اهلا وسهلآ بكم لبيك يا حسيــــــــــــن

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

القسم المتوفر فيها الموظوع :

لماذا نقلِّد؟


لماذا نرجع إلى الفقيه نتَّبعه في ما فهمه من أحكام الإسلام؟

إنّ الجواب عن هذا السؤال يجرُّنا إلى التساؤل الأساس عن سرِّ خلق الإنسان، والذي يجده الإنسان في أعماق وجدانه، إذ كلّ إنسان منذ صغره، يعشق الكمال، بل يسعى نحوه.

وفي تحليل حركة الإنسان، منذ نعومة أظفاره، نجده يسعى نحو هدف يعتقده كماله، فالصغير في بداية نشأته قد يعتقد أنّ كماله يتحقّق حينما يحبو فيسعى جاهداً نحو الحبو، وحينما يحبو يعرف أنّ الحبو ليس كماله، فيسعى نحو المشي لعله يحقّق من خلاله كماله فيمشي. لكنّه يُدرك بعد ذلك أنَّه لم يحقّق الكمال المنشود. حينها ينشد أمراً آخر لعلّ به يكون كماله. وقد يرى أنّه النطق والتكلّم فيسعى نحوه فيتكلَّم، وقد يصبح فصيحاً، لكنّه يشعر أنّ نار عشق الكمال ما زالت تلتهب في داخله.

هنا قد يجعل له قدوة يظنّ كماله يتحقّق حينما يصبح مثلها.

وقد يكون القدوة أباه أو معلِّمه أو قائداً... ويصل إلى مستوى قدوته أو أعلى منه، لكنّه يشـعر بذلـك الظمأ نحو الكمال أنّه ما زال في داخله.

غاية الخلق واشتباه الكبار

ويستمرّ الإنسان كبيراً يبحث عن كماله:

٭ فيظنّ البعض أنّ المال يحقّق الكمال فيصبح أغنى الأغنياء، لكنّه يشعر بالفقر الداخليّ.

٭ ويظنّ البعض أنّ السلطة تُحقِّق كمالهم فيَصِلُون إليها، لكنّهم يشعرون بالذلّ الداخليّ.

٭ ويظنّ البعض أنّ الجاه يحقّق كمالهم فيَصلُون اليه لكنهم يشعرون بذلك الجوع المعنوي أنّه ما زال موجوداً في داخلهم. هنا يعرف الإنسان، بفطرته السليمة، أنّه يسعى نحو الكمال المطلق الخالي من كلّ عيب ونقيصة، وأنّ كلّ ما ظنّه الكمال كان خداعاً، لأنّ الكمال المطلق ليس في تلك الماديّات التي كان يسعى إليها بل الكمال المطلق يعرفه الإنسان بفطرته، كيف وهو بارئ تلك الفطرة وخالقها.

يقول إمام الأمّة الراحل الخمينيّ قدس سره: "فيا أيّها الهائمون في وادي الحَيْرة، والضائعون في صحاري الضلالات، بل ايّتها الفراشات الهائمة حول شمعة جمال الجميل المطلق، ويا عشّاق الحبيب الخالي من العيوب، والدائم الأزليّ، عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة، وتصفَّحوا كتاب ذاتكم، لترَوْا أنّ الفطرة الإلهيّة قد كُتبت فيه بقلم القدرة ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ"1.

إذاً كمال الإنسان يتحقّق حينما يسير على طريق الكمال المطلق، وهو وإن كان لا يمكن له الوصول إلى المطلق لفقره الذاتيّ، لكنّه يقترب منه ليحقّق كماله الإنسانيّ كما صوّر القرآن الكريم كمال سيّد بني البشر بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى2.

وعليه فالكلام كلُّ الكلام هو كيف يُحسن الإنسان السير في طريق كماله؟

دور التقليد في تحقيق كمال الإنسان

وهنا يأتي دور التقليد، لأنّ لهذه الطريق قوانين قد حدَّدها خالقها، والإنسان بقدراته العقليّة ووسائله الأخرى، لا يستطيع معرفة هذه القوانين التي نُظِمَت لصالح الإنسان في دنياه وآخرته، وفي جسده وروحه، وفي فرده ومجتمعه.

لذا كانت الحاجة إلى الأنبياء والرسل ليبيّنوا لنا معالم هذه الطريق وقوانينها فنهتدي بها أثناء سيرنا فيها.

وكانت رسالة الإسلام حاملة القوانين الخالدة لمسيرة الإنسان. ومع غياب صاحب الشريعة الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وغيبة آخر مبيِّن لها عجل الله تعالى فرجه الشريف كانت الحاجة ماسَّة ليقوم ثُلّة من الناس يدرسون هذه القوانين ليعرِّفوها للناس، وذلك لعدم إمكانيّة الدراسة المباشرة من كلّ الناس لمصادر هذه القوانين. وهؤلاء الدارسون الواصلون إلى معرفة تلك القوانين هم الفقهاء.

ومن لم يستطع الوصول إلى معرفتها عن طريق الدراسة كان أمامه باب لمعرفة قوانين الشريعة عبر الاعتماد على هؤلاء الفقهاء، وهذا الباب يسمّى "التقليد".

لذا فالتقليد الذي هو اتباع للفقهاء الذين درسوا ووصلوا إلى معرفة قوانين الله في حياة الإنسان هو المعتَمَد لمعرفة القوانين للعبور في طريق الكمال.
لماذا نقلد؟ الشيخ أكرم بركات.

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص7 (والآية في سورة الأنعام رقم 97).
2- سورة النجم، الآية/8.

المشرف : الشيخ ابو علي الفاطمي @@ 2015 @@

Designed by Templateism