النص الكامل لمقابلة سماحة السيد حسن نصرالله مع قناة المنار - الجمعة 25 أيلول 2015
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عند كل لقاء مع سماحة السيد حسن نصرالله تتخلى اللغة عن كبريائها وتجاهر بانحيازها إليه، تحار من أين تبدأ وأين تنتهي عندما تكون في حضرته، كلما اقتربت منه اكتشفت صعوبة الإحاطة به، وكلما استفضت بالوصف شعرت بالنقص. صحيح أن ظروف المنطقة الغارقة في بحور الدم والمياه، تجعل الفرح بعيد الأضحى هذا العام غير مكتمل النصاب، لكن إطلالة السيد نصرالله على اللبنانيين والعرب والمسلمين في هذا اليوم تحديداً، ستعوض على الكثيرين البهجة وستضخ في عروقهم أكياساً من مصل الأمل والطمأنينة. من اليمن الصابر إلى لبنان المترنح مروراً بسوريا الملتهبة وفلسطين الصامدة والبحرين المتألمة سيمتد حوار العيد، بل هو عيد الحوار مع الأمين العام لحزب الله الذي استطاع أن ينتزع موقعاً بين اللاعبين الكبار في المنطقة، مشاركاً في صنع مصيرها ومستقبلها باللحم الحي، فيما اختار آخرون الجلوس على مقاعد الاحتياط أو المدرجات. سماحة السيد أهلاً وسهلاً فيك. سماحة السيد نصرالله: أهلاً وسهلاً فيك. - ينعاد عليك، أضحى مبارك، وإن شاء الله دائماً تبقى بهذه الهمّة وهذه الهمّة المعدية التي تشمل الجميع. أريد أن أشكرك أنا على المستوى الشخصي لأنك منحتني هذا الشرف، شرف استضافتك في ثاني أيام العيد، وهذه أكبر عيدية أعتبرها لي وحتى لكل المشاهدين. بما أنه نحن في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، السؤال كيف تعايد الجرحى، عائلات الشهداء، عموم اللبنانيين والعرب والمسلمين، وأكيد في طليعتهم المجاهدين. سماحة السيد نصرالله: في أيام العيد عادة أقول لكل الأحباء والمسلمين ولكل اللبنانيين: كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك وأضحى مجيد ومبارك، لكن للأسف الشديد، أولاً احداث وتطورات المنطقة منذ سنوات لا تسمح ببهجة العيد، وأيضاً ما جرى للأسف الشديد بالأمس في منى وما أصاب حجاج بيت الله الحرام كان مؤلما ومدمياً للقلوب ومثيراً للأحزان ويستحق التوقف عنده طويلاً، لكن بكل الأحوال تحولت المناسبة تبريكاً بالعيد وتعزية بالضحايا الذين خرجوا من بيوتهم وهاجروا إلى الله سبحانه وتعالى والتحقوا بالرفيق الأعلى. أنا اقول للجميع: كل عام وأنتم بخير، إن شاء الله مبارك لكم هذا العيد، بالتأكيد نخص عوائل الشهداء والجرحى وعوائلهم والمجاهدين وكل المدافعين عن لبنان وعن المنطقة وعن المقدسات وعن شعوب هذه المنطقة في مواجهة المشاريع التي تستهدف إذلالهم أو قتلهم أو إفناء وجودهم ـ لأن المشاريع تطورت في الآونة الأخيرة ـ أو تستهدف مقدساتهم أو تستهدف حياتهم، هؤلاء هم أولى أن نتوجه لهم بالتبريك. على كل حال مبارك للجميع إن شاء الله. س: مأساة الحجاج الضحايا أرخت بظلالها القاتمة على عيد الأضحى، كيف كان وقع هذه الحادثة الأليمة عليكم؟؟ سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن وقعها على كل إنسان مسلماً كان أو غير مسلم من الناحية الإنسانية وقع كبير جداً. طبعاً على المسلمين أشد، نتيجة الرابط العقائدي والديني. ثانياً: إن هؤلاء كانوا في الديار المقدسة ويقومون بأحد الواجبات الإسلامية والدينية والعبادية المهمة. طبعاً عدد الضحايا أكثر من 700 وفاة و900 إصابة تقريباً إلى الآن، هناك أعداد من المفقودين غير معلوم إذا توفوا أو أصيبوا، من الأكيد أن هناك أناساً ضاعوا. الحادث حادث جلل ومؤلم ومحزن جداً... س: هذا من حيث الجانب الإنساني، وبالنسبة إلى الجانب الإجرائي، ما هو المطلوب لعدم تكرار مثل هذه المآسي؟؟ سماحة السيد نصرالله: بالدرجة الأولى مثل أي حادث يحصل وإن كان هذا حادث كبير لا أحد يقدر أن يصغّر الموضوع ويعتبره مثلا مسألة محدودة، ممكن نتيجة الالتباسات الموجودة اليوم في منطقتنا وبالعالم الاسلامي والصراعات السياسية الإقليمية، يمكن أحد ما أن يخذه مباشرة على الصراع السياسي، وهنا قد يضيع حق الحجاج الذين قضوا والحجاج الذين أصيبوا وأوليائهم وأيضا حكوماتهم. أنا أريد أن أقارب الموضوع بطريقة مختلفة، بمعزل عن الصراع السياسي الموجود بالمنطقة لأن اليوم السعودية هي جزء من الصراع القائم وهي تشن حروباً في اليمن مباشرة وغير مباشرة، في أماكن أخرى، في سوريا وغيرها. من المنطقي جداً أن تتحمل الحكومة السعودية المسؤولية كاملة عن الحادثة لأنها هي التي تدير مناسك الحج وتتصدى لهذه المسؤولية وترفض أن يشاركها أحد في هذه المسؤولية، أنت تعرف، هذا نقاش له عقود من الزمن في العالم الإسلامي. إلقاء التبعات على الحجاج أنهم تدافعوا أو لم يلتزموا هو تبسيط للموضوع، لكن الأهم أنت لما تتكلم بالإدارة فسيؤخذ بعين الاعتبار تدافع الحجاج.. مثلاً 1990 وقع تدافع كبير في نفق بمنى وحينها لقي نحو 1426 حاجاً مصرعهم ومعظمهم قضى اختناقاً، في العام 2004 توفي 244 حاجاً في اليوم الأول لرمي الجمرات بعد تدافع وقع في منى، وهنا بالعام 2006 أدى تدافع الحجاج في ثاني أيام التشريق إلى وفاة 340 حاجاً، الإدارة أصلاً، ما هي الإدارة؟ أنه لما يحصل خلل ما تكتشف الخلل وتعالجه من خلال الخطط الجديدة، طيب لمّا يحصل بـ 1990 و 2004 و2006 وأمس صار هذا الشيء الضخم، هذا معناه أن هناك خللاً بالادارة وبالتخطيط وخللاً بالمقدمات وما يمكن أن يقول إن الحجاج يتدافعون، الإدارة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار العدد وتأخذ بعين الاعتبار تدافع الحجاج وتعمل كل الاجراءات حتى إذا حصل خلل من هذا النوع لا يؤدي الى هذه الكارثة، على كلِّ هم قالوا إنه سيجري تحقيق ولازم يكون لجنة تحقيق عليا. نحن ندعو بالحد الأدنى إلى أن يتم وأن تدخل مندوبين من الدول التي لحق رعاياها بهذه الكارثة وبالحد الأدنى بعض الدول التي عندها أعداد كبيرة مثلاً إيران، والمغرب ، وبعض الأرقام الثانية غير واضحة جنسياتها، بالحد الأدنى دولتين ثلاث أربع التي لها الحصة الأكبر من الضحايا والمصابين، يجب أن يكون عندهم مندوبون في لجنة التحقيق لكي يطمئنوا أن التحقيق متقدم بشكل واقعي وموضوعي. ليس للتغطية على المرتكبين أو المقصرين الحقيقيين.. أنا اعتقد أنه سيفتح النقاش "من أول وجديد" على مستوى منظمة التعاون الإسلامي أعتقد أن هناك دولاً إسلامية سوف تدعو إلى إعادة النظر في هذا الأمر. وهناك بالحقيقة طرحان: إدارة لموسم الحج، وهذا طبعاً ما ترفضه السعودية، والطرح الثاني إشراف، يعني يمكن أن تبقى الإدارة بيد الحكومة السعودية، لكن تكون هناك هيئة إشراف من منظمة التعاون الاسلامي وتتمثل فيها الدول التي لديها أكبر عدد من الحجيج، مثلاً: إندونيسيا، إيران، تركيا، مصر.. معروفة الدول التي عندها أعداد كبيرة ولجنة الإشراف تطمئن، ترى الخطط، وتتأكد من الإجراءات والتدابير، ولأنها هي ترسل مواطنيها إلى موسم الحج. في نهاية المطاف ترك هذا العبء الضخم يعني إصرار حكومة المملكة العربية السعودية على منع الدول الإسلامية الأخرى من المشاركة بشكل أو بآخر في الإشراف أو في الإدارة لم يعد له أي سبب أو منطق خصوصاً أمام تكرار الفشل الذي يؤدي إلى فجائع وإلى كوارث إنسانية.. س: سماحة السيد اسمح لي الآن أن ندخل إلى الملفات السياسية لكن أريد أن أمهّد لهذا الأمر بسؤال مفتاح، خصومكم، أعني الخصوم السياسيين لحزب الله، كانوا يتهمونه دائماً بأنه دولة ضمن الدولة، هذه المقولة الرائجة والمعروفة، كم نستطيع أن نقول الآن بعد اتساع دوركم وتمددكم إلى خارج الحدود اللبنانية أنكم أصبحتم أكبر من الدولة، يعني تطورت المعادلة من دولة ضمن دولة إلى حزب أكبر من الدولة. واستطراداً، إذا أردنا أن نعرّف حزب الله بخريف 2015، يعني بأيلول 2015 نريد أن نقدم تعريفاً لحزب الله، ماذا يمكننا أن نقول، نقول عنه حزب لبناني بأبعاد إقليمية أم قوة إقليمية ببعد لبناني؟ سماحة السيد نصرالله: حتى لا أدخل بالتصنيفات، دولة داخل دولة، لا أٌقبل هذه التوصيفات التي يطلقونها وهي غير صحيحة، أختصر بالإجابة وأقول، هو حزب لبناني له تأثير في الأوضاع الإقليمية، في الأحداث الإقليمية، الآن إذا كان أحد يريد أن يوصّفنا أكثر من ذلك، هذا شأنه، لكن نحن متواضعون ونحن حزب لبناني وتشكيلنا لبناني، ولكن بنتيجة توقيت المنطقة وأحداث المنطقة لدينا، بسبب تحالفاتنا وعلاقاتنا وصداقاتنا وقدرتنا على الحضور في بعض المساحات أو الميداين أو المجالات، يمكننا أن نقول: بات لنا نوع من التأثير الإقليمي. - معروف عنك التواضع سماحة السيد. إذا أردنا أن نفصّل الآن بالمشهد السوري الذي هو محور الأحداث في المنطقة، يؤثر ويتأثر، كيف يمكن تظهير المشهد السوري سماحة السيد ربطاً بالتطورات الاستراتيجية التي طرأت عليه مؤخراً، من التدخل الروسي الواسع المدى في سوريا إلى التحولات في الموقف الأوروبي الذي كان يعتبر أن تنحي الرئيس بشار الأسد هو أولوية، فإذا بالأوروبيين الآن يقولون لا، يمكن أن يكون الرئيس الأسد شريكاً في الحل السياسي والمرحلة الانتقالية، وحتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل إلى هذا المدى، رغم العداء المعروف بينه وبين الرئيس السوري، كيف تقرأ هذه التحولات في الخريطة السورية؟ سماحة السيد نصرالله: هذا الذي يحصل الآن هو نتيجة طبيعية متوقعة لأسباب عديدة: السبب الأول هو الصمود في سوريا، يعني اليوم نحن تجاوزنا 4 سنين ونيف، نحن قريبون على 5 سنين، يعني بعد عدة أشهر يكون مر على الأحداث في سوريا 5 سنين. حسناً، 5 سنين من الحرب الكونية، من دون مبالغة يعني، الحرب الكونية على سورية، والهدف كان هو إسقاط النظام والسيطرة على سوريا وعلى دمشق بالتحديد كعاصمة للدولة السورية. الصمود الذي صار في سوريا، يعني صمود القيادة والنظام والجيش والشعب السوري وصمود حلفاء سوريا إلى جانبها وعدم تخلّيهم عنها رغم كل الضغوط التي تعرضوا لها خلال أيضاً قريب الخمس سنوات، أعتقد هذا العامل الرئيسي. بعد ذلك، بدأت تداعيات الفشل في سوريا تظهر، يعني بدأت التداعيات والنتائج والآثار تبدو على أولئك الذين خاضوا هذه الحرب الكونية. يعني إذا أخذناعناوين سريعة مثلاً: واحد، فشل استراتيجية أوباما في مواجهة داعش والإرهاب، هو الآن يبشر بفشل استراتيجية بوتين، دع بوتين جانباً، أنت استراتيجيتك فشلت، والجنرال المتقاعد الذي عينته مسؤولاً ومنسقاً لحملة التحالف الدولي ضد داعش هو الآن، حسب وسائل الإعلام، قدّم استقالته، يمكن بشهر تشرين يغادر الرجل. أتيتم باعترافكم 2000، درّبتم 2000 شخص من المعارضة المعتدلة لقتال داعش، الذي قبل أن يقاتل داعش من 2000، طبعاً صرفوا عليهم 50 مليون دولار، الذي قبل أن يقاتل داعش من 2000، 75، بقي منهم 5. يعني إذا كنا نريد أن نمزح، مثل "هذا الولد الذي قال لأبيه بالعيد أعطيني 100 قال له ما حاجتك بالـ100، هذه 50، 25 لك ولأخيك مثلاً". بقي من الـ75، 5، هذا دليل فشل ذريع. أيضاً سلاح الجو، أنا أتذكر من سنة، أول ما صار موضوع داعش وحكي عن استراتيجية القصف الجوي، قلت إن هذه استراتيجية فاشلة، القصف الجوي لا يمكن أن يغيّر معادلة ولا أن يحسم معركة، بمعزل عن القوات البرية الميدانية. إذاً فشل استراتيجية التحالف الدولي ضد الإرهاب أو ضد دعش وبالتحديد الاستراتيجية الأميركية. عموماً فشل كل الخطوات التي قاموا فيها، كل المسلحين الذين جاءوا بهم من كل أنحاء العالم، الدعم الإعلامي، الدعم المالي، الدعم اللوجسيتي، غرف العمليات في دول الإقليم، هذا كله فشل. - اسمح لي استطراداً أن الفصائل المسلحة في سوريا والمجموعات الإرهابية حققت مؤخراً إنجازات وصفت بأنها نوعية على الأرض، ألا يعد ذلك نجاحاً لهذا المحور؟ سماحة السيد نصرالله: لا، بالنهاية نتيجة المعركة، أنت يجب أن تأخذ المشهد العام، التقدم في مكان ما والتراجع في مكان ما، هذا يحصل بأي معركة بأي حرب، بشكل طبيعي جداً، بكل حروب التاريخ، والعالم الآن لا يحكم على مصير الحرب من خلال التقدم الجزئي هنا أو التراجع الجزئي هناك. حسناً، من التداعيات التي أثرت على التبدل في الموقف الدولي هو عودة هؤلاء الذين جاءوا إلى سوريا، الإرهابيين، التكفيريين، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى بلجيكا، إلى بريطانيا. فإذاً ارتداد الإرهاب على الدول التي دعمت وهذا قيل منذ الأشهر الأولى لهذه الدول، أن هذا الإرهاب سيرتد عليكم. الآن المستجد أيضاً هو موضوع المهاجرين واللاجئين، يعني لما بدأت هذه الحملة منذ أسابيع، عشرات الآلاف أو مئات الآلاف، هذا استحقاق أمام الأوروبيين، هم يتكلمون بحقوق الإنسان، هم لا يستطيعون أن يقفلوا حدودهم ويتركوا العالم تموت بالمحيط أو بالبحر، لأنه هم يدّعون أنهم دول ملتزمة بحقوق الإنسان ودول ديمقراطية وإلى آخره. هذه من تداعيات الحرب، هذا كيف يعالج، إما أن تستوعبوا هؤلاء المهاجرين عندكم، وإما أن تعالجوا السبب. علاج السبب هو أن تقبلوا بحل سياسي في سوريا، أن توقفوا الحرب في سوريا، وهذا هو العلاج الحقيقي. إذاً هذه مجموعة عوامل، من أهم العوامل أيضاً، الاتفاق النووي الإيراني مع الخمس زائد واحد، يمكن خلال فترة المفاوضات كان الأميركيون أو الأوربيون يعتقدوا أن في سياق المفاوضات مع الإيرانيين يمكن أن تساوم إيران على مصير سوريا، وبالتالي نحن نأتي للإيراني، نعطيه ما يريد، أو الذي يرضيه في الملف النووي ونخرجه من معركة سوريا وبالتالي نبعد أحد حلفاء سوريا عن هذه المعركة، هذا أيضاً انتهى، وأنه كما صار واضحاً واعترف الأميركيون أنفسهم، أن كل المفاوضات النووية كانت فقط نووية، يعني لا يوجد شيء آخر، لا سوريا ولا لبنان ولا اليمن ولا أي شيء آخر. أذاً هناك مجموعة عوامل، بالتأكيد من أهم العوامل أيضاً الجديدة هو التدخل، هذا التقدم في الموقف، التصعيد في الموقف الروسي، السياسي والعسكري أيضاً، جعل مثل ميركل ومثل هولاند ومثل بقية المسؤولين، بل جعل الأميركان أنفسهم، جعل الأتراك أنفسهم. - أن يصبحوا واقعيين؟ سماحة السيد نصرالله: يعني أردوغان أين حكى هذا الكلام، حكاه في موسكو، هذا يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، كان الكلام أيضاً، لأنه هناك بالتأكيد سمع كلاماً من الرئيس بوتين يدل على جديّة الروس في هذا الموقف المستجد أو المتطور في الموضوع السوري. - سماحة السيد هذا الموقف الروسي المستجد يحتاج بالتأكيد إلى تشريح، وسماحتك لست فقط تجيد القراءة بين السطور، أنت تملك المعلومات، كيف يمكن فهم دوافع قرار فلاديمير بوتين بتوسيع التدخل أو الحضور العسكري الروسي في سوريا في هذا التوقيت بالذات، يعني ما هي الرسائل التي أراد إيصالها عبر البريد السوري السريع؟ سماحة السيد نصرالله: انظر هناك مقطعان، هناك المقطع الأول الذي هو الموقف العام، أن روسيا وقفت إلى جانب سوريا من بداية الأحداث، وقفت إلى جانبها في مجلس الأمن، كانت تضع فيتو على أي مشروع يستهدف سوريا، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على مستوى فتح آفاق الحوار، على مستوى تنفيذ عقود السلاح والذخيرة وتقديم المشورة، هذا كان يسير طبيعياً جداً. لكن لم يتطور الموقف بالموضوع العسكري إلى حد أن يبعث هو مثلاً طائرات طياريها منه، يعني من الجيش الروسي، أو مثلاً سلاح مدفعية طاقمه روسي، يعني الوجود، دعني أقول، القتالي، ليس مستشارين يأتون ليقدموا استشارات. التطور كبير، هذا أدخله أنا في المقطع الثاني. في المقطع الأول، طبيعي حسابات روسيا، يعني أولاً من مصلحتها السياسية الكبرى على المستوى الدولي، على المستوى الإقليمي، سوريا هي الحليفة الوحيدة المتبقية لروسيا في كل المنطقة يعني، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغرب آسيا، فإذا خسرت سوريا المواجهة صارت في روسيا، في مصالحها السياسية، موقعها الدولي، موقعها في التأثير بأوضاع المنطقة، مصالحها الاقتصادية، الاستراتيجية، كل هذا يفرض عليها إضافة إلى العلاقة التاريخية بين سوريا وروسيا أيام الاتحاد السوفياتي. حسناً، هذا يأتي في المقطع العام. مع ذلك، كان هناك رهان خلال السنوات الماضية عند الأمريكيين وعند الأوروبيين، حتى عند بعض الدول العربية مثل السعودية، مثل قطر، مثل تركيا، أنها تستطيع أن تقنع موسكو أن تبتعد عن دمشق. وحصلت هذه الزيارات كما نلاحظ السنة الماضية أو هذه السنة، وجرى تقديم إغراءات هائلة لموسكو على مستوى شراء السلاح، على مستوى العلاقات التجارية، الاقتصادية، ضمان مصالح روسيا في سوريا وفي المنطقة، كلها كانت محاولات لإقناع الروس بأن: اخرجوا من هذا الموقف ونحن نضمن مصالحكم. هذا لم يؤدّ إلى نتيجة، في مكان ما إذا أريد أن أكمل الصورة، كان هناك ناس يعتقدون أن الروسي ليس حاسماً في موقفه إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وكان ينقل كلمات أحياناً قد تفيد أنه يوجد هذا الالتباس. الآن، المقطع الثاني، هناك مستجدات مهمة، موضوع أوكرانيا مهم وأداء الغرب عموماً والأمريكان مع الروس كان أداء قاسياً ومهيناً، هذا من جهة. اثنين، يرجع أيضاً الاتفاق النووي الإيراني، إذا كنتم تذكرون قبل سنوات، جاء الأمريكان وأنشأوا شيئاً في أوروبا الشرقية، ببولندا بالتحديد، اسمه الدرع الصاروخية. موسكو اعتبرت أن هذا يستهدف روسيا وأمنها القومي، الأمريكان قالوا لهم لا، هذا الموضوع له علاقة بإيران، لأننا نحن نتهم إيران أنها تريد أن تصنع سلاحاً نووياً، ونحن نحتاج لهذه الدرع الصاروخية بسبب إيران. لما صار الاتفاق النووي، إيران و5+1، قال الروس للأمريكان: حسناً، هذا الموضوع انتهى، لا يوجد سلاح نووي وهذا اتفاق وعولج الموضوع، تفضلوا انزعوا الدرع الصاروخية، ولكن الأمريكان لم ينزعوا الدرع. هذا زاد قلق الروس. "طحشة" الناتو في أوروبا الشرقية، الآن، الآن، هو على حدود روسيا، يعني لم يعد هناك فواصل بين الحدود الروسية وبين أماكن حضور الناتو بشكل مباشر، هذه عوامل يجب أن تأخذها الآن بعين الاعتبار. حسناً، أيضاً، هناك شيء مهم جداً، الذي اسمه موضوع داعش والذي اسمه الإرهاب، هناك جزء كبير ممن يقاتل في سوريا، خصوصاً في شمال سوريا، هم من الشيشان، من داغستان ومن تلك المناطق، وتركيا أمّنت لهم المعبر الآمن، أصبح عندهم معسكرات وعندهم تشكيلات وعندهم قدرات ويخوضون معارك، هؤلاء غداً إلى أين سيعودون؟ إلى دول الاتحاد الروسي، وبالتالي سيهددون الأمن القومي. فشل أميركا وفشل التحالف الدولي في الحاق الهزيمة بداعش كان أحد الأسباب التي دعت أو حفزت روسيا أن تأتي أيضاً وتحضر بشكل مباشر. معلوماتي أنا، أن هذا الموضوع يناقش منذ عدة أشهر، روسيا دعت إلى تحالف جديد في مواجهة الإرهاب على أن يضم هذا التحالف إيران والعراق وسوريا، باعتبار أن التحالف الآخر موجودة فيه الدول المعروفة زائد السعودية وبعض دول الخليج، والعراق موجود لأنه عُمل من أجل العراق. إيران وسوريا خارج التحالف، وتركيا أيضاً كانت خارج التحالف. الروسي جاء وقال: يجب أن نقيم تحالفاً دولياً جديداً يضم إليه إيران وتركيا وسوريا. - إلى جانب الولايات المتحدة والآخرين؟ سماحة السيد نصرالله: إلى جانب كل الدول. طبعاً أميركا لا تقبل، تعتبر مشكلتها مع النظام في سوريا، الآن بمعزل عن الموقف الإيراني، أنه يقبل أن يكون جزءاً من تحالف موجودة فيه الولايات المتحدة الأميركية وهو لا يقبل أن يقاتل في جبهة في العراق إذا كان الأمريكان لهم علاقة بهذه الجبهة، هذا بحث آخر. طبعاً تركيا والسعودية لم تتجاوب، أولئك عندهم تحالفهم، فركب نواة، طبعاً ليس تحالفاً بمعنى تحالف في كل شيء، تحالف ضد داعش، في محاربة الإرهاب، روسي، عراقي، إيراني، سوري. - حزب الله. سماحة السيد نصرالله: لا، لا، نتكلم الآن دول. وحصلت لقاءات بين قيادات كبيرة جداً، بين هذه الدول، لقاءات في طهران، في بغداد، في دمشق وفي موسكو، وهذا الأمر منذ عدة أشهر، طبعاً الأمريكان والغرب والسعوديون والأتراك ودول المنطقة تعرف بهذه اللقاءات، صحيح هي لم تُصور بالإعلام لكن أخبارها لم تبقَ مخفية. وكان هناك نقاش جدي لتشكيل حلف حقيقي وقوي على مستويات مختلفة ومواجهة مشتركة لكل حالات الإرهاب الموجودة في المنطقة. إذاً الموضوع يعدّ له من عدة أشهر، ليس "ابن ساعته الحالية". لذلك نحن نعتبر أن الدخول الروسي الآن له هذه الأسباب المباشرة والأسباب العامة التي حكيتها بالمقطع الأول، وهذا ترجمة لشيء قلناه قبل عدة سنوات. لما صاروا يقولون إن دمشق تسقط وسوريا تسقط وقلنا إن سوريا قادرة أن تصمد وأن حلفاءها لن يتخلوا عنها، هذه الترجمة. الجديد، يعني اليوم، بالعسكري هو هذا وأيضاً بالسياسة، أن الموقف الروسي في موضوع الرئيس بشار الأسد لم يعد هناك التباس، أنه والله بين الرئيس بوتين وبين الخارجية وبين المجلس وفلان قال ذلك، انتهى الموضوع. حتى في الجمهورية الإسلامية كان الأمريكان يحاولون أنه مثلاً ممكن أن يجدوا أحداً في إيران يقبل معهم بفكرة البحث عن بديل أو خيارات بديلة أو ما شاكل. أنا أعتقد أنه في هذه اللحظة الحالية الموقف الروسي حاسم جداً، والموقف الإيراني حاسم جداً، وهذا تطورات الميدان أيضاً كان لها هذه الأحداث، التي قلناها قبل قليل، تركت تأثيرها على الموقف الدولي بشكل عام. - إذا كنا نريد أن نتكلم سماحة السيد بالموقف، يعني الموقف الرسمي لحزب الله، ما هو موقف حزب الله، وباعتباره موجوداً أيضاً على الأرض السورية، وهو بالتالي شريك بكل هذه المعادلة، ما هو موقفه من هذا العنصر المستجد، من الدخول الروسي المباشر والواسع على خط الحرب؟ سماحة السيد نصرالله: نحن نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة، لأنها من خلال مشاركتها سوف تساهم في إبعاد الأخطار الكبرى التي تتهدد سوريا وتتهدد كل المنطقة. يعني بناءً على فهمنا لطبيعة المعركة القائمة في سوريا وأهدافها والمشروع الذي يعمل عليه والأخطار التي تمثلها بالنسبة لسوريا ولبنان وفلسطين والعراق وحتى منطقة الخليج وكل المحيط، نحن نعتبر دخول العامل الروسي أو أي عامل آخر نعتبره إيجابياً ومسانداً ومساهماً وتترتب عليه نتائج كبيرة جداً إن شاء الله. طبعاً حاول بعض وسائل الإعلام، بعض الجهات، أن يقولوا أن هناك موقفاً سلبياً أو هناك "نقزة" أوهناك قلقاً، هذا غير صحيح، هذه الحركة الروسية كانت منسقة في إطار ـ بالحد الأدنى ـ الدول الأربعة التي تكلمت عنها قبل قليل. - يعني ألا يأتي هذا الوجود أو الحضور الروسي الواسع في سوريا على حساب النفوذ الإيراني؟ سماحة السيد نصرالله: لا، أصلاً لا يوجد نفوذ إيراني في سوريا، يعني إيران ماذا تريد في سوريا، حتى نقول أن التواجد الروسي يزاحمها أو ينافسها. إيران كل ما تريده في سوريا أن تبقى سوريا في محور المقاومة وأن يصمد هذا النظام وأن لا يسيطر التكفيريون على سوريا، طبعاً هي تؤيد الإصلاحات في سوريا والتطوير السياسي والاجتماعي في سوريا، لا نقاش فيه، وإلا إيران لا في السابق ولا الآن تتدخل في أي شأن من الشؤون السورية الداخلية، طبعاً خلافاً لما يقوله بعض الإعلام الخليجي، يقول لك إن الحرس الثوري يحتل سوريا، هذا كلام فارغ، أو أن الإيرانيين هم يديرون ويقررون ويفعلون ما يشاؤون، أبداً، القيادة والإدارة في سوريا والقرار في سوريا هو سوري مئة بالمئة، الإيراني كل همه وغمه في سوريا هو عدم السماح بأن تسقط سوريا في يد هذه الموجات التكفيرية التي تهدد الجميع، يعني لا يوجد منافسة. - هل لديكم أي معلومات حول حجم الانخراط العسكري الروسي في سوريا، يعني يحكى تارة عن قواعد جوية طوراً عن مستشارين بعدد كبير، ما هو شكل التطور في الحضور الروسي؟ سماحة السيد نصرالله: الآن دعنا لا نعطي أرقاماً، لأنه ما زال يكتمل، يعني لم يكتمل بعد، لكن هذا أصبح معروفاً أنا لا أكشف سراً أن هناك أعداداً معتد بها من الطائرات الحربية المتطورة جداً، يعني طائرات حربية، هليوكبتر أيضاً، صواريخ دقيقة الإصابة، مدافع أيضاً دقيقة الإصابة، إمكانات متطورة جداً جاءوا بها مع أطقم. الآن العدد والأطقم يبان كله لاحقاً. لكن هناك حضور ـ المقدار الذي نعرفه حتى الآن ـ بالتأكيد سيكون مؤثراً في مسار المعركة القائمة. - وهل هذا التدخل الروسي قابل للتطور في المدى الأطول، بمعنى هل يمكن أن نرى يوماً ما قوات روسية برية تقاتل إلى جانب الجيش السوري؟ سماحة السيد نصرالله: ممكن، هم أعلنوا ذلك، هم قالوا إذا طلبت منا دمشق أن نرسل قوات نحن جاهزون، لكن حتى الآن هذا الطلب السوري لم يحصل، وهذا يمكن أن يحصل في أي وقت. - ماذا عن الموقف الأميركي ـ سماحة السيد ـ من التدخل الروسي في سوريا، أيضاً كأن الأميركيين عندهم بعض الإرباك، ساعة تسمع أن هناك تفهّم، مرة أخرى تسمع أن هناك انتقاداً وقلقاً، وفق فهمك للأمور ما هي حقيقة الموقف الأميركي؟ سماحة السيد نصرالله: أنا أعتقد أن الروس فرضوا أنفسهم، الأميركان ليسوا من النوع الذين يفتحوا مجالات للضعاف، يعني إذا كنت تتكلم مع الأميركان كعاقل وتطلب أن يكون لك دور وأن يعطوك مساحة أو هامش، لا هم لا يعملون هكذا، يعني هم "بدفشوا تدفيش" الأميركان، عقل الهيمنة والاستكبار والتسلط هو الحاسم والزنود عند الأميركان. الروس استفادوا من هذا التطور، هم يقرأون جيداً، عرفوا أن الموقف الأوروبي يتحول ويتبدل، رأوا الفشل الأميركي والدولي في مواجهة داعش، هذا الخطر يكبر، جاءوا وفرضوا أنفسهم على المعادلة. هنا الأميركي تلبك، طبعاً الأميركي برغماتي، لما يفرض عليه أمر واقع يعبر عن قلقه، عن استيائه، عن انزعاجه، عن مخاوفه، ولكن يتعايش معه ويحاول أن يقلل الخسائر ويوظف هذا الواقع الجديد بما يخدم رؤيته أو مشروعه. ولذلك ترى الموقف الأميركي ملتبساً ومرتبكاً. لكن فكرة أن الذي قيل ببعض وسائل الإعلام أن الروس والأمريكان متفقون على كل شيء له علاقة بسوريا وله علاقة بالمنطقة وفي هذا السياق جاءت القوة الروسية إلى سوريا، هذا لا نوافق عليه، هذا كلام، تحليل ليس له أي معطيات. - هل تؤيدون في هذه المرحلة تحديداً توسيع الشراكة في محاربة داعش بحيث تضم، مثل ما كنت تقول قبل قليل، الروس والإيرانيين والعراقيين وحزب الله إلى جانب الأميركيين وحلفائهم؟ سماحة السيد نصرالله: الآن هناك فرق بين الأمريكان وحلفائهم، يعني والله مثلاً إذا دخلت الدول الإقليمية في مواجهة الإرهاب، هذا ممتاز جداً. يعني مثلاً، تركيا، أصلاً تركيا ليس هناك داع أن تدخل في مواجهة الإرهاب، يكفي أن تقفل الحدود على الإرهابيين الذين يأتون من كل أنحاء العالم وهي تسهل دخولهم إلى سوريا، ويكفي أن تقطع عنهم المال والسلاح والمدد، ويكفي أن توقف بيع النفط الذي يدر المال على داعش وعلى غير داعش، هذه أكبر خدمة تقدمها تركيا في مواجهة الإرهاب. أيضاً بقية الدول العربية التي تقدم المال والسلاح وتفتح الحدود وتسهل خروج المقاتلين وإعلامها أيضاً يدعم، يعني أنا أتهم بعض الفضائيات العربية المعروفة، أنه لا هي داعش، هي تدعم داعش بشكل غير مباشر، من خلال طريقتها في تقديم الأخبار والتحاليل وإلى آخره. على كل حال، أما الأميركان، لا الموضوع مختلف، نحن لا نثق بالأميركيين في محاربة الإرهاب أبداً، نحن نعتبر أن الأميركيين أولاً هم إرهاب، الإدارة الأميركية يعني، ليس الشعب الأميركي، هي رأس الإرهاب، هي دولة إرهابية وإدارة إرهابية وهي غير مؤهلة لا أخلاقياً ولا إنسانياً ولا سياسياً لمحاربة الإرهاب. ثانياً، أن هي غير جادة في محاربة الإرهاب الموجود الآن فعلاً، داعش والنصرة وغيرها، بل هي توظف هذه الحالات لخدمة مشروعها، هي ليست جادة، وهذا طبعاً بالآراء واضح ومبان. - سماحة السيد بالانتقال إلى الوضع الميداني السوري، الزبداني تتصدر الواجهة والمواجهة، لماذا الزبداني، يعني هذا السؤال الذي يخطر على البال تلقائياً، لماذا ذهب حزب الله إلى الزبداني، كان حسب معرفتنا وحسب ما أنتم كنتم تعملون على الأرض، كان هناك معركة مفتوحة في جرود القلمون وعرسال، كنا نواكبكم، فجأة فتحت معركة الزبداني، حتى قبل أن تنتهي معركة الجرود، لماذا؟ سماحة السيد نصرالله: هناك شيء له علاقة بغير المساعدة داخل سوريا، هناك شيء نحن اعتبرناه من بداية التدخل في الوضع السوري أن هذا له أهداف مشتركة، لبنانية ـ سورية، بدءاً من معركة القصير وصولاً إلى القلمون، وصولاً إلى جرود عرسال، طبعاً كان من جهة الشمال حسمت المعركة. نحن بالحد الأدنى، نحن نطمح إلى أن تكون كل الحدود اللبنانية ـ السورية ممسوكة، وإبعاد الجماعات المسلحة عن الحدود اللبنانية السورية، وهذا طبعاً يحمي لبنان ويحمي اللبنانيين ويحمي كل البلدات والمدن اللبنانية ويخفف العبء على الجيش اللبناني الذي هو معني بالتواجد بشكل أساسي على الحدود. حسناً، بعد إنجاز القصير جاءت القلمون، عندها لماذا القلمون ليس مكان آخر، لأن القلمون كانت مصدر السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني. انتهينا من القلمون الأولى نسميها، جاءوا إلى الجرود، ذهبنا إلى المرحلة التي بعدها على جرود القلمون وجرود عرسال، نحن في الحقيقة ـ تتذكرون ـ عندما تكلمنا عن هذه المعركة، أنا في التلفاز قلت ليس عندنا سقف مكاني، ليس عندنا سقف زماني، لكن نحن نعلم إلى أين نريد أن نصل، نريد أن نصل إلى المكان الذي وصلنا إليه بالتحديد. طبعاً، يبقى الهدف أن يأتي يوم من الأيام يحيث لا يكون هناك مسلح أو إرهابي في جرود عرسال أو في رأس بعلبك، هذا محسوم، هذا كهدف نهائي. لكن هدف العمليات التي قمنا بها، كان السيطرة على كل ما سيطرنا عليه وخصوصاً الجبال العليا والتلال العليا لأن هذا يؤدي إلى محاصرة بقية المسلحين في بقية الجرود وتخفيف مخاطرهم إلى الحد الأدنى الأدنى. حسناً، بقي عندنا من المصنع لتسير مع الحدود اللبنانية السوري للبحر، بقي عندنا ما هو بأزاء الزبداني والزبداني. الزبداني باتت في الآونة الأخيرة تشكل تجمع لكل المسلحين الهاربين من المنطقة، تبقى تشكل أيضاً عبئاً على الحدود اللبنانية السورية والأهم تستطيع أن تشكل تهديداً وبدأت تشكل تهديداً على طريق المصنع - دمشق، هذا طريق دولي، بالنسبة لدمشق هذا موضوع مهم جداً، وبالنسبة للبنان هذا مهم جداً. فكانت معركة الزبداني أيضاً بحيثيات لبنانية سورية، يعني ليست بحيثيات لبنانية محضة، ولا بحيثيات سورية محضة، يمكن أن تقول إن معركة الزبداني بحيثياتها وملكاتها ومبانيها قريبة إلى معركة القصير، قريبة لمعركة القلمون. فصار النقاش والاتفاق أن الجيش السوري وأيضاً هناك قوات دفاع شعبي من أطر مختلفة، وهناك قوات من المقاومة، وضعت الخطة وشكلت غرفة عمليات مشتركة وبدأت المعركة. - السؤال التالي، لماذا تعذر او تأخر الحسم العسكري في الزبداني التي بدت عصية عليكم كما قال بعض السياسيين والإعلاميين في لبنان، هل يعود الأمر إلى مقاومة شرسة أبدتها المجموعات المسلحة أم إلى حسابات واعتبارات خاصة بحزب الله والجيش السوري؟ سماحة السيد نصرالله: وأضف عليهم بعض الخبراء الاستراتيجيين أيضاً. العملية - أنا أتيت بالتاريخ هنا معي - بدأت بالزبداني 1-7-2015، وبعد أقل من أسبوعين من بدء العملية، أصبح وضع المسلحين صعباً جداً، المعركة بدأت في مساحة واسعة جداً، صار هناك سيطرة على كل السهول والتلال المجاورة والدخول إلى المدينة بشكل تدريجي وأغلب المساحات تمت السيطرة عليها من قبل الجيش السوري والمقاومة. أصبح وضع المسلحين صعباً جداً، بدأوا بالاستغاثة. حسناً، بطبيعة الحال التواجد الأساسي بمنطقة الزبداني وجوارها هو لجهتين، تنظيم اسمه حركة أحرار الشام وجبهة النصرة، هؤلاء لهم تواجد بمنطقة إدلب، محافظة إدلب، ماذا يوجد في محافظة إدلب؟ تقريباً المحافظة أغلبها فيها هذه الجماعات المسلحة باستثناء بلدتين سوريتين ما زالتا، يعني هم مواليتان للنظام، ما زالتا صامدتين، اسمهما الفوعة وكفريا. لما بدأ المسلحون يستغيثون، قيادتهم هناك اعتبرت أن المكان الذي يستطيعون أن يضغطوا فيه على الجيش والمقاومة بالزبداني هو الضغط على الفوعة وكفريا، وطرحوا معادلة الفوعة ـ كفريا ـ الزبداني، هذا حصل في 15-7، يعني بعد 14 يوماً تقريباً من بدء المعركة، لما بدأت الاستغاثات وصار أفق الزبداني واضحاً بأنها آيلة إلى السقوط العسكري. أنا أحب أن أؤكد لك في البداية، قبل أن أدخل إلى المعادلة، أؤكد لك أنه كان يمكن للزبداني أن تنتهي عسكرياً منذ وقت طويل، يعني بـ16،17،18/7. لكن لما أتت هذه المعادلة، نحن عندما تناقشنا نحن وإخواننا السوريين وبالتنسيق معهم، اعتبرنا أن هذه فرصة، هذا ليس تهديداً، اعتبرناه فرصة والآن أشرح كيف. حسناً، معنى ذلك أنه لم يعد ضرورياً أن ننهي الزبداني بسرعة، يجب أن نطيل (مدة سقوط) الزبداني لنستفيد من فرصة الزبداني لحل مشكلة الفوعة، كفريا، التي أدخلوها هم على المعادلة. يعني، دعني هنا آتي قليلاً على الفوعة وكفريا ومن ثم أعود للزبداني. فوعة – كفريا هما محاصرتان منذ أكثر من 7 أشهر 8 أشهر، طبعاً هم حصارهم قديم، لكن كان عندهم خط طريق على مدينة إدلب، عندما سقطت مدينة إدلب أصبحوا هم في حصار تام. الجماعات المسلحة دائماً هي تهاجم الفوعة – كفريا، يعني هي لم تهاجمها بسبب معركة الزبداني، دائماً كانت تهاجم الفوعة ـ كفريا وتقصف الفوعة كفريا وتحاول أن تجتاح البلدتين، وهناك مخطوفون وأسرى من أهل الفوهة ـ كفريا لدى الجماعات المسلحة. فهم اعتبروا هنا أنهم يستطيعون أن يضغطوا، حسناً، هناك مسؤولية عند النظام، مسؤولية النظام بالدرجة الأولى بسوريا، وأيضاً طبعاً له أيضاً عند حلفائه، أنه يجب أن نجد حلاً لمشكلة الفوعة ـ كفريا. الحل الذي كان دائماً يتم التفكير فيه والذي هو منطقي، هو إيجاد معالجة معينة لإخراج، لتسهيل خروج أهل الفوعة ـ كفريا إلى خارج المنطقة، لأن بقاءهم في المنطقة (يستدعي) إما أن يقبلوا بحكومة المسلحين، إذا قبل المسلحون أصلاً ببقائهم، وإما أن يخرجوا والأفضل لهم والآمن لهم أن يخرجوا من هذه المنطقة بعد سقوطها، الآن لاحقاً الأمور تعالج مثل كل الملفات في سوريا. فكان هذا الموضوع يناقش، أن هذا كيف يمكن أن يتحقق، لما هم ربطوا الفوعة ـ كفريا بالزبداني، هنا قلت أنا، اعتبرنا التهديد، اعتبرناه ماذا؟ فرصة. حسناً، صار يقال، إذا سقطت الزبداني نحن سنهجم ونأخذ الفوعة ـ كفريا، إذاً لما "نطوّل بالنا" على الزبداني نكون نحمي الفوعة ـ كفريا، فـ "نطوّل بالنا" على الزبداني مع استمرار الضغط من أجل التفاوض. مع ذلك، نحن كنا نضغط بالزبداني بحدود أن لا تسقط الزبداني، يعني القرار كان أن لا تسقط الزبداني قبل الوصول إلى اتفاق حول الفوعة ـ كفريا. - إذاً كان قرار حزب الله ودمشق. سماحة السيد نصرالله: دمشق وحزب الله. طبعاً التفاوض والاتفاق يمكن أن يُنهي معركة الزبداني دون الحاجة إلى معركة عسكرية. هنا ذهبنا إلى التفاوض، إذاً الزبداني لم تكن عصية على الجيش السوري والمقاومة، الزبداني كانت في معرض السقوط المبكر، الاستغاثات كانت مبكرة جداً في الزبداني، لكن ولو فتح الطريق، يعني أساساً بالعسكر نحكي القليل من العسكر. في القصير المعركة كانت أخذت وقتاً قليلاً، لكن لما هم أيقنوا أنه لم يعد هناك أفق بالقصير هم فاوضونا وفاوضوا الجيش السوري، قالوا لنا افتحوا لنا طريقاً لننسحب، فتحنا لهم طريقاً فانسحبوا، هكذا سقطت القصير، الجزء الثاني من القصير. بالقلمون، أصلاً بالدنيا كلها، بالعسكر، لما يحصل حرب، القوة المهاجمة التي تريد السيطرة على مدينة، أول شيء "تعمل حصار" لضرب إرادة القتال ومعنويات المقاتلين داخل المدينة، لكن إذا هدفها المدينة، فهي تفتح منفذاً لخروج المسلحين. هذا المنفذ لم يفتح للمسلحين وكان يمكن أن يفتح في أي وقت وتسقط الزبداني، لم يفتح لتبقى الزبداني فرصة لمعالجة موضوع الفوعة ـ كفريا طالما أنهم هم أوجدوا وقبلوا بهذه المعادلة وذهبوا إلى التفاوض. - سماحة السيد نريد أن نقف مع فاصل أول، أريد أن أخبر المشاهدين أنه بعد الفاصل سيكشف سماحة السيد عن التفاصيل المتعلقة بالاتفاق الذي تم لإنهاء ملف الزبداني، كفريا والفوعة برعاية الأمم المتحدة، كل التفاصيل والأسرار المتعلقة بهذا الاتفاق بعد الفاصل. |
الأربعاء، 30 سبتمبر 2015
مقابلة سماحة السيد حسن نصر الله مع قناة المنار
بواسطة:أدمن
1:25 م
قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم تخرج جامعات ضباط الجيش في جامعة الإمام الخميني(رض) للعلوم البحرية بمدينة نوشهر. (۲۰۱۵/۰۹/۳۰ - ۱۲:۳۵)
بواسطة:أدمن
12:25 م
شارك سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي القائد العام للقوات المسلحة صباح اليوم (الأربعاء:2015/09/30) في مراسم تخرج و تحليف و منح رتب الطلبة الجامعيين في جامعات الضباط بجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جامعة الإمام الخميني (رض) للعلوم البحرية بمدينة نوشهر.
وفي هذه المراسم أشار سماحة آیة الله الخامنئي إلى حادثة منى الدامية المؤلمة، و اعتبرها، بسبب مقتل الآلآف من الحجاج و خصوصاً المئات من الحجاج الإيرانيين، مأتماً و مصيبة حقيقية لشعب إيران، و أشار إلى ضرورة تشكيل لجنة تقصّي حقائق بمشاركة البلدان الإسلامية و منها إيران، قائلاً: الحكومة السعودية لا تعمل بواجباتها في نقل الأجساد الطاهرة للقتلى، و قد حافظت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحد الآن على ضبط أعصابها و أدبها الإسلامي مراعية حرمة الأخوة في العالم الإسلامي، و لكن ليعلموا أن أقل عدم احترام لعشرات الآلآف من الحجاج الإيرانيين في مكة و المدينة و عدم العمل بالواجب في نقل الأجساد الطاهرة سيستتبع رد فعل شديد و عنيف من قبل إيران.
