وتوفير فرص مناسبة له، "من خلال USAID و MEPI استثمرنا خمسمائة مليون دولار في هذا المجال منذ عام 2006 .. وإذا سمحنا بتراجع هذه الميزانية سنتسبب بخلق ظروف يستطيع حزب الله في ظلها، عبر ملء الفراغ، أن يزداد قوة وتطوراً".
قدم لنا أستاذ الإستعمار الحديث نظرية مكرورة تمت تجربتها منذ قرون مع سائر حركات المقاومة التي انطلقت في الدول المحتلة أو تلك المهددة بالإحتلال، نجحت حيناً وفشلت حيناً آخر في إخماد حالة الرفض والممانعة، واليوم لا بد من إفادة ممثل مملكة الجشع الأمريكية، السيد فيلتمان، بأن المقاومة تملك ما لا يشترى بالمال، تملك القلوب الجاهزة للتضحية وتملك القلوب الصابرة لأمهات الشهداء التي ترى في السيدة زينب عليها السلام نموذجاً في بناء مجتمع عزيز ومستقل وقادرة على مواجهة الإمبراطورية وتوابعها الصغار والكبار .. كد كيدك فها هي المقاومة تنمو أكثر مما كانت عام 2006 و 2010 وسيأتي اليوم الذي يتم فيه دفن الكتب والنظريات الإستعمارية في تراب الجليل.
رابط النص الكامل لشهادة جيفري فيلتمان :
http://www.state.gov/p/nea/rls/rm/142857.htm
رابط الفيديو الخاص بالشهادة :
http://link.brightcove.com/services/player/bcpid1705667530?bctid=90672309001