و ألمح سماحته إلى مقتل الحجاج في حادثة منى مظلومين و بأفواه ظامئة، و إلى المصاب و المآتم التي تعيشها العوائل التي كانت تنتظر أحباءها بشوق، مضيفاً: لا يزال العدد الدقيق للقتلى الإيرانيين في هذه الحادثة غير معلوم، و من المحتمل ارتفاع الإحصائيات إلى مئات أخرى، و هذا الحادث مصيبة كبيرة حقاً على الشعب الإيراني.
كما أشار قائد الثورة الإسلامية المعظم إلى بعض التقارير القائلة باحتمال مقتل أكثر من خمسة آلاف حاج في حادثة منى، ملفتاً: في حين يعتبر القرآن الكريم بيت الله مكاناً آمناً و الحج موطناً آمناً، و لكن يجب السؤال الآن: "هل هذا أمن؟".
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على ضرورة تشكيل لجنة تقصّي حقائق بمشاركة البلدان الإسلامية و منها إيران مضيفاً: إننا لا نقول الآن شيئاً قبل الموعد بشأن سبب هذا الحادث، لكننا نعتقد أن الحكومة السعودية لم تعمل بواجباتها حيال مصابي حادثة منى، و تركتهم في حال من اليأس و العطش.
و أشار سماحته إلى المشكلات التي حدثت في نقل أجساد قتلى حادثة منى، و متابعة مسؤولي البلاد للقضية، و أكد على ضرورة استمرار متابعة المسؤولين، مردفاً: في هذا الموضوع لا تعمل حكومة السعودية بواجباتها، و تقوم في بعض الأحيان بممارسات خبيثة.
و قال قائد الثورة الإسلامية المعظم: لقد ضبطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحد الآن نفسها و أعصابها و راعت الأدب الإسلامي و حرمة الأخوة في العالم الإسلامي، و لكن ليعلموا أن يد إيران أعلى من الكثيرين، و لدينا الكثير من الإمكانيات، و إذا أرادت أن تبدي رد فعل حيال العناصر الخبيثة المؤذية فإن أحوالهم لن تكون بخير، و لن يكون بمقدورهم فعل شيء في أية ساحة من ساحات النزال.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن رد فعل إيران الإسلامية سيكون عنيفاً و شديداً ملفتاً: في فترة ثمانية أعوام من الدفاع المقدّس، دعمت قوى الشرق و الغرب و بلدان المنطقة عنصراً خبيثاً فاسداً، و لكن في النهاية تلقّوا جميعهم الصفعات، و على هذا الأساس فهم يعرفون إيران، و إذا لم يكونوا يعرفونها فليعرفوها الآن.
و ألمح سماحته إلى وجود عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين الأعزاء في مكة و المدينة، محذراً: أقل عدم احترام للحجاج الإيرانيين و كذلك عدم عمل الحكومة السعودية بواجباتها حيال الأجساد الطاهرة سيستتبع رد فعل إيران.
و قال قائد الثورة الإسلامية: الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تمارس الظلم، لكنها لا تتقبل الظلم و الجور من أي طرف، لذلك لا تتطاول على حقوق أي من البشر و الشعوب من مسلمين أو غير مسلمين، و لكن إذا أراد طرف التطاول على حقوق إيران و شعبها، فسيكون التعامل معه شديداً، و إمكانية هذا التعامل متوفرة بلطف من الله، و الشعب الإيراني مقتدر و صامد.
و قال آية الله العظمى السيد الخامنئي في جانب آخر من حديثه إن "الإيمان العميق" و "الشجاعة" و "العلم" هي العناصر الثلاثة المكونة لهوية القوات المسلحة، منوّهاً: إذا لم يكن في القوات المسلحة إيمان فسوف تنتشر فيها روح العدوان على الضعفاء، و إذا نقصتها الشجاعة فإن القوات المسلحة لن تستطيع أداء واجباتها عند الخطر، و إذا لم تتحل بالعلم فإن أدواتها ستبقى كليلة مقابل أدوات الطرف الآخر.
و اعتبر سماحته استهداف البيوت و الشوارع و الأسواق و حتى مجالس الأعراس في اليمن نموذجاً للعدوان على الضعفاء و عدم توفر روح الشجاعة في القوات المسلحة، و أوصى شباب القوات المسلحة الإيرانية بتعزيز الإيمان و الشجاعة و الإبداع البحثي و العلمي، ملفتاً: النظام الإسلامي في الوقت الحاضر بحاجة إلى معدات حربية صلدة و معدات حربية ناعمة، لأن العالم المعاصر تحت سيطرة قوى الشياطين، و هو عالم خطير بالنسبة للمؤمنين السائرين إلى الله، و ينبغي التحلي بالجاهزية و الاستعداد دوماً.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية المعظم السبب الأصلي لعداء القوى العالمية الغاصبة للجمهورية الإسلامية و شعب إيران الشجاع الثوري، صمود هذا الشعب بوجههم و حفظ هويته و جوهره الأصلي و عدم الذوبان في نظم الاستكبار، مردفاً: جاهزية القوات المسلحة من جيش و حرس و تعبئة و سائر القوات ليس بمعنى الاستعداد للانتصار مقابل العدو فقط، بل ينبغي أن تكون هذه الجاهزية رادعة أيضاً.
و أشار سماحة آیة الله العظمی السيد علي الخامنئي إلى تهديدات القوى العالمية للنظام الإسلامي مردفاً: لقد أثبت شعب إيران طوال أربعة عقود من عمر الثورة الإسلامية، و خصوصاً خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، أنه مقتدر و قوي و له هويته و جوهره و يقف بوجه سيئي الطويّة.
و أكد سماحته على أن شعب إيران أثبت أنه مقاوم و واع و بصير مقابل الاستكبار، و يحترم هويته و الإنسانية، قائلاً: الصمود بوجه الاستكبار، و الاحترام للإنسانية و كل الشعوب.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى التهديدات التي يطلقها الأعداء ملفتاً: لقد كان الأمر دوماً أنّ قبضة المؤمنين الضاربة تستطيع أن تفرض عليهم التراجع.
و في ختام كلمته دعا آية الله العظمى السيد الخامنئي شباب القوات المسلحة إلى إعادة قراءة أحداث الدفاع المقدس و خطط العمليات العسكرية بدقة، و إلى زيارة مناطق العمليات من زاوية عسكرية، و الاستفادة من تجارب الرواد، و قال يخاطبهم: يجب أن تكونوا حصن البلاد و النظام الإسلامي الرصين بالمعنى الحقيقي للكلمة.
في بداية هذه المراسم حضر قائد الثورة الإسلامية عند نصب الشهداء و حيّى أرواحهم الطاهرة. ثم استعرض القائد العام للقوات المسلحة الوحدات العسكرية المتواجدة في الساحة.
و استلم في هذه المراسم أفراد إحدى عوائل شهداء القوة البحرية في الجيش، و رجل دين نموذجي، و ثلاثة قادة، و ثلاثة أساتذة و باحثين، و خمسة متخرجين نموذجيين من جامعات الجيش، استلموا هداياهم من يد القائد العام للقوات المسلحة. كما حاز أحد الخريجين بالنيابة عن الطلبة الجامعيين في جامعة الإمام الخميني (رحمه الله) للعلوم البحرية رتبته العسكرية من الإمام الخامنئي.
و کان من فقرات هذه المراسم الأخرى قراءة القسم من قبل الطلبة الجامعیین الجدد، و إنشاد نشید جماعي، و مناورة الغدیر المیدانیة. و تواصلت المراسم باستعراض عسکري قدمته الواحدات المتواجدة في المیدان.
و تحدث فی المراسم أیضاً الأمیر اللواء عطاء الله صالحي القائد العام للجیش الإیراني فرحب بالإمام الخامنئي مؤکداً: یستلهم الجیش روح الاستشهاد و التضحیة لدى شعب إیران، و هو جاهز للتضحية و مواجهة التهدیدات الجدیدة بكل اقتدار و بقدرات قتالیة متصاعدة.
کما تحدث في المراسم الأدمیرال البحري حکیمي آمر جامعة الإمام الخمیني للعلوم البحریة في نوشهر رافعاً تقریراً عن سیاق التعلیم التخصصي و العلمي للطلبة الجامعیین و خریجي جامعات ضباط الجیش.
و قدم طلبة جامعة الإمام الخمیني للعلوم البحریة فی نوشهر تمارین خاصة بالقوة البحریة أمام القائد العام للقوات المسلحة في هذه المراسم.
و ألمح سماحته إلى مقتل الحجاج في حادثة منى مظلومين و بأفواه ظامئة، و إلى المصاب و المآتم التي تعيشها العوائل التي كانت تنتظر أحباءها بشوق، مضيفاً: لا يزال العدد الدقيق للقتلى الإيرانيين في هذه الحادثة غير معلوم، و من المحتمل ارتفاع الإحصائيات إلى مئات أخرى، و هذا الحادث مصيبة كبيرة حقاً على الشعب الإيراني.
كما أشار قائد الثورة الإسلامية المعظم إلى بعض التقارير القائلة باحتمال مقتل أكثر من خمسة آلاف حاج في حادثة منى، ملفتاً: في حين يعتبر القرآن الكريم بيت الله مكاناً آمناً و الحج موطناً آمناً، و لكن يجب السؤال الآن: "هل هذا أمن؟".
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على ضرورة تشكيل لجنة تقصّي حقائق بمشاركة البلدان الإسلامية و منها إيران مضيفاً: إننا لا نقول الآن شيئاً قبل الموعد بشأن سبب هذا الحادث، لكننا نعتقد أن الحكومة السعودية لم تعمل بواجباتها حيال مصابي حادثة منى، و تركتهم في حال من اليأس و العطش.
و أشار سماحته إلى المشكلات التي حدثت في نقل أجساد قتلى حادثة منى، و متابعة مسؤولي البلاد للقضية، و أكد على ضرورة استمرار متابعة المسؤولين، مردفاً: في هذا الموضوع لا تعمل حكومة السعودية بواجباتها، و تقوم في بعض الأحيان بممارسات خبيثة.
و قال قائد الثورة الإسلامية المعظم: لقد ضبطت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحد الآن نفسها و أعصابها و راعت الأدب الإسلامي و حرمة الأخوة في العالم الإسلامي، و لكن ليعلموا أن يد إيران أعلى من الكثيرين، و لدينا الكثير من الإمكانيات، و إذا أرادت أن تبدي رد فعل حيال العناصر الخبيثة المؤذية فإن أحوالهم لن تكون بخير، و لن يكون بمقدورهم فعل شيء في أية ساحة من ساحات النزال.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن رد فعل إيران الإسلامية سيكون عنيفاً و شديداً ملفتاً: في فترة ثمانية أعوام من الدفاع المقدّس، دعمت قوى الشرق و الغرب و بلدان المنطقة عنصراً خبيثاً فاسداً، و لكن في النهاية تلقّوا جميعهم الصفعات، و على هذا الأساس فهم يعرفون إيران، و إذا لم يكونوا يعرفونها فليعرفوها الآن.
و ألمح سماحته إلى وجود عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين الأعزاء في مكة و المدينة، محذراً: أقل عدم احترام للحجاج الإيرانيين و كذلك عدم عمل الحكومة السعودية بواجباتها حيال الأجساد الطاهرة سيستتبع رد فعل إيران.
و قال قائد الثورة الإسلامية: الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تمارس الظلم، لكنها لا تتقبل الظلم و الجور من أي طرف، لذلك لا تتطاول على حقوق أي من البشر و الشعوب من مسلمين أو غير مسلمين، و لكن إذا أراد طرف التطاول على حقوق إيران و شعبها، فسيكون التعامل معه شديداً، و إمكانية هذا التعامل متوفرة بلطف من الله، و الشعب الإيراني مقتدر و صامد.
و قال آية الله العظمى السيد الخامنئي في جانب آخر من حديثه إن "الإيمان العميق" و "الشجاعة" و "العلم" هي العناصر الثلاثة المكونة لهوية القوات المسلحة، منوّهاً: إذا لم يكن في القوات المسلحة إيمان فسوف تنتشر فيها روح العدوان على الضعفاء، و إذا نقصتها الشجاعة فإن القوات المسلحة لن تستطيع أداء واجباتها عند الخطر، و إذا لم تتحل بالعلم فإن أدواتها ستبقى كليلة مقابل أدوات الطرف الآخر.
و اعتبر سماحته استهداف البيوت و الشوارع و الأسواق و حتى مجالس الأعراس في اليمن نموذجاً للعدوان على الضعفاء و عدم توفر روح الشجاعة في القوات المسلحة، و أوصى شباب القوات المسلحة الإيرانية بتعزيز الإيمان و الشجاعة و الإبداع البحثي و العلمي، ملفتاً: النظام الإسلامي في الوقت الحاضر بحاجة إلى معدات حربية صلدة و معدات حربية ناعمة، لأن العالم المعاصر تحت سيطرة قوى الشياطين، و هو عالم خطير بالنسبة للمؤمنين السائرين إلى الله، و ينبغي التحلي بالجاهزية و الاستعداد دوماً.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية المعظم السبب الأصلي لعداء القوى العالمية الغاصبة للجمهورية الإسلامية و شعب إيران الشجاع الثوري، صمود هذا الشعب بوجههم و حفظ هويته و جوهره الأصلي و عدم الذوبان في نظم الاستكبار، مردفاً: جاهزية القوات المسلحة من جيش و حرس و تعبئة و سائر القوات ليس بمعنى الاستعداد للانتصار مقابل العدو فقط، بل ينبغي أن تكون هذه الجاهزية رادعة أيضاً.
و أشار سماحة آیة الله العظمی السيد علي الخامنئي إلى تهديدات القوى العالمية للنظام الإسلامي مردفاً: لقد أثبت شعب إيران طوال أربعة عقود من عمر الثورة الإسلامية، و خصوصاً خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، أنه مقتدر و قوي و له هويته و جوهره و يقف بوجه سيئي الطويّة.
و أكد سماحته على أن شعب إيران أثبت أنه مقاوم و واع و بصير مقابل الاستكبار، و يحترم هويته و الإنسانية، قائلاً: الصمود بوجه الاستكبار، و الاحترام للإنسانية و كل الشعوب.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى التهديدات التي يطلقها الأعداء ملفتاً: لقد كان الأمر دوماً أنّ قبضة المؤمنين الضاربة تستطيع أن تفرض عليهم التراجع.
و في ختام كلمته دعا آية الله العظمى السيد الخامنئي شباب القوات المسلحة إلى إعادة قراءة أحداث الدفاع المقدس و خطط العمليات العسكرية بدقة، و إلى زيارة مناطق العمليات من زاوية عسكرية، و الاستفادة من تجارب الرواد، و قال يخاطبهم: يجب أن تكونوا حصن البلاد و النظام الإسلامي الرصين بالمعنى الحقيقي للكلمة.
في بداية هذه المراسم حضر قائد الثورة الإسلامية عند نصب الشهداء و حيّى أرواحهم الطاهرة. ثم استعرض القائد العام للقوات المسلحة الوحدات العسكرية المتواجدة في الساحة.
و استلم في هذه المراسم أفراد إحدى عوائل شهداء القوة البحرية في الجيش، و رجل دين نموذجي، و ثلاثة قادة، و ثلاثة أساتذة و باحثين، و خمسة متخرجين نموذجيين من جامعات الجيش، استلموا هداياهم من يد القائد العام للقوات المسلحة. كما حاز أحد الخريجين بالنيابة عن الطلبة الجامعيين في جامعة الإمام الخميني (رحمه الله) للعلوم البحرية رتبته العسكرية من الإمام الخامنئي.
و کان من فقرات هذه المراسم الأخرى قراءة القسم من قبل الطلبة الجامعیین الجدد، و إنشاد نشید جماعي، و مناورة الغدیر المیدانیة. و تواصلت المراسم باستعراض عسکري قدمته الواحدات المتواجدة في المیدان.
و تحدث فی المراسم أیضاً الأمیر اللواء عطاء الله صالحي القائد العام للجیش الإیراني فرحب بالإمام الخامنئي مؤکداً: یستلهم الجیش روح الاستشهاد و التضحیة لدى شعب إیران، و هو جاهز للتضحية و مواجهة التهدیدات الجدیدة بكل اقتدار و بقدرات قتالیة متصاعدة.
کما تحدث في المراسم الأدمیرال البحري حکیمي آمر جامعة الإمام الخمیني للعلوم البحریة في نوشهر رافعاً تقریراً عن سیاق التعلیم التخصصي و العلمي للطلبة الجامعیین و خریجي جامعات ضباط الجیش.
و قدم طلبة جامعة الإمام الخمیني للعلوم البحریة فی نوشهر تمارین خاصة بالقوة البحریة أمام القائد العام للقوات المسلحة في هذه المراسم.
الاثنين، 28 سبتمبر 2015
الإمام الهادي عليه السلام في كلام الولي دام ظله
بواسطة:أدمن
2:44 م
مواجهة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام للسلطة
في المواجهة الّتي جرت بين الإمام الهادي عليه السلام وحكّام زمانه فإنّ الّذي انتصر في الظاهر والباطن هو هذا الإمام عليه السلام . ففي زمن إمامته حكم ستّةٌ من الخلفاء واحداً تلو الآخر، وهلكوا جميعاً، واحداً تلو الآخر. وآخرهم كان المعتزّ الّذي قتل الإمام عليه السلام ولم يلبث من بعده إلا قليلاً. وهؤلاء الخلفاء ماتوا أذلّاء في الغالب، أحدهم قتله ابنه والآخر على يد ابن أخيه، وبهذه الطريقة تشتّت العبّاسيّون وانقرضوا، بعكس الشيعة. فالشيعة في زمن الإمام الهادي والإمام العسكري عليهم السلام ، ورغم ما فيه من عنفٍ وقمعٍ كانوا يزدادون يوماً بعد يوم انتشاراً وقوّةً.
لقد عاش الإمام الهادي عليه السلام 42 سنة قضى 20 سنة منها في سامرّاء. وكان يمتلك فيها مزرعةً، وفي تلك المدينة كان يعمل ويعيش. وكانت سامرّاء في الواقع كمعسكر بناه المعتصم لغلمانه التّرك المقرّبين له - وهؤلاء الترك هم غير الأتراك الّذين يعيشون في إيران أو في آذربايجان أو سائر النقاط، والّذين أحضرهم من تركستان وسمرقند، ومن منطقة مانغوليا وآسيا الشرقية واحتفظ بهم في سامرّاء. وهؤلاء الأتراك، ولحداثة إسلامهم، لم يكونوا يعرفون الأئمّة ولا المؤمنين ولا يفهمون عن الإسلام شيئاً. لهذا صاروا يضايقون الناس وأوجدوا بينهم وبين العرب - أهالي بغداد - النزاعات والمشاجرات. وفي مدينة سامرّاء نفسها، اجتمع عددٌ ملحوظٌ من كبراء الشيعة في زمن الإمام الهادي عليه السلام وتمكّن الإمام عليه السلام من إدارتهم، وإيصال رسالة الإمامة بواسطتهم إلى مختلف مناطق العالم الإسلامي بواسطة الرسائل وهذه الشبكات الشيعية في قم وخراسان والريّ والمدينة واليمن وفي المناطق البعيدة وفي جميع أقطار العالم هي الّتي استطاعت أن تروّج وتنشر وتزيد من المؤمنين بهذا المذهب يوماً بعد يوم. وقد استطاع الإمام الهادي عليه السلام أن يقوم بكلّ هذه الأعمال تحت ظلّ بريق السيوف الحادّة والدمويّة لأولئك الخلفاء الستّة ورغماً عن أنوفهم. ويوجد حديثٌ معروفٌ حول وفاة الإمام الهادي عليه السلام يُعلم من عباراته تواجد جمعٍ ملحوظٍ من الشيعة في سامرّاء. بحيث أنّ الجهاز الحاكم لم يكن يعرف عنهم شيئاً، لأنّه لو كان يعلم بهم لكان قضى عليهم عن بكرة أبيهم. لكنّ هذه الجماعة، ولأنّها استطاعت أن توجد شبكة قويّة فإنّ الجهاز الحاكم لم يتمكّن من الوصول إليها. إنّ يوماً من جهاد هؤلاء العظماء - الأئمّة عليهم السلام - يؤثّر بمقدار سنوات. ويومٌ واحدٌ من حياتهم المباركة يساوي سنواتٍ من جماعةٍ تعمل ليل نهار على مستوى التأثير في المجتمع. هؤلاء العظماء قد حفظوا الدين بهذه الطريقة، وإلّا فإنّ ديناً يقف على رأسه المعتزّ والمتوكّل والمعتصم، والمأمون، ويكون علماؤه رجالٌ كيحيى بن أكثم - الذي رغم أنّه كان عالم البلاط، فقد كان من الفسّاق والفجّار المتجاهرين من الدرجة الأولى - لا ينبغي أساساً أن يبقى؛ ولكان ينبغي والحال هذا، أن يُجتثّ من جذوره وينتهي كلّ شيء. فجهاد الأئمّة عليهم السلام وسعيهم لم يحفظ التشيّع فحسب، بل القرآن والإسلام والمعارف الدينية؛ وهذه هي خاصّية العباد الخالصين والمخلصين وأولياء الله. فلو لم يكن للإسلام أمثال هؤلاء من أولي العزم، لما استطاع أن يعود غضّاً طريّاً ويوجد هذه الصحوة الإسلامية بعد 1230 سنة؛ بل كان ينبغي أن يزول شيئاً فشيئاً. لو لم يكن للإسلام هؤلاء الّذين جذّروا هذه المعارف العظيمة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الأذهان، على مرّ التاريخ الإنسانيّ والإسلامي، لكان ينبغي أن يزول من الوجود وينتهي كلّ شيء، ولا يبقى منه أي شيء. ولو بقي، فلم يكن ليبقى من معارفه شيءٌ، كالمسيحية واليهودية، اللتين لم يبقَ من معارفهم الأساسية أيّ شيء تقريباً. فأن يبقى القرآن سالماً، والحديث النبويّ، وكلّ هذه الأحكام والمعارف الإسلامية وذلك بعد أكثر من 1000 سنة، وتتمكّن من أن تبرز في قمّة المعارف الإنسانية, فهذا ليس بالأمر الطبيعيّ، بل كان هناك عملٌ غير طبيعيّ يؤدَّى من خلال الجهاد. وبالتأكيد، كان على طريق هذا العمل الكبير الضرب والسجن القتل وكلّ هذه لم تكن بالنسبة لهؤلاء العظماء شيئاً. يوجد حديثٌ حول طفولة الإمام الهادي عليه السلام ، حينما أحضر المعتصمُ في عام 218 هجريّة، الإمام الجواد عليه السلام قبل شهادته بسنتين من المدينة إلى بغداد، وبقي الإمام الهادي عليه السلام حينها مع أهله في المدينة والّذي كان وقتها بعمر ست سنوات. وبعد أن أُحضر الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد سأل المعتصم عن أسرته وأهله، وعندما سمع أنّ ابنه البكر عليّ بن محمّد ابن ست سنوات، قال إنّه خطرٌ ويجب أن نفكّر بحلٍّ له. وقد أمر المعتصم رجلاً من أقاربه أن يذهب من بغداد إلى المدينة، وأن يجد فيها من هو عدوّ لأهل البيت، وأن يودع عنده هذا الطفل، ليكون معلّماً له ويربّيه ليصبح عدوّاً لأسرته ومنسجماً مع الجهاز الحاكم. فجاء هذا الشخص من بغداد إلى المدينة، واختار أحد علمائها المدعوّ الجنيدي الّذي كان من أشدّ المخالفين والمعاندين لأهل البيت - وكان في المدينة عددٌ من أمثال هؤلاء العلماء - لينهضوا بهذا العمل، وقال له: إنّني مأمورٌ أن أجعلك مربٍّ ومؤدّبٍ لهذا الطفل. ولا ينبغي أن تسمح لأيّ شخصٍ بالتواصل والارتباط معه، وأريدك أن تربّيه بهذه الطريقة وبهذا الشكل. وقد سجّل التاريخ اسم هذا الشخص الجنيدي. وكان الإمام الهادي عليه السلام - كما ذكرت - بعمر ست سنوات في ذلك الوقت، والأمر كان أمر الحكومة، فمن الّذي يستطيع أن يعترض على مثل هذا الأمر. وبعد مدّةٍ جاء أحد المقرّبين من الجهاز الحاكم ليطّلع على الجنيدي، ويسأل عن أحوال ذلك الطفل الّذي أودعه إيّاه. فقال الجنيدي: "أي طفلٍ هذا، أهذا هو الطفل؟، إنّني أبيّن له مسألةً في الأدب، فيبيّن لي أبواباً من الأدب، حيث أتعلّم منه! فأين درس هذا الطفل وتعلّم؟وأحياناً أطلب منه عندما يدخل إلى الحجرة أن يقرأ سورةً من القرآن، وعندما يدخل (وهو يريد أذيّته) يسأل أيّ سورةٍ أقرأ، فأقول له: اقرأ سورة كبيرة، كسورة آل عمران مثلاً، فيقرأها عليّ ويبيّن لي مواضع الإشكال في قراءتها. إنّهم علماءٌ وحفّاظٌ للقرآن، وعلماء بالتأويل والتفسير، أيّ طفلٍ هذا؟". وقد استمرّ ارتباط هذا الطفل - الّذي كان في الظاهر طفلاً، ولكنّه وليّ الله،﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾1 - مع هذا الأستاذ لمدّة، وأصبح هذا الأستاذ من الشيعة المخلصين لأهل البيت.2 ذهب غلامٌ ليأتي بالماء*** فحمله النّهر معه لقد كان النصر حليفهم في جميع الميادين، وهزموهم جميعاً في كلّ المواضع. فدِعبل الّذي كان معارضاً لكلّ الخلفاء العبّاسيين، وذمّ آباءهم في أشعاره، وترك لكلّ واحدٍ منهم سجلّاً في التاريخ، كان له عدّة أبياتٍ حول المعتصم. ويقول فيه أنّنا قرأنا في الكتب أنّ بنو العبّاس هم سبعة خلفاء، والآن يقولون لنا ثمانية؛ فمن هو الثامن؟ وأراد أن يشبّههم بأصحاب الكهف الّذي كان كلبهم ثامنهم، ثمّ يقول بعدها: فأين أنت من ذاك الكلب؟" فذاك الكلب لم يرتكب أيّة معصيةٍ أو ذنبٍ بين يديّ الله، وأنت مليءٌ بالذنوب والمعاصي: ملوك بني العباسِ في الكتبِ سبعةٌ ولم تأتِنـا عن ثامـن لـهمُ كُتـبُ، كذلك أهل الكهفِ في الكهفٍ سبعةٌ خيـارٌ إذا عُـدُّوا وثامنـهم كلـبُ، وإنـي لأُعلـي كـلبَهم عنك رفعةً لأنَّك ذو ذنْب وليس له ذنْـبُ".(30/05/1383) وقد أحضروا الإمام من المدينة إلى سامرّاء ليكون تحت مراقبتهم، ولكنّهم وجدوا أنّه ما من فائدة. فلو اطّلعتم على حالات هؤلاء الأئمّة الثلاثة في المناقب3 وغيرها، لالتفتّم إلى أنّ شبكة العلاقات الشيعية في زمان هؤلاء الثلاثة كانت أكثر منها في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام . فكانت تُرسل إليهم الكتب والرسائل من أقصى نقاط العالم وكذلك الأموال والمسائل، في حين أنّهم كانوا يعيشون ضمن نطاقٍ ضيّق. وقد أضحى الإمام الهادي عليه السلام في سامرّاء محبوباً من قبل الناس وكان الجميع يحترمونه، ولم يكن يتعرّض لأيّة إهانة. ثمّ فيما بعد وعند وفاته انقلب حال المدينة كلّها، وهذا الأمر تكرّر مع الإمام العسكري عليه السلام ؛ وهناك أدرك الحكّام وجود سرٍّ ما، وكان عليهم أن يشخّصوه ويتعاملوا معه. فالتفتوا إلى قضية القدسيّة. وهنا نجد المتوكّل يحضر الإمام عليه السلام إلى مجلسه، الّذي هو مجلس خمرٍ وسكرٍ، لكي ينتشر الخبر في كلّ مكان، أنّ علياً بن محمد كان نديماً للمتوكّل وقد جالسه في مجلس الخمر واللهو! فانظروا أنتم أيّ تأثيرٍ تركه هذا الخبر. لقد نظر الإمام عليه السلام إلى القضيّة من زاوية الإنسان المجاهد ووقف مقابل هذه المؤامرة. فذهب الإمام عليه السلام إلى بلاط المتوكّل، واستطاع أن يبدّل مجلس سكره إلى مجلسٍ عابقٍ بالمعنويّات. فبذكر الحقائق وإنشاد تلك الأشعار الشامتة، هزم المتوكّل بحيث أنّ هذا المتوكّل وبمجرّد أن انتهى الإمام من كلماته، نهض من مكانه وأحضر للإمام الغالية(عطر مركّب من المسك والعنبر) وشيّعه بكلّ أدبٍ واحترام. فقد قال له الإمام، هل تتصوّر أنّك إذا جلست هنا، فإنّك ستهرب من قبضة الموت؟! وهكذا بيّن للمتوكّل كلّ ما يجري عند الموت وما بعده، حتّى أكل الديدان له. فاستطاع الإمام أن يبدّل المجلس تبديلاً تامّاً، ويقلبه رأساً على عقب، وأن يخرج من البلاط. باتوا على قللِ الاجبال تحرسُهم غُـلْب الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قبروا أين الاسرّةُ والتيجانُ والحللُ أيـن الوجوه الّتي كانتْ منعمةً من دونها تُضربُ الأستارُ والكللُ فـافـصـحَ القبرُ حين ساءلهم تـلك الوجوه عليها الدودُ يقتتلُ قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا وطالما عمّروا دوراً لتُحصنهم ففارقوا الدورَ والأهلينَ وارتحلوا وطالما كنزوا الأموال وادّخروا فـخلّفوها على الأعداء وانتقلوا أضـحـت منازلُهم قفراً معطلةً وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا سـل الـخـليفةَ إذ وافت منيتهُ أين الحماة و أين الخيلُ والخولُ أين الرماة ُ أما تُحمى بأسهمِهمْ لـمّـا أتـتك سهامُ الموتِ تنتقلُ أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا أين الجيوش الّتي تُحمى بها الدولُ هيهات ما نفعوا شيئاً وما دفعوا عـنك المنية إن وافى بها الأجلُ فكيف يرجو دوامَ العيش متصلاً من روحه بحبالِ الموتِ تتصلُ
وهذه المواجهة الّتي ابتدأها الخليفة المتسلّط والمتعجرف، وكان في المقابل شابٌّ لا دفاع له، يبدو في الظاهر الأضعف، تحوّلت إلى حربٍ نفسية لم يكن فيها الحربة والسيف. نحن لو كنّا هناك لما استطعنا أن نفعل ما فعله الإمام عليه السلام . إنّ الإمام عليه السلام هو الّذي استطاع أن يشخّص هذه الوضعية ويتحدّث بطريقة لا تغضب الخليفة. كان من الممكن مثلاً أن ينتفض الإمام عليه السلام فجأةً ويرمي بكلّ كؤوس الشراب أرضاً. ولكن هذا ما كان ليكون ردّة فعلٍ جيّدة، وما كانت لتؤتي ثمرتها، لكنّ الإمام عليه السلام تصرّف بطريقةٍ أخرى. وهذا البعد في القضية مهمٌّ جداً.
يجب عليكم أن تلتفوا إلى هذه النقطة في حياة الأئمّة وهي أنّ هؤلاء العظماء كانوا دائماً في حالة جهاد، جهادٌ روحه سياسيّة. وذلك لأنّ من يجلس على مسند الحكم، كان يدّعي الدين. وكان يراعي ظواهر الدين. حتّى أنّه كان يتقبّل في بعض الأوقات، رأي الإمام الدينيّ. مثل تلك المسائل الّتي سمعتموها في حياة المأمون، حينما كان يقبل رأي الإمام عليه السلام علناً. أي أنّه لم يكن يأبى أبداً أن يقبل أحياناً الرأي الفقهيّ. فالشيء الّذي كان يؤدّي إلى وجود مثل هذه المواجهة والمعارضة ضدّ أهل البيت هو أنّ أهل البيت كانوا يعدّون أنفسهم الأئمّة، وكانوا يقولون نحن أئمّةٌ، وفي الأساس إنّ هذا كان يُعدّ أكبر مواجهةٍ للحكّام. لأنّ الّذي صار حاكماً، كان يُعدّ نفسه إماماً للناس، كان يرى الشواهد والقرائن المطلوبة في الإمام موجودةٌ فيهم عليهم السلام ، وليست موجودةٌ فيه، وكان يعتبر هذا الإمام خطرٌ على حكومته، لأنّه ليس إلّا مدّعٍ. وقد كان الحكّام يحاربون بمثل هذه الروحية العدائيّة، وكان الأئمّة عليهم السلام يقفون كالطود الشامخ. من البديهيّ في مثل هذه المواجهة أن يكون للمعارف والأحكام الفقهيّة والأخلاق الّتي كان الأئمّة يروّجون لها مكانها الطبيعيّ. وكانت تربية المزيد من التلامذة والأتباع وتوسعة الروابط الشيعية تزداد يوماً بعد يوم.
وهذا ما حفظ الشيعة. فانظروا أنتم إلى مرامٍ تعمل ضدّه الحكومات لمدّة 250 سنة فهل ينبغي أن يبقى منه شيء. بل يجب أن يزول بالكامل، ولكن أنتم ترون الآن حال الدنيا، وإلى أين وصل الشيعة.
ينبغي أن نلاحظ هذه النقطة في الأشعار الّتي أُنشدت في الإمام الصادق والإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام . لقد جاهدوا وقدّموا أنفسهم في هذا الجهاد. هذا الطريق الّذي استمرّ نحو هدفٍ محدّد. فأحياناً، يرجع أحدهم، وأحياناً يذهب أحدهم من هذه الجهة، إلا أنّ الهدف واحد. إنّ هؤلاء العظماء حقّقوا نجاحاً أكبر من الإمام الحسين عليه السلام ، الّذي وضع هذا الأساس؛ لأنّه بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، "ارتدّ الناس بعد الحسين إلّا ثلاثة". لكن في زمن الإمام الهادي عليه السلام عندما تنظرون، فإنّ كلّ العالم الإسلامي كان قد صار في قبضة الأئمّة عليهم السلام . حتّى أنّ العبّاسيين وقفوا عاجزين ولم يعرفوا ماذا يفعلون، فلذلك أقبلوا على الشيعة.
كان أحد الخلفاء العبّاسيين قد كتب رسالةً وأمر بذكر أهل البيت في الخُطب، وأن يُقال أنّ الحقّ مع أهل البيت. وقد سجّل التاريخ هذه الرسالة. كُتب فيها أنّ وزير البلاط أسرع يعدو إلى الخليفة وقال: "ماذا تفعل؟!" فلم يجرؤ أن يقول أنّ الحقّ ليس مع أهل البيت! لكنّه قال: "اليوم هناك من ثار في جبال طبرستان وأماكن أخرى تحت شعار أهل البيت، فلو أنّ كلامك هذا يُنشر في كلّ الأماكن، فإنّهم سيجيّشون الجيوش ويأتون إليك للتخلّص منك". فرأى الخليفة أنّ ذلك الوزير يقول حقّاً، فقال: "لا تذيعوا الرسالة"، أي أنّهم كانوا يخافون على حكومتهم. هذا وإن كان لديهم الاعتقاد، ولكنّ حبّ الحكومة والدنيا والملك منعهم من أن يؤمنوا.(30/06/1380)
انتشار التشكيلات الشيعية في العالم
إنّ ما يُقال من أنّ هؤلاء العظماء كانوا في غربةٍ تامة هو هكذا في الواقع، بعيداً عن المدينة وبعيداً عن أهلهم، وعن بيئتهم الّتي ألِفوها. ولكن إلى جانب ذلك، يوجد بشأن هؤلاء الأئمّة الثلاثة - من الإمام الجواد وحتى الإمام العسكري - نقطة أخرى وهي أنّه كلّما اتّجهنا إلى نهاية إمامة الإمام العسكري عليه السلام ، فإنّ هذه الغربة تزداد. إنّ دائرة نفوذ الأئمّة وسعة دائرة الشيعة في زمان هؤلاء الأئمّة الثلاثة إذا ما قورنت بزمان الإمام الصادق والإمام الباقر عليهم السلام ، فإنّها ازدادت عشرة أضعاف، وهذا شيءٌ عجيب. ولعلّ السبب في أنّهم قد وُضعوا تحت هذه الضغوط والتضييق، هو هذا الموضوع. فبعد توجّه الإمام الرضا عليه السلام إلى طرف إيران، ومجيئه إلى خراسان فإنّ من الأمور الّتي حدثت هو هذا الأمر. ولعلّ هذا الأمر كان في أصل حسابات الإمام الثامن عليه السلام . وقبله كان الشيعة منتشرين في كلّ الأماكن، لكنّهم لم يكونوا على اتصال ببعضهم البعض، وكانوا آيسين، وليس لديهم أي تطلّع نحو المستقبل، أو رجاء أو تفاؤل. وكانت سلطة حكومة الخلفاء في كلّ الأماكن؛ وكان قبل المأمون، هارون مع قدرته الفرعونية. وعندما جاء الإمام عليه السلام إلى طرف خراسان وعبر هذا المسير ظهرت شخصيّةٌ أمام الناس هي تجلٍّ للعلم والعظمة والصدق والنورانية؛ وما كان الناس قد شاهدوا مثل هذه الشخصية من قبل. فكم كان عدد الشيعة الّذين كان بإمكانهم قبل هذا أن يمرّوا من خراسان إلى المدينة ليروا الإمام الصادق عليه السلام ؟ ولكن في هذا المسير الطويل، شاهد الجميع هذا الإمام عن قرب. وكان شيئاً عجيباً مدهشاً، وكأنّ المرء ينظر إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم . فتلك الهيبة والعظمة المعنوية والعزّة والأخلاق والتقوى والنورانيّة والعلم الوسيع أحدثت هزّة, فمهما سُئل وأيّ شيءٍ طُلب منه كان الأمر بيده، وهو الشيء الّذي ما كان الناس ليروه من قبل.
وصل الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان ومرو وكانت مرو هي مركز تركمانستان الحالية. وبعد سنةٍ أو سنتين، استُشهد الإمام عليه السلام وفُجع الناس. وقد كان مجيء الإمام عليه السلام - وهو المُظهِر لتجلّيات أشياء لم يسمع بها الناس ولم يروها من قبل -وكذلك شهادته - الّتي أدّت إلى فاجعة كبيرة - فقد جعل مجيء الإمام عليه السلام أجواء هذه المناطق أجواء شيعية؛ لا يعني ذلك أنّ الجميع أصبحوا شيعة، لكنّهم أصبحوا محبّين لأهل البيت. ففي هذا الجوّ انكبّ الشيعة على العمل. أنتم ترون كيف أنّه وفجأةً تظهر إقامة الأشعريين في قم. فلماذا جاؤوا؟ فالأشعريون عربٌ، لقد نهضوا وجاؤوا إلى قم وبسطوا فسطاط الحديث والمعارف الإسلامية في هذه المدينة وأسّسوا مركزاً فيها. وكذلك نجد في الريّ من هم أمثال الكليني4. فشخصٌ مثل الكليني، لا يترعرع إلّا في بيئةٍ شيعيّة وبيئةٍ اعتقادية، حتّى يصبح هذا الشاب الكليني بتلك الخصوصيات. وفيما بعد أيضاً، حينما استمرّت هذه الحركة، أنتم ترون الشيخ الصدوق5 كيف أنّه يسافر إلى هرات وخراسان وأماكن أخرى ويبدأ بجمع أحاديث الشيعة، فهذا أمرٌ مهمٌّ جدّاً. فماذا يفعل محدّثو الشيعة في خراسان؟ وماذا يفعلون في سمرقند؟ من يوجد في سمرقند؟ إنّه الشيخ العيّاشي السمرقندي، هو الّذي قيل بشأنه: "في داره الّتي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم"6، كما ورد في كلمات الشيخ الكشّي7. والكشّي نفسه سمقرنديٌّ. لهذا فإنّ حركة الإمام الرضا عليه السلام وفيما بعد شهادته مظلوماً، هي الّتي جعلت مثل هذه ا لأجواء لصالح الأئمّة عليهم السلام ؛ وقد نهض الأئمّة للاستفادة من هذا الأمر. فالرسائل والزيارات المتبادلة الّتي كانت تجري ما كانت تحدث بطريقة عاديّة، بل كانت كلّها تجري في الخفاء، وإلّا لو كانت علنيّةً لكانوا يقبضون على أصحابها ويقطّعون أيديهم وأرجلهم. فهل على سبيل المثال يمكن مع مثل ذلك العنف والقمع الّذي مارسه المتوكّل، ومنع فيه زيارة كربلاء، أن تصل أسئلة الناس إلى الإمام عليه السلام بسهولة، ثم ترجع إليهم الإجابات؟ أو أن تُرسل الحقوق الشرعية إلى الإمام عليه السلام ، ثم يصلهم منه الإيصالات؟ فكلّ هذا دليلٌ على وجود شبكةٍ إعلاميّة وتعليميّة عظيمة لهؤلاء الأئمّة العظماء الثلاثة. وفيما بعد الإمام الرضا عليه السلام وإلى زمن شهادة الإمام العسكري عليهم السلام ، حدثت مثل هذه القضية. فالإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام استطاعا في مدينة سامرّاء تلك، الّتي كانت في الواقع بمثابة معسكر كبير - لم تكن في ذلك الكبر، بل عاصمةٌ حديثة البناء سرورٌ لكلّ من رأى(سُرّ من رأى) حيث يجتمع فيها الرؤساء والأعيان ورجال الحكومة وبعض الناس العاديين الّذين يؤمّنون الحوائج اليوميّة - أن ينظّما كلّ هذه الروابط فيما بين جميع أقطار العالم الإسلامي. عندما ننظر إلى أبعاد حياة الأئمّة نفهم ماذا كانوا يفعلون. لهذا، لم تنحصر القضيّة في تلك الفتاوى الّتي يجيبون بها على أسئلة الناس حول الصلاة والصوم والطهارة والنجاسة. بل كانوا ينطلقون من موقعية الإمام بذلك المعنى الإسلاميّ الخاص به ويتحدّثون وفقه مع الناس. وبرأيي إنّ هذا البعد يمكن الالتفات إليه إلى جانب غيره من الأبعاد. أنتم ترون أنّهم عندما أحضروا الإمام الهادي عليه السلام من المدينة إلى سامرّاء، وقتلوه في سنّ الشباب عن عمرٍ يناهز 42 سنة، أو عندما يقتلون الإمام العسكري في سنّ الـ 28 سنة، فكلّ ذلك دليلٌ على هذه الحركة العظيمة للأئمّة والشيعة وأصحابهم الكبار، عبر التاريخ. ومع أنّ جهاز الحكم كان نظاماً بوليسيّاً ويعمل بشدّة فقد استطاع الأئمّة في مثل هذا الوضع أن يحقّقوا مثل هذه النجاحات. مقصودنا أنّه ينبغي مشاهدة هذه العزّة والعظمة إلى جانب تلك الغربة.(20/02/1382) لا يوجد أيّ زمانٍ شهدت فيه روابط الشيعة وانتشار تشكيلاتهم في كلّ أرجاء العالم الإسلامي مثل زمن حضرة الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام . فوجود الوكلاء والنوّاب، وتلك القصص الّتي تُنقل عن الإمام الهادي عليه السلام والإمام العسكري عليه السلام - مثلاً عندما كان يُحضر له المال والإمام يحدّد ماذا ينبغي أن يُفعل به - دليلٌ على هذا الأمر. أي أنّه بالرغم من الإقامة الجبريّة لهذين الإمام الجليلين في سامرّاء، وقبلهما الإمام الجواد عليه السلام بنحوٍ ما، والإمام الرضا عليه السلام بنحوٍ آخر، فإنّ الارتباط والتواصل مع النّاس كان يتّسع على هذه الشاكلة. وهذه الروابط والتواصل كانت موجودة قبل زمن الإمام الرضا عليه السلام . لكن غاية الأمر أنّ مجيء الإمام إلى خراسان كان له تأثيرٌ كبيرٌ جدّاً في هذه القضية.(18/05/1384) إنّ أئمّتنا وطيلة الـ 250 سنة للإمامة - أي منذ رحيل نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم وإلى زمن وفاة الإمام العسكري - قد لاقوا الكثير من التعذيب والقتل والظلم، وحريٌّ بنا أن نبكيهم، إنّ مظلوميّتهم تستحضر القلوب والعواطف، لكنّ هؤلاء المظلومين قد انتصروا سواءٌ في مقطعٍ من الزمان أو في كلّ هذا الزمان وطوله.(30/05/1383)
1- سورة مريم، الآية: 12.
2- كلستان سعدي.
3- مناقب آل ابي طالب، ج 4، ص 447-337.
4- أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، المعروف بـ "الكليني"، صاحب الكتاب جليل القدر "أصول الكافي"، عاش في النصف الثاني من القرن الثالث والنصف الأول من القرن الرابع الهجري، وتوفي في شهر شعبان من سنة 329.
5- أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بـ "الشيخ الصدوق"، من جملة فقهاء وعلماء الشيعة في القرن الرابع للهجرة. وُلد في السنة 306 للهجرة في مدينة قم. من جملة آثاره الكتاب النفيس "من لا يحضره الفقيه" الذي هو الكتاب الثاني من الكتب الشيعية الأربعة. غادر هذا الفقيه الرفيع الشأن الدنيا في العام 381 للهجرة في مدينة الري.
6- محمد بن مسعود العياشي السمرقندي، يُعتبر من جملة علماء ومفسّري الشيعة المشهورين لأواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للهجرة.
7- محمد بن عمرو بن عبد العزيز المشهور بـ "الشيخ الكشي"، وكنتيه "أبو عمرو"، من الوجوه الّتي سطعت في أواسط النصف الأول من القرن الرابع للهجرة وهو من العلماء المعروفين وأستاذ في علم الرجال والأخبار ومن محدّيثي الشيعة.
|
أكبر الكبائر - 3: شرب الخمر-ترك الصلاة متعمّداً-قطيعة الرحم
بواسطة:أدمن
2:39 م
حرمة شرب الخمر:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾1. أوضحت الآية شدّة خطورة الخمر وحرمته من خلال الأمور الآتية: - قرنه الله تعالى بعبادة الأوثان. - أطلق عليه لفظ (الرجس). - اعتبره من عمل الشيطان الخالص. - أمر الله تعالى اجتنابه، والاجتناب يعني عدم الاقتراب مطلقاً، وهو أشدّ من النهي. - إنّ الخمر من الأمور التي توقع العداوة والبغضاء بين الناس. - يبعد عن ذكر الله تعالى، وتحديداً عن الصلاة، بل ويصدّ عنها، والصدّ أعظم من المنع. وفي بعض الآيات أطلق الله لفظ (الإثم) على الخمر، والإثم يعني الأفعال المُبطِئة عن الثواب، و يأتي الخمر على رأسها. وبعد كل هذه التأكيدات والحصر بعبارة (إنّما الخمر...) يختم الله تعالى الآية بلغة التهديد ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون﴾، وفي الحديث عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "... عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: الخمر حرام بعينه، والمسكر من كلّ شراب، فما أسكر كثيره فقليله حرام"2.ولهذا اتّفقت كلمة المسلمين جميعاً على حرمته، واعتباره من الكبائر. مفاسد شرب الخمر: من الآثار السلبية لشرب الخمر الواردة في النصوص والروايات الشريفة: 1. الخروج من الإيمان: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من زنى خرج من الإيمان، ومن شرب الخمر خرج من الإيمان، ومن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً خرج من الإيمان"3. 2. يورث فساد العقل، وذهاب الحياء، والدَّاء الدفين: روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "وإنّ الله تعالى حرّم الخمر؛ لما فيها من الفساد، وبطلان العقول في الحقائق، وذهاب الحياء من الوجه، وإنَّ الرّجل إذا سكر فربّما وقع على أمّه، أو قتل النّفس التي حرّم الله، ويفسد أمواله، ويذهب بالدِّين، ويسيء المعاشرة، ويوقع العربدة، وهو يورث مع ذلك الدّاء الدّفينَ"4. 3. اللّعن، والحرمان من العلاقة والرَّوابط الاجتماعيّة: روي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "وإيّاك أن تزوّج شارب الخمر؛ فإن زوّجته فكأنما قدت إلى الزِّنا، ولا تصدّقه إذا حدّثك، ولا تقبل شهادته، ولا تأمنه على شيء من مالك؛ فإن ائتمنته فليس لك على الله ضمان، ولا تؤاكله، ولا تصاحبه، ولا تضحك في وجهه، ولا تصافحه، ولا تعانقه، وإن مرض فلا تَعُدْهُ، وإن مات فلا تشيّع جنازته، ولا تصلّ في بيت فيه خمر محصرة في آنية، ولا تأكل في مائدة يشرب عليها بعدك خمر، ولا تجالس شارب الخمر، ولا تسلّم عليه إذا جزت به، فإن سلّم عليك فلا تردّ عليه السلام بالمساء والصباح، ولا تجتمع معه في مجلس؛ فإنّ اللّعنة إذا نزلت عمّت من في المجلس"5. 4. مفتاح كلّ شر: روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرّ أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب..." 6 وعن الإمام الصادق عليه السلام في رواية أخرى قال: "شرب الخمر مفتاح كلّ شرّ"7، وعن الإمامين الباقر والصادق عليه السلام قالا: "إنّ الخمر رأس كلّ إثم"8. 5. الحرمان من شفاعة المعصوم عليه السلام: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته، ولا يرد عليّ الحوض لا والله، لا ينال شفاعتي من شرب المسكر، ولا يرد عليّ الحوض لا والله"9. 6. لا تقبل صلاة شارب الخمر: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من شرب مسكراً انحبست صلاته أربعين يوماً، وإن مات في الأربعين، مات ميتة جاهليّةً، فإن تاب، تاب الله عزّ وجلّ عليه"10. 7. العذاب الأليم في الآخرة: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من شرب النّبيذ على أنّه حلال خُلّد في النّار، ومن شربه على أنّه حرام عُذّب في النّار"11. 8. اسوداد الوجه: وروي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يؤتى شارب الخمر يوم القيامة مسودّاً، وجهه مُدْلَعاً لسانه، يسيلُ لعابه على صدره، وحقٌّ على الله عزَّ وجلَّ أن يسقيه من طينةٍ خبال (أو قال: من بئر خبال)، قال: قلت: وما بئر خبال؟ قال: بئر يسيل فيها صديد الزِّناة"12. ترك الصَّلاة: الصَّلاةُ فريضةٌ واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ، قال تعالى في محكمِ كتابه المجيد: ﴿فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾13، وتركها يُعدّ من الكبائر التي وُصِف مرتكبها بأنّه مشِرك، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشِركين﴾14، فالأمر الإلهي بالصلاة واضحٌ وصريحٌ لا لبس فيه، حتَّى غدت أفضل ما يتوسّل به المتوسِّلون إلى الله، وأوّل ما يحاسب عليه الإنسان عندما يلقاه في الآخرة. سأل معاوية بن وهب الإمام الصادق عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله، فقال عليه السلام: "ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ 15"16. وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قُبِلت قُبِل سائر عمله، وإن رُدّت عليه رُدّ عليه سائر عمله"17. حكم تارك الصلاة متعمّداً: ترك الصلاة عمداً هو من الكبائر المنصوصة، كما ورد التَّصريح بذلك في صحيحة عبد العظيم الحسني المتقدّمة. وحيث إنّ الصلاة في الإسلام من الأحكام الواجبة والضرورية، فإنّ تارك الصَّلاة مع إنكار وجوبها يُعدّ كافراً، وخارجاً من دين الإسلام. أمّا إذا لم يكن منكراً لوجوبها، وكان مؤمناً ومعتقداً بأنّها من الواجبات الشرعية التي حكم بها الله تعالى، ولكن تركه لها إنّما هو عن كسل وإهمال، فإنّ مثل هذا الشخص يُعدّ فاسقاً. والأخبار الواردة في كفر تارك الصلاة ناظرة للصورة الأولى، روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من ترك الصلاة متعمِّداً فقد كفر"18، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "تارك الفريضة كافر"19. وسرّ هذا التشديد في الحكم على تارك الصلاة، أنّ ارتكاب المحرّمات ينشأ غالباً من غلبة الشهوة على الإنسان، ودفعها إيّاه نحو المعصية، كما هو في الزِّنا، أو من سيطرة الغضب عليه، فتدفعه نحو الذنوب العظام والقذف، والقتل وغيرها من الموبقات، أما ترك واجب كالصلاة، فإنّه لا تتدخّل الشهوة ولا الغضب إطلاقا في دفعه نحو ترك الصلاة، بل الأمر منحصر في استخفاف الإنسان بحكم الله، واستحقاره للأوامر الدينية. فلهذا السبب دخل ترك الصلاة في عنوان الكفر بالله. فالاستخفاف بالدين واضحٌ في ترك الصلاة، وأظهر من غيره، فإنّ تارك الزكاة والحج مثلاً، قد ينشأ تركه أحياناً من الحِرص على المال، وترك الصوم يمكن أن ينشأ من شهوة البطن، أمّا في ترك الصلاة فلا يوجد دافع لذلك سوى الاستخفاف بالدين، قال الله تعالى: ﴿وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾20. العواقب الوخيمة لترك الصلاة: ترك الصّلاة من الذّنوب التي جاء الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد، كما في سورة المدثر: ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾21. ويقول تعالى في سورة القيامة: ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾22. ذكر بعض المفسِّرين أنّ معنى "أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى" أي ويلٌ لك، وقد كرّرت هذه الكلمة أربع مرات تأكيداً، أو إشارةً إلى المراتب الأربعة في الهلاك، وهي الهلاك في الدنيا، وعذاب القبر، وأهوال القيامة، والخلود في العذاب. وورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدنيا، وثلات عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث يوم القيامة إذا خرج من قبره. فأمّا اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين. وأمّا اللّواتي تصيبه عند موته:" فأولهن أن يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه. وأمّا اللّواتي تصيبه في قبره: فأولهن يُوكِل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيّق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره. وأمّا اللّواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأوّلهنّ أن يُوكِل الله به ملكاً يسحبه على وجهه، والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه، ولا يزكّيه وله عذاب اليم"23. صلة الرحم وقطيعتها: صلة الرحم هي عبارة عن: "الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارةً بالخدمة، وتارةً بالزيارة، وتارةً بالسلام، وتارةً بطلاقة الوجه، وتارةً بالنصح، وتارةً بردّ الظلم، وتارةً بالعفو والصفح، وغير ذلك من أنواع الصلة، على حسب القدرة، والحاجة، والمصلحة"24. وقطيعة الرحم هي خلاف صلته، والمقصود بها: هجر القريب، وترك وصله، والإحسان إليه. وهناك أحكامٌ عديدة ومتفرّقة تتعلّق بالأرحام، من أهمّها: حرمة قطيعة الرحم ووجوب صلتها، باتفاق جميع الفقهاء، ولذا أوصت الشريعة بالأرحام، داعيةً إلى صلتها، محرِّمةً بأشدّ التعابير قطيعتها. قطيعة الرحم في القرآن: صلة الرحم واجبةٌ على المسلم، وقطيعته من الكبائر، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن قطيعة الرَّحم، فقال في محكم كتابه الكريم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ﴾25. والآيات القرآنية التي تحدّثت عن صلة الرحم وقطيعته توزّعت على عنوانين: العنوان الأول: صلة الرّحم، ويفهم منه بالملازمة حرمة قطيعة الرَّحم. العنوان الثاني: الآيات التي تحدّثت بشكلٍ مباشرٍ عن قطيعة الرَّحم. من الآيات المرتبطة بصلة الرحم: قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشِركوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾26. ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾27. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾28. قطيعة الرحم في الروايات: فيما يلي بعض الآثار السيئة لقطع الرحم، كما جاءت في الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، أهمّها: 1. سبب لتعجّل الفناء: سمع ابن الكوّاء أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء، فقال ابن الكوّاء: يا أمير المؤمنين، أيكون ذنوب تعجّل الفناء؟ قال عليه السلام: نعم، قطيعة الرحم، إنّ أهل بيت يكونون أتقياء، فيقطع بعضهم بعضاً، فيحرمهم الله، وإنّ أهل بيت يكونون فجرةً، فيتواسون، فيرزقهم الله"29. 2. سبب لقطيعة الله: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "الرّحم حبلٌ ممدود من الأرض إلى السّماء، يقول: من قطعني قطعه الله، ومن وصلني وصله الله"30، وفي حديثٍ آخر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "قال الله تعالى: أنا الرّحمن، خلقت الرّحم، وشققت لها اسماً من أسمائي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته"31. 3. سبب لقِصَر العمر: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "إنّ ملكاً من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاث سنين، ووصل رحمه، فجعلها الله ثلاثين سنة، وإنّ ملكاً من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاثون سنة، فقطع رحمه، فجعله الله ثلاث سنين، فقال: هذا الذي قصدت، والله لأصلنّ اليوم رحمي، ثمّ سرّحنا إلى أهلنا سراحاً جمِيلًا"32. 4. الحرمان من الجنة: روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إنّ في الجنة درجة لا يبلغها إلا إمام عادل، أو ذو رحم وصول، أو ذو عيال صبور"33، وعنه عليه السلام أيضاً قال:"إنّ الله خلق الجنّة فطيّبها، وطيّب ريحها، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، فلا يجد ريحها عاق، ولا قاطع رحم"34. 5. العذاب في الدنيا: روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "في كتاب علي عليه السلام: ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبداً حتَّى يرى وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لَصلة الرحم..."35. أسباب قطيعة الرحم: هناك أسباب متعدّدة قد تؤدّي إلى قطع الرحم، نذكر منها: 1. عدم المعرفة: فالجهل وعدم المعرفة بعواقب قطيعة الرحم وآثارها الدنيوية والأخروية العاجلة والآجلة، سبب أساس لقطيعة الأرحام، كما إنّ الجهل بأهميّة صلة الرحم وآثارها العاجلة والآجلة قد يؤدّي إلى تقصيرٍ في القيام بحقّ الصلة. 2. الكِبْر: التكبّر - كما مر - هو أحد المنابع الرئيسة للذنوب، ومنها قطيعة الرحم، فبعض الناس إذا نال منصباً رفيعاً، أو حاز مكانةً عالية، أو كان تاجراً كبيراً تكبّر على أقاربه، وأنِف من زيارتهم والتودّد إليهم، بحيث يرى أنّه صاحب الحق، وأنّه أولى بأن يزار ويؤتى إليه. 3. الانقطاع الطويل: هناك من ينقطع عن أقاربه فترةً طويلةً، وبدون أيّ مبرِّرٍ، فيصيبه من جرّاء ذلك وحشةٌ منهم، فيبدأ بالتَّسويف بالزِّيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكليّة، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد. 4. قلّة الاهتمام بالزَّائرين: بعض النَّاس من طبعه وعادته التَّقليل من شؤون الآخرين، فإذا زاره أقاربه لم يبدِ لهم الاهتمام، ولم يصغِ لحديثهم، بل تجده معرضاً مشيحاً بوجهه عنهم إذا تحدّثوا، لا يفرح بمَقْدَمِهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكلِّ تثاقلٍ وبرودٍ؛ ممّا يقلِّل رغبتهم في زيارته. 5. عدم تحمّل الأقارب والصبر عليهم: بعض النَّاس لا يتحمَّل أدنى شيءٍ من أقاربه، فبمجرّد أيّ هفوة، أو زلّة، أو عِتابٍ من أحدٍ من أقاربه يبادر إلى القطيعة والهجر. 6. النميمة والإصغاء إليها: من الناس من دأبه وديدنه إفساد ذات البين، فتجده يسعى بين الأحبّة؛ لتفريق صفِّهم، وتكدير صفوهم، فكم تقطّعت من أواصر، وكم تفرّق من شمل، بسبب الوشاية والنَّميمة، فكانت سبباً حقيقياً لقطع الأرحام. علاج قطيعة الرّحم: تقدَّم الكلام في القطيعة، وأضرارها وأثارها المدمِّرة على الفرد والمجتمع، وأنّها توجب الابتعاد عن الله تعالى في الدنيا والآخرة، وبيان بعض الأسباب الموجبة للقطيعة، وأن يعرف بأن قطيعة الرحم هي ترك الواجب كالعبادات المفروضة، فإذا كان الأمر كذلك، فعلى المؤمن أن يحذر قطيعة الرحم، وأن يتجنّب الأسباب الداعية إليها، ويسعى في علاجها، وأن يصل الرحم، وأن يعرف عظيم شأن الرحم، ويتحرى أسباب وصلها، ويرعى الآداب التي ينبغي مراعتها مع الأقارب.
* كتاب مآب المذنبين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1-المائدة:90-91
2- الكافي، ج6، ص408. 3- أصول الكافي، ج2، ص 278. 4- بحار الأنوار، ج63، ص491. 5 - بحار الأنوار، ج63، ص491. 6-الكافي،ج2ص339 7-الكافي،ج6ص403 8-الكافي،ج،6ص402 9-الكافي، ج6، ص400. 10-الكافي، ج6، ص400. 11-الكافي، ج6، ص398. 12-الكافي، ج6، ص396. 13-النساء، 103. 14- الروم، 31. 15 - مريم، 31. 16 - الكافي، ج3، ص264. 17 - وسائل الشيعة، ج4، ص34. 18 - بحار الأنوار، ج30، ص673. 19 - وسائل الشيعة، ج4، ص59. 20-المائدة، 58. 21- المدثر، 40- 46. 22 - القيامة، 31 - 35. 23- بحار الأنوار، ج80، ص21. 24- القاموس الفقهي، صلة الرحم، ص145. 25- محمد، 2. 26- النساء، 36. 27 - الأنفال، 75. 28- النساء، 1. 29 - موسوعة أحاديث أهل البيت، ج4، ص52. 30 - مستدرك الوسائل، ج15، ص242. 31 - مستدرك الوسائل، ج15، ص242. 32- بحار الأنوار، ج47، ص187. 33 - بحار الأنوار، ج71، ص90. 34 - بحار الأنوار، ج29، ص96. 35 - أصول الكافي، ج2، ص347. 36 - صحيفة الإمام الخميني، ج20، ص221. |
بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي النقي الهادي (عليه السلام)
بواسطة:أدمن
10:00 ص
بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي النقي الهادي (عليه السلام)
#الإمام_الخامنئي:
لقد ذهب الإمام علي النقي الهادي عليه السلام إلى قصر المتوكّل بنظرة إنسان مكافح وحوّل مجلس شرابه إلى مجلس للروحانية والمعنوية. أي أنه غلبه، إلى أن قام المتوكل عند انتهاء حديثه بإحضار العطر للإمام وتوديعه باحترام.
في مواجهة كان مطلق شرارتها خليفة مقتدر ومتشدد، شنّ الإمام الهادي حربا نفسية؛ مواجهة لا ينفع فيها السيف والرمح.
٢١/٩/٢٠٠١
#الإمام_الخامنئي:
لقد ذهب الإمام علي النقي الهادي عليه السلام إلى قصر المتوكّل بنظرة إنسان مكافح وحوّل مجلس شرابه إلى مجلس للروحانية والمعنوية. أي أنه غلبه، إلى أن قام المتوكل عند انتهاء حديثه بإحضار العطر للإمام وتوديعه باحترام.
في مواجهة كان مطلق شرارتها خليفة مقتدر ومتشدد، شنّ الإمام الهادي حربا نفسية؛ مواجهة لا ينفع فيها السيف والرمح.
٢١/٩/٢٠٠١
سنن النبي (ص) في علاقات المجتمع الإنساني
بواسطة:أدمن
9:56 ص
و كان من أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أنه:
1: خافض الطرف ينظر إلى الأرض، ويغض بصره بسكينة وأدب، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء لتواضعه بين الناس، وخضوعه لله تعالى.. كأن على رأسه الطير.
2: يبدر من لقيه بالسلام، يبادر إلى التحية لأن السلام قبل الكلام، وهو علامة التواضع.. وللبادئ بالسلام تسعةً وستون حسنة، وللراد واحدة.
3: لا يتكلم في غير حاجة، إذا وجد مناسبة لكلامه كالنصيحة والموعظة والتعليم والأمر والنهي.. وإلا سكت، ويتحرج من الكلام كما يتحرج من الميتة..
4: تعظم عنده النعمة، وإن دقت، لا يذم منها شيئاً، فيشكر النعم ولا يحتقر شيئاً منها، مهما كان قليلاً ولا يذمها لأنها من الله تعالى.
5: جل ضحكه التبسم، فلا يقهقه ولا يرفع صوته كما يفعل أهل الغفلة..
6: ويقول: " أبلغوني حاجةَ منْ لا يقدرُ على إبلاغ حاجته "،حتى لا يكون محجوباً عن حاجات الناس، ويقضيها إن استطاع..
7: يتفقد أصحابه، مطمئناً عنهم..
8: ويسألُ الناس عما في الناس، ليكون عارفاً بأحوالهم وشؤونهم..
9: ولا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، كالاستغفار والتهليل والدعاء.. فإنها كفارة المجلس..
10: ويجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، فهو أقرب إلى التواضع وأبعد عن هوى النفس..، ويصلي الله سبحانه عليه وملائكته حتى يقوم.
11: ويكرم كل جلسائه نصيبه، فلا يكون الإكرام على حساب الآخر.
12: ومن سأله حاجتاً لم يرجع إلا بها وميسور من القول، فإن قدر عليها قضاها له، وإلا أرجعه بكلمة طيبة ودعاء ونصيحة وإرشاد.
13: ولا ترفع الأصوات في مجلسه صلى الله عليه وآله وسلم، وفوق صوته صلى الله عليه وآله وسلم وجهراً، بل الأدب غض الصوت، قال الله سبحانه (واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
14: يترك المراء، والمراء هو الطعن في كلام الآخرين بقصد التحقير والإهانة ولإظهار التفوق والكياسة، وسببه العدواة والحسد ويسبب النفاق ويمرض القلب.
15: ويترك ما لا يعنيه، فلا يتدخل ويقحم نفسه فيما ليس له.
16: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا تكلم أنصت الحضور له، فإذا سكت تكلموا، دون مزاحمة، وأنصت بعضهم لبعضهم الآخر.
17: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يقطع على أحد كلامه، حتى يفرغ منه.
18: وكان صلى الله عليه وآله وسلم، يساوي في النظر والاستماع للناس.
19: وكان صلى الله عليه وآله وسلم أفصح الناس منطقاً، وأحلاهم ويقول "أنا أفصح العرب وإن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وآله وسلم".
20: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم بجوامع الكلم، بما يلزم فلا فضول مضر، ولا إيجاز مخل.
21: وسمع يقول: "بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها"، وكلما ازدادت أخلاق المرء كلما اقترب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر.
22: وكان صلى الله عليه وآله وسلم أشجع الناس، وكان ينطلق إلى ما يفزع الناس منه، قبلهم، ويحتمي الناس به، وما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه.
23: وكان صلى الله عليه وآله وسلم كثير الحياء، أشد من العذراء في سترها.
24: وجاءه ملك ذات يوم وقال: "يا محمد إن ربك يقرئك السلام وهو يقول إن شئت جعلت لك بطحاء مكة، رضراض ذهب، الرضراض ما صغر ودق من الحصى فقال صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن رفع رأسه إلى السماء يا رب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك".
25: وكان يبكي حتى يبتلى مصلاه، خشيةً من الله عز وجل من غير جرم.
26: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة، يقول: "أتوب إلى الله"
27: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اشتد وجده (الحزن والفرح الشديد) أكثر من لحيته الكريمة.
28: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم.
29: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ويصافح الغني والفقير.. ولا يحتقر مسكيناً لفقره.. ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير، وكبير وصغير.
30: وكان صلى الله عليه وآله وسلم جميل المعاشرة، بساماً من غير ضحك.
31: وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينظر في المرآة، ويتمشط … وربما نظر في الماء ليتجمل لأصحابه فضلاً عن تجمله لأهله، وقال: " إن الله يحب من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيأ لهم ويتجمل ".
32: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلم على الصغير والكبير.
33: وما خُير صلى الله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا أخذ بأشدهما، ترويضاً لنفسه على مخالفة الهوى وركوب المصاعب.
34: وما أكل متكئاً قط حتى فارق الدنيا،تواضعا لربه تعالى.
35: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل، أكل مما يليه … وإذا شرب، شرب ثلاثة أنفاس، فيشرب أولاً ثم يحمد الله تعالى ويتنفس، يفعل ذلك ثلاث مرات.
36: وكان يمينه لطعامه، وشماله لبدنه … وكان يحب التيمن في جميع أموره.
37: وكان صلى الله عليه وآله وسلم نظرُهُ اللحظ بعينه، النظرة السريعة بطرف العين إلى اليمين واليسار التي لا تحرج ولا تُخجل الآخرين، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُقسم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية.
38: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
39: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
40: وكان صلى الله عليه وآله وسلم لتواضعه، يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، فيضعه في حجره إكراماً لأهله، وربما بال الصبي، فيصيح بعض من رآه، فينهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك..قائلا: "لا تزرموا (تقطعوا) بالصبي حتى يقضي بوله.. ويكمل له الدعاء والتسمية فإذا انصرف القوم، غسل ثوبه".
41: وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يدعُ أحداً يمشي معه إذا كان راكباً، حتى يحمله معه، فإن أبى، قال:"تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد".
42: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام، سأل عنه، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده.
43: وخدم أنس النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسع سنين، فلم يقل صلى الله عليه وآله وسلم له أبدا: هلاّ فعلت كذا ؟ ولمَ فعلتَ كذا ؟ ولا عاب عليه شئ قط.. فإذا لام نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال دفاعاً عنه: "دعوه، إنما كان هذا بكتاب وقدر".
44: ولقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الجميع بكنُاهُم إكراماً لهم، واستمالةً لقلوبهم: الأصحاب، ويكني من لا كنية له، والنساء، اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن، والصبيان ليستلين قلوبهم.
45: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته، يقدمها له إكراماً لضيفه وطمأنةً لنفسه، فإن أبى أصر عليه حتى يقبل.
46: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ في طريق، ذهب فيه، رجع في غيره، ذهب في طريق ورجع من آخر، وهكذا كان بفعل حفيده مولانا الرضا عليه السلام ويأمر بفعله.
47: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج بعد طلوع الشمس، لأن الجلوس للتعبد والدعاء والذكر بين الطلوعين أفضل من طلب الرزق.
48: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل، قعد عند أول مكان يجد من طرف دخوله.
49: وما كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العباد بكنه عقله أبدا، وقال: "إنا معاشر الأنبياء، أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم" ولم يكن هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا لحسن خلقه وتواضعه ورأفته بالناس.
50: وكان صلى الله عليه وآله وسلم كثير الضراعة والابتهال إلى الله تعالى، دائم السؤال من الله تعالى أن يُزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، وكان يقول في دعائه: "اللهم حسن خُلقي" ويقول: "اللهم جنبني منكراتِ الأخلاق".
51: وكانت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم مداعبة، وذلك رأفةٌ منه لأمته، لكيلا يبلُغ بأحدٍ منهم التعظيمُ له، فلا ينظرُ إليه، حذراً من المبالغة في التقديس، فيقولون قولاً عظيماً، نعوذ بالله تعالى، كما هو شأنُ النصارى في عبدالله عيسى بن مريم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم ليُسرُ الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة.
52: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُخاطب جلساءَ ه بما يناسب. فعن زيد بن ثابت، قال: كنا إذا جلسنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم إنْ أخذنا في حديث في ذكر الآخرة، أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الدنيا، أخذ معنا، وإنْ أخذنا في ذكر الطعام والشراب، أخذ معنا.
53: ولم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم خائنة الأعين، النظرة الخائنة إلى ما لا يحل، والغمز بالعين، والرمز باليد.
54: وإذا لقي صلى الله عليه وآله وسلم مسلماً بدأ بالمصافحة.
55: وقال صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاق النبيين: "أكرم أخلاق النبيين والصديقين، البشاشة إذا تراءوا، والمصافحةُ إذا تلاقوا".
56: ومن سنته صلى الله عليه وآله وسلم إذا حدثْتَ قوماً، أن لا تُقبلَ على رجلٍ واحدٍ من جلسائك ولكن اجعلْ لكلٍ منهم نصيباً.
57: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخيطُ ثوبه، ويخصف نعله، وكان أكثر عمله في بيته الخياطة.
58: وفي دقة أمانته صلى الله عليه وآله وسلم، نقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤدي الخيط والمخيط، يرجعها إلى أصحابها، ولو كانت خيطاً وإبرةً، ولا يتهاونُ في ذلك.
59: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه الضيف أكل معه، ولم يرفع يده من الخوان (السفرة) حتى يرفع الضيف يده، أي لا يمتنع عن الطعام وضيفه يأكل لوحده، لئلا يستوحش ويخجل ويكف وهو لم يشبع بعد.
60: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا يناظر اليهود والمشركين، إذا عاندوه، ويدحض أقوالهم فعل ذلك مراراً كثيرة.
61: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سئل شيئاً، فإذا أراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، ولا يقول لشئ لا.
62: وكان أصحابه إذا أتوا إليه جلسوا حلقةً، بشكل دائرة كالعقد، ويكمل واحدهم الآخر.
63: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا، حتى لا يؤخذ به ويستغرق فيه.
64:و كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أحزنه أمرٌ فزع إلى الصلاة، لجأ إليها، وكان يحب الخلوة بنفسه للذكر والتفكر والتأمل ومراجعة أمره.
65: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخصف النعل (يخرزها لإصلاحها) ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويطحن مع الخادم إذا أعيى (يعينه إذا تعب).
66: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يضع طهوره بالليل بيده، يهيئ ماء وضوئه بنفسه لقيامه وتهجده في الليل، ولا يطلب من ذلك من أحد.
67: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يخدم في مهنة أهله، يقوم بأعمال أزواجه معيناً لهم في شؤونهم، ويقطع اللحم.
68: وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يُثبتُ بصرهُ في وجه أحد، محدقا به.. حتى يأمن ويستأنس.
69: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يلبسُ خاتمَ فضة في خنصره الأيمن، ويستاك عند الوضوء، منظفاً أسنانه، ويشيع الجنائز، ويعودُ المرضى في أقصى المدينة.
70: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم، ولا يجفوا أحداً يقبل معذرة المعتذر إليه.
71: وكان أكثر الناس تبسماً، ما لم تجرِ عظةٌ، ما لم يجرِ إلى التطرق إلى الموعظة فلا يناسبها التبسم، وربما ضحك من غير قهقهة.
72: وكان من أدبه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة ؟
73: وكان صلى الله عليه وآله وسلم في الرضا والغضب لا يقول إلا حقاً.
74: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين".
75: وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا حدّث الحديث وسئل عن الأمر كرّره ثلاثاً ليفهم، المستمع والسائل ويُفهم عنه، عند نقله للحديث والإجابة إلى قومه.
76: وكانت تحية أصحابه له صلى الله عليه وآله وسلم "أنعم صباحاً وأنعم مساءً" وهي تحية أهل الجاهلية، فأنزل الله سبحانه (وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحَّيِك به الله)(المجادلة:8) فقال لأصحابه: "قد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة، (السلام عليكم)".
77: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نسي الشيء وضع جبهته في راحته، (باطن كفه) ثم يقول: "اللهم لك الحمدُ، يا مذكرَ الشيء وفاعله، ذكرني ما نسيتُ".
78: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجعل فص خاتمه في بطن كفه، وكان كثيراً ما ينظر إليه.
79: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصافح النساء، فكان إذا أراد أن يُبايع النساء أتى بإناءٍ فيه ماءٌ فغمس يده، ثم يخرجها ثم يقول: " اغمسن أيديكن فيه فقد بايعتكن ". ومن جملة ما يأخذ، يعاهد، على النساء في البيعة: أن لا يُحدثنَ من الرجال إلا ذا محرم.
80: ومن سنُته صلى الله عليه وآله وسلم القرض، تسليم الشيء بشرط إرجاع مثله، والعاريةُ، أخذ الشيء للاستفادة منه، كالآنية مثلاً، ثم إرجاعه، وقرى الضيف، تكريمه والاهتمام به.
81: ومن سنته صلى الله عليه وآله وسلم الإكثار من "لا حول ولا قوة إلا بالله".
82: ومن السنة تمشيط الشعر وتقليم الأظافر، والتخلص من شعر الإبط والعانة.
83: ومن السنة الشريفة دفنُ الشعر والظُفر والدّم.
84: وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكتحلُ بالإثمد (نوع من الكحل موجود في الحجاز) قبل أن ينام.
85: وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يُعرضُ له طيب إلا تطيب … ومنه المسك والعود (نوع من الطيب متوفر في بلاد الحجاز يباع) وأصناف الطيب المختلفة.
86: وإذا كان يوم الجمعة، ولم يكن عنده طيب، دعا ببعض خُمُر نسائه، فبلّها في الماء ثم وضعها على وجهه الشريف.. ومن السنة التطيب يوم الجمعة، وتكتب حسناته ما دامت الرائحة موجودة.
87: وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُقلم أظفاره ويقص شاربيه يوم الجمعة، قبل أن يخرج إلى الصلاة.
88: وكان صلى الله عليه وآله وسلم من أحب الهدايا إليه الطيب.
89: وقال صلى الله عليه وآله وسلم "المساجد مجالس الأنبياء" ومن السنة إذا دخلت المسجد أن تستقبل القبلة.
* أخلاق النبي(ص)، السيد سامي خضرة.
|
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)